لا يجرك ولا تجرين العلاج ممكن!
ضغوطات حياتية دراسية، فقد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا من متابعين صفحة مجانين لمدة سنتان تقريباً، دائماً ما أقرأ الاستشارات بشكل يومي، وأجد فيها مواساة أحياناً لنفسي وإن لم أكن أشاركهم في المشاكل، جزاكم الله خيراً على جهدكم وأعانكم على ما تبذلونه من محاولات إصلاح، أدعي لكم فهو حقاً ما يحتاجه من ليس لديهم من يشاركهم مشاكلهم.
مشاكلي قد يراها البعض تافهة فقط لأنها ليست مرضاً عضوياً أو حادث جسدي، حفظ الله الجميع .
وضع الأسري:
أكبر حدث حمل في حياتي هو وفاة أبي أعز إنسان علي منذ 4 سنوات ونصف عندما كان عمري 17 سنة (كانت وفاة فجأة حيث إنه كان يقوم ببعض الأعمال في المنزل وأصابه شيء مثل السكتة القلبية وتوفي، وقتها كنت نائمة في الصباح ودخلت أختي تصرخ تقول أن ابنه عمي أخبرتها أن شيئاً حصل لأبي ولكنها لا تعلم ما هو،، قمت مفزوعة أخواتي الأكبر مني يبكين ولا أحد في المنزل سوانا نحن فكنت أنا من يطبطب عليهن وأأكد لهم أن أبي لربما نزل عنده سكر الدم فهو مريض سكري ويحدث معه ذلك أحياناً، لكن الأمر نزل علي كالصاعقة عندما رأيت سيارة كبيرة تدخل بيتنا حينها علمت من نظرات الجميع أن أبي توفي، كان الأمر أشبه بالكابوس وعدم التصديق كيف يمكن للموت أن يكون حقيقياً؟ كيف للموت أن يدخل بيتنا ويأخذ من أبي!!!!
أكتب لكم وأنا أبكي لأنني أحسست أنني أعيشها الآن،، في أول يوم من العزاء لم أبكي، وكان الجميع يشيد بصبري ظناً منهم أنه بسبب قوتي (فأنا معروفة بالحزم والجلد، لم يكد يرى أحداً دموعي في حياتي سوى أبي)، لكن وقتها الواقع لم يكن قد ضربني بعد. عندما نمت ذلك اليوم حلمت بكابوس أن أبي قد مات وقمت على صوت منبه أبي لصلاة القيام، وقتها انهرت من البكاء وانفاظ السد المحبوس وأدركت أن نصفي ذهب وأنا جزء من روحي نزعت، ومن يومها أصبحت حساسة أبسط الأشياء تبكيني. أخاف من الفقد أخاف من عيش نفس التجربة.
كنت مقربة من أبي، كان يفضلني من بيني إخوتي ولكن ليس التفضيل الذي يزرع الحقد في قلوب الأخوة، فأنا كنت من أعتني به منذ كان عمري 11 سنة فكنت أنا من أعطيه حقن الأنسولين وأدويته، وأقوم بتدليكه كل ليلة وهذا هو روتيني. ولا أبالغ أن حب أبي سيكون آخر حبٍ لي كان يقبلني كل يوم حتى آخر يوم ويسميني بدكتورتي.
أمي كانت كثيرة الغياب من المنزل ليس لشيء ولكن للاعتناء بأهلها تتحجج أمي أنها تذهب لبيت أهلها للاعتناء بأمها، لكن كان هدفها الأسمى هو خدمة إخوتها وزوجاتهم فهي على الرغم من أنهم لا يعتبرون ما تفعله سوى واجب عليها، وهي تكون في قمة استمتاعها عندما تخدمهم ولو على حساب أولادها وزوجها. يمر رمضان كامل من دون أمي أرى نظرة الحزن على وجه أبي في الإفطار أن أمي ليست معنا، وفي العيد تأتي أمي في آخر الوقت بعد أن انتهت من خدمة إخوتها. لكن أبي لم يكن يحرمها من الذهاب ولم يعترض يوماً سوى في الأعياد وحتى في ذلك فهو يطلب بلطف مع ذلك لا تأتي.
