تتزايد كل يوم أسماء المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية في مصر، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن: من هو صاحب الفرصة الأكبر بهذا المنصب الرفيع؟..
والإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى سؤال آخر قبله وهو: على أي معيار سيختار المصريون رئيسهم؟، فالأمر في هذه المرة مختلف إذا وضعنا في الاعتبار أن الانتخابات ستكون نزيهة ونظيفة وحقيقية وليست كالتمثيليات الهزلية في العهود السابقة قبل ثورة 25 يناير. والإجابة البديهية المرغوبة والمثالية قد تكون: "من يقدم برنامجا انتخابيا موضوعيا وواقعيا ويحقق طموحات الشعب بعد الثورة"... وهذا صحيح تمام، ولكن في الحالة المصرية، قد لا يكون الأمر كذلك نظرا للظروف التي مر بها المصريون ولتركيبتهم النفسية. فقد حكمهم مبارك ثلاثين سنة وهو يفتقد لأدنى متطلبات المنصب هو والعصابة التي أحاطت به، فسلبوا ونهبوا وأضاعوا مكانة مصر وهيبتها وأهانوا المصريين وقهروهم وعذبوهم وأمرضوهم وأفقروهم، ومن هذا المنطلق نتوقع أن يهتم المصريون في اختيارهم لرئيسهم القادم بمعيارين غابا عن مبارك وعصابته، وهما: الكاريزما والضمير، وفيما يلي إيجاز لمعنى هذين المعيارين وتأثيرهما في توجهات الناخب المصري:
1 – الكاريزما: وهي كلمة تعني سحر وجاذبية الشخصية وقدرتها على التأثير في الناس وقيادتهم. والشخص ذو الكاريزما العالية يمتع بقدر كبير من الذكاء الوجداني والذكاء الاجتماعي، ويمتلك القدرة على تحريك مشاعر الجماهير وإقناعهم بما يريده من خلال اللعب على وتر المشاعر الوطنية أو الدينية أو غيرها. والشخصية الكاريزمية تعطي للناس شعورا بالقيمة والكرامة والشرف، وترفع من سقف طموحاتهم الشخصية والوطنية، وتحفزهم للحركة والصعود. وقد يكون هذا كله حقيقيا أو زائف، ولكنه في الحالتين يكون مؤثر، فكم من شخصيات كاريزمية قادت الناس لتحقيق أهداف عظيمة (غاندي ونيلسون مانديلا وعبد الناصر)، وكم من شخصيات كاريزمية قادت الناس إلى كوارث رهيبة (هتلر وموسيليني وستالين وصدام حسين).
2 – الضمير: وهو كلمة جامعة لما يملكه الشخص أو يوحي به من قيم الاستقامة والنزاهة ونظافة اليد والصلابة الأخلاقية والالتزام بالثوابت الدينية وهذا ما نسميه الضمير الشخصي، ويضاف إليه الضمير الوطني بما يعنيه من تفاني في خدمة الوطن ومحافظة على مصالحه العليا والاعتزاز بالانتماء إليه ورفع رايته بين الأمم. والضمير مسألة مهمة لدى المصريين لأن أرض مصر شهدت مولد الضمير الإنساني، وهذا ما يتضح في كتاب "فجر الضمير" لجيمس هنري بريستيد، وعلى الرغم من ذلك فقد أطاح مبارك وعصابته بالضمير، وأوصل المجتمع على مدى ثلاثين سنة من حكمه المشئوم إلى حالة من تردي القيم ظهرت بوضوح للمراقبين المتخصصين وغير المتخصصين وعكستها دراسات محلية ودولية كثيرة أثبتت تهتكات شديدة في الضمير العام وتنامي للقيم السلبية في عهد مبارك . وليس أدل على ذلك من خضوع مبارك وأفراد أسرته وحاشيته وحكومته وحزبه بعد الثورة المصرية للمحاكمة بتهم التربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام. وإذا جئنا لضميره الوطني فقد أدانته الثورة بالتفريط في حق الوطن وتضييع ثرواته وإهدار كرامته وتسليم قراره للإرادة الأمريكية والإسرائيلية وتقزيم دوره.
ولذلك فسوف يصطف المرشحون الجدد أمام معياري الكاريزما والضمير ليختار الشعب من بينهم من يعيد إليه ثقته وحفاوته واحترامه لهذا المنصب الجليل (أو المفترض أن يكون كذلك)، وخاصة أن ثمة أزمة بين الشعب المصري وملوكه ورؤسائه في العقود الأخيرة انتهت نهايات مأساوية بدءًا من الملك فاروق وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، وهذا يشير إلى الحاجة لعقد جديد بين الشعب ورئيسه يضمن الأداء الجيد للرئيس والعلاقة السوية بينه وبين الشعب ثم النهاية الطبيعية لتلك العلاقة بعد انتهاء فترة الرئاسة حتى لا ينتهي مخلوعا بثورة أو مسموما أو مقتولا أو مسجونا أو مشنوقا.
وأدعو القارئ أن يحاول قراءة كل مرشح بناءا على هذين المعيارين ويعطيه درجة من عشرة على كل معيار ليرى أيهم سوف يختار. وقد يقول قائل مرة أخرى، إننا يجب أن نخرج من أسر هذه المعايير الشخصية والذاتية إلى معايير أكثر موضوعية، وهي تاريخ المرشح السياسي والوطني، وبرنامجه الانتخابي ومدى قدرته على تحقيقه بصرف النظر عن كاريزميته أو ضميره، فالكاريزما لا تصنع إنجازا والضمير شئ يعود للشخص ولا يمكننا الإطلاع عليه. وهذا قد يكون صحيحا في المستقبل، أما في اللحظة الراهنة فما زال المصريون يتحركون (على الأقل في أغلبهم) وفقا لهذين المعيارين.
ودعني أيها القارئ الكريم أبدأ بنفسي في هذه القراءة مع بعض المرشحين المعلنين حتى الآن وأترك لك كل الحرية في الاتفاق أو الاختلاف حول ما سأورده من رؤية بعضها شخصي وبعضها من قراءة للتوجهات المؤيدة أو المعارضة لكل شخصية:
الدكتور محمد البرادعي
٠
مفتاح شخصيته:
لكل شخصية مفتاح إذا عثرنا عليه أمكننا تفسير كثير من أفكار وسلوكيات وردود أفعال هذه الشخصية، وإذا أردنا معرفة مفتاح شخصية البرادعي فهو "القانوني" المتوجه نحو رعاية الحقوق والحفاظ عليها وفق ضوابط وقواعد القانون. بمعنى أنه نشأ في أسرة بها عدد كبير من القانونيين أو الذين يعملون في مجالات تتصل بالقانون، ووالده كان محاميا كبيرا ونقيبا للمحامين، وهو قد اختار دراسة القانون عن حب، وحتى حين التحق بالسلك الدبلوماسي وسافر إلى أمريكا اتجه إلى دراسة القانون وحصل على الدكتوراه فيه، وحتى عمله في الوكالة الدولية للطاقة فهو متصل بتطبيق القانون الدولي في مسألة نزع وحظر السلاح النووي.
وكونه قانونيا جعله مدققا في كلامه وأفعاله، يختار كل شيء بدقة وعناية ولا يتعجل في الأحكام أو القرارات أو الأفعال، وربما يبدو مترددا في بعض الأحيان نتيجة حرصه على أن يستوفي المعلومات والقرائن والدلائل قبل أن يصدر حكم، وهذه السمات (التدقيق والتأني والتردد أحيانا) قد يعزوها البعض إلى سمات وسواسية في الشخصية، والسمات الوسواسية ليست مرضا وإنما هي طبيعة في بعض الأشخاص الذين يتميزون بالحرص الشديد على النظام والدقة والانضباط، ولديهم معايير أخلاقية عالية، ولا يتعجلون في اتخاذ قراراتهم. وكونه قانوني يجعله يميل لجانب العدالة والشرعية وضبط الحياة بضوابط القانون.
