أود أن أتناول اليوم موضوعاً يستهتر فيه الكثير من الناس على الرغم من أهميته البالغة ألا وهو موضوع الأخطاء الشائعة. وأقصد هنا الأخطاء التي يقع فيها الكثير ممن يكتبون سواء في الصحف أو الإنترنت أو غيرهما من مجالات استخدام القلم.
سنسقط من حسابنا طبعاً الأخطاء الفردية التي يقع فيها البعض بسبب ضعف المستوى وإن كان ذلك معيباً جداً لأن من يحمل القلم يحسن به أن يسيطر عليه.
ـ من أشيع الأخطاء الخلط بين عبارتي لا بد ولا شك كأن تقول مثلاً: تأخر ممدوح عن الحضور. لا بد أنه تعرض لطارئ... لأن لا بد تفيد حتمية وقوع أمر كقولك: لا بد من الدراسة لمن أراد النجاح.
أو: لا بد من استعادة القدس.
في حين أن لا شك تفيد التأكد من أمرٍ ما كقولك: تأخر ممدوح عن الحضور. لا شك في أنه تعرض لطارئ.
أنت في مثالنا متأكد من تعرض ممدوح لطارئ لذا وجب استخدام لا شك لأنك إذا قلت لا بد أنه تعرض لطارئ تحتم الأمر في حين أن تأخره قد يعود لسبب آخر كعدم رغبته في الحضور مثلاً ويكون شكك والحالة هذه في غير محله.
أخيراً وليس آخراً يجب الانتباه لإتباع لا شك ب(في أن) وإتباع لا بد ب(من).
ـ الخلط بين (بينما) و(في حين) شائع جداً كقولك الخاطئ: ذهبتُ إلى السوق بينما كنتَ نائماً والصحيح: ذهبتُ إلى السوق في حين كنتَ نائماً.
(بينما) تتصدر دوماً الكلام في مثل قولك: بينما هو جالس، دخل أحمد.
ـ الكثير من الناس يتبع فعل القول ب(أن) وهذا خاطئ لأن الهمزة ينبغي أن تكون تحت الألف بعد القول فلا يصح أن تقول مثلاً: قال الأستاذ أنه سيعاقب المتأخرين بل قال الأستاذ إنه سيعاقب المتأخرين ولهذه القاعدة استثناءٌ وحيد إذ ينبغي أن تكون الهمزة فوق الألف إذا كان فعل القول مبنياً للمجهول كقولك: يُقال أن الإيمان سعادة القلب والسبب أن للجملة في اللغة العربية سبع محلات من الإعراب ليس من بينها نائب الفاعل لذا فإنك بوضع الهمزة فوق الألف تخرج من هذا المأزق لأن جملة أن وما بعدها تصبح مصدراً مؤولاً في محل رفع نائب فاعل.
ـ من المعروف أن العدد بين ثلاثة وتسعة يخالف المعدود ولكن هل تعلم أن هذه القاعدة قابلة للاختراق في بعض الحالات؟ فإذا تبع العدد المعدود كما في قولك: جاء الرجال الثلاثة فيمكنك الاختيار بين المخالفة بين العدد والمعدود جرياً على القاعدة أو التوافق بينهما: جاء الرجال الثلاث لأن الثلاث في هذا السياق صفة والصفة تتبع الموصوف.
ـ خطأ شائع هو الخلط بين كلمتي الغداء والغذاء. لا ينبغي أن تقول: وجبتا الغذاء والعشاء بل وجبتا الغداء والعشاء لأن الغداء هو فترة الظهيرة كما ورد في القرآن الكريم: (بالغداة والعشي) في حين أن الغذاء هو الطعام كما هو معروف.
ـ إذا قلت: سوف لن أتأخر عن تلبية نداء الوطن فقد وقعت في الخطأ... اللغوي طبعاً لأن تلبية نداء الوطن أمرٌ مقدس. سبب الخطأ عدم جواز إدخال كلمة سوف على النفي فينبغي أن تقول: لن أتأخر عن تلبية نداء الوطن.
ـ قولك فشل عدنان في تحقيق هدفه خاطئ والصحيح أن تقول: أخفق عدنان في تحقيق هدفه لأن الفشل هو الضعف كما ورد في القرآن الكريم: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم...
ـ كلمة هروب غير موجودة في اللغة العربية... هرب هرباً فهو هارب فمن أين أتى حرف الواو؟!
ـ إذا قلت: في تصريح له قال وزير الصحة إنه سيسعى لتحسين مستوى الخدمات الصحية فقد وقعت في الخطأ لأن الضمير يجب أن يلي لا أن يسبق الاسم الذي يعود عليه فوجب أن تقول: قال وزير الصحة في تصريح له... وإن كنتُ شخصياً أتعمد الوقوع أحياناً في هذا الخطأ أثناء الكتابة لأنه يضفي بعض التشويق على السرد.
