ثمة سؤال أسمعه يتردد كثيرا حتى بين الأطباء:
هل يقي التدين من الأمراض النفسية؟
الإجابة ينبغي ألا تكون نعم (بقوة الذراع) أو لا (بقوة العناد).....
الإجابة يجب أن تكون علمية ومنطقية....... واحدة واحدة.....
أولا: ينبغي أن نحدد بالضبط ما معنى كلمة الأمراض النفسية:
الأمراض النفسية هي أولا وأخيرا اختلال في المواد الكيميائية الموجودة في المخ، هذا الاختلال قد يكون في كمية المواد الكيميائية هذه أو قد يكون في طريقة توزيعها عبر مناطق المخ المختلفة، أو في الأمرين معا....... والأعراض النفسية جميعها هي عبارة عن إشارات تدل على أن هناك في منطقة ما من المخ كيمياء غير صحية أدت إلى ظهور أعراض.
فإذا كان الاضطراب في المنطقة المسئولة عن المزاج والعواطف كانت الأعراض في صورة قلق أو توتر أو حزن أو اكتئاب أو خوف مرضي.... وإذا كان الاضطراب في المنطقة المسئولة عن التفكير كانت الأعراض في صورة وساوس أو أفكار مرضية خاطئة وغير منطقية.... وإذا كان في المنطقة المسئولة عن التحكم في الشهية للطعام كان الاضطراب في صورة شراهة زائدة أو عزوف مرضي عن الطعام..... وهكذا... لكل منطقة في المخ وظيفتها وكيمياؤها..... وأعراضها الخاصة حين تضطرب هذه الكيمياء.
إذاَ الطب النفسي هو باختصار فن التعامل مع كيمياء المخ...... اتفقنا؟ ما زلنا مع المنطق:
السؤال التالي لابد أن يكون عن السبب الذي يجعل هذه الكيمياء تضطرب؟
الإجابة أن هناك خمسة عوامل إذا توافر عامل منهم كانت هناك احتمالية للإصابة بالمرض النفسي، وكلما توافر عامل آخر زادت احتمالات الإصابة. هذه العوامل الخمسة هي:
1- العامل الوراثي
2- معدلات الهرمونات بداخل الجسم ومدى اقترابها أو ابتعادها عن المعدل الطبيعي.
3- الإضرار العضوي بالمخ: والمقصود بذلك حين تتضرر خلايا المخ وتصبح شبه تالفة وبالتالي غير قادرة على القيام بوظائفها على النحو الأكمل كما يحدث في حالات تناول المخدرات أو الخمر مثلا أو في حالات إصابات الرأس (ولذلك يحظر قيادة الدراجات النارية دون خوذة واقية للرأس وترتفع أصوات تطالب بحظر رياضة الملاكمة).
4- الضغوط النفسية التي حدثت في مراحل مبكرة من الحياة (الطفولة و المراهقة مثلا)
5- الضغوط النفسية التي تحدث في المرحلة الحالية كضغوط العمل والزواج الخ.......
وهنا قد يعترض البعض، مالها الضغوط النفسية –وهي أشياء غير مرئية_ ونحن في مجال الحديث عن كيمياء..... عن مخ..... عن أشياء مرئية وملموسة...
الإجابة انه بالضبط كما أن الضغوط النفسية تؤثر على العيون فتجعلها أحيانا تفرز ذلك السائل الذي نطلق عليه الدموع فإن هذه الضغوط بالمثل تؤدي لاختلال كيميائي في المخ ما رأيكم لو أطلقنا عليه دموع المخ...... مرة ثانية: اتفقنا؟
نعود إذاَ إلى السؤال الأساسي: هل يقي التدين من الأمراض النفسية؟
الإجابة هي نعم بالمنطق وليس بالرغبة في لي عنق الأشياء لخدمة نتيجة محددة سلفاَ.
* الدين يأمرنا بالتخير لنطفنا (العامل الوراثي) فإن العرق دساس.
* الدين يأمرنا باحترام العقل وعدم الإضرار به وتغييبه في غياهب الخمور والمخدرات (عامل الإضرار العضوي بالمخ).
* الدين يرشدنا إلى الطريق الصحيح لتنشئة أبنائنا، من أول اختيار أسمائهم إلى ضرورة ملاعبتهم وتأديبهم ومصادقتهم ثم احترام اختياراتهم (عامل الضغوط النفسية في فترة الطفولة والمراهقة).
* وفي مواجهة الضغوط النفسية في الحياة اليومية فالدين يزود المؤمن بمظلة جميلة ينظر من خلالها إلى الدنيا وأحداثها بأمان واطمئنان إلى أن نصر الله آت لا ريب فيه وإلى أن الله سيبدله من بعد خوفه أمنا ما دام قد استوفى الشرط وعبده سبحانه دون أن يشرك به شيئا.
مظلة المؤمن مكتوب عليها بحروف من نور: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب.
واقرأ أيضًا:
المرض النفسي دور الإيمان والعلاج بالقرآن / توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب