أولا أشكركم على جهدكم معنا، ومحاولاتكم الناجحة في حل مشاكلنا، ويسعدني كثيرا أنا أجد في حلولكم قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
ومشكلتي باختصار هي: أنا فتاة عمري 25 عاما، غير متزوجة، وأنهيت دراستي الجامعية منذ 4 سنوات، شعرت بعدها بوحدة شديدة وحتى وأنا في كليتي، وذلك لأن حياتي منغلقة تماما، كنت بلا أهداف، وعانيت من الخوف الذي كان يسيطر على والدتي؛ فكانت تخاف بدرجة مرضية، توفي أبي منذ عدة سنوات، تسببت في كثرة الخوف والانغلاق الشديد حتى جاء اليوم الذي جلست فيه على الإنترنت، وبدأت في الدردشة مع الكثير، وغالبا ما كنت أغلق النت وأنا متضايقة؛ فلم أجد فيه ما يريحني، جاء اليوم الذي بدا لي هدف وهو النت والدردشة مع شاب، حكيت له كل ظروفي بعد أن تلمست فيه أنه على دراية واسعة بالدين، ولا يضايقني بالكلمات التي يذكرها الشباب عادة في النت، وذكرت له أن يعتبرني فتاة ليس لها وجود.
وفي النهاية علمت أنه حتى تلك المحادثة البريئة التي يملؤها ذكر الله مدخل من مداخل الشيطان، وبعدت تماما عن الدردشة، مع اعتذاري لذلك الشاب الذي أعانني حقيقة على طاعة الله كثيرا، مررت وقتها بصعوبة بالغة في الحياة؛ فقد اعتدت الفضفضة معه وحل مشاكلي، وملء الفراغ الذي كنت أعاني منه والاكتئاب الشديد، وبالأخص بعد وفاة أبي الحبيب، صدماتي كثيرة في أصدقائي وأقاربي، وكذلك أمي وإخوتي؛ فقد عانينا نفسيا بكثرة لطيبة قلوبنا التي كدت أتضجر منها لولا رحمة الله التي رفعتني إلى رحابه؛ فتحول الضجر إلى حب لله، بدأت في علاقات جديدة، وكأن الله يكافئني اليوم على تلك المعاناة، وأشعر أن الله يكافئني حتى ولو ابتلاني؛ فمهما كانت الصعاب والمشاكل النفسية التي مررت بها؛ فحالي أفضل من غيري، ومهما صعب الحال؛ فالله يراني ويسمع شكوتي، وهو خير مستعان.
وبعد تلك الأحداث بدأت أملأ حياتي بحفظ القرآن، ولكني وجدت نفسي قليلة الخبرة في التعامل، وعديمة الثقة في نفسي، ودائما ما أشعر أني لست من النوع الذي يستطيع التعارف والتقرب للناس، وتقدم لي كثيرون، كان شرطي سابقا أن يكون مقتدرا ليستطيع أن يوفر لي حياة كريمة كما أعيش في بيت والدي، ولكن بعد التقدم الذي حصلت عليه في ديني صار قلبي متعلقا بالله، وأملي فيمن يساعدني على طاعة الله، وأن أجد في زوجي ما وجدت في الشاب الذي تحدثت معه: الثقافة الدينية والدنيوية، وكلما تقدم لي شاب لا أجد فيه أي شيء يشجعني فتارة يكون على علم لا عمل ولا رغبة في العمل، وتارة يكون أقل مني في التعليم، وتارة لا يكون لديه أقل الإمكانيات ليوفر لي حياة معقولة كأن يكون في الأرياف وأنا أعيش في المدينة، ولا أستطيع التأقلم برغم درجته العلمية العالية، وبرغم أن كل هؤلاء ما عدا الآخر متوفرة لديهم قدرات ماديه ممتازة، ولكن أين الله في قلوبهم؟ وأين التكافؤ في البعض؟
