السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.. فإني فعلا حائرة ومضطربة، ولا أعرف كيف أبدأ مشكلتي، وهل سوف يتسع صدركم لي لتسمعوا مشكلتي أم أنكم سوف تنهالون عليّ بالاتهامات واللوم؟!!
على العموم أنا محتاجة إلى العون والمساعدة والنصيحة، وقد عرفت صفحتكم هذه عن طريق إحدى غرف الدردشة، والتي التزمتها بديلا لي عن الأصحاب والأصدقاء بعد أن أصبحت بلا صديقة ولا صاحبة.
أنا فعلا محبطة ومكتئبة ويائسة.. فهل ييسر الله لي عندكم الحل..؟
أنا فتاة عمرها 24 سنة.. نشأت في أسرة شعبية.. ولكن المشاكل بدأت معي مبكرا.. وتكمن في انشغال الأب عنا لنتيجة ضغط الحياة. فهو ليس موظفا حكوميا يتقاضى راتبا شهريا ثابتا، ولكنه يعمل بما يشبه (باليومية).
وأنا صغيرة في طفولتي تعرضت لحادث فقدت على إثره عذريتي. واصلت حياتي وتعليمي حتى وصلت إلى المرحلة الإعدادية من التعليم. وهنا بداية المصيبة والكارثة.
تعرف عليّ شاب من الجيران، قال لي إنه يحبني، وإنه يريد أن يتقدم لي لخطبتي، ولكن ليس الآن. وأنا كنت صغيرة ولم أسمع هذا الكلام المعسول من قبل. أضف إلى ذلك انشغال الأب والأم عني؛ فأصبحت بلا رقيب، وبلا ناصح، وبلا صدر حنون أحكي له وينصحني.
لم أجد أمامي سوى هذا الشاب الذي أصبح في نظري الحبيب الناصح الذي أسمعني الكلام المعسول.
المهم.. عرف مني هذا (الحبيب) موضوع فقدي لعذريتي في صغري؛ فاستغل هذه المعرفة أسوأ استغلال. وبدأ يغريني بأننا سوف نرتبط، وأننا سوف نتزوج. وما دمنا نحب بعضنا ونثق في بعضنا فلماذا إذن ننتظر. وأغراني بكلامه المنمق واستغل صغر سني، وبدأت الكارثة.
بدأنا نلتقي بإحدى الشقق. وشيئا فشيئا عاشرني معاشرة الأزواج تحت مسمى أننا (نحب بعضنا) وأنه سوف يتقدم لخطبتي في الوقت المناسب، وأننا سوف نتزوج. أخذ مني كل شيء.
وفي سكرة الكلام المعسول وغياب الرقابة الأسرية (تخيل أنني لا أذكر موقفا لأبي قال لي فيه: أنت خارجة رايحة فين) أخرج في أي وقت، وأرجع في أي وقت؛ أبي مشغول طول اليوم في عمله، وأمي لا حول لها ولا قوة، وهي الأخرى لا تسأل عن أحد، ولا ترعى أحدا، وهذا الوضع ليس معي فقط، بل مع كل إخوتي سواء بنات أو أولادا.
هل تعرفون كم ظللنا على هذه الحال يا سادة؟ سوف تنبهرون؛ 6 سنوات.. نعم.. 6 سنوات وأنا والذي يدَّعي أنه (حبيبي) على هذه العلاقة الآثمة. 6 سنوات وأبي لم يكتشف أي شيء، وأمي أيضا (يقولون: إن الأم تشعر ببنتها في كل شيء وخاصة فيما يطرأ عليها من أمور الجنس والبلوغ وما شابه ذلك)، ولكن أمي لم تشعر بأي شيء، ولم تسألني عن أي شيء.
المهم.. بعدها تنصل هذا النذل من كلامه، واختفى من أمامي. وبعدها عرفت كم أخطأت في حق نفسي، وبدأت أختنق وأشعر بالضيق. بعدها ظهر لي أحد الشباب، وأحبني وأحببته، وأراد أن يتقدم لي، وصارحته بأمر فقد عذريتي في صغري نتيجة حادث، ولكني لم أصارحه بأمر هذا الإنسان الذي أذلني وسلب مني أغلى ما تملك أي فتاة، فلم ير مانعا في أن يتقدم لي، وتقدم لي بالفعل، ولكن أهله لم يوافقوا على هذه الخطبة؛ فطلبت منه أن يقف أمامهم وأن يصر على أن يتمم الزواج وألا يتخلى عن حبنا، ولكنه لم يستطع.
وإذا بالدنيا تسود أمامي؛ فأملي الوحيد للهروب من جحيم البيت ومن عار الماضي قد ذهب. والإنسان الذي أحبني دون شهوة، وأراد أن يلتقي معي في الحلال ذهب دون رجعة.
أنا حزينة مكتئبة يائسة.. كيف أغسل عار الماضي؟ كيف أكون إنسانة شريفة؟ هل لي من توبة؟ هل يقبلني ربي؟ أنا الآن أصلي وأصوم وأحفظ القرآن، وحفظت سورة البقرة كاملة، وأيضا سورة الملك.
أريد أن أبدأ حياة جديدة، ولكن كيف؟ فحينما تذكر أمامي كلمة زواج.. أكرهها.. ولا أود سماعها، ولكن أجد بداخلي أنني بحاجة إلى رجل يقف بجانبي. أريد أن أصبح امرأة صالحة شريفة، وزوجة صالحة طائعة لزوجها، وأما تربي أبناءها على الطهارة والفضيلة.. فهل من سبيل إلى ذلك؟
سؤالي: هل لي من توبة؟ وهل لي من رجل يقبلني كزوجة؟ وعندما أجده هل أصارحه بكل شيء من فقدي لعذريتي ومعاشرتي لرجل في الحرام؟ أم أخبره فقط بموضوع فقدي لعذريتي، وما دمت قد أقلعت عن الذنب فلا داعي لذكره والله يحب الستر.. أريد نصيحتكم.. وجزاكم الله خيرا.. والسلام.
14/4/2025
رد المستشار
الابنة الكريمة:
كنت أحضر مؤتمرا عن الأسرة العربية ومشكلاتها، نظمته إحدى الجامعات في مصر، حضر المؤتمر أساتذة من الكليات المختلفة بالإضافة لمجموعة من المفكرين والباحثين من الأقطار العربية المختلفة.
تحدث الجميع عن أزمة تربوية في الأسرة العربية، وذكروا الأسباب العامة التي صنعت هذه الأزمة، وطالبوا بضرورة أن تعود الأسرة للقيام بأدوارها في عملية التنشئة.
كدت أنفجر غيظا وكمدا.. أيقنت أن أحد أهم أسباب كوارثنا هو مثقفو هذه الأمة؛ فهم في أبراجهم العاجية ينظرون من أعلى لمشكلات مجتمعاتهم، لا يفكر أحدهم في النزول من هذا البرج العاجي للالتحام بآلام وهموم مجتمعه.
كنت أتمنى أن تتركز أبحاثهم في تحليل أسباب هذه الأزمة والآليات التي صنعتها. كنت أتمنى أن تكون الأبحاث ناتجة عن معايشة للواقع بكل ما فيه. كنت أتمنى أن أجد نبض الشارع العربي في هذه الأبحاث. لا أريد أبحاثا منمقة وجميلة، كنت أريدها أبحاثا مختلطة بطين الأرض وبعرق المواطن الكادح. وهذا هو ما صنع تميزنا في هذه الصفحة.
لا أريد أن أسمع خطابا حماسيا عن أهمية أن تعود الأسرة لأداء دورها، ولكنني أريد خطابا أكثر بساطة ولكنه الأكثر صعوبة في نفس الوقت. تمنيت أن يكون الخطاب على مستوى يمكن أن يفهمه المواطن العادي، ويوضح للوالدين بأسلوب عملي كيف يمكنهم التعامل مع أولادهم في ظل الظروف الحالية.
لم يفكر أحد منهم في أن الجامعات تستوعب سنويا مئات الآلاف أو يزيد من الشباب والفتيات، وهؤلاء هم أمهات وآباء المستقبل. وإبداع برامج لتدريب هؤلاء الشباب حتى يتمكنوا من القيام بواجبات الزوجية والوالدية يمكن أن يجنبنا الكثير من المشكلات المستقبلية، ولكن من يسمع ومن يرى ومن يتحرك؟!
ابنتي، شغلتك بهمي، ولكن همي لا ينفصل عن همك. فغياب دور الأسرة في حياتك كان سببا رئيسيا فيما عانيتِ منه، ولا يعني هذا أنني أوجه اللوم لوالديك. فهما مثل الكثيرين غيرهم لا يملكون المهارات والقدرات التي تمكنهم من القيام بهذه المهمة العظيمة، وفي غمرة هذه الأحداث تفقدين عذريتك (حسب قولك) لسبب لم تذكريه، ولم توضحي هل فقدك لعذريتك كان حقيقة مؤكدة وبناءً على كشف طبي موثق أم أنه مجرد ظن وتخمين، كما لم تذكري لنا هل عرف والداك هذه الحقيقة؟ وكيف تعاملا مع هذا الموقف؟
المهم أنك في إطار بحثك عن الحب وقعت في فخ هذا الشاب الذي استغل ظروفك أسوأ استغلال، وظللتِ على هذا الحال سنوات طويلة، وهنا يظهر جليا أن الربط بين عفة الفتاة وغشاء البكارة يؤدي إلى الإساءة لمفهوم العفة أيما إساءة، وأن هذا الانتهاك لمفهوم العفة لن ينتهي أو يتقلص إلا بوضع تعريف جديد للعفة. فالعفة هي ألا يتورط الإنسان بإرادته -بغض النظر عن جنسه- في ممارسات جنسية خارج إطار الزواج.
ولن ألومك أو أعنفك؛ لأننا لا نحب أسلوب اللوم والتقريع ولا نجد له جدوى، ولأنك أقلعت عن ذنبك. فأمرك موكول إلى مولاك الرحمن الرحيم، الغفار التواب، وحتما سيغفر ذنوبك ويقبل توبتك لو علم صدق نيتك وعزمك.
فلا تنظري لكل ما مضى من حياتك إلا بالقدر الذي يتيح لك أن تستفيدي مما كان فيه من خبرات وتجارب، ولا تخبري من يتقدم إليك بما كان من ذنبك. وإذا كنت بحاجة إلى رجل يقف بجانبك، وإذا كنت تريدين أن تكوني امرأة صالحة شريفة، وزوجة صالحة طائعة لزوجها، وأما تربي أبناءها على الطهارة والفضيلة، فالسبيل لذلك هو أن تجتهدي في تعلم مهارات القيام بوظيفة الزوجة والأم؛ حتى لا تكرري مع أطفالك خطأ والديك.
والإنترنت تتيح الكثير من الآفاق لتعلم هذه المهارات، وقد ندعوك قريبا لحضور الدورات والمحاضرات التي نعقدها للتدريب على هذه المهمة الجليلة.
واقرئي أيضًا:
عذاب الحب: علاقتنا كالأزواج تقريبا!