السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مشكلتي الأزلية هي الحاجة إلى مودة حقيقية صادقة، واستغلال الكثيرين لهذه الحاجة، أنا شاب عمري 27 عاما، مشكلتي الحقيقية أنني عندما أجد صديقا حقيقيا، متوافقا معي في أفكاري، وفي شخصيتي، أتعلق به تعلقا جنونيا، وأكون في غاية اللطف معه، وأقدم روحي فداءه، وأقدم حاجاته على حاجاتي بشكل لافت للنظر.
في داخلي، أشعر بأني وجدت كنزا، وجدت سعادتي القصوى، ولكن للأسف الشديد، هذا التعلق والمحبة اللافتين للنظر، تبعث الشك والريبة في نفوس أصدقائي هؤلاء، ويظنون أنني أسعى وراء منفعة حسية أجنيها من وراء هذا، والأسوأ أنهم يظنون أن في الأمر دوافع جنسية، ويعلم الله أنه ليس من هذا شيء من الصحة أبدًا، بل على العكس أشمئز ممن يفعل مثل هذا الأمر، وأجد ميولي نحو الجنس الآخر طبيعية جدا جدا، لست أزعم أنها محبة في الله، أي بمنظور الدين، وإنما هي صداقة ووفاء، كقيم عالية بحد ذاتها، وقد تكون هذه الصداقة مع أي أحد يشاطرني أفكاري وهمومي.
نعود للمشكلة، كما ذكرت لكم، الكل يشكك في هذه الصداقة، مما يضطرهم لإنهاء علاقتهم معي وبشكل نهائي، أقل من الطبيعي حتى، أي لا يريدون حتى كلامي. هذا الأمر لا يستوعبه عقلي بالمرة، ولا يطيقه قلبي، خصوصا أن هذا يحدث بعد مرور فترة طويلة نسبيا على نشوء هذه الصداقة، وبصراحة لا أستطيع أن أكذب على نفسي وأتصنع عدم معرفتي للشخص المقابل، ولا أكلمه، عقلي لا يستوعب هذا بالمرة.
عرضت نفسي على الطبيب المختص، فوصف لي مضادات اكتئاب وقلق، وآخر ما توصل إليه هو تشخيصي بمرض ADHD، طبعا بناء على معطيات أخرى لا يسع المقام لذكرها.
أعطاني الدكتور الدواء، وكل ما أشعر به هو زيادة في الألم والإحباط، ورغبة شديدة في الموت، أفكر في هذا في كل لحظة، لا أستطيع أن أعيش في هذا العالم، أنا لست منه.
أخبرت ذلك للطبيب، فطلب مني إيقاف الدواء الأخير، والاستمرار على حبوب الاكتئاب، والتي لا تنفع أبدا.
أعتبر نفسي مسلما ملتزما، وأملي بالله كبير، كل ما يمنعني من الإقدام على قتل نفسي، هو خوفي من الرحمن، ويقيني أن هذا هو سبيل العذاب الخالد، الذي أحاول الهرب منه.
لم أعد أقدر على الصلاة ولا الدعاء حتى..
أرجو أن تساعدوني رجاء، أنا أموت وأتعذب ولا أطيق هذه الحياة بالمرة.
29/3/2025
رد المستشار
أخي العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
للإنسان ثلاثة مستويات للعلاقات منها: علاقته الداخلية بذاته، ثم علاقته الأفقية بالناس، وقبل هذا وفوق هذا علاقته الرأسية بالله عز وجل.
ولكي يعيش الإنسان حياة طبيعية يحتاج لوجود توازن بين هذه المستويات المختلفة للعلاقات، بحيث تكون علاقته بنفسه إيجابية، وتقديره لنفسه مناسبا، وتكون علاقته بالآخرين قوية ومتوازنة، وعلاقته بالله نشطة ومتجددة ومشبعة.
وفي حالتك أرى أن المستويين الداخلي والرأسي للعلاقات بهما ضعف كبير، ولذلك تركزت كل طاقة العلاقات لديك في علاقة واحدة أو في مستوى واحد، هو مستوى العلاقة بالناس، ولذلك تجد نفسك شديد التعلق بهم وشديد الحرص على بقاء العلاقة بالآخرين في صورة تزعجهم وتخيفهم منك وتجعلهم يظنون بك الظنون.
وأنت تشعر أن انتهاء العلاقة بالناس أمر مهدد لوجودك فأنت تعتبر علاقتك بهم مسألة حياة أو موت؛ لأن ثقتك بذاتك ضعيفة وعلاقتك بها كذلك، وأيضا علاقتك بالله تحتاج لمراجعة، فأنت كما ذكرت لا تستطيع أداء الصلاة أو حتى الدعاء، أي أن المستوى الرأسي في العلاقة ضعيف أو متوقف، وهذا يجعل علاقتك بالناس تستولي على كل شحنات المشاعر، وأنت بهذا تغرق من تتعلق بهم بمشاعرك فينفرون منك ويبتعدون عنك.
والحل أن تعيد توزيع طاقة مشاعرك على المستويات المختلفة للعلاقة، وأن تثق بنفسك وتسعد بالحديث إلى نفسك ومصاحبتها في بعض الأوقات، وأن يكون بينك وبين الله لحظات أنس ومناجاة تشعر معها بقربه تعالى منك وتشعر بالراحة والطمأنينة كلما لجأت إلى رحابه.
فإذا نجحت في تنشيط هذين المستويين للعلاقات فإن علاقتك بالناس ستكون أكثر هدوءا وأكثر توازنا، حيث إن المستويين السابقين للعلاقة سيمنحانك الشعور بالأمان، فتتعامل مع الناس على أنك ناضج، ولست طفلا صغيرا خائفا يتعلق بثيابهم، فينفرون منه ويدفعونه بعيدا عنهم.
وأنا أرى في كلامك وفي سلوكياتك بعض علامات الشخصية الحدية، وهذا النوع من الشخصيات يقلق كثيرا من احتمالات الهجر ويخشى الوحدة، ويعيش مشاعر حزن وربما اكتئاب، وقد تساوره -كما هو حادث معك- بعض الأفكار الانتحارية؛ لذلك أنصحك بالاستمرار في مضادات الاكتئاب التي وصفها لك الزميل الطبيب إضافة إلى تدريب نفسك على تنشيط المستويات المختلفة للعلاقات كما ذكرت لك آنفا.
واقرأ أيضًا:
التعلق Attachment
تعلق بصديق: التعلق المرضي
فرط التعلق بالآخرين: توزيع الحب علاجا!