أنا فتاة في الـ18 من عمري، في يناير الماضي اتصلت زوجة عمي بوالدتي لتخبرها بأن ابنها يحبني ويريد أن يتزوجني.
فاجأني الخبر ولم أعرف ماذا أفعل؟ كانت والدتي سعيدة جدا، وكذلك أخواتي؛ وذلك لأنه لطيف ومتدين ولأنه تخرج في جامعة المدينة.
أنا فتاة متحررة إلى حد ما، والحمد لله أرتدي الحجاب وأصلي، وأحسب أني قد حسنت تربيتي.
من داخلي لا أرغب في هذا الرجل؛ لأني سمعت أخته تقول مرة: "كان الله في عون الفتاة التي ستتزوج أخي".
أشعر أنه إلى حد ما متشدد، وحازم، وأنتم تعرفون أن فتاة في مثل سني تحلم بفارس أحلامها..
على كل، في فبراير جاء ليراني وجلسنا سويا، لم يطل اللقاء بيننا عن دقائق، قمت بعدها؛ حيث إننا في الخليج -كما تعلمون- لا يسمح لنا بالتقارب والمناقشة مع من يتقدمون لطلب يدنا بالشكل الكافي..
بعد خمسة أيام اتصلت والدته وقالت: إنه صلى واستخار في صلاته، وقال: إني ما زلت صغيرة ولدي دراستي، وإنه لا يريد أن يظلمني بهذه الزيجة.
بالمناسبة هو يبلغ من العمر 22 سنة، في الواقع أنا كنت أتأرجح بين الفرح والحزن بسبب شعوري بأني رُفضت وأُهنت.
وفي نفس اليوم ذهب وتقدم لقريبة أخرى، وكانت هذه صدمة ثانية، على كل حال لم أبدِ اهتماما، وعشت حياتي سعيدة؛ لأني لم أتزوج به.
في يونيو انفصل عن زوجته (كان عاقدا فقط وليس متزوجا)، ولكن كانت أسباب الطلاق غامضة لم يعرفها أحد، ولكن والدة الفتاة قالت: إنها كانت لا تنام، وإن صحتها كانت تضعف يوما بعد يوم، وإن الفتاة كانت خائفة جدا من احتمال أن يكون متشددا في الدين.. ولكن حتى الآن لا يعرف أحد السبب.
وبعد أسبوعين عاد مرة أخرى ليطلب يدي من أبي الذي قال له ألا يتحدث في هذا الموضوع حتى العام القادم.
والآن مشكلتي هي: لا أعرف ماذا يمكنني أن أفعل حين يأتي؟ أشعر أني خائفة، لا أعرف هل أرفض أم أقبل؟ أفكر في هذه المشكلة ليل نهار، ولا أتمكن من إبعادها عن تفكيري.
أرجوكم ساعدوني
فإني أحتاج إلى نصيحة حكيمة ووافية.
19/3/2025
رد المستشار
ظل سؤالك على مكتبي أكثر من أسبوع!
كلما بدأت جدول أعمالي اليومية أقرؤه ثم أضع بعض الخطوط تحت بعض السطور ثم أبقيه جانبا!
لم يكن سبب التأخير في الإجابة هو أن المشكلة معقدة جدا أو نادرة جدا، ولكن كان السبب هو أن المشكلة بسيطة جدا ومتكررة جدا.
المشكلة ببساطة شاب يتقدم لإحدى قريباته التي تناسبه إلى حد كبير في السن والتي تنتمي لنفس المستوى الاجتماعي، ليس بينهما مشاعر حب أو أفكار مشتركة؛ بل هما مجرد رجل وامرأة يريد كل منهما إكمال نصف دينه.
ألم أقل لك: إن المشهد بسيط ومتكرر؟! فهذه هي الطريقة التي تزوج بها أبي وأمي، وعمي وعمتي، وخالي وخالتي وكل أجدادي وجداتي.. فما المشكلة إذن؟
المشكلة أن المرأة العربية -على ما يبدو- قد تغير حالها، وأنها ربما أصبحت أكثر وعيا أو أكثر احتراما لنفسها وأقل انقيادا لكل من هب ودب -كما نقول نحن المصريين- وحاول أن يسحبها وراءه أو يشكلها كما يشكل العجين.
