قال الشاب لأخته: أربكتِني بوساوسك وشكوكك
قالت أخته : وأنت أربكتَني بخيبتك وغبائك
قال الشاب: جعلتِني أراجع فرحتنا وأشك أننا عملنا معجزة
قالت: ولكننا عملنا معجزة فعلا، ومن حقنا أن نفرح بعد كل القهر الذي عشناه، ألم نقهر القهر؟
قال: إذن لماذا تشككينني في أننا الذين عملناها
قالت: لكي نحسن الحسابات أكثر وأنضج، حتى لو كانوا هم استعملونا لأغراضهم دون أن ندرى، فنحن نستطيع أن نغير اتجاه الدفة لصالحنا ونحن ندري
قال: أخشى إذا نحن تنازلنا عن فخرنا بما فعلنا: أن نتوقف
قالت: الذي يتوقف نفسه قصير، وهو مسئول عن توقفه، ولا يستأهل إلا ما وصل إليه، وسوف ينزع منه.
قال: هل عندك فكرة ماذا يمكن أن نفعله الآن؟
قالت البنت: إن كل ما علينا هو أن نواصل، بنفسٍ أطول، وصراخ أخفت، وفعل أرسخ.
قال أخوها : نفعل ماذا؟
قالت : نلعبها صح
قال : نلعب ماذا؟
قالت : المؤامرة
قال : هل ما زلت تصرين على أن الأمريكان هم وراء كل ذلك
قالت : وراء ! أمام..! ، ليست هذه هي القضية الآن
قال: فما هي القضية إذن ؟
قالت: القضية هي في ما نفعله نحن الآن، حتى لو أنهم كانوا وراء ما جرى دون أن ندرى ...
قال: وراء ماذا الله يخليكِ؟ لا تحرمينا مما فعلناه لو سمحت، دم شهداءنا لم يجف بعد، ألم تشاهدي أم أي شهيد وهي تنتحب، أو تولول، وتتوعد
قالت : صحيح أنني لم أنجب بعد، لكن يبدو أن الله سبحانه جعل في كل أنثى أمًّا منذ ولادتها
قال: بل إنني، حين أتقمص أم الشهيد، أشعر أنني أم لا أب، هل بداخلي أمّ أيضا؟
قالت :غالبا، ولعلمك فإن الذي أدار دفة الحياة وحافظ على نوعنا البشري هي المرأة الأم عبر التاريخ، المرأة متآمرة، بطبيعتها : التآمر هو سنة الحياة منذ بدء الخليقة، كل ما علينا الآن هو أن نحسن التآمر ونحذق قواعد لعبته
قال: نحسن ماذا؟ الله يخيبـِك!!
قالت: نحسن التآمر يا أبله، أم الشهيد الثكلى لا ترضيها التعويضات، ولا هي تطلب الإعدام للتشفي أو الثأر، إذا كنا نريد أن نقف بجوارها، ونبرد نارها بحق، فلنتآمر صح، لا يفل التآمر إلا التآمر، هيا نحول دون أي مخلوق يحاول أن يجرجرنا وراء مشاعرنا الفائرة ليحقق هو أغراضه ويستولى على عرقنا ومكاسبنا بما في ذلك دم الشهداء.
قال: أنا احترت معك، قولي لي بالله عليك كيف نحول دون أن يسرقونا حتى لو كانوا مدبرينها.
قالت: بأن نتوقف تماما عن الكلام في الماضي إلا في المحاكم، فلتكن المحاكمات أمام أي محاكم، كله يكمل بعضه، محاكم الغدر أو محكمة الثورة أو محكمة الثأر، ولتصدر الأحكام بما يدعم الثورة ويسرع خطاها، حتى لو وصل الأمر إلى إعدام عشرات الأبرياء، فهم شهداء عند ربهم،
قال: تقولين نعدم أبرياء ؟؟
قالت: لأي ثورة شهداؤها الذين اختاروا الشهادة، وضحاياها الشهداء أيضا على الجانبين الذين تصادف وقوفهم في موقع الاستشهاد قضاء وقدرا
قال: تقولينها هكذا ببساطة، ثم ألا تعرفين أن المحاكم الاستثنائية لا تضمن لنا استرداد الأموال التي سرقوها وهربوها، لأنهم في الخارج يشترطون أن تكون الإدانة من محاكم عادية
قالت: في ستين داهية، إن الواعي بمسئوليته لا ينمى رأسماله ويدعم اقتصاده بالتركيز على استرداد ديونه، بقدر ما يركز على تنمية ما تبقى من رأسماله، ومنع تكرار السرقة بواسطة الحكام الجدد.
