أقترب من الميدان مساء الاثنين 21 نوفمبر (بعد يومين من بداية الجولة الثانية للثورة المصرية) في اليوم التالي للهجمة البربرية من قوات الأمن على الثوار ومصابي الثورة وأهالي الشهداء، وقد دفعني للذهاب ما شهدته من أعمال وحشية غير إنسانية ارتكبتها قوات الأمن على غرار سحب أحد الشهداء على الأرض وإلقائه بجوار القمامة، وضرب شهيد آخر بالعصا وهو ميت، وإطلاق النار من أحد الضباط على عين متظاهر وحين أصابه في عينه بالضبط هتف زميله "برافو ياباشا، جبت عين أمه"، إضافة إلى سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من الثوار بقنابل ورصاص رجال داخلية مبارك الذين استبقوا في أماكنهم حتى بعد الثورة.
يعود للميدان جلاله وجماله وهيبته وقد امتلأ بالثوار الأصليين الذين عادوا ليستردوا ثورتهم التي تاجر بها الجميع وانتهكها كل أفاق وكذّاب ومراوغ وحاولت قوى الظلام دفنها أو على الأقل تفريغها من مضمونها وتحويلها إلى احتفالية فولكلورية تافهة. وكان الألم يعتصر قلوبنا طوال شهور عشرة بعد سقوط الطاغية حسني مبارك، إذ نكتشف أن نظام مبارك بقي كما هو، وأن الذين ذهبوا هم عدد من الأفراد لم يؤثر غيابهم على الصورة العامة إذ بقيت نفس الممارسات الخاطئة والفاسدة في الحياة المصرية، بل ربما ازدادت توحشا بفعل فاعل، فالانفلات الأمني المتعمد يجعل الناس في حالة خوف وقلق، ويتبع ذلك أحوال اقتصادية تتدهور يوما بعد يوم، وأحوال سياسية تتسم بالغموض والمراوغة والتأجيل والالتواء، واتضح أن ثمة قوى تنفذ سيناريو فوضى عارمة في المجتمع ينتج عنها حالة من انعدام الأمن تهيئ المصريين لقبول ما يملى عليهم، وهو عكس أهداف الثورة في الأغلب.
وقد تواطأت السلطة الحاكمة مع الأحزاب السياسية الهشة والضعيفة والمستأنسة والمتخنثة، ومع أركان النظام السابق ورموزه، وراح هؤلاء جميعا يبحثون عن الغنائم يجمعونها بنهم شديد، وبدا أن الثورة المصرية العظيمة التي بدأت في 25 يناير وانبهر بها العالم تلفظ أنفاسها ليعود المصريون إلى نقطة الصفر ويدخلون في دورة استبداد جديدة تحت مسميات مختلفة، ويتم التمكين للحكم العسكري بنصوص دستورية شديدة العوار.
إذن أدخل الميدان وقلبي ينتفض فرحا بعودة الثورة مرة أخرى، ويعود الحلم باختفاء الوجوه الكريهة التي كانت تلح علينا ليل نهار بالكذب والإدعاء والانتهازية، هؤلاء الذين قفزوا على الثورة وركبوها واستغلوها، وأولئك الذين عادوا الثورة وراحوا يوقفون مسيرتها ويعملون على تصفيتها بالتآمر والغدر.
هي نفس أجواء الميدان الرومانسية الصافية وكأنها روح مصر المقدسة التي تطرد كل الشياطين من أرض المحروسة. وأتجول في كل أنحاء الميدان محاولا قراءة الوجوه من جديد فأصل إلى نتيجة وهي أنه على الرغم من غلبة الثوار الأصليين في الميدان إلا أن ثمة اختلافات بين الوجوه في الميدان تستحق الرصد والتأمل والفهم. فهاهم شباب اللجان الشعبية الذين يؤمنون الميدان يقومون بعملهم بكل همة ونشاط وأمانة وأدب ويتعاملون بكل حرص ولياقة مع مرتادي الميدان على اختلاف توجهاتهم، ولا تستطيع أن تصنفهم في تيار بعينه فهم فقط مصريون. والثوار المقيمون بصفة دائمة يخيمون في الصينية في وسط الميدان أو قريبا من مسجد عمر مكرم وهم يجلسون في الخيام في مجموعات يتدارسون الموقف في الميدان وخارجها ليقرروا الخطوات التالية، وهم يشكلون عقل الميدان، وينتمون في الأغلب إلى الحركات والائتلافات الشبابية حديثة العهد نسبيا بالسياسة ولكن مناقشاتهم تعكس وعيا عميقا بها.
