لأن الثورة هي الوضع الطبيعي للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال، ولأن غالبية الأحزاب انحرفت عن نهج الثورة والجهاد، ولأن الشباب طليعة الأمة، فقد قرر شباب فلسطين الذين يُمثلون أغلبية الشعب أخذ دورهم في النضال الوطني وإعادة الأمور إلى نصابها والقيام بثورة على الانقسام. إلا أنه ما أن أعلنت مجموعات شبابية فلسطينية رغبتها في الخروج بثورة لإنهاء الانقسام حتى ساد الارتباك الحكومتين والسلطتين والأحزاب اعتقاداً منها أن ثورة الشباب ضد الانقسام تعني ثورة ضد مسببي الانقسام من الأحزاب السياسية والتشكيلات التي تؤطر النظام السياسي الفلسطيني...
تجاهلت الأحزاب في البداية دعوات شبابية للثورة، وعندما تأكدت من جدية الدعوات وبداية التحرك في هذا الاتجاه أعلنت مضطرة تأييدها للشباب ولكنها في نفس الوقت بدأت، ومعها جماعات مستقلة ومؤسسات مجتمع مدني، تحركات مشبوهة للتدخل في حركة الشباب وركوب الموجة بتجيير هذه الثورة لخدمة مصالحها، أو لإجهاض الثورة قبل أن تبدأ. الإعلان عن تأييد ثورة الشباب لم يمنع الأحزاب من تنصيب نفسها كناصحٍ وموجهٍ، مبدية "تخوفات" على ثورة الشباب وهي في الحقيقة تخوفات من الثورة وليس عليها، تخوفات أقرب للاتهام والتشكيك، تخوفات وتشكيك لا تُعبر عن حِرصٍ على المصلحة الوطنية بقدر ما تُعبر عن خوفٍ على المواقع والمصالح التي رسخت خلال سنوات الانقسام. من هذه "التخوفات" أن الشباب يُقلدون الثورات التي جرت وتجري في تونس ومصر وليبيا، وأن الحالة الفلسطينية مختلفة عن غيرها من الحالات، أو أن الشباب "غير مؤهلين" لقيادة ثورة والتعامل مع تداعياتها ونتائجها، ومنها خوف كل حزب من الحزبين الكبيرين ـ "فتح" و"حماس" ـ وخصوصاً من "حماس"، أن تكون الثورة موجهة ومدفوعة من الحزب المنافس، أيضاً تخوف الأحزاب أن تسحب ثورة الشباب شبابهم وتدفعهم للتمرد عليهم... إلخ.
بسبب هذه "التخوفات" بدأت أحزاب ومؤسسات مجتمع مدني موالية لها أو مدفوعة من طرفها تدخل على خط ثورة الشباب بتشكيلها مجموعات شبابية خاصة تدعو للثورة أو للخروج للشارع تحت عناوين مختلفة كشعار الثورة لإنهاء الاحتلال أو الثورة ضد (الفيتو) الأمريكي أو الثورة على السلطة أو الثورة لإسقاط (أوسلو) أو الثورة لكسر الحصار أو شعارات تجمع كل هذه العناوين، في مواعيد مغايرة للجدول الذي وضعته المجموعات الشبابية الأولى والمستقلة. إن هذا التصرف من الأحزاب يهدف لإرباك الشـباب وتفتيت الكتلـة الشـبابيـة وتحويل تحركهم أو ثورتهم إلى تحركات إحتجاجيـة روتينيـة مما سـيُفقد المبادرة الشـبابيـة زخمها وأهميتها. وقد سـبق وأن رأينا بؤس التحركات والمسـيرات الإحتجاجيـة التي تُنظمها الأحزاب...
