عمري 29 عامًا، ومتزوجة منذ سبع سنوات، وعندي طفلان، مشكلتي مع زوجي (سنه ثلاثون عامًا) تكمن في أنه بالرغم من أنه ناجح في عمله، واجتماعي جدًّا، ومحبوب من كل الآخرين (وأقول: "الآخرين" فقط، لا "القريبين"؛ لأنه يسيء معاملتهم)، فإنه لا يغض البصر في الطريق، وعندما اشتكيته لوالده قال لي: وماذا في ذلك؟ فإن الله جميل يحب الجمال، ورأي زوجي أن هذا هو حال جميع الرجال في هذا الزمن.
وهو مصاب بداء الإنترنت بكل ما تحمله من مشاكل، فهو يحتفظ على جهاز الكمبيوتر بصور وأفلام للفتيات العاريات، وأيضا يتراسل مع فتيات عبر الإنترنت عن طريق برامج الدردشة، كما يتبادلون العواطف والأحاديث الجنسية، الأمر الذي ينغص علي حياتي، ويصيبني بالحزن والاكتئاب طوال الوقت.
وهو يعود إلى المنزل بعد انتهاء عمله؛ فيظل عاكفا أمام الكمبيوتر، ويهملني كأني قطعة أثاث في المنزل، أما أنا فإني أحبه وأغار عليه جدًّا، وأظل أبكي في غرفتي في محاولة يائسة لطلب النوم الذي لا يأتي بينما هو ساهر ومتماد في علاقاته.
وقد حاولت معه بكل السبل في أن أمنعه من الاستمرار في هذا، لكني فشلت، فتارة أشعلها ثورة عارمة قد تصل إلى حد التشابك بالأيدي، عملا بالحديث الشريف "من رأى منكم منكرا فليغيره ..."، وتارة أحاول أن أصادقه في محاولة لحماية أولادي وبيتي من الانهيار، وبالفعل كنت أجلس معه في أثناء أحاديثه تطبيقا للمثل "الممنوع مرغوب"، ولكني وضعت له شروطا في أن أسمح له بالحديث، كأن لا يتبادل الصور وعبارات الإعجاب مع الفتيات، وأن يقطع علاقته بالفتيات اللاتي خرج معهن قبل ذلك، لكن سرعان ما كان يخل بهذا الاتفاق؛ لأن الأحاديث لم تعد شيقة.
وفي كل مرة كنت أنهار فيها كان يعدني بأنه لن يعود، ويعاملني جيدًّا بعدها، ثم يستسمحني بأن يعود لإرسال رسائل لأصدقائه، وأكتشف بعد ذلك أنها لصديقاته أيضا.. واضح أنه أدمن هذا الموضوع.
أما أنا فأحاول أن أتزين له، وأن أجذبه بشتى السبل؛ حتى ولو على حساب كرامتي ولكنه لا يقدر هذا، بل يسخر مني أحيانًا، وهو يحاول أن يقنعني بأنها تسلية هذا العصر، وأنها وسيلة مأمونة للتسلية؛ حيث إن الطرفين لن يرى أحدهما الآخر في الواقع، كما أنه في حاجة إلى هذا الترفيه بعد عناء العمل؛ لكي يستطيع أن يواصل بلا ملل، وعندما يكون سعيدًا فإنه سيسعدني، وإنه قد تزوجني في سن مبكرة، ولم يعش سن المراهقة كغيره من الشباب، مع العلم بأننا تزوجنا عن حب، وبعد سلسلة من علاقاته المتعددة بالفتيات قبلي.
لكني لم أكن أقتنع بهذا لفترات طويلة؛ لأنه "من غير العقل أن نضع البنزين بجوار النار، ونظن أنه لن يشتعل"، وسألته في مرة إن كان سيسمح لي بمحاورة الشباب فأنا أيضا لم أعش فترة مراهقة قبل الزواج؛ فرفض بشدة، وقال لي: إنه يعتبر أن الفتيات اللاتي يتحدث معهن فتيات ساقطات، فهل أرغب في أن أكون ساقطة؟.
أفيدوني برأيكم، وكيف يكون الحل معه؟ فأنا على وشك أن أطلب الانفصال، كما أرجوكم أن توجهوا تحذيرًا للفتيات الساذجات – العاقلة تعرف، والساذجة لن تستمع إلى النصيحة حتى تذوق وبال أمرها، ولكن لا بأس من الذكرى فإن الذكرى تنفع المؤمنين – اللاتي يعتقدن أن برامج الدردشة مجالا جيدًا؛ للتعرف على زوج المستقبل...
أنتظر ردكم على أحر من الجمر
وجزاكم الله خيرًا.
17/4/2025
رد المستشار
الأخت الفاضلة، طلبت منا أن نرسل تحذيرا للساذجات اللائي يعتقدن في الدردشة مجالا للتعرف على زوج المستقبل، والحقيقة أن الأغلبية من الفتيات يفعلن هذا من باب التسلية، والفراغ القاتل اللائي يعانين منه، وأخريات يفتقدن الفرصة أو القدرة على إقامة التواصل الطبيعي مع الجنس الآخر في المجال العام للحياة، وتكون الشبكة هي الحل لهذا التواصل الغائب بسبب أوضاع مجتمعية أو شخصية، وعلى كل حال فلا نظن أن الساذجات سيستمعن إلى نصيحتنا، فهن بحكم ضعف عقولهن؛ لن يتعلمن إلا من تجربة أليمة تحدث لهن شخصيًّا، والحكيمات لا يحتجن لهكذا نصيحة.
أختي، مشكلتك بدأت منذ سبع سنين أو يزيد، وسببها الرئيسي هو أنك اخترت الشخص غير المناسب؛ لأنك اعتمدت على قلبك فقط في الاختيار، ولم تفكري بعقلك فاخترت زوجك رغم علمك بعلاقاته السابقة، ولم تفكري بأن هذا السلوك ربما كان في طبعه حتى لو كان يحبك ويحب بيته، وزواج أبيه الثاني يبدو أنه انعكاس لنمط معين قد يكون زوجك قد تربى عليه.
ولكن لا مجال الآن للندم، ورغم شعوري بمعاناتك؛ فيجب عليك الآن أن تحاولي الحفاظ على هذا البيت حتى لا تظلمي أطفالا لا ذنب لهم.
فابدئي محاولة جديدة مع زوجك:
- وأول ما يجب أن تقومي به هو الدعاء له بالهداية؛ فالدعاء يرفع القضاء.
- تفهمي زوجك، واعلمي أنه كالمدمن تقريبًا، فهو غالبا أدمن علاقات الإنترنت؛ فيحتاج منك لدعم واستيعاب، وربما التحايل أحيانا.
- إياك والعنف ؛ فأعتقد أن حديث "من رأى منكم منكرا فليغيره" ينطبق على الكثير من الأمور إلا العلاقة بين الزوجين التي يجب ألا تصل لتشابك الأيدي، بل حتى وقت الخلاف يجب أن يحافظ كل منهما على احترامه للآخر، مهما كان حجم أو سبب الخلاف.
- التزمي الهدوء ولا تثيري الخلافات، بل واجتهدي في حسن التزين لزوجك والتقرب له بما يرضيه في أمور المعاشرة، وغيرها مما يحبه من طعام وغيره.
- شاركي زوجك اهتماماته التي ليس فيها ما يغضب الله، فإذا لم يكن له اهتمامات فتعاوني معه في خلق اهتمامات مشتركة ثقافية أو فنية.
- حاولي تقريب وجهة نظرك لزوجك؛ ليدرك فداحة خطئه، وعواقبه التي ستؤثر على بيته وعمله وأولاده، فإن إدمان الإنترنت يتطور حتى يعصف بالنفس والعلاقات والعمل.
- اقتناعه بخطورة النتائج هو البداية الصحيحة لحل المشكلة، حتى لو لم يكن في استطاعته مقاومة الإنترنت حاليا.
- وساعتها من الممكن أن تحاولا معا ليقلع عن استخدام الكمبيوتر، ويمكنه اللجوء لطبيب نفساني ليعينه ويرشده، كما يمكنه قطع اشتراك الإنترنت ولو لفترة محددة.
ونقول لك هنا: إن النشاط الاجتماعي والإنساني هو الأصل في قضاء وقت الفراغ والتسلية فيما يمتع ويفيد، ولو أن زوجك وجد مثل هذه الأنشطة من رحلات وندوات ولقاءات متنوعة خارج البيت، أو بالأحرى مع الناس بعيدًا عن الكمبيوتر فإنه لن يجد نفس المساحة المتاحة له الآن أمام الجهاز، ولكن أغلبنا يستسهل هذه التسلية التي لا تخلو من متعة طبعا، ولكنها حين تنفرد بالإنسان تضره تدريجيا.
ولنكن أوضح فنقول: إن المشكلة الأكبر في مثل حالة زوجك هي إهماله لك ولجميع أوجه العلاقات والأنشطة لصالح نشاط واحد هو الإنترنت، وهذا مرفوض أساسا، ولو كان استخدامه الجهاز يقتصر على الاستفادة العلمية، والأنشطة الجادة، فالتواصل الإلكتروني يخلق نمطا من السلوك والذهنية المنعزلة عن الواقع الفاشلة تدريجيا في التواصل الطبيعي وإقامة العلاقات وأنشطة ناجحة فيه، أي أن الإنسان يعيش تدريجيا في عالم مصنوع زائف، وتتحول مشاعره وادراكاته على نحو لا يدركه هو في البداية، ولكنه سيفاجأ بالنتائج.
وعلى الأقل فإذا سلمنا جدلا بكل ما يقوله زوجك من أن الإنترنت وسيلة عبث مأمونة إلى حد ما، وغضضنا الطرف عما يحدث فيها من تلاعب وكذب ومخالفات أخرى، فيبقى التوازن مطلوبا بين العالم المصنوع الذي يفتحه الإنترنت والعالم الواقعي الذي أنت جزء منه، وهو هنا يشبه العدل بين زوجتين مثلا، فلا يجوز إهمالك، والإعراض عنك، والسخرية من محاولاتك التقرب إليه من أجل نسوة هن باعترافه ساقطات، فإذا كان ينشد متعته على شبكة الإنترنت فليعلم أن هذا ليس هو السبيل الوحيد للمتعة، وليعلم أن لك عليه حقوقا تقتضي أن يقضي معك وقتا لك وحدك في تفاعل مطلوب بين كل زوجين: يسمع لك، وتسمعين له... والوقت محدود، والعدل واجب.
أختي، خلاصة القول: إن أسلوبك في علاج خلل زوجك السلوكي ليس هو الأمثل، وأن الأمر الذي يعاني منه أخطر وأكثر تركيبًا من مجرد إهمالك والاتصال بأخريات، والمسألة برمتها تحتاج منك إلى حكمة وصبر ومعرفة بأبعاد الموضوع، ويفيدك الاطلاع على إجابات سابقة لنا عن إدمان علاقات الإنترنت ومنها:
الإنترنت والترفيه: زوجة بديلة أم جليس سوء؟
خلف الشاشات: قصص وحكايات!
حياة العرب: تائهون بين الناقص والبائس
نظرة جديدة: حياة الخرائب... مجرد خيار
والحديث في هذا المجال يطول، وتابعينا بأخبارك.