أمي كانت متسلطة جداً على أبي فكانت أول من يفتعل المشاكل مشاكل لا توجد لها أساس، وهي من أفسدة علاقة أبي بإخوته فأبي كان يتيم الأبوين وكان يحب أهله ويعطف عليهم رغم أنهم لم يكونوا طيبين معه،، وأحيانا أراه يذرف الدموع عندما يحصل شيئا مع إخوته وهوه لا يستطيع المساعدة يقوم بزيارتهم ولكنهم لؤماء معه، ولكن لله الحمد تحسنت علاقتهم بعد أقل أن يتوفى بأشهر.
لا أنكر فضل أمي فهي من ربتنا حتى كبرنا، ولكن لأن وأنا أسترجع الماضي أغلبه لم تكن فيه أمي، أبي كان الأم والأب. علاقتي مع أمي جيدة فأنا أحترمها وأبرها، ولكن لا أحس بعمق العلاقة. ولكن هذا لا يمنعني من برها. حتى أنها تثني علي من أخواتي أنني الأعقل وأنني الوحيدة اللتي لا تزعلها.
كنت في كل مرة أبكي تأتي أمي لتسكنني وأن الجميع يموت وأن الرسول عليه الصلاة قد مات، أحسست أن أمي كانت تحس بالغيرة من تعلقي بأبي، فبعدما أصبحت أمي مجبرة على البقاء في المنزل أدركت كم أنها لا تعرف شيئا عنا كيف يكون روتيننا حيث اهتمامها المفاجئ بعد وفاة أبي كان دائماً يشعرني بعدم الارتياح فهو يخلو من المشاعر التي كان يمتلكها أبي، لكن لأني أرى الوضع أفضل فهي أصبحت تحب وتهتم لبعضٍ منا. أماً الباقي فهو مزيف ولكن لا يزعجني على الأقل هي في المنزل (أعرف أنكم ستقولون هي لا تريدك حزينة) لكن حتى بكاء أمي في العزاء كان مزيف أنا أعرف أن الجميع مختلفٌ في المشاعر وطريقة التعبير عنها لكن كنت أعلم أن هذا البكاء مزيف .
الوضع المادي الاجتماعي :
وضعنا المادي كان من متوسط إلى ضعيف بعد وفاة أبي أصبح ضعيف حيث أن راتبه قد قطع للنصف، عندما كان أبي على قيد الحياة ولم يكونوا أهلي يقصرون علينا بشيء فهم كانوا ما يحرصون على سعادتنا، لكنني كنت أعلم أن وضعنا المادي ضعيف فلم أكن أطلب من أبي وأمي المال وكن حريصة إلا أكثر عليهم الطلبات على عكس إخوتي وأخواتي فأختي تزعل إذا لم يشتري لها أبي أحدث آيفون بينما هاتف أبي نفسه هاتف كشاف مما كان يزيد الضغط عليه، لم يشتكي ولكن كان عندي وعي عالي بما يحسه الآخرون سواء سلبي أو إيجابي. حتى أنني أذكر أنني عندما كانت تكرمنا المدرسة بالمال لتفوق كنت أضعها في محفظة أبي دون أن يشعر، كنت أزعل إذا لم أحصل على جائزة مالية ولو كانت الجائزة شيء جميل.
في البداية كنت متوسطة في الدراسة ولم أكن أهتمّ، أبي بدأ يعمل كسائق شاحنة نفايات. من أحد المعارف الذي يعمل كمدير حيث أن علاقة أبي بأهله كانت جيده . لم أكن مستعرة أبدا من ما يعمله أبي بالعكس كنت فخورة وأحزن أنه جالس يشتغل ويتعب عشانا، فكنت ما أرجع من المدرسة معه بشاحنة النفايات، بدون أن أحس أن هناك خطب ما (وفعلا لا يوجد خطب) قبل أن أدرك نظرة المجتمع سأتحدث عنها لاحقاً.