وهناك مجموعات من الشباب تتسم بالحركة والحيوية يقومون بمسئولية نقل المصابين والشهداء في سيارات الإسعاف أو الموتوسيكلات أو عربات نصف نقل، وهؤلاء يعملون بشكل طائر وخاطف وكأنهم يسابقون الزمن لإنقاذ أرواح إخوانهم الثوار الذين تعرضوا لعنف قوات الشرطة، ومنهم مجموعات تشكل حاجزا بشريا يصنع طريقا مفتوحا بين زحام الجماهير ليسهلوا حركة نقل المصابين وهؤلاء يقفون في صفين طويلين متوازيين وهم متشابكي الأيدي.
وعلى الرغم من الزحام الشديد في الميدان إلا أن ثمة إدارة محكمة وغير مرئية للميدان تتضمن تنظيم المستشفيات الميدانية وحركة نقل المصابين وتأمين الميدان في مداخله ومخارجه، وتنظيم مظاهرات تجوب الميدان والتواصل مع وسائل الإعلام المحلية والدولية، وإجراء المفاوضات مع الحكومة إذا تطلب الأمر ذلك، والدعوة للمليونيات، وتحديد مطالب الميدان، وكتابة اللافتات، وإقامة حفلات السمر.
وعلى الرغم من المخاطر المحدقة بالميدان إلا أن درجة القلق تكون منخفضة جدا لدى المقيمين فيه إذ يبدو أنهم في قلب الحدث، ولذلك فهم يعيشون الواقع ويشاركون في صنعه ويشعرون بالفخر والعزة لوجودهم في هذا المكان ولقدرتهم على تحريك الأحداث وإسقاط الحكومات الفاشلة والمتواطئة، وتغيير خريطة الحياة السياسية، وهذا على عكس من يجلسون في بيوتهم في موقف سلبي متفرج فهم يعيشون درجة عالية من القلق وتزداد مخاوفهم ويزداد شعورهم بالعجز لأنهم لا يفعلون شيئا ويتركون مصيرهم للمجهول.
وأقترب من المنطقة الشديدة السخونة وهي شارع محمد محمود الذي يربط بين ميدان التحرير وشارع منصور القريب من وزارة الداخلية، ذلك الشارع الذي شهد المواجهات الدامية بين المتظاهرين والشرطة، ومات فيه عدد كبير من الشباب المصري وأصيب منهم آلاف، ودار حول تلك المواجهات لغط شديد. ولما كنت أفضل أن تستمر الثورة سلمية في الميدان فقد كنت أشعر بالقلق من فكرة المواجهة بين الثوار والشرطة لذلك دفعني الفضول إلى التوغل في شارع محمد محمود لأستطلع حقيقة الأمر. وكانت الصورة كالتالي: شباب ومراهقون يلبسون كمامات ويضعون غطاءا واقيا على الرأس ويندفعون نحو خط المواجهة مع الشرطة، ومن وقت لآخر تلقي الشرطة قنابل مسيلة للدموع وهي من نوع شديد الأثر يؤدى إلى حالة من الاختناق الشديد وسيلان في العينين والأنف والحلق يجعل الشخص فاقدا القدرة على أي شيء، ومع هذا يقف الشباب في المواجهة إلى أن تخور قواهم أو تصيبهم طلقات خرطوش فيندفع نحوهم زملاء لهم يحملونهم إلى أقرب سيارة إسعاف أو موتوسيكل أو مستشفى ميداني، وهذا يلهب حماس الباقين وغضبهم فيلقون بالحجارة على قوات الأمن، وتحدث حالات كر وفر بين الفريقين دون الوصول إلى حسم للموقف.
