(383)
الذهبية في ليبيا
وحصلت ليبيا على الذهبية في أوليمبياد الشعوب الحرة، كما كانت من قبل لتونس ومصر. ومازالت منصة الذهبية تتسع لكل عشّاق الحرية. يارب لأجل خاطر حبيبك النبي إتكرم على اليمن وسوريا والجزائر والسودان بالذهبية كمان.
22/8/2011
(384)
جمعة التاسع من يوليو
كان نزولي إلى مصر من أجل رؤية الوالدة التي ساءت حالتها الصحية مؤخراً، وبعد أن أمضيت معها أسبوعاً توفاها الله في أول أيام عيد الفطر، ثم جاءت بعد الوفاة بأسبوع مظاهرات تصحيح المسار، فكان قراري بدون تردد بالنزول للميدان والمشاركة في المظاهرات حتى أشم رائحة الميدان وأجواء الثورة التي لم أعيشها بسبب تواجدي خارج البلاد. كانت عيناي تلتقط صوراً لتحتفظ بها في الذاكرة؛ فجاءت هذه المشاهد التي تحمل بعض من عبق الثورة وريحقها:
المشهد الأول:
عندما اقتربت من حي العباسية قادماً من مدينة نصر، شاهدت مجموعة من الشباب والشابات يرفعون علم مصر متوجهون إلى ميدان التحرير. امتلأت عيناي بالدموع؛ أعيش أخيراً ما كنت أحلم به من مشاركة الثوار لثورتهم، أخيراً أنا ضمن هؤلاء الثوار ولست فقط مجرد مشاهد لما يجري عبر شاشات الفضائيات، أخيراً أنا هنا معهم ووسطهم ومنهم. لا أصدق نفسي، هل حقاً أنا هنا مع الثوار؟!
المشهد الثاني:
دخلت إلى الميدان بعد أن أظهرت بطاقة الرقم القومي على البوابة، سعيداً بأنني أعيش ما كنت قد سمعته عبر الفضائيات من إجراءات أمنية لضمان عدم دخول البلطجية للميدان. توجهت إلى المنصة الرئيسية والوحيدة في الميدان، تلك المنصة التي تعلقت بها كثيراً وأنا بعيد عن الوطن. غريب أني لم أشعر بأي انتماء نحو المنصة؛ لا أعرف لماذا، ولكن هذا ما أشعر به دون تزييف. مازلت لا أصدق عيني، هل أنا حقاً في الميدان!! هناك أرى كاميرات القنوات الفضائية تنقل من شرفات العمارات المطلة على المنصة ما يحدث في الميدان. يا الله أخيراً أنا وسط الميدان مع الثوار؟!!!
المشهد الثالث:
أرى شيخاً معاقاً رافعاً عكازه يرقص به، مردداً الهتافات مع المنصة، جالساً على دراجته البخارية المجهزة للمعاقين. هناك آخر طاعن في السن يضع على صدره لافته من ورق الكرتون مكتوب عليها "يا أحزاب الخفافيش سيبوا بلدنا مصر تعيش". رجل آخر كبير في السن أيضاً يجلس على الأرض ويرسم على ورقة من الكرتون باخرة تغرق وقد كتب عليها "غرق الباخرة طنطايك". إنهم جميعاً كبار في السن ولكن لديهم حس ووعي قوي بمصر، وقد أتوا للميدان لتصحيح المسار. هناك أيضاً لافتة كبيرة معلقة في الميدان مرسوم عليها بعض من رموز النظام وفي منتصف اللوحة صورة لمبارك؛ نصف الوجه الأيمن لمبارك والنصف الأيسر للمشير طنطاوي ومكتوب أسفل الصورة "يلا يا مصري إنزل من دارك، الطنطاوي هو مبارك".
المشهد الرابع:
فجأة ظهر جمهور ألتراس الأهلي، فوجدتني أتجه إليهم منضماً لهم ولا أعرف لماذا هم على وجه التحديد الذين شعرت تجاههم بقرب شديد، ربما لأن كلهم حماسة، أو لأن هتافاتهم كلها قوة وتحدي للداخلية. مشيت معهم وهم يتوجهون إلى وزارة الداخلية؛ وهنا لم أتمالك نفسي من الفرحة التي لا أعرف سببها؛ كل ما أشعر بها هو رغبة قوية في الذهاب إلى وزارة الداخلية أياً كانت العواقب، وكأن بداخلي ثأر معها.
كانت هتافات الألتراس تطربني وتصيبني بالنشوة رغم عدم ترديدي معهم للهتافات؛ فقد كنت في حالة صمت وكأني أقوم بتسجيل ما يحدث في الميدان بذاكرتي، ولا أريد أن يشغلني شيء عن التسجيل. طربت كثيراً وهم يهتفون "الجوز الخيل.. " و"كلمة في ودنك ياحربية..." و غيرها من الشعارات التي تسب الداخلية. أستطيع أن أرى نادر السيد محمولاً على الأكتاف يهتف ويردد ورائه المتظاهرين، ما أجمل أن تكون ثائراً، ما أجمل أن يكون لك موقف.
المشهد الخامس:
سلكت مظاهرة الألتراس شارع محمد محمود، فكان الأهالي في الشرفات يحيونهم ويلقون لهم بزجاجات المياه المعدنية، وآخرون يقومون برش المياه لترطيب حرارة الجو عليهم. كم كانت سعادتي وأنا أشاهد تعاطف الأهالي وتضامنهم مع المتظاهرين، على عكس ما يردده البعض من أن الأهالي يشعرون بالضيق من المظاهرات ومن المتظاهرين، كل ما أراه هو تعاطف وحماسة لا تقل عن حماسة المتظاهرين أنفسهم، ما أروع هذه الشرفات الثائرة.
المشهد السادس:
وصلت المظاهرة إلى مبنى وزارة الداخلية، هنا قبل الثورة لم يكن لأحد القدرة على إطالة النظر في هذا المبنى و بواباته؛ خوفاً من أن يقتلعك شخص للبحث والتفتيش داخلك لمعرفة ماذا كان خلف هذه النظرة التي طالت أكثر مما يجب. نظرت حولي.. هنا وقع الكثير من الشهداء برصاص القناصة، قد أكون الآن واقف حيث أستشهد أحدهم. نظرت لمبنى الوزارة بأدواره العالية، هناك على أسطح الوزارة أو في واحد من هذه النوافذ كان يقف قناص يقتل الثوار؛ هناك كان يختبئ كلاب النظام، لعل بعضهم موجود الآن.
المشهد السابع:
يظهر في إحدى النوافذ شخص وكأنه يرصد أعداد المتظاهرين؛ وهنا تثور ثائرة جمهور الألتراس فيهتفون في تحدٍ ويسبون الداخلية وكل من ينتمي لها "الظابط والأمين". أنتظر أن يخرجوا علينا من بواباتهم المغلقة ليضربونا فألقى بعض مما جرى للثوار في أيام الثورة، بصراحة شديدة كنت أتوق بشدة لشم قنابل الغاز حتى أشعر بما كانوا به يشعرون.
المشهد الثامن:
أعتلى بعض الأطفال من ألتراس الأهلي سور مبنى مقابل لوزارة الداخلية حتى ينقلوا للمتظاهرين ما يحدث خلف بوابات الوزارة المغلقة. خلف البوابات هناك أعداد كبيرة من جنود الأمن المركزي؛ هكذا يقول أحد الأطفال. الكل يهتف ولا يخشون ما يمكن أن يحدث فالصدور عارية ولا تخشى عصي الداخلية.
المشهد التاسع:
يظهر اثنان من الملتحين خلف المتظاهرين، يلبسون جلباباً من الصوف بني اللون أشبه بجلباب أهل الصعيد، وغير معممين؛ لا يبدو عليهما أنهما من أهل الصعيد، كما لم أشعر أيضاً بأنهما من السلفيين. ابتعدا عن بعضهما في لحظة، وقال أحدهما للمتظاهرين وكان ذو بشرة بيضاء "لما نقول هجوم إقتحموا البوابات"، لم يستمع المتظاهرون لما يقول. هنا شعرت أن هناك من يندس وسط المتظاهرين في محاولة لتوجيههم لتنفيذ مخطط ما داخل رؤوس هؤلاء.