هذا المديركان يطلب ويستغل طيبة أبي في القيام بالأعمال المنزلية له، وكان أبي يقوم بها بصدرٍ رحب فهو يحب هذا الرجل وأهله ويعطيهم عينه لو يطلبوا. أبي كان بريء جداً. كنت أذهب مع أبي أساعده لأنني لم أرد أن أتركه يتعب وحده في بيت هذا الرجل الغني، وكان لا يعطي أبي قيمة ونظراته أن أبي مجرد شغال عنده وعند أهله. لم يكن أبي يحس بالانكسار، ولكنني كنت أحس بالانكسار من تعبه وكيف يعامل هذا الشخص أبي.
بعدها علمت أن ابنة هذا الرجل في صفي بل وهي الفتاة التي تحصل على المركز الأول سنوياً. ولم أكن مدركة لهذا حيث أنني لم أكن أهتمّ بالمراكز والدراسة. بعدها عزمت على نفسي أن أزيحها من مركزها لأكسر ولدها. فهذه كانت الرغبة الحقيقية. في تلك السنة لم أحصل على المركز لأول على الصف فقط بل على المدرسة بأكملها. ومن هنالك بدأت أهتمّ بالدراسة لأفرح أبي، أبي لم يكن يهتم بالمراكز وكان يقول (ما دمت بخير فأنا سعيد ولا أريدك أن تجهدي نفسك وتحمليها فوق طاقتها راحتك هي سعادتي)،،،،
لا أنكر أن المدير تحسن أسلوبه مع أبي وحتى لو لم يكن أبي يشعر بأن كان هنالك خطب في أسلوبه سابقاً، فأنا أراه يسترق النظر إلي عندما يتحدث لأبي حينما أتيت لأساعد أبي في مزرعته ليرى من هي الفتاه التي هزمت ابنته، فزوجته هي أيضاً كانت تعمل كمعلمة في نفس المدرسة فهي تخبره.
نظرة المجتمع،،، حينما وصل عمري16 ، كانت سمعتي قد انتشرت في المدرسة بتميزي ولله الحمد، وكنت فتاة خلوقة وعلى مظهر العز فكنت راقية الحديث والمظهر (كنت قد حفضت من القرآن والشعر ما قد يبهر البعض عندما أتحدث بحديثي العادي). كنت معجبة بإحدى الأستاذات بسبب رقتها وتعاملها المميز معي فهي كانت ترى أخلاقي وذكائي، حتى أنها كانت تكتب رسائل ثناءٍ في دفتري حينما كانت تأخذه،، ما لم تكن تفعله مع الجميع. ولكن في أحد الأيام أتت أمي لتسأل عن مستواي الدراسي، أثناء ذلك أثنت هذه المعلمة علي ثم سألت أمي ماذا يعمل أبي!! أهو مدير في شركة ما؟ فهي دائماً ما تراني في قمة الترتيب والأخلاق. فحينما قالت أمي أن أبي (أُمْيٌ ويعمل كسائق شاحنة)، بدأت هذه المعلمة بالبكاء حيث أنها لم تتوقع؟ في اليوم التالي بدأت نظرات تلك الأستاذة تتغير معي فهي لم تسيء معاملتي بل كانت تتجاهل التواصل البصري معي، حيث أننا كنا نتواصل أغلب الوقت بالنظرات والابتسامات. حيث إذا وقعت أعيننا بالصدفة أصبحت تهرع في أخذها، مما أستغرب منه، ولم تعد تميزني كما كانت! بل أسرعت بالبحث عن بديل. طالبة أخرى كانت تأتي بعدي في التميز. من ما استغربته طوال اليومين كنت تتجاهل التوصل البصري. ولكن كنت أحس بنظراتها تخترقني حينما أْدعي أنني مشغولة.