قال: أنا لست فاهما، أشعر أنني مشتت متناقض، تفكيري أصبح أشبه بتفكير أخي المتناثر، ربنا يشفيه
قالت: والله أنا أشعر أحيانا أن ما أصابه هو نتيجة فرط العجز عن مواجهة الجاري، فهرب إلى الجنون
قال: بصراحة، أنا أحيانا أحسده، وأتمنى أن ألحقه
قالت: واحدة واحدة، أبانا لم يعد قادرا على شراء العلاج لواحد فلا تحمله عبء جنونك أنت أيضا، حتى الجنون أصبح مكلفا
-2-
قال الأب للأم: أنا مسافر البلد اليوم
قالت: خيرا؟
قال: سوف أبيع النصف فدان الذي تبقى
قالت : يا خبر أسود، وتخرق وصية المرحوم والدك،
قال: وهل يعجبك ابننا هكذا ، لقد اختفى الدواء الذي كان يضبط حالته، كنا نشترى الخمسين قرصا بجنيهين، الآن لم أعد أعثر عليه أصلا
قالت: ماذا جرى؟ أين اختفى؟ ألا يوجد بديل؟
قال: يوجد، لكن بمئات الجنيهات، أي والله
قالت: ولماذا اختفى الدواء الذي كان يضبطه فل الفل؟ لماذا استبدلوه؟ وبكم البديل؟
قال: اختفى لأنه رخيص، وحل محله بديل مشبوه، كما يُحلون الديمقراطية المشبوهة محل الحكام الذين انتهى عمرهم الافتراضي، ولم يعودوا يكسبون من ورائهم ما يقدّرون، أو يتوقعون
قالت: بدأنا في الكلام الفارغ، ابني متمزق كل قطعة في ناحية، وأنت تخرف، تبيع أرض أبيك
قال: وماذا أفعل؟
قالت : إيش عرفني، الدنيا تضرب تقلب، أسألهم ماذا تفعل؟
قال: أسأل من؟
قالت: اسأل الثورة
قال: ثورة ماذا ؟ ما لها الثورة؟!!
قالت: ثورة التليفزيون، يعنى الشباب، ثورتنا ؟ ماذا فعلتْ؟
قال: فعلت ما عليها وزيادة، هل تريدين منهم أن يعملوا شركة أدوية ؟
قالت: نعم، علاج ابني أهم من استرداد أموال اللصوص، هل حين سنستردها سوف نعمل بها شركة دواء؟
قال : يجوز، ولكن أمريكا لن توافق
قالت: وأمريكا مالها؟
قال: ما هي شركة الدواء التي تبيع الحقنة الواحدة بأكثر من ألف جنيه بدلا من الحقنة التي كنا نستعملها: أم عشرين، هي التي تحرّك أمريكا، وأمريكا تحرّك العالم، وهي تريد أن تستولي على ثورة الشباب لذلك، وهي ليس من مصلحتها أن نعمل لا شركة دواء ولا شركة أسمنت ولا شركة غزل ولا أي شركة وطنية بحق
قالت: من قال لك هذا؟
قال: التفكير التآمري
قالت : يا نهار اسود لقد أفسدتك البنت
قال: أية بنت؟
قالت: بنتنا، هي التي تردد طول الليل والنهار هذا الكلام الفارغ
قال: فارغ أو ملآن، أنا مسافر لأبيع النصف فدان، وأبى سوف يسامحني
قالت : وبعد أن ينتهي ثمنه؟ كلها كم شهر ويختفي المبلغ بهذه الأسعار
قال: يكون ربنا أخذه، أو أخذني
(وانصرفت المرأة بسرعة حتى لا ترى دموع زوجها)
-3-
قالت البنت لأخيها : يعجبك هذا؟
قال: يبدو أن الحكاية أكبر كثيرا من ميدان التحرير
قالت : ليكن، ولكن دعنا نبدأ من ميدان التحرير
واقرأ أيضاً:
مسؤولية التحريض، ودفاع انتقائي عن الكرامة!! / الدورات السبع / أخبار اليوم تظهر في زفتا وتشكيل وعي الصغار / الدين لله والوطن لله والجميع لله