في عالمنا اليوم، بات الجميع يركض نحو التميز، نحو الاستثنائي، نحو المختلف، وكأن هناك عيبًا خفيًا في أن تكون ببساطة إنسانًا عاديًا، فأصبحنا مهووسين بفكرة أن حياتنا يجب أن تكون دومًا قصة مثيرة تستحق أن تُروى، وأن نجاحنا يجب أن يكون لافتًا للأنظار، وأن كل شيء نفعله لا بد أن يكون استثنائيًا أو مبهرًا، وإلا شعرنا بأن ثمة خللًا ما في حياتنا!
لكن، دعني أسألك بهدوء: هل فكّرت يومًا أن من نراهم «عاديين جدًا»، قد يكونون أكثر سعادةً منا جميعًا؟!
هؤلاء الذين لا يكترثون بأن يُثبتوا شيئًا للآخرين، ولا يحتاجون إلى تصفيق جمهورٍ افتراضي أو واقعي كي يشعروا بقيمة حياتهم، ويعيشون دون قلقٍ من تقييم الآخرين لهم، ودون شعورٍ دائم بالحاجة إلى التنافس والمقارنة، هؤلاء ليسوا أبطالًا في قصص مثيرة، ولا نجومًا على شاشات التلفزيون، وربما لن تجد صورهم تملأ منصات التواصل الاجتماعي، لكنهم مع ذلك يملكون شيئًا أكثر قيمة: راحة البال!
تأتي سعادة هؤلاء من بساطة تفاصيل حياتهم، من فنجان قهوة في صباح هادئ، ومن حديث عابر مع شخص يحبّونه، ومن ابتسامة طفل في نهاية يوم طويل، أو من أمسية هادئة يقضونها دون أن يكون لديهم أي شيء خاص يروونه أو يعلنونه للآخرين!
هم سعداء، ليس لأن حياتهم خالية من المشاكل أو التحديات، بل لأنهم ببساطة لم يضعوا أنفسهم في دوامة المقارنات التي لا تنتهي، فاختاروا بوعي ألا يربطوا سعادتهم بما يراه الآخرون نجاحًا أو فشلًا، وأدركوا بعمق أن القيمة الحقيقية للحياة تكمن في عيش اللحظة كما هي، دون إضافات، ودون ضغوط!
هذا النوع النادر من الناس يعيش نوعًا من السلام الداخلي، الذي يصعب على كثيرين منا الوصول إليه، فهو سلامٌ لا يحتاج إلى تبريرات، ولا إلى أضواءٍ مسلطة عليه، ولا إلى اعتراف من أحد، ولعله قد آن الأوان لأن نراجع أنفسنا قليلًا، وأن نتأمل في مفهوم السعادة الذي تبنيناه، فلربما نكتشف أننا كنا نبحث عنها في المكان الخطأ، وربما كانت السعادة الحقيقية لا تتطلب أن نكون مختلفين أو استثنائيين، بل تحتاج فقط لأن نتصالح مع كوننا طبيعيين جدًا، بسيطين جدًا، وربما.. عاديين جدًا!
ومن يدري، لعل تلك الحياة التي نراها بسيطة جدًا، هي الحياة التي تملك سر السعادة الحقيقي، حياة نعيشها بهدوء، ورضا وسلام، دون أن نشعر بالضغط أو القلق من كونها أقل إثارة مما يتوقعه الآخرون.
واقرأ أيضًا:
عندما نحارب في الجبهة الخطأ! / عندما جعلني الصمت.. متحدثاً بارعاً!