السلام عليكم
مشكلتي هي أني شاب أبلغ من العمر 25 سنة، أعزب، أحببت فتاة عن طريق الإنترنت، وتواعدنا أن نتزوج. وخلال دراستي حصلت على وعد من أهلي بأنهم سوف يزوجونني من الفتاة التي أحبها.
وأخيرا تخرجت في الجامعة بإذن الله وقررت التقدم لها، ولكن أهلي نسوا وعدهم لي، وقالوا: كيف تتزوج وأنت لا تملك مال العروس، فقررت أن أعمل، وفعلا وفقني الله بوظيفة والحمد الله، وعندما قبضت أول راتب لي كنت فرحا جدا، ومرت الشهور والفتاة تنتظرني أن أبر بوعدي لها، وأهلها يحاصرونها حصارا كبيرا حتى تتزوج ولكنها ترفض وتطلب مني الإسراع بخطبتها.
قررت أن أكلم أهلي من جديد، ولكنهم أخبروني بأنهم وجدوا لي العروس المناسبة، وقالوا لي: هل يعقل أنها لم تكلم غيرك، وحاولوا المستحيل حتى يثنوني عنها. وقررت أن أصلي الاستخارة ووجدت نفسي مرتاحا جدا، وحتى هذ اليوم مضى على عملي 4 أشهر وأهلي يرفضون طلبي، ولا أدري ماذا أفعل، والفتاة في حالة حزن دائما لا تكلمني، وأهلي لا يريدون أن أتزوج بها؟
أريد حلا لهذه المشكلة،
أرجو منكم الإفادة بأسرع وقت.
30/3/2025
رد المستشار
أخي الكريم، أقدر موقف والديك ومشاعرك نحو هذه الفتاة وتعلقك بها وحرصك على تنفيذ وعدك لها.
أخي الكريم، الإنترنت أصبحت في حياتنا وسيلة تعارف ونمو للمشاعر والعلاقات الإنسانية بمساحة أوسع وأعمق من العلاقات التي تحدث على أرض الواقع، وهذه الأداة بما تسبب من تغيرات نفسية واجتماعية قد شغلت فكري وفكر فريق مشاكل وحلول.
فهذه الأداة قد قلبت أمور المجتمع عقبا على رأس، وأصبحت تسيطر وتتحكم في حياتنا، وأحيانا تصل بنا إلى هدف يحقق لنا سعادة ونفعا، وفي حين آخر تكون السبب في تعاسة وشقاء من يستخدمها بعد الوقوع في فخ إلكتروني أو وهم فضائي لا أساس له على أرض الواقع، وأرجو ألا يفهم من أسلوبي أني ضد أو مع الإنترنت. إنما أحاول أن أنظر إلى الأداة بنظرة عميقة وشاملة وتأملية واستفسارية، محاولة توظيفها التوظيف الصحيح.
فهل هذه الأداة بعد قليل ستصبح العوض الرئيسي عن الحياة الاجتماعية الحقيقية؟ وهل نحن أصبحنا قاصرين عن التفاعل الحقيقي في أرض الواقع، ونعترف بهذا لنحاول أن نعوض هذا القصور باستخدامنا تفاعلا جديدا بأدوات جديدة؟ أسئلة كثيرة ومناقشات تدور في الأذهان والأوراق حول موقف الإنترنت والشات في حياتنا، وكل يوم ينضم إلى ملف الشات والإنترنت صفحة وورقة جديدة تكشف لنا عن أشياء جديدة وغريبة في هذا العالم الجديد، قد يتطرق إلى الأذهان سؤال ما دخل طرح مشكلتك بما ذكرته من مقدمة سابقا. إن مشكلتك يا أخي هي مشكلة تتكرر كل يوم وليلة مع اختلاف التفاصيل واختلاف أسباب المشكلة، والجزء المشترك بينكم جميعا هو أداة الشات والإنترنت.
أخي الكريم، ليست المشكلة لديك رفض والديك لهذه الفتاة، وإنما المشكلة لديك كيفية اختيار شريك الحياة واقتناعك باختيارك واقتناع والديك بنضج اختيارك، وسنتحدث لاحقا في هذه النقطة. أما بالنسبة لرفض والديك فهذا طبيعي بالنسبة لهما، فلن يقتنعا بهذه الفتاة لأنهما لم يدخلا عالم الشات والإنترنت ولا يدركان أن الشات والإنترنت عالم مختلف عن عالمنا؛ فهما يتعجبان من تمسكك بهذه الفتاة ويحاولان بشتى الطرق تأجيل الموضوع على أمل أن تغير رأيك، ويشعران أن هذه الفتاة غير جادة وقد تكون تحدثت مع غيرك الكثير والكثير، ويشعران أن حبك لهذه الفتاة إنما هو وهم، وحبٌ أول غير ناضج، ولكي يقتنعا بهذه الفتاة فلا بد أن يدركا نضجك في طريقة الاختيار ويثقا في رأيك، ولكي يتم هذا فلا بد من إعادة النظر في كيفية اختيار شريكة الحياة.
ويجب أن تدرك أن عالم الشات والإنترنت لا تستطيع أن تحصل فيه على حقائق إلا في حالة تحول هذه العلاقة من الفضاء الإلكتروني إلى أرض الواقع، ومن رسالتك يبدو أنك رأيت الفتاة وتعرفت عليها وترى أنها فتاة صالحة، ولكن المشكلة الآن لديك ليست والديك وموقفهما. وإنما المشكلة أنك أنت والفتاة لم تضعا معايير لاختيار شريك الحياة، فيجب قبل أن تختار زوجة أن تضع معايير للاختيار، من مستوى تعليمي واقتصادي واجتماعي وديني وأخلاقي وتعليمي، وطباع الشخصية، والاهتمامات المشتركة... إلخ.
فالحب وحده لا يكفي لمواصلة الحياة الزوجية ولتكوين أسرة سعيدة؛ فالعقل يجب أن يأخذ دوره في الاختيار، ولهذا فوالداك غير مقتنعين أو واثقين باختيارك. إن والديك إن لمسا في اختيارك أسسا ومعايير، ووجدا أنك تختار بالعقل والقلب معا.. فستستطيع إقناعهما باختيارك لأنهما سيشعران بنضج في اختيارك.
أخي الكريم، أنت تحتاج لوقفة مع نفسك وهذه الفتاة أيضا تحتاج لذلك لتتأملا هل اختياركما على أساس واقعي، أم فقط إعجاب؟! وهل علاقتك على الإنترنت بها سابقا تكفيكما لتأسيس بيت سعيد؟ فأعط لها ولك فرصة في التفكير، فيجب أن تتأنى، ويفكر كل منكما في اختياره، وإن كانت هذه الفتاة أو غيرها تناسب معايير اختيارك فلن يقف والداك في وجه سعادتك ما داما قد لمسا الصدق والثقة في اختيارك.
وأعد الاستخارة مرة ثانية وثالثة؛ فكما يقال: "لا خاب من استشار ولا ندم من استخار"، والتجئ إلى الله عز وجل بالدعاء بأن يلهمك الخير والرشد ويرزقك بالزوجة الصالحة التي تعينك في الدنيا والآخرة، وأخيرا أدعو الله أن يوفقك ويوفق هذه الفتاة إلى الخير، وتذكر أن الزواج نصيب ورزق من عند الله عز وجل، قال الله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}. فأدعو الله أن يرزقك بالزوجة الصالحة، وأن يوفقك لما يحب ويرضى. ويمكنك مراجعة إجابات سابقة، منها:
الحب بالشات = واقع أقرب للخيال.
الهاتف والشات: وسائل اتصال لا تواصل
رفض الأهل ليس أهم الجوانب.
ويضيف د. أحمد عبد الله رأينا القديم ما زلنا نتمسك به، وهو أن الإنترنت ليست كافية لإقامة علاقة كاملة وكافية من حيث كونها مقدمة لزواج ناجح، والمشكلة التي خلقهتا الإنترنت في هذه المساحة تبدو أكثر في المجتمعات التي لا تتيح فرصة اللقاء بين الشاب والفتاة في المجال العام والأنشطة الاجتماعية فتكون الدوائر المتاحة هي الفضاء الإلكتروني أو الغرف المغلقة!.
والفضاء الإلكتروني له قواعده وأصوله وحدوده في التعريف بالطرف الثاني في الاتصال. ولقاءات الغرف المغلقة ليست مقبولة في ديننا أو ثقافاتنا، فما العمل؟! لكنني بالطبع لن أطلب منك الانتظار حتى تنتهي مشكلات المجتمعات العربية النفسية والاجتماعية؛ فهذا طريق طويل وجهد أرجو أن تساهم أنت بنصيب لتفتح السبيل أمام غيرك في المستقبل حتى لا يقع في نفس المأزق الذي أنت فيه الآن.
أقول: تحتاج للتأكد من صحة اختيارك، وأن هذه الفتاة هي الأنسب لك، وأنك أنت الأنسب لها، وتحتاج هي أيضا إلى مثل هذا التأكد، وبعد ذلك فإن حصولك عليها كزوجة لن يكون صعبا ببعض الصبر والإصرار حتى تنزل الأسرة على رغبتك.
تذكر يا أخي الكريم أن حصولك على فتاتك ليس هو الأمر الأصعب أو الأخطر في قصتك، ولكن حسن اختيارك لها واختيارها لك؛ لأن سوء الاختيار عواقبه وخيمة، وغدا تذهب إثارة اللقاء الإلكتروني، وسحر الإبحار في الأثير، وأحاديث الشات الليلية، ومجاملات النت ولطائف العالم الافتراضي الذي تخلقه هذه الأداة العجيبة، وتصبح هي وأنت معا.. دم ولحم، وشخصية وطباع، تعاملات ومشاعر واقعية. إنه الانتقال من عالم الخيال والرومانسية إلى عالم الحقيقة والتعامل اليومي بمسؤولياته وتبعاته، فهل أنتما على وعي بهذه النقلة؟ وهل أنتما على استعداد كامل لها؟! وهل لديكما الثقة بأنكما راغبان في استكمال الحياة معا بمشيئة الله؟! وأنكما متوافقان متناسبان؟! هذه هي الأسئلة الأهم.. فهل لديك إجابة؟!