في البداية، أريد أن أعبر عن شكري وتقديري لمجهودات كل المشرفين على هذا الموقع لما فيها من دور بارز في النهوض بالفكر العربي والإسلامي.
كأغلب المشاركين، لست أدري من أين أبدأ، لكنني سأحاول اعتماد وصف لحالتي ومشكلتي النفسية، ومن ثم ذكر أهم الأحداث التي ساهمت في وصولي إلى هذه الحالة النفسية.
أنا أعاني مما يمكن أن يكون الرهاب الاجتماعي (تقييمي يعتمد على ما اطلعت عليه من خلال هذا الموقع)؛ فأنا أعاني من الخجل الشديد الذي يجعلني غير قادرة على الاختلاط بالناس، أحس في بعض الأحيان أنني غريبة عن هذا الكون وأن لا مكان لي فيه.
عندما كنت أدرس في المرحلة الابتدائية كنت أتذكر أنه وبمجرد أن أشارك في الفصل أو أن يسألني معلمي كان وجهي يحمر، لكن ذلك لم يكن عائقاً لي في ذلك الوقت، إلا أنه وبوصولي إلى المرحلة الثانوية ثم الجامعية أصبح ذلك يسبب لي حرجاً شديداً، لم أكن قادرة على نقاش مع أساتذتي ولا حتى مع زملائي.
أما فيما يتعلق بحياتي اليومية، فإنني أتجنب الاختلاط بالناس، ليس لرغبة مني في عدم الاختلاط لكن شيئاً بداخلي يدفعني إلى ذلك. تصور سيدي/ سيدتي الكرام، أنني أمضي كل العطل المدرسية حبيسة جدران منزلي ولا أتجرأ على الخروج إلا فيما ندر، لدرجة أنه قد أمضي ثلاثة أشهر في المنزل دون أن أخرج إلى الشارع. تصوروا أيضاً، أنه إذا زارنا أحد الأقارب فإنني أكتفي بالسلام عليه ثم يدفعني شيء غريب بداخلي للاختباء في غرفتي حتى مغادرة الضيف. أنا الآن أبلغ من العمر 22سنة، بدأت منذ أسبوع واحد العمل في إحدى المؤسسات وما زلت أعاني من نفس المشكلة، أشعر بالخوف والإحباط والقهر.
إنني شديدة الالتزام لدرجة أنني لم أرتبط بأي علاقة عاطفية طيلة حياتي، والآن تقدم لخطبتي شابان لكنني أتجه لرفضهما رغم ما يتميزان به من صفات جيدة، لنفس السبب! فأنا أشعر بالخوف من فكرة الارتباط والعيش مع رجل تحت سقف واحد، وأعتبر أن العلاقة الحميمية بين طرفين -حتى وإن كانت في الحلال- شيئاً مقرفاً أخجل حتى من مجرد التفكير فيه... مع ذلك أخشى أن أكمل حياتي وحيدة.
لا أذكر عن طفولتي سوى مشاهد تعنيف والدي لوالدتي ومشاجراتهما المستمرة، كما أذكر أن الصورة المعلقة في ذهني عن والدي -حتى هذا اليوم- هي وللأسف صورة الوحش والشيطان، كم تمنيت أن يكون والدي سنداً معنوياً لي، تمنيت أن أكون قادرة على التحدث إليه، وأن أكون قادرة على أن أشكو إليه همومي ومتاعبي، تمنيت أن يحتضنني ويحضنني، وأن يحتويني، أو ربما تمنيت أن يكون والدي شخصاً آخر غيره. أبي -ودون أن يعلم- سبب لي عقداً كثيرة في الحياة؛ أنا الآن غير قادرة على الاندماج في الحياة، أنا شديدة الانطوائية وأشعر بالكبت، أنا على حافة الاكتئاب أو ربما أغرق فيه. وفاة أخي الذي يصغرني بسنة واحدة منذ تسع سنوات زادت في متاعبي وجعلتني أنفصل بصفة تدريجية عن العالم الخارجي، بدأت أبتعد شيئاً فشيئاً عن عائلتي الموسعة- أخوالي وأعمامي...- ثم عن أصدقائي، والآن عن عائلتي الضيقة.
إن انعدام العلاقة بيني وبين والدي ووفاة أخي -وهو الذكر الوحيد في إخوتي في ذلك الوقت، الآن عندي أخ صغير يبلغ من العمر 4 سنوات- جعلني أعجز عن التواصل، خصوصاً مع الذكور، فأنا بحاجة إلى عطف وحب أب وأخ، وربما أيضاً حبيب، إلا أنني أعجز عن ذلك، كما أنني أخاف من ذلك. مشاعري مضطربة، وأشعر بالفراغ، أريد أشياء عديدة في الحياة ولا أرغب بشيء مما أريد! إنه فعلاً أمر محير!. كل ما أخشاه أن أمضي زمناً طويلاً أو ربما ما تبقى من هذا العمر وأنا حبيسة هذا الوضع وحبيسة نفسي، حاولت كثيراً أن أتغير لكنني فشلت، أشعر أنني لا أنتمي إلى هذا العالم وأنني لا أستحق أصلاً الانتماء إليه، مع ذلك أتمنى فعلاً أن أتغير.