كانت تعْتَريها نظرات لم أستطع أن أفسرها، فأنا أعرف نظرة الحب ونظرة الكره ونظرة الإهانة وغيرها لكن تلك النظرات لم أكن قد تعلمت معناها بعد. بعد يومين أخبرتني أمي ماحصل. حينها أدركت أن علاقتي مع هذه الأستاذة تغيرت ولم يصلحها شيء، لأن نظرتها عني تغيرت، فهي رسمت صورة وانصدمت بأخرى. وتلك النظرات التي كانت ترمقني بها هي نظرات أنني لا أنتمي لهذا المستوى هي نظرات كيف يستطيع صرصورٌ أن يحل مسائل رياضية ويتميز، وكأن التميز والعلم محصور على طبقة الأغنياء فقط، وإذا خرج فقير متميز ينظرون إليه بتعجب ويستنكرون وجوده واندماجه بينهم، كأنهم يرون سمكة تقود دراجة. علمت حينها أن المجتمع الذي أريد أن أكون فيه لن يتقبلني لأنني سمكة تقود دراجة أو هذا هذا ما أحسست به. أكملت حياتي حاملة هذا الشعور معي.
الوضع بعد وفاة أبي: بدأت الثانوية العامة بعد وفاة أبي بأسبوع، باشرت الدراسة وحضور الدروس بعد 3 من وفاة أبي، حيث أنه قد قام بدفع مبالغ الدروس قبل وفاته ولم أريد أن يضيع تعبه ولم أكن أريد أن أجعل المصيبة على أهلي مصيبتين بفشلي، كنت أذاكر وأبكي أصبت باكتئاب أعرف أنه الاكتئاب المصاحب للفقد، لكن لم أتكلم،كنت أتمنى الموت كل يوم،، وفي نفس التوقيت مرضت أختي الصغرى (لم يكن شيء خطير حيث أنها كانت تقوم بعمل الرجيم والصوم الكثير مما أدى إلى إغماءها) وبدأت تجود أمي مع أختي في المستشفيات، وأيضاً حملتني أختي الكبرى سراً أنها سقطت في الجامعة بسبب الضغط النفسي والمسؤليات، كنت أحس بها وأغضب على الجميع لأنهم لا يحسون بتعبها حيث أن أمي كانت تجرجر أختي الكبرى معها في المستشفيات والأمر الذي صعب من دراستها في الكليه، كنت من أعتني بالمنزل والأمور التي كان أبي يعتني بها، كنت أكره كوني فتاة وأسخط أن ربي لم يجعلني فتاً ليزيد معاناتي، فأنا في مجتمع مغلق بعض الشيء يتسم أن البنت تخرج لمكانٍ غير المدرسة عيب، أن تقود عيب، لكن أبي لم يكن مثلهم، فهو أول من أصر على أمي أن تقود وكان يعلمها بنفسه، لكنها رفضت حيث أن إخوتها لا يحبون قيادة المرأة، حيث أن الأمر زاد صعوبة علينا عدم وجود من يسطيع القيادة في المنزل، وكنت في داخلي ألوم أمي أنها لم تتعلم القيادة رغم جميع الفرص المتاحة حيث أنها فضلت إخوتها على أولادها للمرة المليون لأن الأمر زاد دراستي صعوبة حيث أنني كنت أشحت الأقارب وأدفع للناس ليوصلوني لدروسي وكانوا أحياناً يتأخرون علي وأحياناً يتمتمون بالعبء الذي أسببه لهم بشكلٍ مباشر أو غير مباشر وكان الأمر يبكيني أن أتذلل لهم بعد أن كنت مرفوعة بأبي.
أكثر ما صعب الأمر علي أنني لم أكن أعلم لماذا أدرس لمن سأعطي هذا الإنجاز؟ فأبي لم يعد موجوداً.
تخرجت من الثانوية بمعدل عالي، فرح أهلي ولكنني انهرت بالبكاء لأنني لم أفرح بل زاد حزني أصبحت أعيش بلا هدف. أن تفعل الأمور لمن تحب سهلٌ جداً لكن أن تفعل شيء لنفسك هو ما يكون صعباً.
