واحدة من أكثر المواقف التي قد تؤلمنا في الحياة، هي تلك اللحظة التي نكتشف فيها أننا كنا نخوض معركةً ليست معركتنا، وأننا أهدرنا جهدًا كبيرًا من طاقتنا وعواطفنا في المكان الخطأ، وضد الأشخاص الخطأ، وللأسباب الخطأ..
إنها اللحظة التي نشعر فيها بأننا كُنّا، طيلة الوقت، نقاتل في الجبهة الخطأ!
كم من مرةٍ اندفعنا نحو معارك اكتشفنا لاحقًا أنها لم تكن تعنينا أصلًا؟ كم من مرةٍ وضعنا ثقتنا في أشخاصٍ أقنعونا بأن معاركهم هي معاركنا، وبأن أعداءهم هم أعداؤنا؟ ثم اكتشفنا بعد فوات الأوان، أننا كنا نخوض حربًا بالنيابة عنهم، وأننا استخدمنا طاقتنا وأعمارنا للدفاع عن مصالحهم هم، لا مصالحنا نحن!
الحقيقة أن بعض الناس من حولنا يملكون قدرةً مذهلة على إقناعنا، بأن ما يخوضونه من صراعاتٍ شخصية هي معارك أخلاقية كبرى، يجب علينا أن نشارك فيها، فيُدخلوننا في صدامات لا تخصنا، ويجعلوننا نُطلق الرصاص في الاتجاه الخطأ، ونرفع السيوف ضد من لم يكن يومًا عدونا، ثم نكتشف لاحقًا أن من أقنعونا بخوض المعركة كان ينبغي أن تكون مواجهتنا الحقيقية معهم، لا بجانبهم!
المشكلة الأكبر ليست في خسارة تلك المعارك الوهمية فقط، بل في الوقت والطاقة والثقة التي نفقدها خلالها، وذلك الشعور الذي يجتاحنا، عندما ندرك أن جهودنا ذهبت عبثًا، وأننا قاتلنا في ساحاتٍ لا تعنينا، فيتملكنا شعورٌ قاسٍ ومُحبط، يجعلنا نشك في قدرتنا على تمييز الحقائق بعد ذلك!
لكل ما سبق يجب علينا، قبل أن نقرر خوض أي معركة، أن نمنح أنفسنا فرصة للتفكير بهدوء، لنسأل أنفسنا بوضوح: «هل هذه المعركة تخصني؟».
«هل أنا من يريد هذه المواجهة، أم أن هناك من يدفعني إليها لأجل مصالحه الخاصة؟».
وعندها سنكتشف في أحيان كثيرة أن المعركة، التي تبدو ضرورية في ظاهرها، ليست سوى فخ، وضعه أمامنا من كان من المفترض أن نقف ضده منذ البداية!
لعلّ أخطر ما في هذه الحروب الخاطئة أننا حين نكتشف الحقيقة، نفقد شيئًا ثمينًا من أنفسنا، وهو إيماننا بقدرتنا على اتخاذ القرارات الصحيحة، ونخسر شيئًا من ثقتنا بالعالم من حولنا، ولذلك علينا أن نحرص على ألا نمنح الآخرين سلطة توجيه بوصلتنا، أو اختيار معاركنا.
تذكّر دومًا أن الحياة أقصر وأثمن من أن نقضيها في معارك عبثية، أو في الدفاع عن مصالح الآخرين، ولا تدع أحدًا يختار لك أعداءك، ولا يسمح لنفسك بأن تُجر إلى مواجهة لا تخصك.
وحين تشعر بأن هناك من يدفعك باتجاه معركة ما، توقّف قليلًا، وتساءل: هل هذه حقًا معركتي؟ أم أن المعركة الحقيقية التي ينبغي أن أخوضها هي مع مَن يحاول إقناعي بالقتال بدلًا عنه؟!
واقرأ أيضًا:
مهنة إصلاح الآخرين! / فاقد الشيء.. يعطيه أحياناً!