ثورة الشباب العربي (3)، ثورة من أجل قيام دولة الحق، والقانون.....1
إن من دواعي قيام ثورة الشباب في البلاد العربية، كون الدول القائمة في مختلف أقطارها، هي دول استبدادية، لا تخدم إلا مصالح الحاكمين، ومصالح ناهبي ثروات الشعوب، ومصالح المستغلين في مستوياتهم المختلفة، وعلى جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.
فالدول العربية القائمة، هي دول لا شعبية، ولا ديمقراطية، وحكوماتها ليست منبثقة عن صناديق الاقتراع، وهي، لذلك، تخضع لتعليمات الحكام، ولا تطبق القانون على جميع المواطنين، على أساس المساواة فيما بينهم، ولا تحمي حقوق الإنسان، كما هي منصوص عليها في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي صادقت عليها معظم الدول العربية.
وانطلاقا من هذا التوصيف المذكور للدول العربية، فإن هذه الدول، هي دول تقوم على أساس تكريس الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، لتصير بذلك دولا في خدمة الحكام، وفي خدمة الطبقات التي تستغل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وفي خدمة جميع المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، لجميع أفراد المجتمع.
ولذلك، فثورة الشباب في البلاد العربية، هي ثورة من أجل قيام دولة الحق، والقانون، في كل بلد عربي. فدولة الحق، والقانون، هي دولة بسمات محددة، تتمثل في كونها دولة مدنية، ديمقراطية، علمانية. فاعتبار دولة الحق، والقانون دولة مدنية، يقتضي:
1) كونها دولة غير عسكرية، تخضع للحكم العسكري، القائم على قمع الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة، التي يجب أن تخضع لخدمة المصالح العسكرية. وكونها غير عسكرية، يعني أن المدنيين، هم الذين يتحكمون في أجهزتها التنفيذية، والتشريعية، والقضائية، التي يجب أن تكون مستقلة عن بعضها البعض.
2) كونها غير ملكية، محكومة من قبل الملك، أو العائلة المالكة، المصحوبة بالقداسة، التي تجعل الملك، أو العائلة المالكة، من اختيار الله، مما يجعل منها دولة ملكية مستبدة بالاقتصاد، وبالاجتماع، وبالثقافة، وبالسياسة، ومستعبدة للشعب، ومتحكمة في أساليب استغلاله على جميع المستويات، لصالح الملك، أو العائلة المالكة.
وكونها غير ملكية، يعني أن أجهزتها التشريعية، والتنفيذية، من اختيار الشعب، من خلال انتخابات حرة، ونزيهة، بعيدا عن كافة أشكال التزوير، وأن حاكمها، كذلك، يصير من اختيار أفراد الشعب، في كل بلد عربي على حدة، حتى تصير الدولة في خدمة مصالحه، انطلاقا من احترام مقتضيات القانون، واحترام مقتضيات المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
3) كونها دولة دينية، تحكم المجتمع انطلاقا من النصوص الدينية، وخاصة تلك المتعلقة بما يسمونه ب"الشريعة الإسلامية" وخاصة تلك النصوص المتعلقة بالحدود، وبالمرأة، وبتكريس استبداد الرجل بولاية الفقيه، وغير ذلك، مما لا داعي إلى ذكره في هذا المجال، والذي تنتفي معه إنسانية الإنسان، الذي يتحول إلى مجرد عبد لا حق له في أن يتمتع بحريته، ولا بأي حق من حقوقه، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.
وكون الدولة غير دينية، يساعد على تكريس مدنية الدولة، التي تأتي من الشعب، وتخدم مصالح الشعب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى لهذه الدولة، أن تمكن الشعب من تقرير مصيره بنفسه، ومن اختيار مؤسساتها في إطار انتخابات حرة، ونزيهة، بما في ذلك مؤسسة البرلمان، الذي يفرز من بين أغلبيته، حكومة تكون مسؤولة أمامه، ويقوم بمحاسبتها عن المهام الموكولة إليها.
4) كونها دولة غير عشائرية، تحكم البلاد في كل دولة عربية، من منطلق الانتماء إلى عشيرة معينة، تعتبر بقية العشائر، وجميع أفراد الشعب، مجرد خدم، أو رعايا، عليهم الطاعة، ولا حق لهم في المطالبة بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، نظرا لكون ذلك يتناقض مع كونهم خدما، أو رعايا، مما يجعلهم لا يتمتعون بحق المواطنة. والدولة العشائرية لا يمكن أن تكون إلا دولة مستبدة اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا.
وكون الدولة غير عشائرية، يبعدها عن النظام العشائري، ويجعل منها دولة مدنية، تسعى إلى القضاء على الظاهرة العشائرية في المجتمع، وتعمل على تذويب كل الفروقات القائمة في المجتمع، بسبب الانتماء العرقي، أو اللغوي، أو الديني، أو القبلي، أو العشائري، أو اللون، وغير ذلك، فالدولة المدنية صارت دولة ضرورية، لتجاوز كافة أشكال الدول، التي عانينا منها في البلاد العربية.