حصلت على منحة لتخصص علمي مدفوعة التكليف من الحكومة في بلدٍ أوروبي بسبب تميزي فكنت من أوائل الدولة وكان هذا آخر إنجازاتي،،، المنحة هي ما ستضمن مستقبل أهلي ومستقبلي، كنت أرسل جزء كبيراً من أموال البعثة لأهلي منذ 18 ولست الوحيدة حيث أن كلتا أختي الأكبر من أصبحا يفعلان ذلك بعد وفاة أبي، كان الأمر يجعل دراستي أصعب ففي أحد المرات كدت أخسر منحتي الدراسية، حيث أنه كان يجب علي تجديد بعض الأوراق ولم أستطتع لأنني حولت الأموال لأهلي،، أنا لا أسخط من صرفي على إخوتي فأنا لا أريد أن يحزنهم شيء وأن يعيشوا الشعور الذي عشته، فأنا أضغط على نفسي لكي يحصلوا على ما يريدونه،،،، لكن أمي كانت تستمر بطلب المال دون مراعاة،، حيث أن كل يومين تقوم بطلب المال وأنا لا أحب أن أسأل أمي في ما تنفق المال فلا أريد أن أحسسها أنني أحاسبها، فعندما نعود في الأجازات البيت يكون في أسوأ حالاته فواتير الماء والكهربة والإنترنت تكون متراكمة فوق 7 أشهر،، يعني الفلوس ما كانت تصرف على المنزل،،، وإخواني وضعهم الدراسي مهمل جداً، بسبب عدم وجود من يشد عليهم في المنزل، فقد أخبرتني أختي الصغرى أن أمي تذهب إلى بيت إخوتها للاعتناء بهم والتحجج أن أولادهم صغار ويحتاجون من يمتلك الخبره ليعتني بهم،،، ولكن على حساب إهمال إخوتي الصغار في المنزل (أعمارهم 17 16 14) ولكن بالطبع يحتاجون إلى الرقابة فهم ما زالوا قاصرين، نحن لا نستطيع أن نفعل ذلك فكلانا أنا وأختاي ندرس في خارج الدولة.
ضغط الدراسة، ضغط تدهور أحوال المنزل، والضغط المادي، وأيضاً الغربة ومواقفها وتبعاتها تكفي لتهدم الإنسان وتعيد تشكيله خاصة لمن لا يملك سند. كلها تراكمت علي، ولم أكن أجد من أفضفض له فالجميع لديه ما يكفيه والأغلب لديه من يفضفض له.
قبلت في أحد أقوى الجامعات الأروبية جامعة مليئة بالتنافس، ومن هنا تبدأ الدونية. هذه الجامعة تضم أبناء أغنى الأغنياء من كل دول العالم الأمر كان أشبه بالمسلسلات الأغنياء الذين لا نراهم إلا في المسلسلات. على أية حال. لم أستطع تكوين صداقات والآن أنا في السنة 4 من الدراسة الأمر صعبٌ جداً. فقد كنت دائماً أحس أني هنا بستر ربنا وأني لا أستحقّ أن أكون هنا وأخاف من أن الناس يكتشفوا حقيقه غبائي (باختصار imposter syndrome) وأيضاً الرهاب الاجتماعي وقد أرسلت من قبل طلب استشارة (أنا أفضل من قبل في جانب الرهاب). كما أي جامعة لا تخلو من المتنمرين أنا لا أحاول لعب دور الضحية، فكان يستهزأ مجموعة من الطلاب بلغتي الإنجليزية وعدم مهارتي في نطق أسماء الأدوية أو أنني لا أعرف English slangs. أصبحت أخجل من التحدث بالإنجليزية وأفضل الصمت. وخسرت جزءا كبيراً من ثقتي بنفسي. تدهورت درجاتي بشدة.
أختي الكبرى كانت معي في نفس الكلية وفي تلك السنهة أخبرتيني أنها مرتبطة بشاب منذ 6 سنوات تقريباً معنا في نفس الكلية، لم تكن لتخبرني ولكنها اضطرت إلى إخباري لأنها تخرج معه وسيكون من الغريب أن تغيب عن المنزل بالأيام وتسافر معه دون أن أعرف أين تختفي، لا أحكي لكم صدمتي ليس لشيء بل أن أمي كانت تعرف بالعلاقة منذ بدايتها لا بل والجميع يعرف، وأمي كانت أكثر شخصٍ يحذر من العلاقات وكيف نجنب نفسنا من الشباب وكل هذه الأشياء. لقد عرفت الشاب وهو محترم من عائلة غنية جداً فهو طلب يدها من أهلي من أول سنة تعارف لكنها رفضت بسبب الدراسة.
والآن كلهما تخرجا وهما يعملان وهو يصر على الزواج لكن أمي تتحجج بالرفض لأسباب تافهة، وفي داخلي أعلم أنها خائفة من انقطاع بنك الأموال (أختي)، فراتب أختي ضعيف حالياً ومسؤوليات المنزل كثيرة وحجج أمي لصرف المال أكثر، ففي أي خلاف تمن أمي علينا أننا هنا بفضلها لا أنكر أن لها فضل لكن حين أذكر أبي أن له الفضل كذلك تهمش الموضوع وتبدأ بالصراخ.
وأرى أن أختي تستعر بعض الشيء من حالنا فحبيبها يعرف وضعنا لكن ليس كثيراً فهو لا يفهم فهو لم يجرب شعور أن يصرف على أهله فهو يعيش لنفسه وإذا أراد سيارة يشتريها والده وإذا واجه مشكلة يحلها والده، (لا أنكر أنه ولد طيب فهو يصرف عليها ويدعمها واشترى لها سيارة فاخرة ليسهل عليها العمل) الفرق الاجتماعي هو ما يعيق العلاقة بعض الشيء، ففي آخر مرة طلب فيها يد أختي قبل سنتين من عمي (عمي لا يطيقنا نحن مسالمين معه لكنه يحسدنا بعض الشيء) تعامل عمي بوقاحة مع والد الفتى فعمي رجل همجيٌ بعض الشيء وطرده قائلاً أنا لا أتدخل في أمور هذا البيت (يقصدبيتنا)،، حينها قال الوالد لابنه (أأنت متأكدُ من أنك تريد أن تناسب هولاء الناس؟؟) فهو قد أخبر أختي، وهو ما زال متمسك بقرار الزواج فهو يفاتحها في كل دقيقة لكن أرى أنها تنتظر أمور المنزل لتستقر. حتى تتزوج وهذا شيء لن يصير قريباً (فأنا أيضاً أصر على استعجال زواجها فهي الآن في 27).
حينما كنا معاً كانت تغيب بالأسابيع وكنت أجلس وحدي تمر الأيام دون أن أنطق بحرف، والفجوة بيننا تكبر أصبحت تعاملني بجفاء، ولكن كنت أنا دائماً من يبادر في هذه العلاقة كانت تنعتني أحياناً بالغبية على الرغم من أن درجاتي أعلى عنها لكنني كنت في المرحلة التي كنت فيها هشة بسبب التنمر الذي يحصل في الكلية مما أدى إلى أن يكون وقع الكلمة أضعافها. تصرخ علي أنا من أقوم بتنظيف المنزل والغسيل، وفي حالات لاختبارات يكون الوضع أكثر فهي تصبح في قمة الوقاحة والتعامل السيء وعلي أن أتفهم ذلك فهي في حالة ضغط . ياليتها كانت تعطيني بعضاً من الدعم الذي كنت أعطيه إيها. فكانت أنا من يعتني بها في أغلب الأوقات لربما اشتركنا في الاعتناء بها أنا وحبيبها. فأنا أخشى الفقد أخشى أن أفقد أحد من أهلي ولو على حساب الإساءة إلي. دائماً حينها ما أتمنى وكان أبي موجود وأخبره بأي شيء ولو أنني فقط حزينة.
أيضاً حينها أدمنت سلوكيات مثلا إيذاء الذات بعد أن كنت قد توقفت لمدة سنة، والحمد لله الآن لم أعد أفعلها، وأيضاً إدمان العادة كمن يتهرب من واقعة والأمر مخجل جداً.
