يلتجأ الإنسان بين الحين والآخر إلى طبيب نفساني أو معالج نفساني بعد انهيار معنوياته لسبب أو آخر. ترى الطبيب النفساني، بعد نهاية الكشف، يعرض على المريض خطة العلاج. في هذه الأيام يكثر الطبيب النفساني الاعتماد على وصف مواد كيمياوية نسميها العقاقير من أجل تحفيز أو إحباط التفاعلات الكيمائية المستمرة في العقل والتي تصاحب العواطف. ولكن هناك الكثير من المرضى يصاب بخيبة الأمل من جراء اختزال مشكلته إلى عملية كيمائية وكان ينتظر علاجاً يتم عن طريق الكلام. ترى البعض يطالب بهذا النوع من العلاج، والبعض الآخر لا يطالب ولا أحد يدري إن كان سيتناول العلاج أم لا.
بصراحة هناك الكثير من المراجعين للطبيب النفساني غايته العثور على آذان صاغية لتسمع حكاية خاصة به فقط ويخرج من غرفة طبيبه ويسأل نفسه أين تلك الآذان الصاغية؟. لكن الإنسان لو فكر جيداً لعثر على تلك الآذان الصاغية في بيته ألا وهي آذان شريكة حياته.
في هذا الحديث الموجز سأتطرق بإيجاز إلى هذا الفن من العلاقات البشرية وأبعاده النفسية ضمن الوسط العائلي وبين امرأة ورجل.
وحدة العائلة Family Unit:
ينتقل كل رجل وامرأة من رحلة العزوبة إلى مرحلة الارتباط الزوجي في العقد الثاني أو العقد الثالث من العمر وبهذا الارتباط تولد الوحدة العائلية الرئيسية ألا وهي الزوج زوجته. يضاف إلى هذه الوحدة مع الزمن الأطفال ويبدأ بعد ذلك تشكيل وحدات عائلية ثانوية Family Subunits وهي:
1- وحدة الأطفال.
2- وحدة طفل مع أحد الأبوين.
في العالم الشرقي وحتى الطوائف الشرقية في العالم الغربي ترى أن هناك وحدات عائلية متعددة أخرى قد يتم تشكيلها بفضل مشاركة عائلة الزوج أو الزوجة في الحياة تحت سقف واحد. هذه الظاهرة يكثر ملاحظتها في الأقليات الآسيوية بغض النظر عن انحدارها الاقتصادي.
رغم كل ذلك تبقى وحدة الزوج والزوجة هي الوحدة الرئيسية. إن كانت هذه الوحدة قوية وفعالة وعملية فستراها تشكل جداراً يحمي الزوج والزوجة من الانهيار المعنوي وتساعدهم في تجاوز أزمات الحياة. متى كانت هذه الوحدة غير فعالة فترى العضوين الرئيسين فيها عرضة للانهيار النفسي والعاطفي مع تعاظم أزمات الحياة.
أما هذا الجدار فلا سبيل لبنائه وإدامته إلا الآذان الصاغية للزوج والزوجة. لكن الزوج والزوجة أحياناً يتصور أن هناك آذاناً أخرى تستمع إليه وأن آذانه تستمع لكلام الآخرين. هذا المعتقد السائد في جميع أنحاء المعمورة منشأه أسطورة الصديق الأفضل.
أسطورة الصديق الأفضل Best Friend
هنالك أسطورة شائعة في الغرب والشرق بأن لكل إنسان صديقا مفضلا أو صديقة مفضلة. يأتمن الإنسان هذا الصديق على أسراره أو بصراحة الأمر على ذنوبه في هذه الدنيا والتي يتصور بأنها كنزٌ لا يحب أن يشارك به أحدا غير هذا الصديق.
بالطبع لكل إنسان صديق مفضل قبل الزواج ولكن دور هذا الصديق ينتهي مع ارتباط الرجل بزوجته والزوجة بزوجها. إن حدث أو استمر وجود هذا الصديق أو الصديقة بعد الزواج فهو دليل على ضعف الوحدة العائلية الرئيسية وقد تكون له أبعاده المرضية أو غير الصحية على الزوج أو الزوجة. السبب في ذلك يعود إلى أن الرجل أو المرأة لا ينتظر آذاناً صاغية من الآخر وكذلك لا يقوم بمهمته الرئيسية وهي الإصغاء للشريك الآخر. في استمرار وجود الصديق المفضل في حياة الزوجين يبدأ الإنسان يتساءل بين الحين والآخر: هذا ما يتحدث زوجي به.... ولكن الأهم من ذلك ما هو الذي لا يتحدث به.
بالطبع لا يمكنك التخمين إلا أن الذي لا يتحدث به الإنسان قد يعبر عنه بسلوك معين وهذا السلوك لا يكون إلا في إطار واحد ومحتوى واحد وكلاهما سلبي تجاه شريكة حياته أو شريك حياتها.
