إخوتي الأحبة لا بد لي أن أقدم لكم عظيم الشكر والامتنان على ما تبذلونه لأجلنا، لن أطيل عليكم وسأبدأ بسرد مشكلتي التي أرجو من الله وأنتم من بعده أن تعينوني على حلها.
أنا فتاة عمري 22 عاما متزوجة منذ سنتين ونصف عندي طفل عمره سنة ونصف، زوجي والحمد لله على أفضل ما يكون الزوج من العلم والخلق والدين وحسن المعاملة، أنا تخرجت من حوالي 4 شهور من الجامعة، وحصلت على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية قسم الفقه وأصوله.
أنا ولله الحمد على قدر من الجمال وعائلتي ميسورة الحال كما أن والدي منحني شقة باسمي أسكنها الآن، كما منح بقية أخواتي باختصار وضعي من جميع النواحي أفضل مِن كل مَن هم حولي، سواء أهلي أو أهل زوجي، وكلهم طيبون ولا توجد أي مشاكل بيننا، لكن المشكلة التي أعاني منها هي مع نفسي ولا دخل لمخلوق فيها، فأنا عندما تزوجت كنت أعتمد على أمي كثيرا؛ لأني كنت لا زلت أكمل دراستي الجامعية، وعندما أنجبت ابني وصلت الأمور لدرجة أن أمي انتقلت من بيتها لتسكن في شقة بجانب شقتي لتقوم برعاية ابني عند ذهابي إلى الجامعة، واستمر الحال على ما يرام إلى أن تخرجت قبل 4 شهور،
بعد أسبوع من تخرجي سافرت أمي إجازة لمدة 10 أيام، مرضت أنا خلالها وكنت أعاني من التهابات في المجاري البولية، كنت خائفة جدا عندما يخرج زوجي للعمل، وأنا أشعر بالتعب والدوار وابني معي، كنت أخاف أن يحدث لي شيء وابني وحيد، بعد ذلك عدت وأجريت الكثير من الفحوصات وتحليل الدم والهرمونات، أنا شفيت من الالتهابات، لكنني دائما أشعر بخفة في الرأس وتأتيني نوبات مفاجئة أشعر فيها أنني سأفقد الوعي وتزداد ضربات قلبي وأشعر ببروده في الأطراف وارتعاش بجسمي ولا أستطيع التنفس جيدا، فأحس أنني سأموت، وعندما تذهب "النوبة" يبقى الشعور بتأرجح وعدم توازن في رأسي.
أنا لا أتوهم حقا أنا أعاني من ذلك زوجي يبذل جهده لمساعدتي، لكنه الآن أصبح حائرا ولا يعلم ما يفعله لأجلي وأخشى أنه في النهاية سيمل مني ومن وهني الدائم، لم أعد ارغب بالخروج من المنزل، ولا زيارة أحد ولا التزين والاهتمام بزوجي.
في رمضان عندما كنت في السوق مع أمي سقطت فاقدة الوعي واصفر وجهي ويداي وابيضت شفتاي، وهرع أصحاب المحال التجارية وأحضروا لي الماء وآخر أحضر عطرا، وآخر أحضر عصيرا، إلى أن استعدت وعيي وقواي ونهضت.
في تلك الفترة كنت أعاني من فقدان الشهية ويومها لم أتسحر وقد يكون ذلك سبب ما حصل لي في السوق.
حالة الخوف هذه معي قبل حادثة السوق، لكن بعدها لم أعد أتشجع للخروج؛ لأنني خفت أن يتكرر ذلك، لم تعد لدي الحيوية والنشاط لفعل أي شيء، وأستغرب من نفسي كيف كنت قبل شهور أخرج وحدي وأركب المواصلات وأذهب إلى الجامعة وحدي دون خوف أو تردد.
زوجي يطلب مني الذهاب في رحلات خارج المدينة أرفض بشدة فأنا أخشى أن يحدث لي شيء، أريد البقاء داخل المدينة بجانب المستشفى.
يصيبني صداع مفاجئ كل فترة في منتصف الرأس أتخيل وأقنع نفسي أن عندي مرض خطير، كما أنني حاليا أرفض فكرة إنجاب طفل آخر لأنني لا أشعر أنني أستطيع منح الأمن والرعاية لابني فكيف بطفل آخر.
كنت أنوي القيام بالكثير من الأمور عندما أتخرج أشترك في ناد رياضي وأقوم بنشاط دعوي، لكنني الآن لا أجرؤ على الخروج نهائيا من المنزل مع أن زوجي يعطيني الإذن لأفعل ما أريد.
دائما أفكر أنني سأموت وأخاف عندما أسمع أن أحدا في عمر الشباب مات فجأة بالجلطة الدماغية، أعلم أنه لا يفترض بواحدة تحمل شهادة في العلم الشرعي أن تفكر بهذه الطريقة وأنه يفترض بي أن أكون أكثر إيمانا كما هو اسمي، لكن لا أدري هذا الأمر فوق إرادتي، لقد تعبت كثيرا، ولطالما كنت أشجع زوجي لتحقيق حلمه بإكمال دراسة الدكتوراة في الخارج، لكنني اليوم أقوم بتثبيط همته فأنا أرفض أن يذهب ويتركني، كما أرفض الذهاب معه إلى بلد أجنبي لا أعرف فيه أحدا، وأتخيل أنه يخرج ويتركني وأبقى وحيدة أنا وابني ويحدث لنا مكروه، ولا أعرف أحدا هناك، ولا أستطيع التخاطب مع أحد بلغة لا أعرفها، صرت أبحث في الإنترنت عن أعراض الحسد والعين والأمراض المختلفة إن كانت تنطبق على حالتي،
أريد فقط أن أعرف ما هي علتي، فأنا لا أعاني من أي ألم في جزء من جسمي، فقط هذا الشعور بخفة الرأس وعدم التوازن.