ورحت أتأمل هذا الشباب الذي تتراوح أعمارهم بين الرابعة عشرة والخامسة والعشرين، ما الذي يدفعهم إلى هذه المواجهة، وما الذي يجعلهم بهذه الجسارة والجرأة والإصرار والتصميم، وما الذي غيرهم من حالة التكاسل والسلبية واللامبالاة التي نراهم عليها في مدارسهم وفي دروسهم وفي بيوتهم إلى حالة المبادرة والمخاطرة والنشاط؟... وكان بعضهم يلقي بنفسه في أتون المواجهة وهو يمزح مع أصحابه وكأنه ذاهب لنزهة أو لمباراة كرة قدم يعشقها. هم ليسو بلطجية كما يدّعي البعض وتروج بعض وسائل الإعلام، بل هم شباب مصريون من كافة الطبقات الاجتماعية وإن كان يغلب عليهم انتمائهم للطبقات الاجتماعية المتوسطة وتحت المتوسطة.
وبدا المشهد في هذا الشارع وكأنه صراع لإثبات الذات بين طرفين فالشرطة تحاول تأديب الثوار واستنزاف قواهم وإشعارهم بالعجز والهزيمة في محاولة لاستعادة هيبتها، وقد تأكد هذا المطلب في يوم الأحد حين هاجمت الشرطة الميدان وضربت المعتصمين وطردتهم منه ثم تركته سريعا ليعود إليه آلاف المعتصمين، وكأن الهدف من هذه الهجمة كان استعادة اللياقة لقوات الشرطة والتأكيد مرة أخرى على قدرتها على البطش والترويع أملا في عودة الثقة إلى الشرطة وعودة الخوف منها إلى قلوب الناس. وفي المقابل كان الثوار يرون أنهم يمنعون الشرطة من مهاجمة ميدان التحرير من هذه الناحية الإستراتيجية، فهم في الحقيقة (حين تسألهم) لا يهدفون إلى الهجوم على وزارة الداخلية (كما يروج الجهاز الأمني وأعوانه) وإنما هم يدافعون عن المعتصمين في الميدان، وهذا يعطيهم ثقة في مشروعية ما يقومون به، وكلما تعاملت الشرطة بقسوة معهم كلما ازداد تمسكهم بموقفهم وكراهيتهم لرجال الشرطة واعتبارهم أعداء يجب مقاومتهم بكل الوسائل المتاحة لهم والتي هي غالبا الحجارة.
وقد بدا شارع محمد محمود وما يدور فيه لغزا عصيا على الفهم، وتمت محاولات للتهدئة كانت كلها تنتهي بنقض الاتفاقات من جانب الأمن، وإذا تراجع الثوار خطوات للخلف بموجب اتفاقات فصل بين المتصارعين نجد أن الشرطة تتقدم نحو الميدان، فيعاود الثوار تقدمهم خوفا من اقتحام الميدان، وتعاود شخصيات مهمة التوسط لحقن الدماء، ولكن هذه الجهود تفشل، وكأن هناك نية مبيته وإرادة مستقرة على استمرار هذا السيناريو أطول فترة ممكنة لتحقيق أهداف استعادة اللياقة الشرطية في مواجهة الثوار واستعادة الهيبة وإلقاء الرعب في نفوس المواطنين كي تعود الشرطة إلى عهدها القديم أيام مبارك. ولم يعد الجيش يقوم بمهمة حماية المدنيين هذه المرة بل تمترس مع الشرطة ناحية وزارة الداخلية، وأصبح الجيش والشرطة يد واحدة في مواجهة المعتصمين وثوار التحرير وشارع محمد محمود، وكان بإمكان الجيش –لو أراد– أن يوقف هذه المواجهات ويوقف حمام الدم لو أرسل بثلاث دبابات تقف في عرض الشارع فتفصل الثائرين عن قوات الأمن، ولكن يبدو أن هذا لم يتم ليعطي الفرصة لسيناريو آخر مطلوب تحقيق أهداف معينة من ورائه.
