لا شك أن مقالة الأستاذ قاسم حسين صالح تثير الكثير من التساؤلات ولكن لا بد من الإشارة إلى بعض الجوانب فيها.
إن النموذج المشار إليه في المقال غير واضح، إن كان النموذج الاجتماعي أو النفسي الديناميكي أو السلوكي. إن الأمراض النفسية يمكن دراستها من خلال نموذج اجتماعي ثم نفسي ديناميكي، ثم سلوكي، وبعده مرضي. أما الشيزوفرانيا كمجموعة مرضية فاتجاه النماذج على العكس تماماً.
هنالك حقيقة لا تقبل الجدال بأن الشيزوفرانيا تتقبل نموذجاً واحداً وهو النموذج المرضي أو الطبي المتمثل بأبعاده الثلاث وهي:
٠ بعد الأعراض الإيجابية
٠ بعد الأعراض السلبية
٠ البعد الإدراكي
هذه الأبعاد الثلاث هي نتيجة اضطرابات عصبية فسلجية ومرضية تؤدي بدورها إلى الإخلال بالتوازن بين القابلية العاطفية للفرد والوظائف الإدارية الأمامية. أما سبب هذه الاضطرابات فهي متعددة، وبلا شك بأن هناك "جينـــات" تؤهل الفرد للإصابة بالمرض في حالة تعرضه لإصابات مرضية متعددة في سن مبكرة في الحياة.
إن الاضطرابات السلوكية, النفسية والاجتماعية هي نتيجة مباشرة للإصابة بالمرض ولم تكن يوماً سبباً للإصابة في الشيزوفرانيا.
يتطرق الأستاذ إلى تصنيف الذات بالاجتماعية والحقيقية. لا شك أن الذات الحقيقية التي يتطرق إليها المقال هي الذات المثالية أما الذات الاجتماعية فهي على العكس الذات الحقيقية. ليس هنالك إنسان بمقدرته اللجوء إلى الذات المثالية فقط بعد سن البلوغ، فهذا يؤدي دوماً إلى الفشل في مواجهة التحديات اليومية، والاجتماعية، والوظيفية.
إن استعمال الذات الحقيقية في الحياة لا يعني اللجوء إلى سلوك غير اجتماعي أو مرضي. على العكس من ذلك فإن الذات الحقيقية (أو الاجتماعية في المقال) يجب أن تكون مدركة للعتبات الاجتماعية، الفردية، والأخلاقية التي يتم وضعها في المجتمع الصغير والكبير على حد سواء في ضمن حقبة زمنية معينة.
يتطرق المقال بعد ذلك إلى الحديث عن الصراع بين الذاتين والتي أسميها الذات الحقيقية والمثالية بدلا من الاجتماعية والحقيقية. إن هذا الصراع هو تنافر قد يواجه أي فرد وفي أي وقت، والنتيجة الطبيعية لحسم هذا التنافر هو اللجوء إلى قمع إحدى الفكرتين. إن الديناميكا النفسية التي يلجأ إليها الفرد في هذه الظروف تصنف ضمن وسائل الدفاع النفسية الناضجة. أما المصاب بالشيزوفرانيا فوسائل دفاعه النفسية دوماً ذهانية يمكن تلخيصها بإنكار الواقع أو تحريف الواقع. إن لجوء المصاب بالمرض إلى وسائل الدفاع ألأخيرة هي نتيجة المرض وليست سبباً لإصابته بالمرض.
خاتمة المقال تتطرق إلى العرب كمجموعة بشرية تتميز بأنها تمارس وسائل دفاع نفسية غير ناضجة. أو مرضية. لا شك أن هذا التفسير لم يخضع إلى أي دراسة علمية وإن كان صحيحاً، فمن التأكيد التوقع بأن الشخصية العربية هي شخصية حيادية تكثر من ممارسة الانشقاق أو الانفلاق كوسيلة دفاع نفسية بكثرة. إن ممارسة الانشقاق شائع في البلاد العربية والسبب في ذلك هو التكوين القبلي للأمة العربية، والتي تحولت على مدى التاريخ الإسلامي من قبائل متعددة قبل الإسلام كلها تخضع بصورة أو بأخرى إلى الحصان القوي، إلى قبائل حديثة ذات طابع إسلامي وأيضا تخضع للقبيلة الأقوى التي تحمل الراية الإسلامية. أن هذه التركيبة الاجتماعية ونظرية الحصان الأقوى التي تطرق إليها ابن خلدون لم تتغير إلى يومنا هذا. كل هذا قد يؤدي إلى ممارسة الانفلاق ولكن لا يؤدي إلى شخصية حيادية وبالتأكيد لا يؤدي إلى شيزوفرانيا.
نقلا عن: الشبكة العربية للعلوم النفسية
واقرأ أيضاً:
الاضطرابات الفصامية / هل الفصام.... هو ازدواج الشخصية ؟!!! / تعتعة نفسية: عندك فصام يعني إيه(2) / الفصام: مشاكل تشخيصية أخرى