عند ملاحظة الزوجة مثلاً سلوكاً سلبيا يصدر من زوجها ستبادره بالسؤال عن تفسير أسباب السلوك. في معظم الأحيان يجيب الزوج على سؤال زوجته ولكن جوابه قلما يفسر هذا السلوك وأحياناً تراه لا يخلو من الغضب. يتكرر السؤال ويتكرر الجواب ويصل الإنسان مرحلة يتوقف فيها عن طرح السؤال ويتوجه إلى آذان يتصورها صاغية وهي آذان الصديق المفضل.
في أغلب الأحيان يشغل الإنسان نفسه بتفسير ما قيل وسمعه ولكن هناك قاعدة عامة في مجال الصحة النفسية وهي أن الأهم من ذلك أحياناً ما هو الحديث الذي لم نسمعه. بعبارة أخرى ما هو الكلام الذي لم يقل. بالطبع قد يكون هذا الكلام قد تحدث به الإنسان إلى الصديق المفضل ويتصور بأنه كلام تم حفظه وهو محاطٌ بالقدسية عند هذا الإنسان الخاص به. بالطبع في الكثير من الأحيان قد يستمع الصديق المفضل لهذا الكلام ولكنه قلما يحيطه بتلك القدسية وبالنسبة إليه أو إليها مجرد حديث الساعة في فترة عبث.
على ضوء ذلك يمكننا الاستنتاج بما يلي:
1- أن دور الصديق أو الصديقة المفضلة يجب التخلص منه بعد الزواج. بعبارة أخرى من أجل شراكة زوجية صحية لابد للزوج أو الزوجة من أن يقبل بأن الصديق الأفضل لأي منهما هو الشريك الزوجي الآخر وبعد ارتباطهما ينتهي دور الصديق الأفضل القديم.
2- عند حدوث أزمة من جراء الاطلاع على سلوك سلبي من الزوج أو الزوجة لابد من البحث عن الكلام الذي لم يُقَل. وقد يتم التعبير عن الكلام الذي لم يقل في سلوك الفرد.
في بقية المقال أستعمل تعبير الزوج في إطار واحد معين والزوجة في إطار آخر لغرض سهولة سرد الكلام من خلال التطرق إلى ما يعرف بالسلوك السلبي العدواني.
السلوك السلبي العدواني Passive Aggressive Behaviour
هناك بعض التصرفات التي يتم ملاحظتها من قبل الزوجة على سلوك زوجها وتقع في إطار السلوك السلبي العدواني، ويتميز هذا السلوك بأنه خالٍ من العداء العلني Overt Hostility ولكن تحليل السلوك يكشف عن عداء خفي Covert Hostility موجه نحو الزوجة. هناك العديد من الأمثلة التي يسمع بها الطبيب النفساني عند الحديث مع مرضاه وعلى سبيل المثال وليس الحصر:
1- كثرة مصاحبة الزوج لمجموعة من أصحابه.
2- السهر خارج البيت.
3- الإحساس بعدم المبالاة في العلاقة الجنسية.
4- قضاء فترة طويلة على الكمبيوتر.
5- أما السلوك الأشد والذي يقترب من السلوك العدواني العلني فهو مشاهدة أفلام إباحية.
إن مثل هذا السلوك يمكن النظر إليه على أنه مجرد وعاء أو كبش فداء يستعمله الإنسان للابتعاد عن مركز أو بؤرة المشكلة في الحياة الزوجية التي لا يقوى على حلها وفي الكثير من الأحيان لا يفهمها. رغم أن هذا السلوك يكون مزمناً بعض الشيء ولكنه في مرحلة ما يصل إلى عتبة يتحول فيها من سلوك مزمن سلبي إلى أزمة حادة بسبب أزمة أخرى تمر بها العائلة.
يكون رد فعل الزوجة التلقائي أحياناً هو التعبير عن غضبها تجاه هذا السلوك. تتناسب شدة التعبير طردياً مع السلوك وبالتالي قد تتخذ إجراءات لمعاقبة الزوج مثل مناقشة السلوك مع أهلها وتشكيل حلف مع الأطفال أو أحدهم في التعبير عن هذا الغضب. يكون رد فعل الزوج التلقائي هو إنكار السلوك وبالتالي على إلقاء اللوم على الزوجة. ينتهي الأمر بالدخول في حلقة مفرغة تؤدي إلى اتساع الفراق العاطفي بين الزوجين. يمر الوقت وقد يقبل الزوج والزوجة بالأمر الواقع وتنتهي الأزمة الحادة ليس إلا لتعود ثانية وبصورة أشد مستقبلاً. على ضوء ذلك لابد من الانتباه إلى القواعد التالية:
1- عند وصول السلوك السلبي العدواني إلى عتبة تحوله إلى أزمة حادة لا بد من استغلال الفرصة للتخلص منه ومعالجته.
2- الحذر من إشراك الآخرين من العائلة الأصل في حل الأزمة. متى ما حدث ذلك يشعر الزوج بأنه في مواجهة عدو لابد من شن الحرب عليه بمضاعفة السلوك الذي كان اكتشافه سبباً في قيام الأزمة.
3- منع تدخل الأطفال في الصراع بأية صورة من الصور أو تشكيل حلف مع أحدهم ضد الأب. متى ما حدث ذلك تبدأ عملية هدم البنية التحتية للعائلة بصورة يصعب ترميمها في المستقبل.
عند اكتشاف هذا السلوك لابد من التزام الهدوء بعد الغضب والرجوع إلى ذلك الجزء من الجسد البشري الذي قلما يُعنى الإنسان بمظهره ألا وهو الآذان والتي لها وظيفة يكثر من استعمالها الطبيب النفساني إن كان ناجحاً في عمله. هذه هي قاعدة الآذان الصاغية.
نقاش الأزمة Crisis Talk
بعد الكشف عن السلوك يحين وقت مناقشة الأزمة. الحياة لا تخلو من أزمات وربما يجب أن يفكر الزوجة أو الزوجة في تخصيص وقت معين في كل أسبوع بل وكل يوم للحديث عن الأزمات والإفصاح عن ما في داخلهم من هموم. بالطبع في مضمار الحديث عن السلوك السلبي العدواني لا بد من تخصيص ساعة أو أكثر للنقاش.
ليس هناك أفضل من أن تقول الزوجة لزوجها أن هذا السلوك يحتاج إلى حديث بيننا. يمكن إضافة تعبير آخر بأن هذا السلوك لا يمكن وصفه إلا بإهانة لي ولكني في نفس الوقت أتصور أن عداءك قد أخطأ هدفه، وكذلك أظن أن هدف عدائك قد مضى كما تمضي الأيام وحان الوقت الآن أن نبحث سوية عن السعادة تحت سقف واحد بدلاً من البحث عن أهداف نصوب نحوها غضبنا.
الكثير من الناس لا يرغب في مراجعة مذكراته التي لم يكتبها وإن كتبها في عقله وعش ذكرياته في المخ فهو لا يملك القدرة على الاطلاع عليها في مراحل متقدمة. في هذا الجزء من الرجال يكون الحديث عن احتياجات لم يتم تلبيتها Unmet Needs . بالطبع هذه الاحتياجات متعددة ولكن في نطاق العلاقة بين الرجل والمرأة فبعضها عاطفي والآخر جنسي ولم يتم تلبيتها من وجهة نظر الرجل. كذلك الأمر بالنسبة للمرأة فإن نقاش الأزمة هو الوقت المفضل بأن تتحدث بصراحة عن احتياجاتها التي لم يتم تلبيتها إن كانت عاطفية أو جنسية.
بعد ذلك لابد من الانتباه إلى طريقة الحوار بين الزوج والزوجة. هناك قواعد عامة هي:
٠ لابد من الحديث في هذا الأمر بدون انفعال.
٠ من الأفضل أن تجلس المرأة أمام الزوج وهي في كامل أناقتها وجمالها. لا يجب الجلوس بجنب الزوج بل أمامه وعلى بعد 2-3 متر في نقاش الأزمة. بعد أن يخيم الهدوء على جو النقاش يستحسن أن تتوجه المرأة للجلوس بجنب زوجها وتتقرب منه تدريجياً.
٠ تطلب الزوجة من الزوج أن يستعمل الألفاظ الذي يفضل استعمالها وإن كانت عامية وغير صالحة للاستعمال أمام الغريب من الناس. كذلك يستحسن أن تستعمل الزوجة الألفاظ العامية ذاتها التي يستعملها زوجها بدون حرج وتقول له من الأفضل أن نستعمل هذه الألفاظ وأنت زوجي، فلا غريب بيننا وليس هناك قاعة في الدنيا نشعر بها بحرية كلام سوى هذا المكان.
٠ مع استمرار الحديث لابد من استعمال كلمة حبيبي أو حبيبتي أكثر من مرة عند التطرق إلى العواطف بدلا من استعمال كلمة زوجي أو زوجتي وغير ذلك من التعابير العائلية.
٠ بعد نهاية الحوار لا بأس من التعبير عن الجوانب الإيجابية للحوار.
إن نقاس الأزمة يجب أن يكون نقاشا متواصلاً بين الطرفين طوال العمر ويتطرق إلى جميع جوانب الحياة بين الرجل والمرأة. كذلك لابد للرجل والمرأة من إشراك الآخر في معظم مجالات الحياة ويجب على كل منهما عدم الجزم بأن هناك أمورا وأحاديث خاصة بين النساء أنفسهن وبين الرجال. متى ما اجتمع الرجل والمرأة تحت سقف واحد فهما:
لهما مستقبل واحد ومصير واحد.
لا مكان لصديق مفضل وصديقة مفضلة.
لا أسرار يشاركون بها غيرهم.
ولا تواصل بينهما إلا عبر الآذان الصاغية.
واقرأ أيضاً:
فارق السن بين الزوجة والزوج / قلبي قلبك (شعار التواصل بين الزوجين) / الزوج المسافر(4) / الحياة الزوجية حقوق وواجبات(4)