آخر مرة تقدم لي شاب كنت في حالة ضيق شديد، واكتشفت أن ذلك طبعي، وأني كلما تقدم لي شاب لا أنام الليل حتى أكتشف ما لا يريحني لأرفضه، وبعدها أنعم بالراحة، كما أن جميع قريباتي تزوجن إناثا وذكورا، وفيهم من تقدموا لي وينظرون لي وكأني عانس؛ ففي عائلتنا من تزيد عن الثالثة والعشرين فقد صارت كبيرة، ضايقني ذلك كثيرا حتى كدت أتسرع في إحدى المرات، ولكن مع الاستخارة أراد الله لي الخير، أستشير عادة الناس، ولكن صدقوني لم يعد أحد ممن حولي ينظرون إلى مصلحة غير مصالحهم، وكثيرا ما لاموني على أني أريد كل شيء في شخص واحد (دين وخلق ومال وعلم وعائلة مناسبة)، ويجب أن أستغني عن أحد هذه الأشياء، لا أستطيع سوى أن أتنازل عن المال، ولكن ليس معنى ذلك الفقر؛ فالباءة شرط في الرجل، والتكافؤ مهم، وبالطبع ليس التساوي، وقرأت للأستاذ فاروق جويدة ما معناه باختصار أن العائلة والنسب شيء مهم جدا "تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس"، والشخصية "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وأما المال فالباءة شرط الزواج، هل أبحث عن خيال؟ أم أني على حق؟ كما أني أريد أن أخرج من دائرة العرسان الفاشلة، وأن أعمل، ولكني لا أجد العمل المناسب لخجلي وقلقي الدائم على نفسي، ولا أستطيع التعرف على قدراتي كفتاة.
تارة أقول أكمل دوراتي القانونية، وتارة أقول لن يفيد وتارة أقول أن أدرس دراسات إسلامية، وتارة لغات... تشتيت وإحساس دائم بالفشل، وأقول: أين الفتاة المؤمنة التي تعمل وتتوكل على الله؟ ولكني لا أعرف من أين أبدا؟ سابقا فكرت مرارا في الهروب وأشياء تصلح لسن المراهقات، وكثيرا ما كنت ألجأ لأحلام اليقظة.
والآن.. الإيمان هذبني والله أعانني، وذلك منذ سنتين وصار قراري موقوفا على قول الله والرسول عليه الصلاة والسلام، ولكني بصدق أغار فأنا أشعر أني سأكون وحيدة، وأني أتأخر والعالم من حولي يمشي إلى الإمام، أتضرع إلى الله بالدعاء وإنه لسميع الدعاء ودائما ما أقول الله يريد لي الخير.
ولكني أرى في نفسي طاقات تريد أن تثبت، منها النجاح في أي شيء هو الذي يسعدني؛ فكيف أحصل عليه؟ أريد النجاح في زيجة أو عمل أو دراسة وعمل لا يجعلانني أعتمد على غير نفسي، وكفى بي خجلا وخوفا وعدم تحمل مسؤولية، أعرف أني أطلت عليكم، وأعتذر على ذلك، ولكن آمل في سعة صدركم. وأعتذر أيضا على كم التشويش الذي أظنه ملحوظا بالرسالة، أثق بالله ثم بكم أن أصلح من حالي وأرضى عن نفسي، وفوق كل ذلك رضا الله عني الذي أصبح أساس حياتي ومقصدي من دنيانا، ولا يهمني من بعده شيء سوى أن أشعر أني أعمل بالأسباب، وأتوكل ولا أريد التواكل، وإن لم يكن النجاح لأمة محمد التي أزالت رسالته من الله الهموم والمصاعب، وأرهقت معجزات هذا الدين عقول العلماء.. فلمن يكون؟
أريد أن أثبت بتربيتي لأبنائي إن رزقني الله أو عمل جاد أو أي شيء أن ديننا واتباعه لن يعود علينا بفقر أو اعتقادات لا تصلح للحياة الدنيا، وأريد أن أكون مع من أحب في الجنة، فلن يرحمنا الله، ولن يرحم أبي إلا إذا عملت شيئا لله. دلوني كيف أحصل على شخصية مسلمة مؤمنة حقا.. ناجحة غير مهانة.. محبوبة مقنعة بالقول والعمل، لا أريد الفشل الذي يحطمني، كما أني أريد أن أكون جريئة لا أخاف سوى من ربي، كما أني أريد أن أشير أني على قدر معقول من الجمال الذي حباني ربي إياه، وذلك أيضا في عقلي وخلقي، كما تقول أمي.
ولكن قلة خبرتي سبب حيرتي، ومحبتي لله ولأبي وأمي وإخوتي ولنفسي تجعلني أفكر آلاف المرات في أي قرار قد يزعجنا جميعا! قل اكتئابي مع التزامي، وظهرت رغبتي في النجاح.. فهل تساعدونني؟ وجزاكم الله خيرا، وجعله في ميزان حسناتكم.
18/3/2025
رد المستشار
الابنة الكريمة، رسالتك تجسد بجدارة الواقع المؤسف الذي نعيشه؛ الكثير من شبابنا ضائع بلا هدف ولا غاية، جل همه أن يحصل على الورقة (الشهادة الجامعية) التي أصبحت بلا أي قيمة إلا كمسوغ من مسوغات الزواج أو نوعا من أنواع الوجاهة الاجتماعية، وبعد ذلك لا هم للشاب والفتاة إلا قتل الوقت والاهتمامات الفارغة؛ وسواء قتل هذا الوقت بالجلوس على المقاهي أو أمام الإنترنت أو أمام الفيديو جيم أو الجري وراء الموضات أو اللهاث وراء المسلسلات والأفلام الفارغة أو الفنانين والمطربين ولاعبي الكرة.. لا يهم.
المهم أن الوقت يتسرب من بين أيدينا، وطاقة الشباب وحماستهم ضائعة فيما لا يغني ولا يفيد، والزمن يجري من حولنا وبسرعة، الأحداث تتدافع، أعداؤنا وأعداء البشرية والإنسانية يخططون ويدبرون ويحسبون الحسابات، ونحن في الوهم غارقون ومغيبون، بالأمس كانت فلسطين واليوم العراق، ولا نعرف غدا على من سيكون الدور؟ فهل نظل على هذه الغفلة والسبات؟!! هل نظل طويلا في الطابور ننتظر دورنا في الذبح؟! وحتى من ارتأى في العودة إلى الله طريقا للخلاص، فإنه يعود بنفس الأسلوب الساذج، ويتصور أن كل ما هو مطلوب منا أن نصلي ونصوم، وندعو الله ونرتدي الحجاب، ونقرأ القرآن والكتب الدينية فقط، وننتقل بين الدروس الدينية -والدينية فقط- حتى لو تكررت المعاني والكلمات، وحتى لو لم نطبق حرفا مما نسمعه، وحتى لو استغرق هذا كل وقتنا، وندعو غيرنا للقيام بنفس الأعمال التعبدية.
المهم هو الخلاص الفردي، وتحقيق الأهداف الفردية سواء كانت دنيوية أو أخروية، وننسى أو نتناسى أن الله سبحانه جعل الغاية من خلقنا تحقيق معنى الاستخلاف في الأرض، لو أراد الله عبادا متفرغين للعبادة بالمعنى الضيق للعبادة لاكتفى بالملائكة وهم يسبحون الله لا يفترون، ولكنه سبحانه في إشارة لطيفة منه خفف عن المسلمين قيام الليل الطويل الذي كان مفروضا عليهم في بداية البعثة مراعاة للمرضى، ومن يضربون في الأرض، ومن يقاتلون في سبيل الله، فقال سبحانه وتعالى: {وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ}، وننسى أو نتناسى أن لنا دورا نحو مجتمعاتنا ونحو أمتنا العربية والإسلامية، وكذلك نحو الإنسانية جمعاء، وأننا لا بد أن نعد أنفسنا لنتمكن من القيام بهذا الدور، وذلك بوضع خطط لتنمية العقل وصقل جوانب الشخصية، وتحديد العيوب الشخصية، ووضع البرامج اللازمة للتخلص منها، وكذلك تحديد الاهتمامات والمهارات والهوايات.
ويتزامن مع هذا أن نحدد قضية من قضايا مجتمعاتنا أو ثغرة من ثغراته، نبحث فيمن حولنا عمن يشاركنا نفس الاهتمام سواء من الأهل والأصدقاء والجيران، ونبدأ في العمل معا مستعينين بكل ما يتوفر عندنا من خبرات، والإنترنت تمدنا بكنز وافر وغير محدود من خبرات البشر في جميع أنحاء المعمورة. ودورنا أن نستفيد بما يتاح ويتلاءم مع قيمنا؛ لأن "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها"، وأنا أعلم جيدا أننا لم نتربَّ على حمل الهم العام، وأن أهلنا لم يعودونا على تحمل المسؤولية لخوفهم الشديد علينا، وأن مدارسنا وجامعاتنا لم تدرب فينا إلا "القدرة على حفظ وصمّ المعلومات الجاهزة"، فنحن لم نتعلم كيفية استخراج المعلومة والبحث عنها، ولم نتعلم إعمال وتنمية مهارات العقل النقدية، ولم نتعلم إعمال العقل للاستفادة من هذا الكم الهائل من المعلومات الذي نحشوه بها.
ولكننا الآن كشباب هذه الأمة، وفي هذه اللحظات الحرجة من تاريخنا لا بد لنا من أن نتحمل الأمانة ونعي ما علينا من أدوار وما يواجهنا من تحديات، لا بد أن نبدأ خطوة على الطريق، وكما يقولون: "طريق الألف ميل يبدأ بخطوة"، فعلينا أن نسعى جاهدين لتغيير واقعنا الكئيب، ونحن نتوجه للسماء سائلين المولى عز وجل أن يبارك في خطواتنا، وأن يتقبل منا عملنا خالصا لوجهه الكريم.
ابنتي الحبيبة، تحتاجين بجانب تحديدك لقضية عامة تملأ حياتك، وتجعل لها قيمة وهدفا أن تحددي أيضا ما تريدين تحقيقه لنفسك وما تطمحين لتحقيقه، وبتحديد هذا الهدف الكبير يمكنك تحديد أهداف مرحلية ووسائل تحقيقها، ولا مانع من أن تبدئي بدراسة الحقوق مثلا على أن تتبعيها بدراسة اللغات، المهم أن تحددي هدفا وتسعي لتحقيقه، ولا تخافي من الفشل، فمن يخشى من الفشل لن يقدم على عمل ولن يتقدم، والفشل لا بد أن يكون دافعا لنا لمواصلة المسير، والعاقل من جعل الفشل كالضربة على ظهره تدفعه خطوات للأمام لا أن يجعله كالضربة على رأسه التي تثبته في الأرض أو تدفعه في باطنها، والعمل والحركة هما اللذان يكسبان الشخص الخبرة، والإنجاز هو الذي يدفع لمزيد من الإنجاز، فانفضي عنك هذا السبات والسكون القاتل.
أما بالنسبة لاختيار شريك الحياة فمشكلتك في أنك لم تحددي ملامح السمات التي تطلبينها، تقولين شرط أن يكون قادرا على الباءة، فأي باءة تقصدين؟ والزواج يمكن أن يتم في سكن إيجار مؤقت أو شقة صغيرة، ويمكن أن يكون في شقة تمليك في حي سكني راقٍ بمئات الألوف من الجنيهات، وقد تكتفين بالجهاز الضروري، وقد تغرقين في الكماليات وتطلبين أثاثا كأثاث القصور، وقد تكتفين بهدية بسيطة ومتواضعة كشبكة، وقد تطلبين شبكة بعشرات الألوف من الجنيهات، وقد تكتفين بحفل صغير في المنزل أو في قاعة صغيرة، وقد تصممين على فرح يتكلف عشرات الألوف من الجنيهات في أحد فنادق الخمسة نجوم، فأي باءة تريدين؟ وأي نسب تطمحين له؟ وأي عائلة تريدين؟ هل تقصدين عائلة طيبة تتمتع بالدين والخلق القويم أم أنك تريدين ابن وزير أو أمير؟!!
حددي بالضبط ما تريدين في شريك حياتك، وما يمكنك التنازل عنه من شروط؛ لأن الكمال المطلق لله سبحانه، ولا تقلقي فما زلت صغيرة، ومن الأمور الواضحة والجلية للعيان تأخر سن الزواج؛ فلا تشغلي بالك بأحاديث الناس الفارغة، واستعيني بالله، واسأليه أن ينعم عليك بالزوج الصالح الذي يسعدك، وتابعينا بالتطورات.
واقرئي أيضًا:
كيف أختار شريك حياة؟
خريطة طريق لاختيار شريك الحياة
في اختيار شريك الحياة.. الصورة الكلية أهم
أزمة اختيار شريك الحياة
اختيار شريك الحياة وبناء مفاعل نووي!!