أنا امرأة من أصل مسيحي، متزوجة من رجل مسلم ملتزم، أحاول منذ بدء زواجنا – أي من حوالي خمسة أشهر – أن أتعرف أكثر على الدين الإسلامي، ولكنني – وبحسب رأيي الخاص – أصطدم دائما بأفكار لا تتوافق مع قناعتي الشخصية، وخاصة من ناحية المرأة في الإسلام، وفيما يلي بعض منها:
يقال إن هناك مساواة بين المرأة والرجل في الإسلام، وفي الوقت نفسه نرى المرأة لا تستطيع القيام بأي عمل سواء أكان صغيرا أم كبيرا إلا بعلم زوجها، مع أن للزوج الحق الكامل والتام في الذهاب أينما يريد والقيام بأي عمل كان (في الحدود الشرعية طبعا) دون حتى إعلام زوجته أو أخذ رأيها في الموضوع، وإذا صادف لها أن سألته فإن له الحق الكامل في عدم إطلاعها.
ومن ناحية المساواة أيضا أقرأ أو أسمع عن حقوق الزوج وحقوق الزوجة فلا أجد أي نسبة من المساواة بينهما، ففي واجبات الزوج تجاه زوجته لا أجد سوى الحقوق المدنية التي تطبق في أغلبية الأديان الأخرى، وتتلخص في المعاملة الطيبة وتأمين مصاريف المنزل الواجبة عليه، بينما على المرأة كل ماعدا هذه الواجبات المتلخصة في الاهتمام بالمنزل والأولاد والزوج، كما يجب عليها أشياء أخرى كثيرة منها:
في حال حدوث أي خصام سواء أكان صغيرا أم كبيرا فعلى المرأة أن تكون هي المبادرة دائما إلى المصالحة.
وعليها ألا تبيت في فراشها مع وجود هذا الخصام وإلا لعنتها الملائكة، دون الاهتمام بمشاعر هذه المرأة، وبما إذا كانت تشعر بالمهانة من جراء هذا الخصام، ويحتجون على ذلك بأن المرأة لها قدرة أكثر على الاحتمال، وبأن الرجل يعمل في الخارج ويتحمل ضغوط العمل، متجاهلين أن المرأة تتعرض لضغوط نفسية وبيتية، وفي كثير من الأحيان مالية (بسبب الأوضاع الاقتصادية) مثلها مثل زوجها.
وفي حالة إذا دعاها إلى الفراش يجب عليها أن تلبي حاجته بغض النظر عن وضعها الجسدي أو النفسي، بينما لا يوجد أمر شرعي يجبر الزوج على تلبية رغبة زوجته، وكأن المسألة مسألة عرض وطلب ومسألة جسدية فقط، لا دخل للأحاسيس فيها.
ومن ناحية الثياب والعورة نجد أن عورة الرجل بوجود النساء هي نفسها بوجود الرجال (من السُّرَّة إلى الركبتين)، بينما المرأة يجب عليها أن تتحمل الحر والعرق بسبب اللباس الشرعي المفروض عليها، وإلا حرمت من الجنة، معللين ذلك بأن جسد المرأة مليء بالفتن والإغراءات، وإذا قلنا: إن جسد الرجل بالنسبة للمرأة -خاصة من ناحية الصدر- مغر أيضا، تكون الإجابة أن على المرأة أن تغض البصر، هكذا نجد أن المشكلة دائما هي المرأة؛ فهي التي يجب أن تخفي كل جسدها دون الوجه والكفين، وألا تكون سبب فتنة للغير، وهي التي يجب أن تغض البصر، بينما لا يفرض على الرجل إلا ستر جسده من السرة إلى الركبتين وغض البصر فقط.
