الذئبة الحمراء والمستهينة بالمجتمع
المشاركة بعد الترجمة:
السلام عليكم: فرغت للتوِّ من قراءة الإجابة التي ظهرت على صفحتكم للدكتور وائل أبو هندي، وأردت أن أقول: إنني قد أختلف معه قليلا في وصفه لمرض الذئبة الحمراء :
1- في الحقيقة يعتبر الكورتيزون أحد أنفع عقاقير علاج الذئبة الحمراء، وإن كانت هناك خيارات أخرى كثيرة مثل: الكلوروكين، والأزاثيوبرين، وفي الحالات الحرجة ربما استُخْدم السيكلوفوسفاميد.
2- وكما قال الدكتور أبو هندي في إجابته:
إن الأعراض الموصوفة في الاستشارة قد تكونُ ناتجةً عن اضطراب نفسي بسبب الذئبة الحمراء، لكنه لا يميل لذلك التفسير.
حسنا، ولكن سأختلف معه في هذه النقطة أيضًا؛ لأنه يعتبر من الشائع جدًّا في مرضى الذئبة الحمراء أن تظهر أعراض اضطرابات الشخصية مثل العدوانية، ولذلك فإن الأمر كله يبدو لي ناتجا عن مرض الذئبة الحمراء؛ خاصة إذا اكتشفنا أن التغيرات ظهرت فقط بعد تشخيص الذئبة الحمراء.
وفي النهاية: أود التعبير عن إعجابي بالعمل الرائع الذي تقومون به.
وشكرا لكم
21/3/2025
رد المستشار
الأخ العزيز (وغالبًا زميل؛ أي طبيب): أهلا وسهلا بك، وشكرا جزيلا على مشاركتك وعلى إطرائك للموقع، الحقيقة أنني أجد نقطتي الخلاف بيننا، واللتين أشرت في مشاركتك إليهما، ليسا أصلا نقطتي خلاف بقدر ما يعبِّران عن اختلاف التخصص، وسأبين لك لماذا:
فقد تكلمت أنا عن مرض هو ضمن تخصص الأمراض الباطنية العامة، وإن اعتبره أطباء الروماتيزم والطب التأهيلي واقعًا ضمن تخصصهم، إلا أن تعرض أنسجة الجسد المختلفة -كالكُلَى أو غيرها- إلى هجمة أو أكثر من هجماته تجعل العَرْض على أطباء التخصصات الباطنية الفرعية هو الأمر الذي لا بد للمريض من التعرض له. هدى الله الجميع إلى شفاء مرضاهم.
المهم أنني عندما تكلمت عن علاج ذلك المرض ذكرت جملة تعترض أنت عليها؛ وهي جملة: (إن العقار الوحيد الفعال في مجابهة هذا المرض هو عقار الكورتيزون بمشتقاته المختلفة؛ لأنه الوحيد القادر -بأمر الله- على إحداث هدأة للأعراض في فترات ثورتها، كما أنه أيضا يستطيع وقاية المريض من ثورات أخرى إذا استمر عليه)، وربما لأنك من تخصص أقرب من تخصصي لذلك المرض، فقد أردت أن تخبرنا بأن هناك عقاقير أخرى لعلاج الذئبة الحمراء، وعلى أي حال فأنا أعرف -وأنت أيضًا- أن الكورتيزون رغم كل مضاره التي ذكرتها أنا في الإجابة على صاحبة المشكلة، ما يزال الخيار الأفضل -وغالبا الخيار الأول- للأطباء عند علاج مثل هذه الحالات، على الأقل لأنه ليس غريبًا على الجسد، وإنما هو هرمون يفرز في الجسد الطبيعي، لكننا نحتاج في حالات الذئبة الحمراء إلى جرعات أعلى من الطبيعي، وأما بقية العقاقير التي ذكرتها في مشاركتك، فأظن –ولا أدَّعي العلم الكافي هنا؛ فهذه عقاقير خارج مجال تخصصي- أن أضرار الاستمرار عليها أكثر من أضرار الكورتيزون، وإن كنت مخطئا في ذلك فصوب لي.
أما ما بعد ذلك فهو ما ذكرته في النقطة الثانية من مشاركتك، عندما تكلمت عن اضطرابات الشخصية، وأَشَرْتَ إلى العدوانية باعتبارها اضطراب شخصية، وهذا مقبول منك باعتبارك لست طبيبًا نفسانيًّا.
والحقيقة أن العدوانية هي واحدة من سمات الشخصية، وهي موجودة في كل إنسان بقدر ما، وقد تزيدُ حدتها في بعض الشخصيات وفي بعض المواقف، وقد يكونُ من بين التغيرات التي تطرأ على مرضى الذئبة الحمراء فعلا أن عدوانيتهم تزيد، ولقد قلت في ردي على المشكلة بالحرف الواحد: (المهم أن أعراض اختلال الجهاز النفساني تحدث في نسبة تصل إلى 50% من مرضى اضطراب الذأب الحُمامي المنتشر أو الذئبة الحمراء إن كنت تفضلين ذلك الاسم)، ومن الممكن أن تزيد عدوانية الشخص كجزء من أعراض اختلال الجهاز النفسي.