والقانوني قد يمثل سمة "الأب الناقد" في عرف نظرية التحليل التفاعلاتي لإريك برن، فهو يهتم بما يصح ومالا يصح، ويرصد الشذوذات في السلوك ويعيدها ويضبطها وفق معايير القانون، ويضبط إيقاع السلوك وإيقاع الحياة طبقا للقواعد والنظم المتعارف عليها لدى العقلاء. والبرادعي فعلا يحمل هذه السمات ولكنه في ذات الوقت يحمل سمات الأب الراعي، وهذا يبدو في طيبته وسماحته الظاهرة، وربما يكون قد اكتسب سمات الأب الراعي من كونه الابن الأكبر لأبويه، والأخ الأكبر لإخوته. وحتى عمله في الوكالة الدولية للطاقة كان يتكون من شقين، يعرف الناس الشق الأول منهما وهو التفتيش على المنشآت النووية المخالفة للمعاهدات وقواعد القانون الدولي، ولكن الشق المجهول هو ذلك الجهد الذي تبذله الوكالة لمساعدة الدول الموقعة على معاهدة منع انتشار السلاح النووي لكي تطور برامجها النووية السلمية لتوفير ما تحتاجه من الطاقة.
وقد برزت صفة "القانوني" لديه إبان أزمة العراق ومشكلة وجود أو عدم وجود سلاح نووي لديه، وقد قامت الوكالة الدولية للطاقة برئاسة البرادعي ببحث الموضوع والتفتيش في أنحاء العراق ثم صدر التقرير التاريخي الشجاع بخلو العراق من الأسلحة النووية، وقد كان تقريرا صادما لأكبر قوة دولية وهي أمريكا حيث كانت تحتاج لغطاء يعطيها الشرعية في تدميرها للعراق، ولكن الرجلان الشجاعان البرادعي وهانز بليكس وقفا في الأمم المتحدة وفي جلسة تاريخية يعلنان خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل.
وكونه قانوني فهو لا يداهن الجماهير سعيا نحو شعبية بأي ثمن (كما يفعل السياسيون البراجماتيون)، ولا يتلهف على الأضواء الإعلامية ليحقق شهرة يسخرها لتسويق أفكاره أو سياساته.
وصفة "القانوني" لديه تجعل الناس أمامه سواسية، والمعيار لديه هو التزام الأشخاص أو عدم التزامهم بالقانون، وقد تعود في ممارسته المهنية أن يلقى رؤساء دول كبيرة وصغيرة، وأن يقابل المستبدين والطغاة والجبابرة من الحكام، ولم يكن يخشى أحدا منهم ولا يضع اعتبارا إلا لموافقة سلوكهم وسلوك دولهم لنصوص المعاهدات ومواد القانون الدولي. إذن فهو يقف موقف القاضي الذي لا يرهب المجرم الذي يحاكمه حتى ولو كان من عتاة الإجرام، ولا يستجيب في ذات الوقت لضغوط سلطوية فوقية مهما كان مصدرها.
٠ هويته:
بعض الناس يبدون قلقهم تجاه هوية الدكتور البرادعي فيقولون: "على الرغم من أنه مصري نشأ وقضى طفولته وصباه وجزءا من شبابه على أرض مصر، إلا أن جزءا كبيرا من تعليمه وثقافته تم صياغته في الغرب، وقد عاش سنوات طويلة من عمره في المجتمعات الغربية وتشبع بعاداتها وتقاليدها وثقافتها ، ولم يعش الحياة المصرية بمشاكلها وهمومه، ولم يتشبع بالثقافة العربية والإسلامية، وأن تصريحاته تعكس توجها إنسانيا عاما يخلو من روح الهوية المصرية أو العربية أو الإسلامية، وبالتالي فهو قد لا يتحمس للقضايا الوطنية أو القومية أو الأممية بقدر حماسه للقضايا الإنسانية، وهو بالتالي يستطيع أن يلعب دور المصلح الإنساني وداعية السلام العالمي ولا يصلح لدور رئيس لدولة مصرية عربية إسلامية".
وقد يكون بعض ذلك صحيح، ولكن البعض الآخر يحتاج لتصحيح، فالشخص يكتسب الهوية منذ السنوات المبكرة من عمره، ثم تتشكل بصفة راسخة عند مرحلة المراهقة وما بعدها من بواكير الشباب، وقد كان البرادعي في تلك المراحل يعيش في أحضان الثقافة المصرية العربية الإسلامية، وهو حين التحق بالعمل في الخارجية كان يعمل في إطار تحقيق المصالح الوطنية لسنوات ممتدة، إذن فهو ليس بعيدا عن ثقافته الأصلية وليس غريبا عن مصالح وطنه.