شكراً وآسفة على الإزعاج.
4/1/200
رد المستشار
إلى الآنسة "سيدة القصر"، تحية طيبة وبعد،
أولاً أعتذر عن التأخير لظروف خارج عن إرادتي، ولكن ثقي أني قرأت مشكلتك مرات ومرات ووجدت فيها من الإيجابيات أكثر من السلبيات. وأبدأ بالإيجابيات التي لم تكتشفيها في شخصيتك ربما، لم تتعرفي على تلك الإيجابيات، فمثلاً: حينما يكون اختيارك للزواج ويتقدم إليك اثنان لخطبتك فيعني هذا أن لديك مواصفات ممتازة، والإيجابية الأخرى تتلخص في أنك قادرة على تشخيص مشكلتك وتحددين تطورها، وغالباً ما تصلنا رسائل المشكلات من آخرين تذكر الحالة الراهنة بدون التسليط على الماضي، وهذا يعني أن لديك القدرة على تشخيص التطور للمشكلة بدلالة أنك سلطت الضوء على الماضي، والجانب الآخر المهم هو أنه رغم ما تصفينه على أنه مشكلة استطعت أن تكملي دراستك الجامعية، والأهم التحاقك بالعمل.
هذه النقاط يمكن أن تجعليها مفتاحاً لحل لمشكلتك، وأنا حقيقة أصفها بصعوبات أكثر منها بالمشكلات، وأقول: الحل يبدأ من داخل نفسك، وهذا الحل يكمن في مدى قدرتك على التغيير، مصداقاً لقوله تعالى (لا يغيّر الله بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم). ابتداءً، اخترت اسمك المستعار، ونحن في التحليل النفسي نصل لدواخل الفرد من كلامه وأفعاله (الحالة اللاشعورية)، وهذا الاسم (سيدة القصر) هو إشارة أنك تفضلين البقاء في البيت أكثر من الانطلاق إلى الفضاء الواسع الرحب، بالرغم مما في البيت من معاناة عموماً، أما ما أطلقته على حالتك بالرهاب الاجتماعي فإن المسميات النفسية رهاب اجتماعي، قلق اجتماعي، اغتراب، سوء توافق اجتماعي، انطواء، اكتئاب، وحدة نفسية.. إلخ، ربما تدور في فلك واحد ولكن ليس من حق القارىء أن يصف حالته بمسمى ويضخمه، فينبغي أن يترك ذلك إلى الطبيب النفسي الذي يقرر الحالة، إن حالتك تتلخص خطوات حلها بالآتي لأنها متفرعة، وهي تحوي جملة الحلول لأكثر من قضية:
1. الخجل: وهو مطلوب، خاصة للأنثى، لكن زيادته عن حده تقلبه إلى مشكلة، وربما تطور لديك من المرحلة الابتدائية وكان من المفروض على المدرسة أن تنتبه لحالتك، لكنا لسنا في معرض توجيه اللوم إلى أحد. مطلوب منك أن تتواصلي مع أقرب بنت تكون إلى نفسك أخت أو من أقربائك، وتبدئين خطة للتواصل الاجتماعي، وهذه الخطة تنبع من مشتركات في الثقافة في موضوع فكرته قريبة لكما، وتبدئين بالمحاورة وإذا شعرت بالنجاح يمكن أن تنطلقي إلى مجموعة أكبر.
2. الزواج: ما دامت مسلمة كما ذكرت فإن الزواج ينظمه الدين الذي تؤمنين به وهو الإسلام، والآية الكريمة (وجعلنا لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها) وهو ما أكد عليه الرسول الأعظم محمد (ص) فإن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة، وما دمت إنسانة واعية فإن مؤسسة الزواج هي مؤسسة تكميلية إلى حياة الإنسان، وأن إحجامك عن الموضوع ربما يجعلك بعيدة عن الإيمان، وأنا لا أعتقد أنك تريدين ذلك. فالزواج بمعناه الحميمي لا يقل أهمية عن الوجبات الغذائية التي يتناولها الإنسان، وبمعناه الاجتماعي تكوين أسرة وإدامة الحياة، لذلك ينبغي أن تعيدي النظر بهذه المسألة، والأمر طبيعي ما دمت في ضوء الدين والشرع، وليس من محذور لأن الرسول (ص) يشير إلى التفاخر بنسل أمته يوم القيامة وهذا لا يتم إلا من خلال الزواج.