أنا لا أنجذب إلى الأشخاص الذين في سني أو أي أحدٍ في الكلية فأرى الجميع غير ناضج وأنهم يعيشون يدركون معنى المسؤليات، أنا معروفة بأناقتي وجمالي في كثير من الناس يطرون علي، أنا كمن يحاول إخفاء شيء قبيح بتزينه من الخارج. وحينما ينظر شاب إلي أقرف من نفسي خاصة إذا طلب أحد رقمي أرفض وأحس أني رخيصة وأني لو لم أكن رخيصة لم يكن هذا الشاب أو أياً يكن ليطلب رقمي لولا أنه رأى علي علامات الرخص فأنا محجبة وأرى أن الأمر كافي لردعه (حيث أن الشقراوات في أروبا كثيرات لكن أسهل عليه التقرب منهن). لا عمري كلمت شاب أو كانت لي علاقة لا أكذب وأقول أنني لا أحس بإفراغ العاطفي، فأنا في الأكثر أنجذب إلى من هم في عمر الخمسين أرى أن فيهم من النضج ما يتناسب مع نضجي وأعرف أن هذا الأمر راجع إلى وفاة أبي، الأمر مجرد انجذاب لم يتعدى أي شيء. وأحس أنني لا أريد أن أتزوج أو أنجب لأني أعرف أني لم أجد رجلاً يحبني ولو نصف حب أبي ولن أتمكن من حب رجل كما أحببت أبي.
أفكّر دائماً بالانتحار وفي آخر مرة حينما كنت على وشك فقدان منحتي الدراسية (قبل شهر)، قررت أنه إذا خسرتها سوف أنتحر مما خفف علي عبئ التفكير في العقبات وأحسست بالراحة لمجرد وجود خيار، فحتى بعد أن تيسرت الأمور مازالت هذه الأفكار موجودة ولطالما كنت موجودة منذ سنوات،
حالياً أقوم بمراجعة طبيب نفسي توفره الكلية مجاناً، فبعد عدم تحقيق أي تقدم في حالتي فمازلت أحس بالسوء، طلبت منه أن يسمح بوصف مضادات اكتئاب رفض، أراجع معه من أكثر من 6 أشهر، وفي كل مرة أقرر أن أتوقف يقوم بابتزازي عاطفياً كان يقول إني لست بخير وأني سوف أندم على ترك الجلسات وإني سأعود إلى ما كنت عليه لكنني بالفعل نفس ما كنت عليه، فهو يفعل ذلك لأن الكلية تدفع له على عدد الجلسات، وهو أيضاً لا يملك ذكاء عاطفي، أنا أعرف أنني لست بخير لكنني أشعر بسوء أكثر بعد الجلسات فأنا لا أقوم باكتشاف أشياء جديدة عن نفسي فأنا بالفعل أعرفها. فالأمر صعب اختلاف الجنسية (ما أقصد به أنه أجنبي وأنا عربية) يضع حاجزاً بيننا حيث أني أحس أن علاقتي مع ربي بدأت تضعف وأحس أن الله جفاني ولم يعد يحبني أو يهتم لأمري لأني إنسانة سيئة، وهذا الأمر يحزنني أرى أنه لا يتفهم جدية الأمر بالنسبة لي. فهو من غير المؤمنين.
أرسل إلى أهلي أغلب الوقت أكون أول من يبادر في السؤال والاطمئنان لكن ألقى الإجابات السطحية، لا يرسلون إلا إذا احتاجوا مني شيء.
أسفة على الإطالة أعرف فهذه قصة حياتي 21 سنة مرت 4 سنوات ونصف منذ أحسست بالاطمئنان. أصبحت أتوتر من أكل شيء من الإيميلات ومن الرسائل خوفاً من وجود شيء يحزنني فيها، دائما ما أكرر لو تقوم القيامة وأرتاح، لا أريد أن أسخط على نعمة الله علي لكنني حقاً أفتقر إلى السند. لا يمر يوم من دون أن أفكر لو أن أبي موجود كيف ستكون حياتي؟ هل هذا طبيعي. وأيضاً لا أرى أنني أستطيع تكوين العلاقات والصداقات بسبب فرق مستوى الوعي والنضج واختلاف الهموم، فمن حولي أكبر همومهم شراء أحدث عطر في السوق وإذا نفذت الكمية يتعكر مزاجها لأسبوع، في حين همومي كيف سأدبر المال بعد أن انقطعت الكهرباء في بيت أهلي، الأمر حقاً متعب،
أرجوكم لا تعاتبوني ولا تجعلوا رسالتي في مكتبكم وتنسونها أعرف أن حالي أفضل من حال أناس كثيرين في هذا العالم،
ولكن ألا أملك حتى رفاهية الحزن .