ويستطيع الرجل أن يلبس -علنا وأمام الجميع- كل ما يحلو له عدا الذهب والحرير، وبإمكانه أن يتبع الموضة وأن يتعطر بأفضل الروائح، سواء داخل البيت أم خارجه، بينما المرأة لا تستطيع أن تلبس شيئا من الموضة الرائجة إلا لزوجها فقط، فأين المساواة في ذلك؟! فإما أن تكون الثياب والتعطر هما مصدر فتنة عند الرجال والنساء، وإما لا؟!! فإذا كان الرجل يلبس الثياب الجميلة، ويتعطر بأفضل الروائح ليرضي نفسه، فكذلك تفعل المرأة، وإذا كانت المرأة مصدر شهوة وإغراء للرجل بثيابها وعطرها، فكذلك الرجل للمرأة، فالاثنان يملكان الأحاسيس نفسها، ويتأثران بالطريقة ذاتها سواء من ناحية النظر أم من ناحية الشم (أنا لا أدعو للعري، ولا أن تكون النساء كاسيات عاريات، ولكن هناك الكثير من الثياب التي تستر المرأة، وتبقيها على اتصال دائم بالموضة).
أما تعدد الزوجات، فللزوج الحق في الارتباط بأكثر من امرأة، وله الحق في عدم إخبار زوجته الأولى بوجود زوجة أخرى، وله الحق الشرعي في إسكانهما معا في نفس المنزل، مع الحرص طبعا على المساواة بينهما، وهذا قمة عدم المساواة في نظري! فهل هو متزوج من امرأة مليئة بالأحاسيس أم من امرأة مليئة بالمعادن الصلبة والمتحجرة؟!..
سمعت وقرأت عن أسباب الزواج من امرأة أخرى، ولم أجد سوى سبب مقنع واحد هو عدم قدرة المرأة على الإنجاب، أما عن النواحي والأسباب الأخرى فكلها تصب في مصلحة الرجل فقط، مثل:
البعض يدعي أن زوجته عندها برود جنسي، وهو لديه متطلبات كثيرة ويريد أن يلبي هذه المتطلبات على الطريقة الشرعية، أي بالزواج من امرأة أخرى، مع أننا نجد مع تقدم العلم أن هناك علاجات متطورة جدًا وقد قدمت نتائج باهرة في هذا المضمار، فبدلاً من أن يأتي بامرأة أخرى وينغص عيش زوجته الأولى لماذا لا يقف إلى جانبها ويحاولان مع بعضهما البعض حل هذه المشكلة؟!
البعض الآخر يدعي أنه في حالة سفر دائم، وأثناء سفره الطويل إلى الخارج يجب أن يلبي حاجته الجنسية بطريقة شرعية، ولكي لا يقع في الحرام يحق له أن يتزوج من امرأة أخرى، بينما في نفس الوقت نجد أن المرأة تعاني من هذا النقص الجنسي بسبب غياب زوجها، ولكن الفرق هو أنها يجب عليها أن تنتظر غيابه فقط (أنا لا أدعو هذه المرأة إلى خيانة زوجها، ولكن أدعو هذا الرجل إلى الصبر، وأخذ المثل من زوجته التي تنتظره في بيت الزوجية على أحر من الجمر، وهناك كثير من الطرق التي تعزز قوة الصبر والاحتمال عند كلا الطرفين، خاصة إذا وجد الحب والمعاملة الطيبة والمودة والرحمة) ففي نظري – بما أن الإنسان يختلف عن الحيوان من ناحية الغريزة – أن الإنسان خاصة المؤمن الذي يصلي يستطيع أن يتحكم في شهواته، ويسيطر على جماح رغباته، وهناك أدلة كثيرة على ذلك في جميع الأديان.
وكتلخيص لكل الحجج التي وردت في حق الرجل في الزواج من أكثر من امرأة أجد نفسي كأنني أقف أمام أشخاص مليئين بالجنس والشهوة، ويقومون بعملية الجنس بطريقة خالية من الأحاسيس والحب.
ولا نقف عند هذه الحدود ففي الجنة أيضا تعدد للزوجات، ويستطيع العبد أن يحصل على سبعين امرأة، فأين العدل في ذلك؟! وإذا كانت الأسباب الموجودة في المرأة على الأرض -كالحيض والولادة وغيرهما- التي تؤجل عملية الاتصال الجنسي بين الرجل وامرأته غير موجودة في الجنة، فما الحاجة إلى وجود أكثر من امرأة للرجل الواحد؟! أنا لا أحمل سيف النقمة على الإسلام، ولكني أريد أجوبة شافية ومقنعة للأفكار التي أعاني منها وتقلق حياتي، فإن أكثر ما أتعبني في الدين المسيحي كلمات: "هكذا مطلوب منك أن تفعل، وهكذا موجود في الإنجيل أن تفعل، وهكذا.. وإلا فمصيرك جهنم" لقد سئمت هذه الكلمات بالفعل وأريد جوابا مقنعا، لأنني تعبت من أن أكون في نقطة الوسط بين الأديان، وتعبت من كلمات التخويف والترهيب الموجودة في كل من المسيحية والإسلام.