ـ من الأخطاء الفاضحة والتي تعج بها القنوات الفضائية على وجه الخصوص الخلط بين همزتي الوصل والقطع. وبعيداً عن القواعد هناك طريقة (تجارية) للتمييز بينهما وهي أن نتصور أن الكلمة سُبقت بواو العطف فإذا صح عدم لفظ الهمزة فهي همزة وصل كقولك واتحاد وانسحاب وانفصال... فجميع هذه الكلمات تبدأ بهمزات وصل في حين أن كلمات مثال إعادة... إقالة... إضراب... تبدأ بهمزات قطع لأن هذه الهمزات تُلفظ إذا سُبقت بواو العطف: وإعادة وإقالة وإضراب.
ـ خطأ يُصادف يومياً وهو استخدام فعل قام في غير موقعه. فقولك قمتُ بتأسيس هذه الشركة خاطئ والصواب: أسستُ هذه الشركة لأن فعل قام يعني نهض في اللغة العربية.
ـ قولك لا زال الوقت متاحاً خاطئ والصواب ما زال الوقت متاحاً لأن (لا) عندما تسبق الفعل الماضي تفيد الدعاء فقد نهى الرسول عليه الصلاة والسلام رجلاً عن تناول الطعام بيده اليسرى وأمره باستخدام يده اليمنى فقال له الرجل: لا أستطيع فرد عليه الرسول عليه الصلاة والسلام قائلاً: لا استطعت... وشُلت يده.
ـ أنت بمثابة أبي يا عم... هل هناك أجمل من ذلك؟
أجل الأجمل والصحيح أن تقول: أنت مثل أبي لأن المثابة في اللغة تعني الثواب والمكافأة.
ـ حتى نفاذ الكمية خاطئة والصحيح حتى نفاد الكمية... ما عندكم ينفد وما عند الله باقٍ لأن فعل ينفذ يعني يخترق ناهيك من أننا نقول: ينفذ نفوذاً!
ـ انحط إلى أسفل الدرجات جملة غير صحيحة والصواب أن تقول: انحط إلى أسفل الدركات لأن الدرجة هي المنزلة العليا والدركة هي المنزلة السفلى.
ـ غاب فترة من الوقت جملة غير صحيحة والصواب: غاب مدة من الوقت لأن الفترة هي الفاصل الزمني بين ظهور نبيين.
ـ قولك وحدة واستقلال وسيادة لبنان خاطئ لأن الصحيح هو: وحدة لبنان وسيادته واستقلاله.
ـ قولك سلمت المخطوط إلى مدير دار الأمير خاطئ، لا لأنك سلمته لدار الأمير فهي بلا شك دار نشر مرموقة بل الخطأ في استخدام (إلى) لأن هذه الكلمة تفيد انتهاء الغاية كقولك سافرت إلى حلب أما الجملة الأولى فيجب أن تكون كما يلي: سلمت المخطوط لمدير دار الأمير.
ـ استخدام حيث للتعليل خاطئ كما في قولك اشتريت باخرة أرز حيث أن المكسب المتوقع كبير والصحيح أن تقول: لأن المكسب المتوقع كبير لأن (حيث) ظرف مكان فتقول: قصدت لبنان حيث الطبيعة الخلابة.
ـ من الأخطاء الشائعة الجمع على نحوٍ غير صحيح كقولك مدراء بدل مديرون ونوايا بدل نيات و مشاكل بدل مشكلات وسادة بدل أسياد إلخ...
ـ أحياناً كثيرة نجد جمل تشبه قولنا: كلما درست كلما فهمت ولا يجوز استخدام كلما في جواب الشرط لذا يجب أن نقول: كلما درست فهمت.
ـ تعبير خاطئ شائع جداً ألا وهو بفارغ الصبر والصحيح بصبر نافد (وليس نافذ).
ـ قولك: أنا كطبيب أنصحك بتخفيف وزنك خاطئ لأن حرف الكاف أداة تشبيه وبالتالي يجب القول: أنا بصفتي طبيباً أنصحك...
ـ فلان يتميز بالتهور... الخطأ يكمن في استخدام فعل يتميز يليه كلمة تهور والصواب أن تقول: فلان يتصف بالتهور لأن الصفة حميدة أو ذميمة في حين أن فعل يتميز يجب أن يُتبع بصفة حميدة.
ـ فلان رجل لم تلده النساء جملة خاطئة والصواب أن نقول: فلان رجل لم تلد كمثله النساء والسبب أن للرجل أماً واحدة.
ـ الخلط شائع بين الوجود والتواجد كما في قولنا: أبي متواجد في المكتب والصواب أن نقول: أبي موجود في المكتب لأن التواجد هو الشوق الشديد.
ـ وفي السياق نفسه هناك خطأ شرعي أصله لغوي في قولك: الله موجود لأن موجود اسم مفعول ويحتاج إلى واجد حاشا لله لذا يكون الصواب أن نقول: الله واجب الوجود.
ـ من الأخطاء الشائعة قولك: رأيت نفس الرجل في نفس المكان والصحيح أن تلي كلمة (نفس) الاسم الذي تدل عليه كما يلي: رأيت الرجل نفسه في المكان نفسه.
ـ وفي سياقٍ متصل فإن الخلط بين (ذاته) و(نفسه) لا يجوز فإذا قلت رأيت الرجل ذاته في المكان ذاته تكون قد أخطأت لأن (ذاته) تخص العاقل فقط فيكون الصواب أن تقول: رأيت الرجل ذاته (أو نفسه) في المكان نفسه.
ـ يُدخل البعض حرف الجر على حرف وهذا لا يجوز كما في قولهم من ثم وهذا خطأ والصواب أن نقول ثم.
ـ البعض يُتبع بعض الأفعال بأحرف بشكل خاطئ كقولهم شكوت من الهم والصحيح شكوت الهم، أو كقولهم ضحك عليه والصحيح ضحك منه أو كقولهم أجاب على سؤاله والصحيح أجاب عن سؤاله أو كقولهم اعتذر منه والصحيح اعتذر إليه في حين أن الخطأ يكمن أحياناً في الحذف (علماً أن الكثيرين من ضعاف النفوس حذفوا ضمائرهم هذه الأيام) كمثل قولك: نصحتُك والصحيح نصحتُ لك.
ـ وعلى ذكر الاعتذار فمن الخطأ أن تقول اعتذر عن الحضور لأن الاعتذار يكون عن شيء سلبي لذا يجب أن تقول: اعتذر عن عدم الحضور.
ـ هذه سلسلة من الكلمات التي شاع استخدامها بشكل خاطئ...
الهدف الرئيسي والصحيح الهدف الرئيس وصدفة والصحيح مصادفة وملفت للنظر والصحيح لافت للنظر وهام والصحيح مهم وعديم الفائدة والصحيح معدوم الفائدة وأخصائي والصحيح اختصاصي ومسبقاً والصحيح سلفاً ومتأكد والصحيح متحقق ويتوه والصحيح يتيه والآنف الذكر والصحيح المذكور آنفاً...
ـ في اللغة الفرنسية يستخدمون الفاصلة للعطف عندما يكون هناك أكثر من معطوف وتسبق واو العطف الاسم الأخير فقط كما يلي: اشتريت التفاح، البرتقال، الرمان والكوسا... وهذا لا يجوز في اللغة العربية والصحيح أن تسبق واو العطف كل الكلمات المعطوفة: اشتريت التفاح والبرتقال والرمان والكوسا.
هناك بالطبع سلسلة طويلة من الأخطاء الشائعة ذكرنا بعضها فقط للفائدة...
قبل الختام إليكم هذه الطرفة التي تناسب السياق:
اتصل أحدهم بمنزل صديقه عبر الهاتف فرد عليه أخوه وهو دكتور في اللغة العربية ويكره كثيراً الأخطاء اللغوية فسأله بحذر:
ـ مرحباً... أخوك، أخاك، أخيك هنا؟
فرد عليه بجفاء:
ـ لو، لا، لي... ليس هنا.
أرجو على كل حال أن تعم الفائدة ولكل من أعطاني وقتاً لقراءة ما سلف كل الشكر.
ملاحظة: من بين الأخطاء الشائعة التي بتنا (نتفشكل فيها) أثار دهشتي الخطأ الذي وقع فيه حسني مبارك عندما قال:
... لم أكن أنتوي الترشح للانتخابات المقبلة...
لينجدني أحدكم: هل يوجد فعل ينتوي في اللغة العربية؟؟؟!!!
صحيح أن الجميع في هذه الأيام يدعو إلى محاسبة مبارك على أخطائه الكثيرة ولكن لا بأس من إضافة هذا الخطأ إلى اللائحة.
واقرأ أيضاً:
اللغة العربية.. عداء الذات! / عن المنهج وهذه اللغة: القادِرَةُ الحضارة / يوميات مجانين: عربية المصريين
التعليق: معلومات مفيدة جدا.
جزاك الله خيرا.