المشكلة تخصني فأنا فتاة أبلغ من العمر 15 سنة، لم يتدخل يوم من الأيام والدي في لبسي للحجاب، فأنا تحجبت وعمري 12 سنة دون تدخل أحد من العائلة، ولكن عندما كبرت قليلاً تقريبًا عمري 13 - 14 سنة أصبحت جدتي (أم أبي) تكلمني في موضوع النقاب، وأنا غير مقتنعة، ولكن من كثرة ما تحدثني في الموضوع نفسه وعدتها عندما تبدأ السنة الدراسية سألبس النقاب، ولكن الآن أنا لا أحب النقاب، وأعلم أنه عندما ألبسه يجب أن ألتزم به. الرجاء منكم أن تحببوني بالنقاب وإقناعي به، وأنا لا أريد أن أنزعه حين ألبسه.
19/3/2025
رد المستشار
ابنتي الحبيبة، واسمحي لي أن أقول ابنتي وصديقتي الحبيبة،
فما أجمل أن أستعيد ذكريات أجمل أيام حياتي بصداقتك والحديث مع من هم في سنك من ذوي النفوس الشفافة، والعواطف الجياشة، والمشاعر المرهفة، والحماس المتقـد، متعك الله تعالى بهذه الأيام وزودك فيها بالزاد اللازم للأيام القادمة.
ابنتي الحبيبة من سؤالك الرقيق شعرت أنك ممن قال فيهم الشاعر:
فيَحنُّ ذاك لأرضه بتسفل.................. ويحن ذا لسمائه بتصعد
ولا شك أني أقصدك من الفريق الثاني، فلقد كانت لديك الهمة في ارتداء الحجاب دون حثٍّ من أحد في سن مناسبة، وكذلك يبدو من سؤالك حبك لفعل كل خير وفضيلة؛ كما أن رغبتك في طاعة جدتك وإرضائها والبر بها، وهو ما يدلِّل على كل هذه الأمور، ولكن في موضوع النقاب لنا معًا حديث.
ابنتي وصديقتي -كما اتفقنا- تذكرين في سؤالك أنك (غير مقتنعة) بموضوع النقاب.. إذن فلماذا تريدين أن تفعلي شيئًا أنت غير مقتنعة به؟؟.. بالطبع أنا أقول لك هذا الكلام؛ لأن ارتداء النقاب أمر فيه اختلاف، وهو قول جمهور فقهاء الأئمة، منذ عصر الصحابة -رضي الله عنهم- كما سيبدو لك من الفتاوى التي سأوردها لك في نهاية الاستشارة، أما لو كان حديثنا عن فريضة فلا يوجد في أداء الفريضة اقتناع من عدمه، فالاقتناع هنا اقتناع بالعبودية لله سبحانه، وإطاعة أوامره وليس بالأمر نفسه "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا" (الأحزاب: 36).
واسمحي لي أن أصارحك أنني شعرت من سؤالك أنك تميلين إلى الاعتقاد بكون النقاب فضيلة تحبين التقرب إلى الله سبحانه بأدائها وإرضاء وبرّ جدتك..
وبالتالي فنحن نتحدث عن فضيلة يجوز لك فيها الخيار -حسب ما غلب على ظني من كونك مع قول جمهور فقهاء الأئمة القائلة بكونها فضيلة- وإن لم تتوفر لديك الدوافع الكافية لفعلها.. فماذا تنتظرين مني أن أفعل؟
هل تريدين أن أقنعك به وأنت تقولين: "أنا لا أحب النقاب"، ولم أقنعك به إذا كنت لا تحبينه؟ هل تريدين أن أحاول أن أوجد الرغبة لديك نحوه؟ وهل لو فعلت ذلك -كما سبقتني جدتك- ستحبينه وتقتنعين به؟ ولو ارتديت النقاب الآن هل ستشعرين بالسعادة والرضا والقناعة التامة؟ وهل ستلتزمين برضا بكل ما سيفرضه عليك من التزامات؟
ولم ارتديت الحجاب وحدك دون إلحاح من أحد؟.. ألم تكوني مقتنعة ومحبة لهذا الأمر ففعلته بدون تردد وبكل سعادة، وها أنت اليوم تفخرين أن وفقك الله عز وجل إليه وتحمدينه على أن يسَّر لك طاعته؟
إنك تقولين: "أنا لا أريد أن أنزعه"، ولِمَ تفكرين في نزعه قبل ارتدائه؟ أو بمعنى آخر لِمَ ترتدينه إذن إن كنت تفكرين في نزعه وتخافين نزعه من قبل أن تلبسيه؟
ابنتي الحبيبة إن الوعد الذي وعدته لجدتك أمر يمكنك مراجعته.. وأن تستمهليها في أدائه حتى تخبريها بقناعتك النهائية ورأيك النهائي النابع منك أنت شخصيًّا والذي ستنفذينه بكل سعادة ورضا.. هل تعلمين لم أقول لك ذلك؟ ولم أربط الأمر بجدتك؟ لأن الوعــد الذي وعدته يجب ألا تخلفيه.. فإما أن تنفذيه أو تعتذري عنه، أما لو لم يكن في الأمر وعد كنت سأقول لك أن تراجعي الأمر مع نفسك، وتفكري فيه جيدًا حتى تخلصي إلى نتيجة ترضيك وتوافقين عليها.
وهيا بنا نبدأ في استعراض نقاط أساسية تعينك على اتخاذ قرارك والوصول لنتيجة ترضيك وتوافقين عليها:
1 - اكتبي في ورقة قائمتين متناظرتين واحدة عنوانها نعم والأخرى عنوانها لا، وتحت كل منهما أسباب لكي تقولي "نعم" وأسباب لتختاري "لا"، ولنرى أي القائمتين أكثر تعبيرًا عن رغبتك واقتناعك وربما وصلت إلى نتيجة وسط، وهي أنه "نعم" ولكن ليس الآن.
2 - إذا كان ميلك للأخذ برأي كون النقاب فضيلة فليكن تفكيرك في هذا الإطار، وهو ما يجعل رؤيتك أكثر وضوحًا؛ فالفضائل أداؤها أمر غير ملزم أما الواجبات فهي ملزمة، وواجب الوقت الآن بالنسبة لك التفوق في دراستك، والتقرب من زميلاتك، وانتقاء من تتقارب منهن معك في الميول والأفكار والأخلاق لتكونوا معًا فريق تأمل الأخريات أن تحذو حذوه.. فتكونوا بزيكم وأخلاقكم وتفوقكم قدوة ينتشر بها الخير في المدرسة بين الزميلات، فلم تنتهِ بعد مسؤولياتك بارتدائك الحجاب، بل إنها بدأت.. ولنرى في نهاية العام كم من زميلاتك تأثرن بك، وتغيرت صفاتهن للأفضل ، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله لأن يهدى بهداك رجل واحد، خير لك من حمر النعم".
3 - أكثري من الاستخارة ولعلك تعرفين أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعينون بالله سبحانه في كل شيء، ويسألونه –رضوان الله عليهم– شراك النعال وملح الطعام، أي أن كل صغيرة وكبيرة لا بد فيها من الاستخارة والاستعانة بالله عز وجل.
4 - تقربي إلى الله تعالى بالنوافل ليكون سبحانه سمعك الذي تسمعين به وبصرك الذي تبصرين به.
5 - فكِّري بهدوء وبمنأى عن الضغط.. بمعنى حاولي أن تجعلي أعصابك وذهنك ونفسيتك في وضع محايد وهادئ لا يتأثر بأي مؤثر خارجي.. بحيث لا يؤدي حثّ جدتك المستمر إلى وضعك تحت ضغط يدفعك لاتخاذ قرار عاجل للخلاص من الضغط مثلاً أو من الحرج، فكما قلت لك آنفًا يمكنك أن تستمهليها حتى تصلي إلى قرار.. كما يمكنك أن تسأليها عن سبب طلبها هذا منك.. هل لجمال لافت مثلاً؟ أم لرأي فقهي معين تميل إليه؟ وأيًّا كان السبب فيمكنك مناقشتها فيه بتقديم ما لديك أنت أيضًا من آراء فقهية، وردود مختلفة ومناسبة، حتى تصلي إلى إقناعها بما توصلت إليه من رأي.
ابنتي الحبيبة وصديقتي التي عشت معها من خلال هذه السطور القليلة لحظات ذكرتني بأجمل وأسعد وأنقى أيام حياتي: إن حرية الاختيار تعطينا القدرة على اتخاذ القرار، وحتى إن وقعنا في بعض الأخطاء.. نستطيع تجاوزها وأن نسبر أغوار أنفسنا للبحث عن المزيد من العطاء في داخل نفوسنا.. فضلاً عن الخبرة وشرف التجربة الذي لا نناله إلا بخوضها.. كم أنا حزينة على أن الكلام معك قارب على الانتهاء، ولكن ما باليد حيلة، لكل شيء مهما كان جماله نهاية، لكني في انتظارك مرة أخرى ، فأنا في حاجة إلى أن أسعد بالحديث معك..
واقرئي أيضا:
و.ذ.ت.ق وسواس الوعد بالحجاب!
الحجاب وانتشار الهوية الشخصية
أنا وأمي والحجاب: دراما الوسواس الجمعي