3. الموت: إن فكرة الموت لا بد أن نقبلها كحدث طبيعي ما دمنا مسلمين، لا بد أن فقدان عزيز علينا يضعنا في حالة من الحزن، ولكن هذا الحزن لا ينبغي أن يستمر طويلاً لأن الله هو الذي خلق الحياة والموت وهما كفتان متعادلتان. إن الموت رسالة لنا أن نعمل لآخرتنا وكأننا نموت غداً مثلما نعمل لدنيانا كأننا نعيش أبداً لذلك لم يبق سوى أن تذكري أخاك بالترحم وقراءة القرآن له.
4. المشاكل الأسرية: قلما يخلو بيت من مشكلات أسرية، ولكم هذه المشكلات ينبغي أن نستفيد منها كدروس ما دمنا لسنا طرفاً رئيسياً ومباشراً فيها، خاصة في حياتك المستقبلية حينما تكوني مسؤولة عن أسرة، وبحكم كونك شابة مثقفة تكوني قادرة على تشخيص نقاط القوة والضعف في العلاقات الأسرية وأن تشخصي واقع أسرتك الحالي، ولا تكوني متفرجة بل إيجابية في عودة الحياة الأسرية إلى مجراها الطبيعي.
5. وجود أخ صغير وأخوات: نعم، الأخ الصغير ينبغي أن يكون الكل راعياً له ومهتماً به، ويمكن أن تستغلي أخواتك في إقامة علاقات إيجابية بينكن وهذه العلاقات بلا شك ستسهم في تبديد حالتك التي أنت عليها.
6. الوضع العاطفي: وهي نقطة إيجابية أنك لم تخوضي تجارب عاطفية مما يجعل حياتك النفسية بعد الزواج ممتازة لأن ارتباطك سيكون لزوجك وليس هناك من يؤثر عليك، ولكن أقول ذلك لا بد من اختيار دقيق لهذا الزوج.
7. برنامجك النفسي: بعد هذه الرسالة أمامك طريقين: الأول يتطلب زيارة طبيب نفسي للعلاج المعرفي السلوكي، وهذا إن رغبت أن تضعي برنامجاً خاصاً بك في إدامة علاقاتك بالعمل وكسر هاجس الخوف. واعلمي أن لديك مهارات، إذ تمكنت من:
أ. تحديد المواقف المسببة للخجل، وذلك من خلال تحديها وجعلها مواقف عادية بأن تقنعي نفسك أن هذه المواقف طبيعة الكل يمارسها: الأحاديث الاجتماعية، الزواج، النقاش البناء بل والمشوق.
ب. تعزيز الثقة بالنفس وتقوية الأنا والصراحة والتعبير بحرية عن رغباتك، وامتلاك الشجاعة للرفض أو القبول، وثقي أنك في مرحلة عمرية تستطيعين تجاوز هذه الأزمة.
ج. إيجاد جسر من التواصل والحوار بينك والوالدين، بل إنك تستطيعين أن تكوني مركز تغيير في الأسرة وهذا يحتاج منك استعمال الكلمات أو تقديم هدية إلى الأم أو الأب، لا سيما أن لديك مصدر عمل سيفرح الوالدين، وتستعملين كلمات مثل: رأيت هذا في السوق واشتريته، وأعجبني أن يكون لك..
د. الاهتمام بتنمية سمات الشخصية وخاصة لدى الطلبة الخجولين.
هـ. إقرئي الصحف اليومية أو المجلات، وبهذه المعلومات البسيطة يمكنك أن تبدئي الحديث مع أي إنسان قريب منك.
و. استعملي مستواك المعرفي ودرجة ذكائك في الحصول على معلومات عن طريق توجيه بعض الأسئلة، وخاصة إذا كان موضوع الحديث الذي يطرح أمامك موضوع يناقش أول مرة.
ز. حاولي تغيير موضوع الحديث إذا كنت لا تعرفين عنه شيئاً بطريقة غير محسوسة.
ح. حاولي إبداء الإعجاب بالكلام الذي يدور مهما كان الحديث مملاً، وعن طريق الإعجاب يمكنك المشاركة في الحديث.
ط. لا تضطربي إذا أخطأت في أي معلومة ولكن عليك بالابتسامة، خاصة إذا حاول أحد أن يصحح لك.
ويكون هذا البرنامج أكثر نجاحاً لو تعاونت الأسرة معك وخاصة الأم، لأنك بحاجة إلى مساعدتهم.
وأخيراً أتمنى لك النجاح والتوفيق، ونسمع أخباراً طيبة عنك إن شاء الله.