المشهد العاشر:
أنطلق المتظاهرون فجأة لناصية جانبية لسور الوزارة حيث كان يعتلي برج للمراقبة أحد الجنود. يظهر بعض من جنود الأمن المركزي وضابط برتبة نقيب وهم يستعدون للوقوف ولبس خوزاتهم، فأعتقد المتظاهرون أن لحظة الهجوم عليهم قد قربت، فزادتهم إصراراً على الهتاف والتحدي، هتافات ضد الداخلية و"حبيب العادلي بتاعكم". وعلى الرغم من أن المتظاهرين قد اعتبروا أن هذا التحرك إنما هو استفزاز وترهيب لهم، إلا أنهم كانوا حريصون جداً على عدم إلقاء طوبة واحدة على الجنود، ومنعوا أي طفل من التهور وإلقاء طوبة واحدة. عادت المظاهرة للميدان ثانية، وهنا ظهر ألتراس الزمالك في الميدان لينضموا لألتراس الأهلي ويتوجهوا ثانية للداخلية. وظل جمهور الألتراس يجوب الميدان في دائرة تمر بالوزارة ثم يعودون للميدان ثانية وهكذا.
المشهد الحادي عشر:
هناك تبدو مجموعة صغيرة من شباب 6 إبريل يرفعون لافتاتهم التي تحمل القبضة رمز الجماعة. يبدو لي أن أعدادهم أقل من المتوقع بكثير.
المشهد الثاني عشر:
أتجول في الميدان فأشاهد عجوز تتحرك حاملة صورة أبنها الشهيد، وهناك أب طاعن في السن يحمل أيضاً صورة أبنه الشهيد. وفي الحديقة بمنتصف الميدان أب وأم يجلسان وأمامهما لوحة كبيرة "بوستر" عليها صورة أبنهما الشهيد وصور لكثير من شهداء الثورة، كم أتمنى أن أجد لوحة عليها صور كل شهداء ومصابي الثورة. لم تضم اللوحة فقط صور للشهداء ولكن ضمت أيضاً القائمة السوداء للفنانين ومسئولي نظام مبارك. أسر الشهداء هم الأبطال الذين فقدوا أبنائهم، ثم أتوا للميدان ليكملوا المشوار الذي بدأه الأبناء، أي أحلام كانت بداخلهم لأبنائهم، قتلها ذلك النظام. ما أجمل تلك الثورة التي أظهرت أجمل ما بداخل كل أب وكل أم مصرية من تضحية لأجل هذا الوطن.
المشهد الثالث عشر:
مازال الألتراس يتحرك في الميدان، وعلى المنصة يتحدثون ويهتفون. هناك في الميدان أيضاً توجد مجموعات صغيرة تتناقش وتتحاور فيما بينها حول كثير من قضايا الثورة. في إحدى المجموعات شخص يسأل ليفهم وآخر يجيب ويشرح. انضممت لواحدة من تلك المجموعات، ولأول مرة أجد نفسي أتكلم؛ تحدثت عن مبارك وعن عصابته وما يجري في المحاكمات. كان هناك رجل بسيط غاضب في مجموعة أخرى لأن من يحكم مصر الآن هو المجلس العسكري الذي لا يفعل شيء؛ وأن مبارك قد ضحك علينا بهذا المجلس.
رجل آخر كان حزيناً لأن الثورة في مصر أقل من الثورة في تونس أو ليبيا؛ فهناك مجلس مدني يمهد لانتقال السلطة بشكل ديمقراطي، بينما لم يحدث ذلك في مصر. يدافع رجل في مجموعة أخرى عن المجلس ويرد عليه آخر بأن ما فعله المجلس طبيعي فالجيش لن يطيع أوامره بضرب المتظاهرين بالرصاص؛ وحتى لو أطاع فسوف تنتصر الثورة في النهاية كما انتصرت في ليبيا وكما ستنتصر إن شاء الله في سوريا، فالشعوب لا تموت وحتماً ستنتصر في النهاية.
