ضريبة الكفاح.. أم شماعة للتقصير؟
بسم الله الرحمن الرحيم
بداية أتقدم بجزيل الشكر على الاهتمام والرد على الرسالة، فبارك الله فيكم، وجزاكم الله عنا كل خير، ولكنْ هناك أمور أريد توضيحها لكم بارك الله فيكم، رغم مرور سنتين أو أكثر قليلا على ردكم علي
أولا: شعرت من الرد أنك تلومني، ولم تجد لي مبررًا، أعلم جيدًا أني كنت أحد أسباب المشكلة، ولكني لست سببًا رئيسيًّا، فأنا لست إنسانًا فاشلا، ولكن حدثت لي أمور دمرتني نفسيًّا، فقد تعرضت لحالة ظلم شنيعة أفقدتني توازني، مشكلتي أنني أعلم أني أستطيع أن أنجز أي عمل إذا صممت، ولكن إرادتي ضعيفة، فكيف أقويها، إني إنسان مثقل بالهموم، لم أعِشْ أي مرحلة من حياتي حياة صحيحة، الطفولة كانت في البيت خوفًا عليّ، والمراهقة كانت فترة إرهاق وخوف وإرهاب يهودي وأعمال شاقة، والشباب حسرة وألم على ما ضاع، وما زلت أسير الماضي.
ثانيا: أنا أعمل منذ نعومة أظفاري إلى الآن، وأشارك أهلي في تحمل المسؤولية منذ زمن.
ثالثًا: وجدتك قد قربت من تحليل شخصيتي إلى حد ما، فأنا إنسان خجول وانطوائي، لا أحب الحياة، أكره كل شيء، أنظر إلى الجانب الأسود في حياتي، ليس هناك ما يجعلني أتشبث بالحياة، وأتأمل كثيرًا في الكون، وأحب أن أكون وحيدًا، ولا أثق في الناس كثيرًا، ولا أجيد التعامل معهم، خسرت أناسًا كثيرين بسبب فعلي لأشياء تضايقهم دون قصد مني، أحلم كثيرًا بعالم أفضل خالٍ من الخداع والنفاق والكذب والغش والحقد والتدبير والتدمير، تمنيت كثيرًا أني لو ولدت في عهد حبيبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتضايق كثيرًا عندما أرى الناس متلهفة على الدنيا، وأقول في نفسي: أين الله في حساباتهم؟!
رابعًا: الموت يجتاح تفكيري كثيرًا، وليس الانتحار، أفكر دائمًا في أني إلى زوال، وأفكر في أصل الإنسان الذي لم يكن شيئًا، وأتحدث كثيرًا عن الموت ونهاية الإنسان، لا أدري هل هذا تدين أم هروب من الدنيا وإيجاد المبرر لي كي أبقى على حالي؟! وكانت فكرة الانتحار فكرة عارضة لم تلبث أن انتهت؛ لأني لا أريد أن أخسر الآخرة، فكانت مجرد وساوس شيطان فقط، وهناك آلام كثيرة تجتاحني، ليس لها من دون الله كاشفة، أخاف أن أجن من كثرة المشاكل، والله لقد ترددت كثيرًا عندما بعثت رسالتي الأولى وذلك من باب: وماذا سيفعل لك البشر؟! ولكني -أحمد لله- بعثت إليك، ولقد ارتحت بعض الشيء،
وفي النهاية أرجو منك إسداء بعض النصائح لي، وذلك للتخلص من الكآبة والوجه الذي لا يبتسم إلا قليلا، والقلق الكثير دون داعٍ، والنظرة السوداء للحياة، والحساسية المفرطة، وحب الحياة دون الانغماس فيها؛ لأني أحب الآخرة، وأريد الله، وكيف تقوى إرادتي،
وبارك الله فيكم وجعل ذلك في ميزان حسناتكم، فمن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب الآخرة،
وختامًا لكم تحياتي وتقديري واحترامي.
27/2/2025
رد المستشار
أخي العزيز، أهلاً بك مرة ثانية، اللوم عقيم كله، وأنا أحب أن نكون مسؤولين عن تصرفاتنا؛ لأن هذا من شأنه أن نتحمل وننضج، وأن نعطي العذر لأنفسنا حين يكون هذا وارداً، وفي محله، ولا نعلق أخطاءنا على شماعة الظروف إذا كان التقصير منا.
"بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره".
لذلك فإن محاسبة الضمير هي الأنجح، والأكثر فعالية، ولا يمنع هذا من النصح والتوجيه، كما لا يمنع من المشاركة في الهموم والآلام، وهذا كله ما نحاول أن نقوم به.
يا أخي، كلنا لدينا مشاكل بصورة أو أخرى، فمَنْ من الناس طابت له الحياة كاملة في الطفولة، والمراهقة، والشباب، والهرم، ثم الشيخوخة؟!.
من طبيعة الحياة أن تصفو وتتكدر، وجهد الإنسان المتواصل يريحه ـ بغض النظر عن النتائج ـ ويُعذر به أمام الله، وارتباطك بأعمال ملزمة، وواجبات محددة هو الذي يربطك بإنجازات متوالية، والتحديات متنوعة ومتعددة المستويات، والرد على فساد الواقع إنما يكون بإصلاح الذات، وبذل الوسع في إصلاح البيئة المحيطة، ولا تقوم الأمم، ولا تنهض النفوس بالأماني، ومن فاته صحبة الرسول في الدنيا، فلا مناص من الاجتهاد لتحصيلها في الآخرة.
وأصل التدين عمارة الأرض فهي المقصود من الخلق، والمعنى الأرقى والأوسع في تفسير "العبادة" التي جعلها الله غاية كل حي، والجدية ليس صرامة في الوجه، أو جفافاً في الطبع أو التعامل.. بل هي رجولة في تحمل المسؤولية، وقدرة على الإنجاز والمواصلة، وسياسة "الخطوة خطوة" من أفضل طرق إدارة النفس، فضع لنفسك أهدافاً على مستوى اليوم، والأسبوع، والشهر.. إلخ
وما تشكو من تكاثره ليس مشاكل بمقدار ما هو هواجس، وأفكار تهاجمك؛ لأنك لا تنجز، ولا تشعر بالنجاحات البسيطة أو لا تحققها.
يا أخي.. ليكن حبك لله وللرسول وللآخرة دافعاً لك؛ لتبذل كل ثانية من وقتك في الخير ـ وأبوابه كثيرة ـ على صعيد دراستك، وأهلك، ووطنك، وأمتك، ولا تبدد وقتك وجهدك في التفكير المشوش، فالوقت هو ثروتك الحقيقية.
اعمل واعمل واعمل حتى تسقط من التعب.. فعندها ستنام نوماً عميقاً بإذن الله، ولن يكون هناك أية مساحة لأفكار سوداء، وفي انتظار أخبارك.