والبعض يذكر هنا أن كثيرين من شباب الألتراس يشاركون في مواجهات شارع محمد محمود، وأن بينهم وبين الشرطة ثأر ورغبة في استعادة الهيبة والكرامة خاصة بعد هجمة الشرطة عليهم في أكثر من موقف، ولكن يصعب التأكد من هذا الأمر خاصة أنه لا توجد لافتات تميز المعتصمين والثائرين في الميدان، إذ هناك رغبة في الذوبان في الهوية المصرية بلا استقطابات أو علامات.
أما الواقفون ناحية ميدان عبد المنعم رياض فهم إما متفرجون أو مجموعات مسئولة عن تأمين الميدان من هذه الناحية ذات الفتحة الواسعة التي تم من خلالها اختراق البلطجية في موقعة الجمل ويخشى تكرار السيناريو مرة أخرى. وكانت تدور بعض الحوارات في أكثر من دائرة حول موقف الإخوان من الثورة الثانية، وكان الثوار يتحدثون بغضب ومرارة عن سلوك الإخوان بعد الثورة، فعلى الرغم من المشاركة المتأخرة للإخوان في الثورة الأولى إلا أنهم ساهموا بقوة في أحداثها، ولكنهم بعد رحيل مبارك تحالفوا مع المجلس العسكري وانفصلوا عن الصف الثوري الشعبي وانشغلوا في الفترة الأخيرة بالبحث عن المكاسب الانتخابية، ولم يستطيعوا أن يواكبوا نبض الشارع في الظروف التي تعرضت فيها الثورة للخطر وكانوا يفضلون مصالحهم الذاتية، وكان الثوار في غالبيتهم يشعرون بالفخر والارتياح لعدم وجود الإخوان في الثورة الثانية لأن ذلك أثبت أن الثورة تنجح بالشباب المصري ولا تحتاج لأي طائفة سياسية أو جماعة دينية. ومع هذا الموقف الرسمي المنسحب للإخوان إلا أنه يوجد عدد غير قليل من شباب الإخوان في الميدان وكثير منهم متواجد في المستشفيات الميدانية.
وليس كل الواقفون في الميدان ثوار حقيقيون بل هناك عدد كبير من المتفرجين الذين ذهبوا مدفوعين بالفضول وحب الاستطلاع، وهؤلاء تراهم مشغولين بالتقاط الصور التذكارية أغلب الوقت، وهم من ناحية يشكلون عبئا على حركة الإسعاف في الميدان ولكنهم في نفس الوقت يساعدون في تشكيل كتلة بشرية تعطي إحساسا بالأمان للثوار، وتعطي حصانة شعبية للميدان، ولكن مشكلتهم الحقيقية تكمن في تعرضهم للخوف ومبادرتهم للهرب في كل اتجاه حين يسمعون صوت انفجار قريب أو تلقى قريبا منهم قنبلة مسيلة للدموع.
ولا يخلو الميدان من مناوئين للثورة ذهبوا لتفقد الميدان ومعرفة توجهات الثوار ونواياهم وبعضهم يدخل في حوار مثبط للثوار، وربما يشتبكون معهم إذا احتد الحوار، وبعض من هؤلاء ربما ينتمي إلى تيارات سياسية بعينها وبعضهم ربما يتبع بعض الجهات الأمنية. وهناك عدد من طلاب الجامعات وطلاب المدارس الثانوية ذهبوا للميدان بدافع الشهامة والمروءة حين رأوا على شاشات التلفاز قوات الأمن تسحق مصابي الثورة وأقارب الشهداء، وتلقي بالشهداء بجانب القمامة وتضربهم بعد أن قتلوا، هؤلاء ذهبوا للدفاع عن المظلومين في الميدان ضد قهر قوات الشرطة.