المشهد الرابع عشر:
وقفت أمام سيدة تحمل صورة لواحد من ضباط 8 إبريل الذين حكم عليهم المجلس العسكري بعشر سنوات سجن على الأقل، فقط لأنهم تظاهروا مع الثوار في التحرير. وقفت أستمع إليها وهي تشرح لي كيف أننا نسيناهم بدعوى أنهم عسكريون وأنه أمر داخلي بين المجلس وضباطه.
المشهد الخامس عشر:
فجأة يمر مجموعة من الشباب يحملون الشواكيش ويعلنون أنهم ذاهبون لهدم الجدار العازل حول السفارة الإسرائيلية. وعلى المنصة يقول المتحدث أننا سنظل هنا في الميدان ولن نتركه ولكن من يرغب في الذهاب للسفارة فله مطلق الحرية. لم أشأ الذهاب للسفارة فقد كنت مع الرأي بتوحيد الجهود وعدم ترك الميدان، كما أنني لم أشبع بعد من الميدان ومن معايشة الثورة فيه.
المشهد السادس عشر:
الميدان ممتلئ رغم أنف الإخوان والسلفيين، هنا شعب مصر بكل أطيافه غير المسيسة والتي لا تنتمي لأي حزب أو فئة، هنا أدركت أن الثورة انتقلت للشارع، ولا سلطان لأحد عليها. باختصار طظ في كل الجماعات والأحزاب، طظ في كل من يحاول أن يدعي أنه صاحب سلطان على الشارع. هنا شعرت أن هناك رسالة قوية وخطيرة لمن يفهم؛ رسالة تقول أن الأمر أصبح فردي وأن المصري يستمع وسيفعل ما يقتنع به. قد يكون في ذلك خطورة لأنه يعني سهولة انقياد هؤلاء لأي رأي غير صائب فتحدث فوضى لا يمكن السيطرة عليها، ولكنه يعني أيضاً وبكل وضوح أنه لا سلطان لأحد على أحد.
المشهد السابع عشر:
جاءتني مكالمة من صديق من خارج البلاد ليعزيني في وفاة الوالدة، شكرته واعتذرت عن عدم سماعي جيداً لحديثه لأنني في ميدان التحرير، لعله أستغرب من وجودي في الميدان ووالدتي لم يمض على وفاتها سوى أسبوع؛ ولعله أستغرب أكثر ومن وقاحتي في قولي له أنني في ميدان التحرير.
المشهد الثامن عشر:
فجأة يجري البعض وكأن هناك هجوماً عليهم من إحدى الجهات، وبدأت حالة من الهرج لمدة ثوان معدودة ليعلو الهتاف "سلمية.. سلمية"، فكان هذا الهتاف هو كلمة السر؛ إذ ثبت الجميع مكانه ولم يتحرك أحد، بل وجاء من كل نحو وصوب آخرون للمساندة. هنا بدأت أشعر بأنني جزء من الميدان لأنني بدأت أفهم شفرته.
المشهد التاسع عشر:
وأنا وسط إحدى المجموعات سمعت صوت عزة بلبع تغني "حاحا"، وهنا لم أتمالك نفسي فأسرعت للمنصة حتى أكون جزءاً من هذه اللحظة التي كنت أحسد من يعيشها وأنا أشاهدها على شاشة الجزيرة مباشر، أخيراً أصبحت جزءاً من هذه اللحظة. وقفت استمع لعزة وهي تغني، ما أجمل هذه المجنونة التي لم تتغير منذ أن شاهدتها آخر مرة، منذ أكثر من خمسة عشر سنة وهي تغني على مسرح الغوري في ليالي رمضان. ما أجملها وما أجمل شبابها الذي لم يتبدل ولم تأخذ منه السنون، أعشق هذه المجنونة ولا أشعر بالملل من سماعها.
المشهد العشرون:
يظهر على المنصة اثنان من قيادات حزب الوفد اللذان انضما إليه قبل الثورة ليعلنا تجميد عضويتهما بالحزب بسبب عدم انضمامه اليوم للمليونية، معتبرين أن هذا التصرف إنما هو خيانة من الحزب للثورة. لا أستغرب تجميدهما لعضويتهما ولكنني أستغرب بقاء من بقي في هذا الحزب الكرتوني الذي يعلن ويصر كل يوم أنه لا فائدة فيه، مثله كمثل باقي الأحزاب والجماعات في مصر.
المشهد الحادي والعشرين:
يعتلي المنصة الفنان صلاح عناني ليتحدث ويتكلم للناس بأسلوب جميل وبسيط يفهمه أقل الناس تعليماً. سعدت بكلامه وبه شخصياً. صلاح عناني الذي كثيراً ما كنت أشاهده في الألجريون وفي نادي الكتاب مع صديقي وزميل الدراسة الفنان رأفت وهبه، كنت متابعاً لمعارضه وللوحاته الجميلة العملاقة، ولمشروعه في وكاله الغوري للحفاظ على الحرف التي توشك على الانقراض. كان هذا منذ أكثر من عشر سنوات قبل مغادرتي لمصر جرياً وراء لقمة العيش وحياة أفضل. كنت أرى فيه فناناً رائعاً وصعلوكاً من طراز نادر وفريد، لم أكن أتصور يومها أن خلف هذا الفنان يوجد ثائر بكل ما تعنيه كلمة ثائر. ما أجمل هذه الثورة التي أخرجت أجمل ما في صعاليك هذا الشعب.
المشهد الثاني والعشرين:
منشورات توزع هنا وهناك، كلها تقول فكرة واحدة أن مبارك ضحك على الشعب المصري عندما سلم السلطة للمجلس العسكري، ليبقى مبارك بذلك هو الحاكم الفعلي للبلاد.
المشهد الثالث والعشرين:
يعلن شخصاً من على المنصة أن هناك مسيرة ستتوجه إلى دار القضاء العالي، ويرفض آخرون ترك الميدان، وكنت مع هذا الرأي الذي يتمسك بالبقاء في الميدان، لهذا قررت البقاء.
المشهد الرابع والعشرين:
مررت إلى جوار سيدة وكأني أعرفها جيداً، أقف وأنظر خلفي لأعود فإذا بها تعود لتصافحني، هل يعقل أن تلتقي بصديق وسط كل هذا الزحام وبعد كل هذه السنين التي فيها لم نلتقي. صافحتها بحرارة شديدة، سألتني هل تنزل دوماً للميدان فأجبت أنها المرة الأولى وأني وصلت لأرض الوطن منذ أسبوع، قالت إنها دوماً تأتي للميدان لتشارك الثوار، كم هو جميل أن تكون من الثوار وهي بنت الطبقة الراقية التي يظن البعض فيها بالتعالي وعدم الإحساس بهموم الفقراء والوطن. ما أجمل هذه الثورة التي أخرجت أجمل ما بداخل هذا الشعب بكل طبقاته.
المشهد الخامس والعشرين:
إعلان هام من فوق المنصة أن الثوار قد أسقطوا سبعة كتل من الجدار العازل حول السفارة الإسرائيلية، ترتفع الهتافات ويتحرك الكثيرون متجهون إلى السفارة للمشاركة في هدم الجدار العازل، ولكني مازلت أفضل البقاء وعدم ترك الميدان.
المشهد السادس والعشرين:
مرة أخرى يظهر أحد الملتحين الذي يلبس جلباباً صعيدياً بني اللون، يرفض فكرة البقاء في الميدان والاعتصام فيه، يتحدث بلكنة قاهرية غير صعيدية، يتفحصني وكأنه يدرك أنني غريب عن الميدان، يحاول إقناعي بعدم جدوى الاعتصام لأكون مؤيداً له ولفكرة فض الميدان كما هو مقرر عند الساعة السادسة مساءً. نظرت له في هدوء وقلت أنا لن أغادر، فقال خلاص طالما أنتوا قاعدين يبقى أنا قاعد. قد يبدو عليّ بعض من علامات جنون الشك والاضطهاد، فهذه هي المرة الأولى التي أعيش فيها في الميدان مع الثوار، ولا يمكن أن أتصور أن الميدان خالي من كلاب أمن الدولة بعد أن بدّل أسمه إلى الأمن الوطني، لا أعرف لماذا أشك في أن هؤلاء الملتحين الذين يرتدون جلباباً صعيدياً ولا تبدو على وجوههم أية علامات للسلفيين ولا يتحدثون بلكنة صعيدية تتفق مع ما يلبسون، هم حتماً من هذا الجهاز الذي يسعى لتحريك الميدان وفقاً لأجندة خاصة لديه.
المشهد السابع والعشرين:
يعتلي رامي عصام المنصة ليغني، وتصرخ سيدة تقف إلى جواري "غني يا رامي أنا كنت معاك طول التمنتاشر يوم". نظرت إليها؛ إنها تقترب من سن الستين ونزلت للميدان طوال أيام الثورة ولم تخشى الغاز ولم تخشى الرصاص. ما أجمل هذه الثورة التي أخرجت أجمل ما في نسائك يا مصر.
المشهد الثامن والعشرين (الأخير):
الآن ولأول مرة اليوم أتمايل في الميدان، لأول مرة أتوقف عن تسجيل اللحظة في الذاكرة، الآن لا يشغلني سوى المشاركة في صناعة الحدث. الآن ولأول مرة أغني وأهتف مع المتظاهرين "يسقط.. يسقط حكم العسكر".
9/9/2011
(385)
يابخت من زار وخفف
مشكلة مبارك إنه كان بيعاملنا معاملة جوز الأم، يعني بيذلنا باللقمة اللي بناكلها؛ اللي هي أصلاً من ورث أمي، وإذا فتحنا بقنا وقلنا عايزين تاني من خيرها، يرد ويقول منين يا غجر. وبعد ما يسممنا بمر الكلام، ينزل يقعد ع القهوة ويحشش بفلوس الست. معقولة مزاجك أهم؟!! طب ح تقابل ربنا إزاي؟!! جوز أمي عمره ما كان مهتم، طول عمره بيرمي ورا ضهره، المهم مزاجه يبقى عالي ومبسوط. ولاجل ما ياخد أمنا بالليل في الأودة، يطردنا كلنا بره، المهم عند سيادته، إنه يعرف يركب ويسوق.
مبارك أخيراً راح وغار عننا، بس ياترى إيه اللي مستخبي لنا مع اللي زاغت في عينه أمي. مالك لازق فيها كده ليه يا أخينا؟!! شكلك مش ناوي تجيبها البر؛ داخل ع الولية بالحنجل والمنجل وعايز تاكل بعقلها حلاوة، وبتحلم إنها تقول خلاص يا أولاد أهو برضه أحسن من اللي كان قبله؛ واللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفهوش.
بتقول إيه؟ طب يا سيدي ماشي أنا اللي إبن كلب ونيتي وحشه وأنت على راسي من فوق، بس الله يخليك حِل بقى عن قفا أمي. الست خلاص طلقت جوزها ومش ناوية تتنيل تاني، ح تقعد تربي العيال؛ فيه عندك مانع، وأزيدك من الشعر بيت؛ وحياة شرف أمي إن اللي حصل لأمي من جوز أمي ما حيتكرر تاني.
أسمع يا أخ مني الكلام وإعقله، أنا راح خلاص من قلبي الخوف من يوم ما شفت جوز أمي وهو بيقتل أخويا. أسمع يا أخ مني الكلام وإعقله، لا بدلتك عجباني، ولا طلعتك بهراني، ولا حتى سجونك ممكن تخليني أخرس من تاني. إفهم بقى.. أنت مش صاحب البيت؛ أنا اللي هنا صاحبه؛ أنت مجرد ضيف ويابخت من زار وخفف.
10/9/2011
ويتبع >>>>>>>>: حكاوي القهاوي (82)
واقرأ أيضاً:
الذين شوهوا المشهد في مصر / اللعب في الوعي وأسلحة الانقراض الكامل (2 من2) / مستويات وتشكيلات قراءة الأحداث / الأعراض الجانبية للثورة / حكاوي القهاوي