جفاف العين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ تحية طيبة لكل العاملين في هذا الموقع وشكرا لكم على كل ما تقومون به وثوابكم عند الله عز وجل.
أنا الأخ الأصغر لثلاثة فتيات والدي يعمل مدرسا في إحدى الدول العربية منذ ما يقرب من أربعين يوما توفيت والدتي رحمها الله أظن أنه غني عن الكتابة وصف إحساس كهذا خصوصا لو اعترفت لك بأنني كنت مرفها جدا لحد "الدلع" من والدتي.
المشكلة سيدي الفاضل أنني حتى الآن لا أستطيع البكاء مما يسبب لي ضيقا شديدا أنا أعتذر عن سخافة هذه المشكلة بالنسبة لما أقرأه على صفحتكم ولكن أقسم لك أني أشعر باختناق من قلة بكائي
وللعلم كانت علاقتي بوالدتي أكثر من رائعة وشككت في غددي الدمعية ولا مشكلة فيها أيضا ربما أكون مشوشا بعض الشيء في كتابتي إلا أني أرجع ذلك للحالة التي أنا فيها من إحساس عارم بالرغبة في البكاء ولكن لا دموع.
ملاحظة: لا تجارب لي مع الطب النفسي ولا أتعاطى أية أدوية.
سامحني مرة أخرى لتفاهة المشكلة ولكن لم أجد حلا آخر غير إرسالها لكم
مع جزيل شكري لكم.
6/10/2003
رد المستشار
عزيزي/ ............... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا وسهلا بك وشكرًا على ثقتك بموقعنا، وصفحتنا استشارات مجانين، نحن حين نواجه موقفا مؤثرا في حياتنا فإننا نمر بثلاث مراحل:
(1) مرحلة استقبال الحدث.
(2) مرحلة تكوين المشاعر.
(3) مرحلة التعبير عن المشاعر.
وتتأثر المرحلتان الأولى والثانية بتقديرنا الشخصي للحدث والمعنى الذي نعطيه إياه، ثم تأتى المرحلة الثالثة وهى التعبير عن هذه المشاعر التي تكونت لدينا، وهذا التعبير يختلف من شخص لآخر في شدته ونوعيته، فهناك من يعبرون عن مشاعرهم بشكل هادئ، وهناك من يعبرون عنها بشكل صاخب، ووسائل التعبير كثيرة ومتعددة فمنا من يعبر عن مشاعره بالكلام المباشر عنها فيقول أنا فرحان أو أنا حزين، ومنا من يعبر بضحكاته، أو بدموعه، ومنا من يعبر بنكته أو طرفة، ومنا من يعبر بإشارة من جسده..... الخ.
وهناك فئة من الناس يستقبلون الأحداث ويكونون المشاعر المناسبة لها (أي الخطوتين الأولى والثانية) ولكنهم يفشلون في الخطوة الثالثة (التعبير عن المشاعر) أو يعبرون عنها بطرق غير معتادة، فمثلا بعض الناس حين يحزنون لا يبكون مباشرة وإنما يظهر حزنهم بعد عدة شهور من وقوع الحدث المسبب للحزن وهو ما يسمى "الحداد المؤجل"، وبعضهم يفشل في إظهار حزنه فيقوم جسده بهذه المهمة فنجده يشكو آلاما جسدية، أو اضطرابات في أي جهاز من أجهزة الجسم
وأحيانا يقوم الجهاز النفسي بحيل دفاعية حتى يجنبنا الشعور بالحزن وذلك من خلال عمليتي الكبت والإنكار اللذان يؤديان إلى إبعاد الحدث المؤلم من بؤرة الشعور خاصة إذا كان الجهاز النفسي غير قادر على تحمل آلام هذا الحدث في هذا الوقت. وتلعب التربية أحيانا دور هام في هذا الموضوع وذلك حين تعتبر بعض المجتمعات أن البكاء نوع من الضعف لا يليق بالرجل، وهذا بالطبع غير صحيح على إطلاقه فالرجال الأقوياء على مدار التاريخ كانوا يتمتعون بمشاعر جياشة، وكانوا لا يخجلون من التعبير الصادق عنها بالبكاء ولم يكن هذا ينتقص من رجولتهم، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبكى في مواقف كثيرة شفقة أو رحمة أو لفراق عزيز.