16/4/2025
رد المستشار
شكرا على متابعتك.
لا يوجد أدنى شك حول تجربتك العميقة والصعبة والمعقدة عائليا ونفسيا واجتماعيا.
أولا من الواضح أنك مررت بتجارب قاسية، وليس من السهل التعامل مع فقدان أعز الناس إليك وهو الأب الذي كان يمثل لك السند والدعم. ما تشعرين به من حزن وتجارب صعبة هو أمر طبيعي تمامًا، خاصة في ظل الضغوط النفسية والاجتماعية التي تتحدثين عنها ولا شك أنك تعانين من اضطراب حداد مطول.
ولكن في نفس الوقت لا بد للإنسان الذي يمر بتجارب صعبة ومعقدة ويعاني من مشاعر نفسية الانتباه إلى تعامله مع البشر حوله. البشر عموما من صنفين والأول يتميز بحصر تفكيره فقط في حدود مساحة صغيرة في بيئته الحقيقية والنفسية فقط. الصنف الثاني يتجاوز ذلك ويتعامل مع الآخرين وبيئته في مساحة أكبر تشمله هو والآخرين. ما هو واضح أنك من الصنف الأول وهذا في غاية الوضوح في حديثك عن الوالدة والرفاق وغيرهم، بل وحتى الطبيب أو المعالج النفسي الذي تشيرين إليه. إن نمط التفكير والمشاعر التي في داخلك بحاجة إلى تغيير وأظنك قادرة على ذلك لأنك آنسة ذكية .
كذلك لا بد من الإشارة أن الشعور بالوحدة يؤدي إلى ضغط نفساني، ويجعل من الصعب عليك التكيف مع الوضع الجديد. من المهم أن تتذكري أنك ليست وحدك، وأن مشاعرك لها قيمة وتستحق أن تُعبر عنها. استمري في مراجعة الطبيب أو المعالج النفساني، ولكن هناك حاجة لمراجعة وجلسات أكثر انتظاما.
أما الأهداف والطموحات، فمن الطبيعي أن تشعري بالحيرة بعد فقدان شخص مهم في حياتك. حاولي التركيز على إنجازاتك والتقدم الذي تحققينه في دراستك. لديك موهبة وإمكانات كبيرة، وبدلاً من التشديد على الضغوط الحالية، حاولي التفكير في كيف يمكنك استخدام هذه الإمكانيات لبناء مستقبلك.
العلاقات الاجتماعية في غاية الضرورة، من المهم البحث عن الدعم من أصدقاء أو أشخاص يمكنهم فهم تجاربك. يمكنك النظر في الانضمام إلى مجموعات دعم أو أنشطة تساعدك على التواصل مع أشخاص لديهم اهتمامات مشابهة لا يوجد إنسان يتقن لغات متعددة بكفاءة عالية والبشر في أوروبا يحترمون كل من يتحدث بلغة أخرى غير لغة الأم.
لا تشعري بالذنب تجاه مشاعرك، فالحزن جزء من التجربة الإنسانية. حاولي مناقشة مشاعرك هذه مع طبيبك النفساني أو المعالج النفساني حيث يمكنهم مساعدتك في التعبير عما تشعرين به بطريقة صحية.
وأخيراً عليك اللطف بنفسك، وامنحيها الوقت للتعافي. حياتك قيمة، وأنت قادرة على بناء مستقبل رائع. وتابعينا دائما بأخبارك
وفقك الله.