عقب اجتماع حضره عدد كبير من رموز الحركات الإسلامية في مصر بمقر "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، أصدر المجتمعون من ممثلي (الإخوان المسلمون، والدعوة السلفية، والجماعة الإسلامية، والهيئة الشرعية، وجبهة الإرادة الشعبية) بيانًا توافقيًا يمكن أن يؤرخ به ولوج العمل الإسلامي مرحلة جديدة في البلاد، أبرز معالمها التوافق بين المكونات الإسلامية على الأقل أمام التحديات والقضايا الكبرى، فضلا عن الإيجابية مع سرعة التحرك التي تؤشر على أن الإسلاميين باتوا حريصين على أن يقولوا أنهم موجودون، بل رقمًا هامًا في المعادلة لا يحق لأحد تجاوزه من الآن خاصة مع القضايا المصيرية.
وبعد جلسة مطولة، تلا بيان المجتمعين د.محمد يسري الأمين العام للهيئة الشرعية، وهي الهيئة الداعية لهذا الاجتماع بهدف "التباحث حول الظروف التي تمر بها الأمة في هذه الأيام والتحديات التي تواجه الشعب المصري".
في بداية بيانهم قال الإسلاميون إنهم يرفضون "وضع وثيقة مبادئ حاكمة وفوق دستورية"، وهي التي طالبت بها القوى العلمانية واليسارية، وأبدى المجلس العسكري استجابة لها في بيانه الخير قائلا: أنه سيعمل على "إعداد وثيقة مبادئ حاكمة وضوابط لاختيار الجمعية التأسيسية لإعداد دستور جديد للبلاد وإصدارها في إعلان دستوري". وحينما يرفض الإسلاميون مثل هذا الإجراء فهم ليسوا بدعا في ذلك، بل أنهم أحرص من المتشدقين ليل نهار بالحرية وحق الشعوب في أن تحكم بإرادتها، ذلك أنه من شأن مثل هذه "الضوابط" في حال مررت أن تتحول إلى سيف مسلط على رقاب المصريين، لا يستطيعون منه فكاكا، وأيضا أن تشرعن لهذه الجهود التي تبذل لفرض وصاية الأقلية على الأغلبية في البلاد، وإيجاد ديمقراطية على مقاس خاص، ولا يخفى على أحد أن الهدف الأول والأخير من هذه الضوابط هو ترسيخ العلمانية والحيلولة بين المصريين وبين اختيارهم لحكم الشريعة الإسلامية.
الأمر الثاني الذي انتقده الإسلاميون "ما أعلن عنه من حركة المحافظين والتشكيل الوزاري"، وخاصة تضمن الحكومة "لليبراليين واليساريين وفلول الحزب الوطني". فكغيرهم من جموع المصريين شعر الإسلاميون بالغضب من هذه التشكيلة الوزارية، التي لم تكن أبدا بحجم المرجو منها، ولا بجم التحديات المتزايدة التي تمر بها البلاد. وربما ما أغضبهم أيضا ـ ولهم الحق ـ كون الحكومتان اللتان جرى تشكيلهما منذ رحيل نظام مبارك بدى الحرص واضحا على أن يكون من بين الوزراء أسماء يسارية وليبرالية فضلا عن بقايا النظام السابق، وهو لا شك تجاهل فج لهذا الطيف الكبير من الشعب المصري، والمسألة هنا ليست مطامع الإسلاميين في المناصب بقدر ما في الأمر من تجاوز ما كان ينبغي، فضلا عما فيه من تمسك بسياسات قديمة يفترض أن الثورة قامت لتصححها.
ففي بيانهم دعا الإسلاميون الدولة والمجلس العسكري الحاكم إلى "تعديل الأوضاع المعكوسة، وتقدير الاتجاهات الإسلامية والوطنية كافة بما يتناسب مع حجمها ودورها في الشارع المصري"، وعدم الاستجابة لهذه القلة الصارخة ليس إلا لأنها لا تكف عن الصراخ ليل نهار مدعية الحرص على مستقبل البلاد.
وفي نهاية البيان اعتبرت القوى الموقعة "عدم إجابة مطالبهم العادلة" سببًا كافيًا لدعوة جموع المصريين إلى «مليونية حقيقية» ومفتوحة يوم الجمعة الموافق 29/7/2011م بميدان التحرير، وذلك للدفاع عن "الشرعية والهوية، ومكتسبات الثورة المصرية". ذلك أن الإسلاميين ـ وعلى عكس غيرهم من القوى ـ ظلوا حريصين على عدم اللجوء إلى وسائل حشد الجموع والأتباع حتى لا تتعطل مصالح الناس، وتحاشيا لأن يتهموا بالتهييج وتأجيج الأوضاع إلا أن المستجدات على الساحة، وما يُرتب له في الخفاء يبدو كفيلا لأن يدفع حركات العمل الإسلامي إلى أن يحتشدوا في الميادين كغيرهم، خاصة إذا كانت هذه الميادين لم يتم إخلائها من المحتشدين حتى الآن.
الإسلاميون جزء أصيل من الطيف المكون للمصريين، شاء من شاء وأبى من أبى، وما كان يسري عليهم في السابق لم يعد له محل من الإعراب الآن، وحيث ثار المصريون واستطاعوا بعد عقود أن يقلبوا المعادلة ويغيروا من قواعد اللعبة التي كانت تسير الأوضاع في البلاد فإنه من الأجدر على حاملي لواء الليبرالية احترام هذه القواعد الجديدة، طالما ارتضاها مجموع هذا الشعب، خاصة وقد أفشل هذا الشعب نظريات كانت فاعلة في الماضي كالاستقواء بالخارج.
حضر اجتماع الإسلاميين التوافقي كل من: د. علي السالوس، د. عبد الستار فتح الله سعيد، د. صفوت حجازي، د. طارق الزمر، المهندس عبد المنعم الشحات، د. محمد يسري إبراهيم، د. سعيد عبد العظيم، د. محمد عبد المقصود، د.طلعت عفيفي، د. عمر عبد العزيز، د. عماد عبد الغفور، د. محمد رجب، د. هشام برغش، الشيخ خالد صقر، الشيخ وحيد عبد السلام بالي، الأستاذ ممدوح إسماعيل، الشيخ محمد عبد السلام، الشيخ أحمد هليل.
واقرأ أيضاً:
غزوة السلفيين وغزوات غيرهم/ الدعوة السلفية بالإسكندرية.. النشأة التاريخية وأهم الملامح(2)/ مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه الأزهر عام 1978