إلا أن أعراض الشخصية المستهينة بالمجتمع -والتي ظهرت بعض سماتها في سطور الأخت التي أرسلت لنا المشكلة من خلال تحليلنا لمواقفها- هي أعراض اختلال نفساني، له محكاته التشخيصية التي يعرفها كل طبيب نفساني، وهذه الأعراض أشمل وأوسع وأعمق بكثير من مجرد العدوانية التي قد تكون بريئة، وربما طفولية حتى في بعض الأحيان.
نقطةٌ أخرى أود إيضاحها لك؛ وهي أننا في الطب النفساني نعتمد في تصنيف الأعراض المرضية التي تقابلنا في مجال عملنا بمنهج يختلف عن منهج الأطباء من كل التخصصات الطبيبة، فبينما يقوم التصنيف في كل فروع الطب على الأسباب، فإننا في الطب النفساني لا نُصَنِّف الأمراض بناء على الأسباب؛ وذلك لأننا لا نعرف الأسباب الأكيدة على وجه التحديد وبصورة لا تقبل الجدل، مثلما هو الحال مثلا في التهاب اللوزتين أو التهاب المفاصل؛ فبينما يصنف طبيب الروماتيزم مثلا حالات مرضاه على أساس أسبابها التي يعرفها، فإن الطبيب النفساني يصنف مرضاه بناء على أعراضهم، لماذا؟ لأن الأطباء النفسانيين لم يتفقوا بعدُ على الأسباب!! رغم أنهم يتفقون على العلاج، وغالبا ما ينجحون بفضل الله.
وعلى هذا الأساس يصبح التشخيص الأكثر احتمالا لحالة تلك البنت هو الشخصية المستهينة بالمجتمع، والأقل احتمالا هو تغير عضوي في السلوكيات، ناتج عن أسباب عضوية قد تكونُ هي اضطراب الذأب الحُمامي المنتشر أو الذئبة الحمراء، وقد تكونُ تلك الأسباب العضوية هي عقاقير العلاج التي تستخدمها البنت، ولكن كون الحالة عضوية المنشأ هو احتمال ما يزال ضعيفا في نظري؛ لأن ما عهدناه يا أخي الفاضل في الأعراض السلوكية عضوية المنشأ هو أنها تكونُ أعراضًا متغيرة وغير طويلة البقاء، وتتغير ما بين يوم ويوم، وهذا قد ينطبق بالمناسبة على الأعراض الذهانية التي أَحَلْنَا في ردنا السابق إلى مشكلتين سابقتين على صفحتنا (استشارات مجانين)؛ لتعريف الناس بها ويمكنك الرجوع إليها.
ولأن هذه الأعراض الذهانية اختفت، فإنها من الممكن إرجاعها إلى أسباب عضوية. ونفس الكلام -بالمناسبة- قد ينطبق على أعراض الاكتئاب، الذي يبدو أنه كان عابرًا أيضا، وقد تكون الرغبة في الانتحار جزءًا منه، والاكتئاب هنا قد ينتج عن تأثيرات الذأب الحمامي المنتشر، أو من تأثير استخدام الكورتيزون لفترة طويلة.
وأما ما نراه في حالة البنت المريضة فأمر مختلف؛ لأن هناك منظومة كاملة من السلوكيات الطائشة وغير المسؤولة، وغير المحترمة لمعايير وقيم المجتمع الذي تعيش فيه البنت، بشكل جعلنا نشعر بانطباع مبدئي عن احتمال كونها حالة شخصية مستهينة بالمجتمع، وقد يكون تهديدها (إن كان غير جِدِّي) بالانتحار جزءًا من اضطراب الشخصية الذي نتحدث عنه، ولعل فيما تجده تحت الروابط التالية يكون تفسيرًا لما لا أكونُ قد وضحته لك هنا:
الشخصية السيكوباتية (المستهينة بالمجتمع)
ابنتي منحرفة: شخصية مستهينة بالمجتمع!
علاج الشخصية السيكوباتية المستهينة بالمجتمع
ولما كان اضطراب الشخصية لا ينتج عن عامل واحد (وهو ما ينطبق على معظم الاضطرابات النفسية، إلا أنه أوضح وأكثر شمولا واتساعا في حالة اضطرابات الشخصية)، ولما كان الطبيب النفساني لا يصنف ولا يشخص بناءً على الأسباب المحتملة، فإن قولنا بأن انطباعنا عن تلك البنت هو أنها قد تكونُ صاحبة سمات شخصية مستهينة بالمجتمع هو القول الذي ما زلنا نصرُّ عليه، ونشكرك مرةً أخرى على مشاركتك وإطرائك، وأهلا وسهلا بك دائمًا على موقعنا مجانين.