أعتذر على صراحتي، ولكن في بعض الأحيان يجد الإنسان نفسه مضطرا إلى أن يكشف عن كل أوراقه، خاصة إذا كان في حالة مصيرية كالتي أمر بها أنا الآن، فأرجو من حضراتكم أن تأخذوا بعين الاعتبار أنني ما زلت حتى الآن في نقطة وسط بين المسيحية والإسلام، ولا أؤمن بأغلبية ما هو مكتوب سواء في القرآن أم في الإنجيل.
وأخيرا: عذرا على الإطالة وأرجو من حضراتكم التمعن في قراءتها ومعرفة قصدي الصادق من كل ما كتبت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ملاحظة: أنا أواظب على الصلاة الإسلامية منذ ما يقرب من أربعة أشهر، وذلك لأنني لا أستطيع العيش دون هذه العلاقة مع الله -سبحانه وتعالى- التي توفرها لنا الصلاة.
24/2/2025
رد المستشار
أختي العزيزة، السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أعجبتني رسالتك المطولة، ولا أدري هل كان من الأولى توجهي بها إلى موقع للفتوى؟! على كل حال أهلاً بأسئلتك الكثيرة والمتنوعة التي تتعلق بأوضاع المرأة في الدين الإسلامي، وممارسات المسلمين.
بداية أنصحك مخلصًا أن تغضي الطرف عن الممارسات التي قد ترينها حولك تجاه موضوع المرأة أو غيره، فاختلاط المفاهيم الإسلامية الأصيلة بالعادات والتقاليد الفاسدة، وبنتائج ضغوط التحديث المشوه التي خضعت له أوطاننا عبر القرنين الأخيرين... كل هذا أنتج مركبًا مليئًا بالتناقضات، وبعيدًا كل البعد عن مقاصد الشرع، وقواعده الكلية التي ينبغي الاجتهاد في تفسيرها وتطبيقها باختلاف الزمان والمكان، سأكتفي اليوم بالإجابة عن بعض ما تثيرينه.
أختي، فلسفة الأسرة في الإسلام تقوم على أن الرجل هو القوام على المرأة "داخل" هذه الوحدة الاجتماعية، ويمكنك الاطلاع على:
القوامة في الزواج
وأقول:
قوامة الرجل تتضمن أنه يتحمل عن المرأة عبء الكسب المادي متفرغًا لرغد الأسرة بالأموال اللازمة لشئون حياتها، ومفرغًا الزوجة من هذا العبء؛ لتنهض هي بأمر أهم من شئون الأسرة المادية ألا وهو رعاية الأبناء وتربيتهم، والقيام على إنفاق مال الزوج، وإدارة اقتصاديات الأسرة بما يدبر شئونها في هذا الميدان.
إذن الرجل – في الإسلام- يكفي المرأة عبء التكسب والنفقة على البيت في مقابل تفرغها لإدارة شئون هذا البيت، فيكون من العدل أن كل ما يخرج عن هذا التفرغ ينبغي أن يتم بمعرفة الزوج – على الأقل - إن لم يكن بإذنه، ومثال ذلك – مع الفارق - أن العامل في مكان ما متعاقد على الدوام في وظيفته يوميا من الساعة كذا إلى الساعة كذا، فمن الطبيعي أنه لا يكسر هذا النظام – المتعاقد عليه - إلا بإذن.
فإذا قلتِ: إن بعض الرجال يتعسفون في استخدام هذا الحق، أو إن بعض الزوجات يشتركن في الإنفاق على البيت، أو إن هذا الإعلام أو الإذن يمثل قيدًا على حركة المرأة... فإنني أقول لك: إن فساد الممارسة لا يلغي ثبات المبدأ – من ناحية - وأن الزواج في عمق فلسفته هو نوع من التقييد الاختياري للرجل وللمرأة – على حد سواء - وإن اختلفت أنواع وأشكال القيود. أشكرك على رسالتك، وفي انتظار بريدك.