واعتبار دولة الحق، والقانون، دولة ديمقراطية، يقتضي:
1) اعتبار الديمقراطية مفهوما حقوقيا شاملا، لا يتم إلا بإعطائه مضامين اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، ومدنية، وسياسية، حتى تقف في حال تحققها، وراء تحقيق العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل جعل جميع أفراد المجتمع يشعرون بالمساواة في الحقوق، وفي الواجبات، ومن أجل أن يصير ذلك وسيلة للحد من الفوارق الطبقية، وعلى جميع المستويات. ذلك أن الديمقراطية، لا يمكن اختزالها في الانتخابات فقط، وإلا تحولت إلى ديمقراطية الواجهة.
2) وللوصول إلى تحقيق الديمقراطية بمفهومها الشامل، لا بد من وجود دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه، ويفصل بين السلطات التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، ويضمن تشغيل العاطلين، والمعطلين، والتعويض عن العطالة، وإلزامية التعليم الأساسي، ومجا نيته، كما يضمن الحماية الاجتماعية، والصحية، ويلزم كل ذي ثروة بتوظيفها في مشاريع صناعية، تساعد على تشغيل العاطلين، ويجرم عملية احتكار الأراضي، والمواد الاستهلاكية، وغيرها، مما يعجز أفراد الشعب عن الحصول عليه؛ لأن الاحتكار لا ينتج إلا ارتفاع الأسعار.
ذلك أن التنصيص على كل ذلك في الدستور، باعتباره قانون الدولة، يفرض إيجاد تشريعات تلزم الدولة بأجرأته، لضمان تحقيق الديمقراطية، في شموليتها، حتى يتساوى جميع أفراد الشعب، في كل بلد من البلدان العربية، في الحقوق، وفي الواجبات.
3) والدستور الديمقراطي، باعتباره قانونا للدولة، يفرض إيجاد قوانين انتخابية مستمدة من طبيعة السيادة الشعبية، كمصدر للسلطات، ويردع كافة أشكال الفساد السياسي، التي تعرفها البلاد العربية، طيلة عقود، وتقف وراء إيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، لجميع أفراد الشعب، وتعكس احترام إرادتهم، في إطار الاختيار الحر، والنزيه، حتى تصير المؤسسات المنتخبة في خدمة مصالح الشعب، في كل بلد عربي، من خلال إقرار حكومة من الأغلبية البرلمانية، تكون مسؤولة أمام البرلمان.
4) إجراء انتخابات حرة، ونزيهة، تحت إشراف هيأة وطنية مستقلة، من بداية التسجيل في اللوائح الانتخابية، إلى إعلان النتائج، التي تصير معبرة، فعلا، عن إرادة الشعب في كل بلد عربي، لإيجاد مؤسسات تمثيلية: محلية، وإقليمية، وجهوية، ووطنية، تتحمل مسؤولية التقرير، والتنفيذ، في الشؤون العامة لجميع أفراد المجتمع، وفي خدمة مصالحهم، حتى تصير تلك المؤسسات أساسا، ومنطلقا لخدمة مصالح الشعب، وللاندراج في مدارج التقدم، والتطور، على جميع المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومن أجل أن تصير البلاد العربية، كباقي البلدان المتقدمة، والمتطورة.
5) إيجاد حكومات من الأغلبيات البرلمانية، تقوم بمهمة خدمة مصالح الشعوب العربية، بالإضافة إلى العمل على تمتيع جميع أفراد الشعب، في كل بلد عربي، بجميع الحقوق، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وعلى تطبيق القوانين الصادرة عن الهيئات التشريعية، التي يجب أن تكون متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تصير الدولة الديمقراطية منسجمة مع نفسها، ومع مطالب الشعب في كل بلد عربي.
فالدولة الديمقراطية، إذن، هي الدولة التي تعطي لمفهوم الديمقراطية الأبعاد الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وإيجاد دستور ديمقراطي، يضمن سيادة الشعب على نفسه، ويفصل بين السلطات، وإيجاد قوانين انتخابية، تضمن حرية الانتخابات، ونزاهتها، وتقطع مع كافة أشكال الفساد السياسي، التي تعرفها الانتخابات في البلاد العربية، وإجراء انتخابات حرة، ونزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تكون في خدمة الشعب، في كل بلد عربي، وإيجاد حكومات من الأغلبية البرلمانية، تشرف على احترام حقوق الإنسان، وعلى تطبيق القوانين المعمول بها، وخدمة مصالح الشعب، تكريسا لدولة الحق، والقانون.
ويتبع>>>>>>>>> : ثورة من أجل قيام دولة الحق، والقانون (2)
واقرأ أيضاً: