يتكرر هذا السؤال في معظم، أو كل وسائل الإعلام مرئية ومسموعة ومطبوعة: ماذا حدث من تغير في الشخصية المصرية؟ ماذا حدث للشباب بعد الثورة، ماذا حدث في منظومة القيم بعد 25 يناير، فأكتشف أن إجاباتي –إذا لم ينجح الاعتذار- تتكرر هي هي حتى خجلت من نفسي، قلت أوجزها وأجمعها، ولينتق منها من شاء كما شاء، وها هى ذى:
أولا: لا يوجد تغير في الشخصية عموما أو في القيم أو في المجتمع بين يوم وليلة، ولا خلال عدة أسابيع، أو شهور، وربما بضع سنين.
ثانيا: إن التغير الذي يظهر في لحظة بذاتها ليس نتيجة مباشرة لما "حدث" في هذه اللحظة، أو حولها، ولكنه إعلان عن تراكم ما حدث عبر سنوات أو عقود أو قرون، ثم ظهر هكذا الآن
ثالثا: إن ربط هذا التغير بسبب محدد في الماضى، أو إرجاعه إلى سبب معين في الحاضر هو عادة ربط خطّي مختزل ظاهري زائف، فدائما يوجد عدد من الأسباب تتفاعل مع بعضها البعض، لعدد من السنين، في عدد من الناس، حتى يظهر ما يمكن أن يظهر في لحظة تغير نوعي يُعلن عنه حين تسمح الظروف المحيطة له بالظهور.
رابعا: إن هذا التغير الذي يظهر في لحظة النقلة الكيفية إنما يعلن الوصول إلى "عتبة" تحتم هذا الإعلان حسب قوانين طبيعية واجتماعية وتطورية بقائية،
خامسا: إن أبسط مثال لشرح ذلك هو تغير حالة الماء إلى بخار عند درجة حرارة مائة، فقبل هذه الدرجة بدرجة واحدة يكون الماء ماء، أي عند درجة حرارة 99 درجة مئوية، وطبعا 98 درجة مئوية، ناهيك عن درجات أدنى فأدنى مثل 78 أو 54 أو 23 أو 11 عند كل هذه الدرجات يظل الماء ماءً، أما إذا تمادى العد التنازلي إلى درجة حرارة صفر، فإنه يحدث تغير نوعي في الاتجاه الآخر حين يتحول الماء إلى ثلج، وعلى ذلك فليست درجة واحدة (من واحد إلى صفر، أو من 99 إلى مائة) هي المسئولة عن هذا التحول إلى جليد أو بخار على التوالي، ولكن "الوصول" إلى هذه الدرجة بعد رحلة طويلة من التسخين أو التبريد هو المسئول. على نفس القياس يكون التدرج في تغير الشخص، أوو المجتمع أو منظومة القيم في مجتمع ما. فكيف بالله عليكم تطرح هذه الأسئلة بكل هذا الإلحاح والتواتر، وتنظر إجابة وافية مفيدة؟ ولكن العيب ليس فقط في طرح الأسئلة، وإنما في المبادرة بالإجابة عليها بشكل بشكل اختزاليي جاهز سواء من المجتهدين الانطباعيين، أو حتى من بعض المختصين بحسن نية.
25 يناير، الثورة: ماذا حدث للمصريين؟ ماذا حدث للشباب؟ ماذا حدث للشعب؟ ماذا حدث للقيم؟.... إلخ من حقنا أن نسأل، وأن نلح فى السؤال، ولكن ليس من حقنا أن يستدرجنا السؤال طويلا بعيدا عن المنطق السليم وعن فهم طبيعة الاختلافات الثقافية، وتباين الثقافات الفرعية، والفئات العمرية، والطبقات الاجتماعية (مما قد يحتاج إلى تفصيل لاحق).
سادسا: إن الإعلام أصبح مساهما في الإجابة عن السؤال أكثر منه مستفسرا، سواء كان أعلاما موضوعيا، أو إعلاما مغرضا، سواء كان مركزيا متسلطا، أو غير مركزي متناثر، وذلك حين يعرض انتقائيا لقطات مختارة من أماكن معينة لتصوراته لما حدث ويحدث، البديل لكل ذلك بعيدا عن دروس المنهج المعقدة، والتي قد لا يلتزم بها كثير من الباحثين الممنهجين، هو أن نركز على حدث بذاته، أو موقع بذاته، أو ظاهرة بذاتها، ويا حبذا لو تكون مكررة في ظروف متماثلة تقريبا، أو قريبة من التماثل، وننظر فيها بدقة مناسبة من خلال أبعاد محدودة، كما وكيفا، شكلا وموضوعا، عمليا ومنهجا، ثم نقارن نفس الظاهرة وكيف كنا نتعامل معها قبل التغير المزعوم أو الحقيقي.
قيل وكيف كان ذلك؟ مثلا؟
قفز إلى قلمي الآن أن تكون احتفالية، أو بكائية "الثانوية العامة" هي مجال المقارنة، ولهذا حديث أكثر تفصيلا.
واقرأ أيضاً:
مشروع الثورة، والوعي الجمْعي الجديد/ الحضور الشكلي للإخوان في مليونية الإسلاميين