وعند المدخل المواجه لكوبري قصر النيل كان يقف عدد كبير من الشباب السلفي متشابكي الأيدي في صفين متوازيين مشكلين طريقا طويلا من مدخل الميدان إلى منتصفه، وتساءل الناس عن هذا المشهد فعرفوا أنهم ينتظرون قدوم شيخهم المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الشيح حازم صلاح أبو إسماعيل والذي يتوقع وصوله قبل الفجر، وجرت مشادة كلامية بين بعض الثوار وهؤلاء الشباب حيث لاموهم على تقهقرهم بعيدا عن النقطة الساخنة في شارع محمد محمود حيث يموت الثوار ويختنقون بينما هؤلاء الشباب السلفيون منشغلون باستقبال شيخهم، ويصنعون حاجزا بشريا لاستقباله، واعتبر بعض الموجودين هذا الفعل نوع من التكريس للفرعونية وتضخيم ذات المشايخ والقادة لم نتعاف منه بعد. ولم يهتم الشباب السلفي بتلك الانتقادات وواصلو اصطفافهم بينما يمر شخص ذو لحية كثيفة يوزع عليهم التمر والحلوى وبعض المأكولات.
والثوار يعودون هذه المرة بنفس روح ثورة يناير ويزيد عليها فقدان للثقة في كل الرموز والتيارات السياسية والدينية، فهم يشعرون أنهم خدعوا، وأن ثورتهم العظيمة الحضارية سرقت منهم، وأن الجميع تواطئوا وخانوا، ولهذا فهم يرفضون تواجد أي رموز سياسية خاصة أولئك الذين تاجروا بالثورة وحاولوا ركوبها أو بيعها أو إجهاضها، وقد طردوا عددا ليس بالقليل من هؤلاء بمجرد اقترابهم من الميدان، فهم يريدون هذه المرة أن يتولوا أمورهم بأنفسهم، وأن يحافظوا على ثورتهم، وهم لا يثقون هذه المرة في المجلس الأعلى ولديهم اعتقاد راسخ بأن المجلس قد حقق أهدافه من الثورة ولا يريد أن يتقدم في تحقيق أهداف الثورة الحقيقية، وأن المجلس لا يراها ثورة بل يراها انقلابا أو احتجاجا، وأنه لم يكن في يوم من الأيام ثوريا ليدافع عن أهداف الثورة وأنه ربما انحاز إلى النظام القديم والذي كان هو جزءا مهما فيه، ولهذا يأتي مطلب تسليم السلطة لهيئة مدنية في المقدمة من مطالب الثوار يليه تشكيل حكومة إنقاذ وطني ومحاكمة الذين أجرموا في حق المصريين محاكمة جادة وحقيقية. ويبدو أن الثوار تعلموا من درس الشهور العشرة التي مرت وكادت تتم عملية تصفية للثورة فيها لذلك فهم لا يرتضون وعودا ولا يصدقون تصريحات لأي مسئول مهما علا شأنه ويصممون على الاستمرار في الجولة الثانية للثورة إلى أن يحققوا أهداف الثورة بالكامل.
ومن يعش في أجواء الميدان وسط هذه الوجوه من الشباب يشعر أن في مصر طاقة إيجابية هائلة لم ننجح في الاستفادة منها، وأن هؤلاء هم أطهر وأنبل ما في مصر، وفي المقابل يشعر بالقرف والغثيان من أولئك الزعماء السياسيين والمنظرين والمتجولين بين القنوات الفضائية، ويشعر أن الصدق والاستقامة والشعور بالمسئولية قيم موجودة لدى هؤلاء الشباب بينما الكبار في مصر كذابون ومراوغون ومتاجرون وأفاقون. ومن هنا تتأكد أن البوصلة الصحيحة هي لدى هؤلاء المقيمين في الميدان، وأن مطالبهم هي الوجهة الصحيحة لاستعادة الثورة واستعادة مصر، وأن كل ماعدا ذلك هو لغو وتلاعب بمصير الوطن.
وهكذا يعود الأمل مرة أخرى وتعود روح ميدان التحرير التي وحدت بين المصريين وتختفي حالات الاستقطاب والانشقاقات البغيضة التي سادت في الشهور الماضية، وأصبح الأمر في صورة صراع إرادات بين جيل جديد يسعى للتغيير الجذري الإيجابي وجيل قديم يريد تثبيت الأوضاع على إيقاع قلبه البطيء ومصالحه الذاتية.
واقرأ أيضاً:
قانون العزل السياسي، قانون التفافي/ لماذا عادت الثورة من جديد؟/ افهموا سيكولوجية الثائر يا ولاد الطغاة