أما فترة عمله كموظف دولي فقد أكسبته رؤية أوسع للمصالح وهي مصالح البشر عموما بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الدين، وهي رؤية إنسانية منضبطة بضوابط الشرعية والقانون، وهي ليست عيبا فيه بل هي ميزة كبرى، وهي لا تتعارض مع قدرته على الحفاظ على مصالح أهله وذويه ووطنه، فالذي يدافع عن حقوق ومصالح الغرباء لا يتصور أنه يضيع حقوق ومصالح الأقربين. وقد كان طوال حياته على صلة جيدة بعائلته وأصدقائه وبني وطنه، ولم يعرف عنه تنكره لثقافته الأصلية ولا انبهاره بالثقافة الغربية كما فعل كثيرون ممن لم يغادروا أرض مصر ولكنهم يحطمون الثقافة المصرية العربية الإسلامية ويعلون من شأن الثقافة الغربية.
٠ سماته:
يبدو هادئا وبسيطا ومتواضع، وفي ذات الوقت يتمتع بقدر هائل من الكبرياء وعزة النفس والترفع عن الصغائر، وطول قامته يعطيه مهابة لا تخطئها العين، وحين يتحدث تخرج الكلمات هادئة وموضوعية، فهو لا يميل إلى العبارات الضخمة والشعارات الرنانة والكلام الكبير. وإذا أردت أن تراه شخصا مصريا ريفيا فلك ذلك حين تنظر إلى وجهه وتتخيله يلبس جلبابا ريفي، وإذا أردت أن تراه باشا كبير فانظر إلى وجهه وهامته. وهو يجمع بين صفات رجل القانون وصفات العالم وصفات الحالم وصفات السياسي في ذات الوقت.
وهو شديد الأدب، وقور لا يستدرج لسفاهات أو تفاهات، ولا يسهل استفزازه أو دفعه لردود غير محسوبة، وقد ظهر هذا واضحا في لقاءاته الإعلامية، إذ على الرغم من الأسئلة الصعبة التي وجهت إليه وعلى الرغم من الألغام التي وضعت له في الحوارات وعلى الرغم من نصب أكثر من فخ له إلا أنه كان يخرج منها جميعا بطريقة مهذبة وسلسة، وكان يتحمل الكثير من الأسئلة المستفزة، ومحاولات التثبيط ومحاولات السخرية ويظهر في النهاية نبيلا شريفا.
ومعروف عنه الهدوء والصبر وطول البال. ويبدو أن طبيعة شخصيته الهادئة، مع انشغالاته الكثيرة جعلته لا يميل كثيرا إلى الانخراط في النشاطات الإجتماعية وهذا ما كان يشكوه بعض المصريون المقيمون في النمسا. ومعاييره الأخلاقية مرتفعة للغاية وهذا ما يؤكده "ديفيد ويلز" أحد كبار معاونيه ويعمل معه منذ أكثر من عشرين عاما حيث يصفه بأن حسه الأخلاقي عال جد، وأنه يتصرف من واقع كونه مسئول كبير ذو مزايا فكرية رفيعة. ويصفه آخرون عملوا معه أيضا لسنوات طويلة بأنه: نزيه وحاد الذكاء ومنظم وجاد وملم بتفاصيل كل ملف من الملفات.
وفيما يلي نوجز سماته الأساسية:
- متواضع في كبرياء: من أهم سمات البر ادعي تواضعه مع حفاظه على كبريائه، فهو يقترب كثيرا من الإنسان المصري العادي البسيط في كلماته وتعبيراته وتصرفاته، فبالرجوع لحواراته قبل ثورة 25 يناير نجده يقول: "التجربة لو نجحت سيكون المصريون الذين أيدوني هم من نجحوا معي وإذا فشلت فعلى الأقل نكون قد حاولنا معا من أجل التغيير". وفي نفس الوقت يمكنك أن تراه أحد العظماء والنبلاء حين قال: "سأهين كرامتي لو ذهبت للجنة شئون الأحزاب لكي أنشئ حزباً، فرئيس اللجنة هو أمين الحزب الوطني، هذا مهين لكرامتي"، ولعل اجتماع هاتين الصفتين في شخص البرادعي هو ما جعله صالحا لأن يكون محركا للأحداث ورمزا للتغيير لأن من تتحقق في شخصيته تلك المعادلة الصعبة فهو أصلح من يقوم بالتغيير.
- هادئ: لا يستجيب للاستفزاز ولا ينزلق وراء محاولات إثارة انفعالاته أو السخرية منه والاستهانة بقدرته على التغيير، فعلى الرغم من فهمه العميق لكل تلك المحاولات كانت ردوده هادئة مهذبة ومنطقية وهذا دليل على توازن شخصيته وأنه شخصية مستقرة انفعاليا، فعلى الرغم من عدم التزام بعض المحاورين بالأسلوب اللائق في الحديث معه إلا أنه لم يقع تحت تأثير انفعالاته.
- مفكر: يعرف ماذا يريد وكيف يصل لما يريد، عقله منظم جدا يعرف كيف يعرض أفكاره في تسلسل منطقي -ربما لدراسته القانون وعمله في وزارة الخارجية أو ربما لرئاسته إحدى أهم الوكالات الدولية، نجد هذا واضحا في قوله: "قوتي هي فكرتي وهي فكرة لابد أن تحدث وهي التغيير الذي حان وقته الآن".
- مصلح: فلديه كل ما يحتاجه شخص ليكون مصلحا، لديه الفكرة ولديه روح التغيير دون أن يمتلك أي قوات عسكرية أو مساندات خارجية، مؤمن بدوره الإصلاحي فلم يكن ذكره لنموذجي مانديلا وغاندي وليد الصدفة، إنما هو نابع من إيمانه بقدرة المصلح على التغيير، فغاندي الرجل الهندي الفقير الذي لم يكن يملك أي قوات عسكرية أو مادية استطاع أن يهزم الإمبراطورية البريطانية، وكذلك الحال لمانديلا الذي قضي 28 عاما من حياته في السجون استطاع أن يمسك الحكم ويتركه فيما بعد طواعية ليعطى نموذجا يحتذي به، ولم يملكا أكثر مما لدي البرادعي من فكرة وروح تدعم التغيير.
- ذكي: يظهر ذكاؤه في اختياره للزمان والمكان الذي يعرض فيه فكرته للتغيير، فقد جاء البرادعي بحصانات كثيرة منها جائزة نوبل، قلادة النيل، ورئاسة وكالة الطاقة الذرية، بالإضافة إلى توازن شخصيته وتقبله لتعددية التيارات الفكرية وعدم تحيزه لأي منها، كل هذا جعله أكثر قبولا لدى الكثيرين، ليس ذلك فحسب بل إن اختياره لهذا التوقيت الذي تحتاج فيه مصر إلى التغيير هو أيضا انعكاسا لذكائه وحنكته.
- دقيق: نظر إليه البعض على أنه متردد، لا يستطيع التعبير عن أفكاره بسهوله وبرهنوا على ذلك بأنه لم يتحدث بطلاقه وكان يستغرق وقتا ليعبر عما يريد، وكان يتهته أحيانا، بل وذهب البعض لتفسير هذا بالقول إن ثقافته وأفكاره غربية فكيف يعبر عنها بالعربية؟، على الوجه الآخر قد يكون هذا دليلا على دقته فهو كرجل عمل بمنظمات دولية يعي تماما أن كل ما يقوله محسوب عليه لذا فعليه تحرى الدقة في اختيار كلماته لكي تعبر عما يريد بالضبط.
- يواجه التحدي: يقول في أحد أحاديثه "أنا دخلت المرة الثالثة كتحد، عندما ذكرت الولايات المتحدة علنا أنها لن تؤيد ترشيحي، ورأيت أن هذا مخالف لمفهوم الموظف الدولي وأنه لا يجب أن يكون لدولة وحدها كبرت أم صغرت أن تقرر مصير موظف دولي!"
٠ سر قوته:
كانت منى الشاذلي تحاوره في لقاء قبل الثورة يستحق التوبة منها فقد حاولت أن تكسر مجاديفه، وأن تثنيه عما برأسه، وأن تعيد إليه رشده، وتصرفه عما هو مقبل عليه فراحت تقلل من احتمالات نجاحه في تحقيق أي تغيير وترهبه (أو تنبهه) لما ينتظره من صعاب وأهوال، ولم تكتف بذلك بل مارست ضغطا واضحا على المشاهدين المتصلين الذين اتصلوا أثناء الحلقة، وقامت بدور ناظرة المدرسة التي تعيد الرشد للجانحين المتهورين، وفي لحظة فاصلة سألته عن ما يمتلك من القوة للتغيير فقال لها بوضوح وحزم: "قوتي في فكرتي"، وربما تشكل هذه الكلمة فلسفة البرادعي في الحياة ومفتاح نجاحاته، فهو عالم ومفكر وحالم وقارئ جيد لتاريخ حركات التحرر والإصلاح خاصة في الهند وجنوب إفريقي، ويعرف معنى القوة الناعمة التي كان يمثلها غاندي ومن بعده نيلسون مانديل، وقد كانا لا يملكان نفس القوة التي يملكها الطرف الآخر في الصراع ومع ذلك انتصرا في النهاية وحققا لشعوبهما أهداف التحرر والنهضة. وقد فعل عمرو أديب نفس الشيء في حواراته معه قبل الثورة، إذ كان يبدو مشككا في قدرته على التغيير ومتهكما على مشروعه الإصلاحي ومدى تحققه في أرض الواقع. وهذان الموقفان من إعلاميين شهيرين يعكسان بعدا مهما في الشخصيات الإصلاحية قد لا تدركه العين الإعلامية وهو بعد القوة الأخلاقية أو القوة الناعمة أو ما أسماه الدكتور المخزنجي "الشجاعة في الوداعة".
وقد التقط الكاتب الكبير أنيس منصور في 14\3\2005م مصادر القوة في شخصية البرادعي وذلك قبل فوزه للمرة الثالثة برئاسة الوكالة الدولية للطاقة: "ممكن جدا أن لا يفوز د. محمد البرادعي برياسة ثالثة لهيئة الطاقة الذرية فهذا إصرار أمريكي. وأمريكا مصممة على التخلص من البرادعي كما تخلصت من د. بطرس غالي سكرتير عام الأمم المتحدة، ولنفس السبب. أما السبب فهو أنه ليس ذيلا ولا طرطورا لسيدة كوكب الأرض. وقد لمحت وصرحت والرجل ودن من طين والثانية من طين أيضا!، فالبرادعي رجل عالم على خلق، أي رجل عنده ضمير. ولأن لديه ضمير فلم يستطع أن يكذب ويقول أن لدى العراق وسائل الدمار الشامل..... إذن وداعا محمد البرادعي وأهلا به في مصر، فنحن محتاجون إلى عالم على خلق كريم يستحق المكافأة من بلاده وكل الدول العربية. وفي بلادنا متسع للاستفادة من رجل متواضع بسيط، ولكنه أقوى من أمريكا بخلقه وإيمانه بالحق والعدل والسلام. فأهلا بالبرادعي عالما مصريا.. نحن أحوج إليه من الأمم المتحدة، وأرجو ألا تفوتنا هذه الفرصة التاريخية كما فاتت فرص أخرى لعلماء مصريين مخلصين جاءوا وعادوا لأن أحدا لم يلتفت إليهم".
وفي رده على استفسار حول خضوعه وخضوع الوكالة للضغوط الدولية وخاصة من الولايات المتحدة رد بوضوح وبصراحة وأكد أنه فعلا قد تعرض لضغوط إلا أنه لا يستجيب لهذه الضغوط ولا يعمل لحساب دولة دون الأخرى، بل يعمل من أجل مصلحة الجميع.
٠ منطق المعارضين له:
بعض الناس يهاجمونه بشدة ويرون أنه ساهم في تدمير القوة النووية الناشئة في العراق، وقام برقابة شديدة على كثير من دول العالم حتى يحرمها من حلم امتلاك السلاح النووي وذلك لحساب قوى القهر والاستكبار في العالم والتي تريد أن تمتلك هي القوة وتمنعها من الآخرين. ويتهمه البعض بأنه تشدد في التعامل مع إيران، وتساهل جدا مع أسلحة إسرائيل النووية. وعلى العكس كانت واشنطن تردد أنه ضعيف ومتساهل أمام كوريا الشمالية وإيران، ولم تنس إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرج الذي سببه لها البرادعي حين أعلن في مجلس الأمن، قبل شن الحرب على العراق، عدم وجود أسلحة نووية في العراق.
وكانت أمريكا شديدة الحنق عليه لأنها أيدته كمرشح لرئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1997م في مواجهة المرشح الرسمي لمصر، السفير محمد شاكر، ومع هذا لم ينصاع البرادعي لرغبات أمريكا وتوجهاته، وأثبت صلابة في موقفه كرجل قانون محايد. ورغم كل هذا شكك أحد الإعلاميين المصريين الكبار في انتماءات البرادعي، وقال في حديث صحفي بأنه لا يعتقد أن البرادعي وصل إلى هذا المنصب لولا انتماءاته الثقافية الغربية، والتي ليس أقلها الجنسية النمساوية التي يحملها. والبعض يقول بأن حضور البرادعي لمصر في هذا التوقيت ربما يكون بإيعاز أو مباركة من الغرب على أساس أنه خيار معقول للغرب فهو رجل تربى على القيم الديمقراطية الغربية وهو يشكل بديلا معقولا ومأمونا بعد أن زاد السخط على الأوضاع القائمة، وهو في نفس الوقت أفضل للغرب من الإخوان المسلمين الذين ربما يصلون إلى السلطة في حالة انفجار الحالة القائمة.
ويرد البرادعي على معارضيه بأنه يقوم بالتفتيش على البرامج النووية فقط للدول التي وقعت على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وانه لا يحق له التفتيش على إسرائيل ببساطة شديدة لأنها لم توقع على تلك المعاهدة، إذن فهو يطبق القانون وشروط المعاهدة التي وقعت عليها هذه الدول مثل العراق وإيران. وبخصوص جنسيته فقد ذكر أنه لا يحمل إلا الجنسية المصرية، وبخصوص تأييد الغرب له – إن حدث فعلا – فهو لا يعني أنه مدعوم من الغرب أو أنه صناعته بقدر ما يعني أنه بديل مأمون ومقبول في نفس الوقت وفي هذه المرحلة.
٠ رؤيته الإصلاحية:
نستخلصها من مقتطفات من تصريحاته وأحاديثه لوسائل الإعلام المختلفة كالتالي:
* التعليم هو الركيزة الأساسية لتقدم المجتمع
* هناك الكثير من المفاهيم التي لابد أن نعيد النظر فيه، فالحياة قائمة على التغير، لابد أن نتغير لأن الحياة في تطور مستمر. لا يمكن أن نقف عند مفاهيم ربما كانت ذات معنى منذ 50 عاما، ولكن ليس لها معنى الآن
* الحكم الرشيد يعني أن يكون هناك عملية تخطيط، أن تكون هناك مشاركة من الشعب، أن يكون هناك احترام للقانون، وقدسية للقضاء، وفرص اقتصادية، أن يكون هناك عملية تركيز على ما يطلق عليه التنمية الإنسانية، المعايير مترابطة، إنما لابد أن يكون لي رؤية تحدد في أي اتجاه أسير
* في العالم العربي وصلنا إلى الحضيض، إضافتنا إلى الحضارة الإنسانية في الأدب والعلم والثقافة غير موجودة. اليوم تقيّم الدول ليس على أساس عدد جنود جيشها أو عدد الدبابات، وإنما ما تقدمه للحضارة الإنسانية، عدد الكتب التي يساهمون بها، عدد العلماء، عدد المبدعين. إضافتنا نحن في العالم العربي ككل للحضارة الإنسانية متواضعة للغاية في أحسن الأحوال، وهذا يعود إلى النظام السياسي والاقتصادي والتعليمي، كل هذا لابد من إعادة النظر فيه.
* المناطق العشوائية وصمة في جبين كل مصري، إن إخواننا من المصريين يعيشون في حياة أقل ما يقال عنها أنها أدنى من المستوى الإنساني.
* عندنا موارد كثيرة مثل السياحة، وموارد الإنتاج يعني أن لدينا أرضا زراعية ولدينا صناعة، هناك دول كثيرة ليس لديها موارد على الإطلاق، ولا ربع موارد مصر، فاليابان ليس لديها شيء وكوريا ليس لديها شيء، ومع ذلك هما اليوم من أكثر الدول تقدما، الموارد يمكن للإنسان أن يخلقها سواء في مجالات الصناعة أو في مجالات الخدمات أو التصنيع الزراعي أو في السياحة، الموارد تعود في نهاية المطاف إلى نوعية الإنسان.