والبكاء له وظيفة إيجابية فهو تنفيس صحي عن المشاعر المكبوتة، وهو يحمى النفس والجسد من التراكم الضار للمشاعر السلبية والتي يمكن أن تؤدى إلى اضطرابات نفسية أو اضطرابات نفس-جسدية، ولذلك إذا رأينا أحدا يبكى فلا يجب أن نكتم بكاءه حتى يتوقف هو من تلقاء نفسه حين تفرغ نفسه من أحزانها ولا مانع في هذا الوقت من مواساته بأي طريقة مناسبة.
وأنت يا أخي السائل تجد صعوبة في التعبير عن مشاعرك، وهذا لا يعنى أنك قاسى القلب أو أنك لم تحزن على أمك، وهذه مشكلة يمكن معالجتها مع الوقت وتغيير مفاهيمك نحو التعبير عن المشاعر بحيث تشجع نفسك على هذا التعبير وتعتبره شيئا طبيعيا لا يشينك فعله، ويمكنك أن تخلو إلى نفسك وتحاول التنفيس عن مشاعرك المكتومة بالبكاء.
وهناك نقطة أخيرة أعلم جيدا أنك لن تتقبلها بسهولة، وأتوقع أن تستهجنها وترفضها، وهى أنك كما علمت الأخ الأصغر لثلاث أخوات، وأنك كنت مدللا للغاية، وهذا الوضع قد عودك أن تكون محل اهتمام ورعاية الآخرين وأنهم يفعلون كل شئ من أجلك، أما أنت فليس مطلوب منك أن تفعل شيئا من أجلهم، حتى مشاعر الحزن عليهم فأنت تجد صعوبة في عمل شئ من أجل الآخرين حتى ولو كانوا أحب الناس إليك لأنهم عودوك أن يعطوك هم دائما، ولا يطلبون منك شئ إلا الرضى، فأنت الولد الوحيد والأصغر في نفس الوقت بعد ثلاث بنات،
وأنا لا ألومك ولا ألومهم على ذلك وإنما أنبهك إلى وضع ربما يحتاج منك إلى مراجعة في المستقبل، خاصة وأن والدتك العزيزة قد توفيت، ووالدك يعمل بالخارج، وقد أصبح مطلوبا منك أن تكون راعيا لأخواتك البنات، فأرجو أن تتعود من الآن، بل وأن تسعد بالعطاء لغيرك خاصة أن هذا سوف يريح والدتك في قبرها، وإذا تذكرت والدتك وشعرت بالحزن لفراقها ولم تستطع البكاء بعد كل ما ذكرناه، فلا عليك إلا أن تدعو لها وتبر أخواتك ووالدك من أجلها.
* ويضيف الدكتور وائل أبو هندي:ما أود الإشارة إليه هنا بعد الإجابة المستفيضة للزميل الدكتور محمد المهدي هو: أن أسأل الأخ صاحب المشكلة: من قال بأن مشكلتك تافهة؟ ولماذا تراها كذلك؟ إن ما أسماه الدكتور محمد المهدي بالحداد المؤجل Unresolved Grief، كثيرًا ما نراه في الحالات التي يكونُ فيها الفقد (من خلال الموت) قاسيا جدا على الذات، تلك الذات صاحبة المشاعر التي ارتبكت طرق التعبير عنها حتى كادت أن تصاب بالشلل،
وأحيانا يستمر هذا لفترة من الوقت، وقد يفسره البعض بأنه ناتج عن آلية دفاع نفسية تسمى بالإنكار Denial على مستوى ما من مستويات الوعي البشري، فرغم معرفتك الواعية بأن والدتك يرحمها الله قد توفاها الله إلا أنك ربما تنكرُ ذلك الفقد على مستوى ما من لا وعيك، ولعل هذا هو السبب في عدم قدرتك على البكاء، ومن الممكن أن تستمر هذه الحالة لفترةٍ من الوقت، وقد يكونُ أول البكاء بعد طول الفراق، كل هذه احتمالات ممكنة، لكن عدم البكاء لا يعني عدم الشعور ولا قسوة القلب ولا ناتج التدليل بقدر ما يعني هول تأثير الموقف على مشاعرك، فاحتسب فقدك عند الله واتبع نصائح الدكتور محمد المهدي، وأهلا بك دائما وتابعنا بأخبارك.
ويتبع >>>>: جمود العينين والحداد المؤجل مشاركة
ويتبع >>>>: جمود العينين والحداد المؤجل م