الإيجابية الوحيدة لهذه الحالة أنني أصبحت أحرص على صلاة السنن أكثر وأقرأ القرآن بشكل يومي وأتلو الأذكار بشكل دائم.
جزاكم الله خيرا ووسع صدوركم لتحمل ما نثقل به عليكم من هموم ومشاكل.
30/3/2025
رد المستشار
الابنة العزيزة "إيمان" أهلا وسهلا بك على موقعنا مجانين، وشكرا على الثقة.
يبدو أن البداية كانت قلقا مفرطا على صحتك الجسدية وأنت متحملة مسؤولية ابنك الوحيد -بارك الله لك فيه وحفظه من كل سوء- بينما والدتك غائبة هذا القلق المفرط إضافة لحالتك الجسدية (أعراض التهاب المجاري البولية) هيأك مع الأسف لما نسميه في الطب النفساني بنوبات الهلع أو النوبات شبه الهلعية ربما.
وهي ما وصفته بقولك: (وتأتيني نوبات مفاجئة أشعر فيها أنني سأفقد الوعي وتزداد ضربات قلبي وأشعر ببرودة في الأطراف وارتعاش بجسمي ولا أستطيع التنفس جيدا فأحس أنني سأموت)، وتلا ذلك قلقٌ توجسي Anticipatory Anxiety، حيث أصبحت خائفة من تكرار النوبة خاصة وأنت وحيدة أو بعيدة عن بيتك أو دون مرافق كأمك أو زوجك، إضافة إلى أعراض قلق جسدية تصفين بعضها بقولك: (الشعور بخفة الرأس وعدم التوازن).
والمشكلة أنك لم تنتبهي إلى أن الاستجابة لما تخافين منه -هو في الأصل لا يستدعي كل خوفك- بأن تتجنبيه وتتحاشيه إنما تؤدي فقط إلى تعزيز ذلك الخوف وليس الخلاص منه مع الأسف، ولأشرح لك أقول:
فبينما يبدأ الأمر من خوف من أن تداهمك النوبة... يتحول بالتدريج عبر عملية تشريط Conditioning سلوكي معرفي إلى ربط الخوف واستجابتك الهلعية بأماكن أو أحداث أو مواقف تتحاشينها بعد ذلك، خوفا من أن تدهمك النوبة، ومثل هذه الأفكار إذا حاصرت الشخص الذي يتعرض لنوبات الهلع المتكررة فإنها قد تؤدي به إلى ما نسميه رهاب الساحة Agoraphobia والذي ينتهي بصاحبه إلى اكتئاب والتحافٍ بمكانٍ كان بيته، فإذاه يسجن نفسه فيه، ومع الأسف تداهمه النوبات أيضًا في الحالات المزمنة عافاك الله.
أعود إليك لأقول لك اطمئني لأن عمر اعتلالك النفسي أربعة أشهر فقط والمسألة كلها ستكون عابرة إن شاء الله إذا أنت استخرت ربك واستشرت زوجك وطلبت العلاج من طبيب نفساني يشرح لك كل شيء وجها لوجه وهم في بلدكم موجودون.... أربعة أشهر من الاضطراب النفساني المختلط الأعراض (خلطة قلق واكتئابMixed Anxiety Depression) من نوع اضطرابك هذا لا تقلق الطبيب النفسي عادة؛ لأنها قابلة للإصلاح ببعض من التفاهم والتفهم والشرح والتوضيح لتفسير ما حدث لك ودمجه كله بصورة تفهمينها فتكفين عن الخوف مما تفهمين وتعرفين أنه آمن، وذلك جزءٌ معرفي، ويلي ذلك تكوين برنامج علاج سلوكي لتتعلمي فيه كيف تتعلمين مواجهة الأعراض التي كان يخيفك منها جهلك بها، وهو برنامج التعرض التدريجي -للشارع والخلاء والبعد عن البيت بشكل عام في حالتك- إضافة ربما إلى عقَّار علاجيٍّ إن تأكد تشخيص الاكتئاب، أو كانت أعراض مخاوفك أشد من أن تقاوميها بنفسك دون مساعدة عقارية...
وهكذا أنتظر منك أن تكملي رحلة العلاج النفسي وأن تفهمي كل شيء بشأنها، وأن تتابعي معنا التطورات أولا بأول... ولمزيد من الاستيضاح عن أبعاد المشكلة أود إحالتك إلى ثلاث إجابات سابقة لنا على الصفحة تحت عنوان:
رهاب الساحة، وخلطة القلق والاكتئاب
هلع ورهاب الساح : لم لا يفيد العلاج ؟
الخوف من الموت: بين الطبيعي والمرضي
وأحسب أن أجبت مباشرة أو إحالة على تساؤلاتك وقلت لك أن علتك هي خلطةُ أعراض قلق واكتئاب ربما لم تتشكل بعدُ وإن أخذت شكل الطريق من نوبات الهلع إلى رهاب الساحة
-أو فطبيبك النفساني الحقيقي أقدرُ وأصدق مني- إن رأى غير ذلك، المهم أن أربعة أشهرٍ تعني أن الأزمة في بدايتها فلا تترددي في طلب العلاج وادعي لنا الله عند الشفاء.