دائما أقول أننا سنبدأ وننتهي بالإنسان، أعط الإنسان الحق في أن يعيش في حرية وكرامة وسلام، في هذه الحالة سينطلق الإنسان إلى أرحب الآفاق، فليست المسألة مسألة موارد، إنها مسألة تكوين الشخص المصري، مسألة تكوين الشخص العربي.
* عندما أنظر فأجد أن مشكلتنا ليست مشكلة صراع عربي إسرائيلي، بل أصبحت صراع عربي عربي، أصبحت مشكلتنا هي كيف نحقق السلام فيما بيننا كدول عربية، هذا أمر أكثر من محزن، إننا ليس لدينا رؤية مشتركة للعالم، الآن العالم كله يتجه إلى التجمعات الكبيرة.
* لابد أن نفتح الأبواب ونفتح النوافذ، لابد أن يكون هناك التفكير الحر الرشيد العقلاني، حل مصر في نهاية المطاف أود أن ألخصه في تعليم جيد يتيح لنا أن نفكر بطريقة رشيدة وعقلانية وحديثة ومعتدلة.
* عندما زرت منطقة اسطبل عنتر شعرت بخجل من نفسي! خجل أن يكون لدي إخوة مصريون ومصريات يعيشون على هذا المستوى.
* لابد أن يكون هناك سلام اجتماعي، يجب أن يكون الإخوان المسلمين جزءًا من العملية السياسية .المجتمع المصري يجب أن يمثل بكافة أشكاله وطوائفه ومذاهبه، أقباطا ومسلمين وإخوان مسلمين وعلمانيين، كلنا جزء من هذا الوطن، كلنا يجب أن ندخل في تحالف اجتماعي، نتفق على رؤية مشتركة ونسير معا إلى المستقبل.
* أنا كنت أتصفح الدستور، فوجدته يقول أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع، فكيف أستطيع أن أمنع حزبا له مرجعية دينية؟ يعني إذا كنت أنا في الدستور أقول أن مرجعيتي في التشريع هي الإسلام، كيف يتواءم هذا مع تحريم أن يكون حزب له مرجعية دينية مسيحية أو مسلمة أيا كانت.
ولا ينكر أي مراقب منصف الدور الحيوي والمؤثر الذي لعبه البرادعي في تحريك المياه الراكدة قبل الثورة وحشده للشباب والقوى الوطنية وإعطائه ثقة وزخما هائلا للتغيير، ثم موقفه الصلب أثناء الثورة والذي أعطى صلابة للثوار ورفع ثقف مطالبهم، وكان وجوده يعطي للثورة قيمة رفيعة نظرا لسمعته العالمية وتصريحاته الموضوعية والمؤثرة في الأحداث، وطمأنته للعالم الخارجي أن في الثورة قيادات راشدة.
ومع كل ما سبق، والذي ربما يجعل البرادعي من أقوى المرشحين لهذا المنصب الرفيع، إلا أن الإعلام الحكومي قبل الثورة قد نال منه الكثير وحاول تشويه صورته وسمعته وسمعة أسرته، وضغط على بعض نقاط ضعفه، وطعنه في انتمائه الشعبي وفي وطنيته وفي دينه، ولهذا يتوجب على البرادعي ومؤيديه أن ينتبهوا لذلك وأن يفندوا أكاذيب الإعلام الحكومي قبل الثورة، وأن ينزل البرادعي إلى الشارع في الأحياء الشعبية والأقاليم، وأن يتحاور مع الناس بشكل مباشر، وأن لا تخيفه محاولات البلطجية في إبعاده عن النزول إلى الشارع كما حدث في يوم الاستفتاء على الدستور.
ويتبع >>>>>: المرشحون للرئاسة بين الكاريزما والضمير2
واقرأ أيضاً:
قنا: البحث عن.. جملة مفيدة/ أهم من الاستفتاء، وأخطر من ثورة مضادة/ هنا والآن.. الثورة تكون إزاي؟؟/ كشف الطيش.. في مسألة الجيش/ حكاوي القهاوي