لا نُشكك بوطنية الأحزاب ولا بما قدمت من تضحيات، ولكن الأحزاب وصلت لطريق مسدودة وقدمت ما تستطيع ولم يعُد بإمكانها تقديم المزيد بسبب بنيتها التنظيمية وارتباطاتها الأيديولوجية والسياسية وشخصنتها؛ حيث غيَّبت القيادات الحزب وغيَّب الحزب الوطن... إلخ، كما أن الشعب في العالم العربي من حولنا يثور ووضعه أفضل بكثير من أوضاعنا. كما أننا لسنا ضد مشاركة القطاع الشبابي والطلابي في الأحزاب في ثورة الشباب، ولكن، لماذا الآن اكتشـفت الأحزاب أن عندها قطاع شـبابي يُمكنـه القيام بمبادرات قياديـة!؟ ولماذا لم تمنحهم دوراً في القيادة والتوجيـه خلال عقود من سـيطرة قيادات شـاخت وأفلسـت وفشـلت في التعامل مع قضايا الشـباب ومع مجمل القضيـة الوطنيـة؟ وهل الأحزاب التي فشـلت في إنجاز المصالحـة وإنهاء الانقسـام وفشـلت في التوصل إلى قيادة وحدة وطنيـة وإسـتراتيجيـة وطنيـة يُمكنها توحيد قطاع الشـباب تحت عنوان موحد؟ وهل سـتسـمح الأحزاب الوطنيـة والدينيـة للشـباب بالخروج في ثورة أو مسـيرة موحدة تحت علم واحد هو علم فلسـطين أم سـيكون لكل مجموعـة شـبابيـة علم حزبها..!!؟؟
كل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات يؤيد خروج الشباب للشارع في ثورة عنوانها إنهاء الانقسام، وليس المهم كم عدد الذين سيخرجون أو المدى الزمني الذي ستأخذه الثورة أو ما يمكن أن تُحقق من أهداف... المهم أن يأخذ الشباب دورهم ويُسمِعوا العالم صوتهم وهم أغلبية الشعب المتضررة من الاحتلال والمتضررة من الانقسام... نعم من حق الشـباب بل واجب عليهم أن يقودوا المرحلـة أو على الأقل أن يكونوا من صُناع القرار بعد سـنوات من المراهنـة على أحزاب وحركات أدت بقضيتنا الوطنيـة للتهلُكـة واسـتعملت الشـباب كوقود لنار شـهواتها ومطامعها ومصالحها وأجندتها الخارجيـة..!! من حق الشـباب التمرد على حالـة العبوديـة التي تُمارسـها عليهم الأحزاب والفصائل والحركات، هذه الأخيرة التي اسـتعملتهم ليُفجروا أنفسـهم ويقوموا بعمليات إسـتشـهاديـة أو إطلاق صواريخ من أماكن خطرة أو الاشـتباك مع إخوانهم من شـباب الفصائل الأخرى.. إلخ، من أجل أن يتموقع من حرَّضهم على ذلك كوزراء ونواب تشـريعي وقيادات سـياسـيـة تصول وتجول في الوطن المحتل وفي الخارج في مواكب ملوكية...!!! لم يُقدم شـبابنا حياتهم خلال إنتفاضـة 87 وإنتفاضـة الأقصى حيث أسـتُشـهد الآلاف منهم ودخل السـجون آلاف أخرى وجُرح وقُطعت أوصال آلاف أخرى... إلخ، من أجل أن يسـتقر الأمر على نخبتين وسـلطتين وحكومتين تسـتمد بقاءها من مهادنـة الاحتلال والسـكوت على جرائمـه في الضفـة وغزة...!!!