لا تفهمي من كلامي أني أحكم على هذا التحول بأنه محمود أو مذموم، ولكني فقط أرصده وأتوقف عنده، وأقول: إنه هو الذي جعل من هذه المشكلة البسيطة مشكلة معقدة..
فأنت يا ابنتي لست مثل أمك أو أمي أو جدتي؛ بل أنت ابنة جيل جديد، جيل أكثر تحررا وانطلاقا، يعيش في عصر ثورة الاتصالات، وزمن الفضائيات والإنترنت، أصبحت عيناك تريان ما لم تكن أمك تراه، وأصبح عقلك يدرك ويطلع على ما لم تصل إليه أجيال سبقتك، ونلت حظا من التعليم أكثر من الأسلاف؛ فأصبح لك رأي ووجهة نظر، وأصبحت لا تؤمني بسهولة على ما يقوله الآخرون.
وبالتالي أصبح الحد الأدنى من التوافق الفكري بينك وبين الزوج يجب أن يكون متوفرا حتى ينجح الزواج، قديما كان من الممكن أن ينجح الزواج مع وجود مسافة واسعة بين الزوجين؛ لأن الزوجة كانت بكل سهولة تقترب من زوجها، أو على الأقل تدعي ذلك إرضاء له وتسير أمورها، ولكن الآن أصبح هذا صعبا.
هناك حد أدنى من التوافق إذا لم يتوافر انهدم البيت، وهناك درجة من درجات الاحترام لا بد أن يحملها الزوج تجاه زوجته وبعض التنازلات يجب أن يقدمها عن طيب خاطر.. وإلا تهدَّم البيت فوق رأسه!!
أكرر:
أنا لا أبارك ولا ألعن.. أنا فقط أرصد واقعا، ولكن أهم ما أؤمن به هو أن هذا التغيير كان يجب أن يحدث، وأن النساء اللاتي هن "شقائق الرجال"، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واللاتي خلقن والرجال من نفس واحدة.. كان لا بد أن يدركن في يوم من الأيام أنهن بشر محترمون!!
ولكن يبقى التحدي الأكبر الذي يواجه حواء اليوم، وهو:
- هل ستسطيع كما نجحت في استرداد إنسانيتها وآدميتها أن تحافظ على أنوثتها؟ وأن تظل ذلك المخلوق الناعم الرقيق؟
- هل ستستثمر وعيها وتمكينها في بناء شخصيتها وبيتها وأولادها ومجتمعها أم ستستخدمه فقط كسلاح تشهره في وجه زوجها؟
- هل هذه الشخصية الناضجة سترشدها للزوج المناسب لها، ثم تدلها على طريق استمرار ونجاح الحياة الزوجية؟ أم ستضلها وتحيرها وتملأ حياتها نكدا وجحيما؟
- وأتوقف قليلا عند هذا السؤال الأخير وأوجهه لك أنت يا ابنتي: هل هذا هو الشخص المناسب لك؟
لا توجد بينك وبينه أي مشاعر مشتركة ولا أفكار مشتركة، ولكن هو زواج الآباء والأجداد الذي لا بد لكي ينجح في عصرنا أن يتوافر حد أدنى من القبول النفسي وحد أدنى من تقارب الأفكار، وهذا ما لا أراه بينكما على ما يبدو من كلامك؛ فأنت تقولين: إنك لا تشعرين تجاهه بشيء.
كما تقولين:
إنك فتاة متحررة قليلا، وتعتقدين أنه أكثر منك تدينا، وأنا لا أستطيع أن أجزم بهذا، ولا أدري هل الفارق بينكما في الشكل الظاهر فقط أم في الباطن؟ ولا أدري أيكما أكثر تدينا من الآخر؟
كانت لنا إجابة بعنوان: "ترضون دينه" ... ليس كل ما قاله الرسول أدعوك للاطلاع عليها لعلها تكمل لك الصورة، وتوضح لك أن تدين الخاطب ليس سببا كافيا للزواج به.
وأخيرا.. لا تنسي الاستخارة، وأهلا بك صديقة للصفحة .