من حق الشباب ولو مرة واحدة أن يكونوا أصحاب قرار ويُجربوا إمكانياتهم وأفكارهم وليس مجرد مشاريع شهادة مدفوعة الثمن تخدم مصالح نُخب وأحزاب لا مصلحة الوطن... من حق الشباب أن يتمردوا على وقوفهم في الطوابير للحصول على "كوبونة" أو استجداء هذا المسؤول أو ذاك للحصول على وظيفة أو مساعدة أو منحة دراسية... من حق الشباب وواجب عليهم أن يخرجوا في ثورة ويُعبروا عن مواقفهم من تلقاء أنفسهم دون توجيه ووصاية من الأحزاب ودون انتظار مقابل مادي لخروجهم... وخصوصاً أن غالبيـة الأحزاب باتت عالـة على الوطن وعاجزة عن إبداع أي جديد للخروج من الأزمـة إلا تكرير نفـس الخطاب الممجوج والخشـبي الذي لم يعُد يُقنع أحداً!
عندما أحرق الشاب البوعزيزي خريج الجامعة العاطل عن العمل نفسه في تونس لم يكن يعرف أن تضحيته ستؤدي لثورة كل شباب تونس ثم رحيل الطاغية، وعندما قرر بعض شباب مصر الخروج للشارع إحتجاجاً على الأوضاع لم يكونوا متأكدين أن خروجهم سيتحول لثورة عارمة تُجبر الرئيس على التنازل عن السلطة ثم تُجبر الحكومة على الاستقالة وتؤدي لتعليق برلمان مزور ومحاكمة وزراء ومسؤولين كبار. شـباب تونـس ومصر وليبيا خرجوا لأنهم لم يعودوا قادرين على الاسـتمرار بالمراهنـة على النظام والأحزاب والنُخب التي شـاخت وفسـدت، ولأنهم أحسـوا أن الشـعب يُريدهم أن يتحركوا ولم يُخيب الشـعب آمالهم فخرج عن بكرة أبيـه مسـانداً لهم...
على شـباب فلسـطين أن لا يترددوا وألا تُرهبهم الأحزاب أو تُغريهم، وعليهم أن لا يخافوا من السـلطـة والحكومـة ولا من اسـتدعاءٍ يأتيهم من أجهزة أمن باتت وظيفتها حفظ أمن وحدود الاحتلال وأمن قادة الأحزاب وليـس أمن الوطن..!! أمن الوطن لا يتحقق إلا بإنهاء الانقسـام. التحولات والثورات التي يشهدها العالم العربي وحالة الهزيمة الداخلية التي تعيشها السلطتان في غزة والضفة يجعلهما أجبن من أن يواجهوا الثوار بالحديد والنار، إن قمع ثورة شـبابيـة سـلميـة لإنهاء الانقسـام معناه أن القامعين للثورة مسـتفيدون من الانقسـام وراغبون في ديمومتـه. مع افتراض إقدام الأجهزة الأمنية سواء في غزة أو في الضفة على مواجهة الشباب فهذا حافز لمواصلة المسيرة، فلا حرية بدون ثمن، وإن كانت فتنة الانقسام قبل وبعد يونيو 2007 أسقطت ضحايا فإنهاء الانقسام يستحق سقوط شهداء، نعم نحن اليوم بحاجة لشهداء الكلمة وشهداء إنهاء الانقسام.
وأخيراً نقول للشباب أنتم أملنا ومستقبلنا فلا تترددوا في حمل الراية وتَحَمُل المسؤولية، عندما تخرجوا في ثورتكم المباركة في الضفة والقدس وغزة وفي جميع مناطق الشتات معناه أنكم تؤسسون لعهد جديد لحركة التحرر الوطني، ثورة الشباب هي ثورة كل شاب وشابة، ثورة كل جريح ومصاب ومعاق، ثورة كل أسير ومحرر وبالتالي ثورة كل أبن وأخ ووالد ووالدة وزوج وزوجة كل أسير وهناك أكثر من عشرة آلاف أسير، ثورة كل خريج جامعي عاطل عن العمل وهناك ثلاثون ألف خريج جامعي بدون عمل، ثورة كل عاطل عن العمل وغالبية الشعب تعيش بطالة فعلية أو مقنعة، إنها ثورة كل فلسطيني أهان الاحتلال والانقسام والحصار كرامته.
27/03/2011
واقرأ أيضاً: