(سيكولوجية السب والقذف على صفحات فيس بوك وتويتر)
معذرة لاستخدام لفظ مراحيض (وهي تعني دورات المياه البدائية) بما يحمله من قرف واشمئزاز وظلال كئيبة، ولكنها فعلا كذلك، فمن يتتبع كم الإساءات والتجاوزات والألفاظ الخارجة والهجوم المتجني على صفحات الإنترنت يوقن بأن ثمة مراحيض شخصية وعمومية موجودة في الفضاء الإلكتروني كما هي موجودة في الحياة اليومية يلقي فيها العابرون (البدائيون والمتخلفون) لهذا الفضاء فضلاتهم ونقائصهم، بل ربما رفض أحدهم استخدام تلك المراحيض وألقى بمكنونه على قارعة الطريق الإلكتروني لكي يصيب العابرين بأذاه وتتطاير فضلاته في كل مكان. ومعروف لدى الجميع ظاهرة الكتابة البذيئة أو الرسوم الفاحشة على أبواب وجدران المراحيض العمومية وتفسير علماء النفس لها من كونها إسقاطا فجا ومباشرا لمكنونات نفس صاحبها من غرائز ورغبات ونقائص يعجز عن طرحها في الفضاء المجتمعي (لاحظ التشابه في الكتابة البدائية على حائط المرحاض والكتابة البدائية بشكل عصري على حائط الفيس بوك التي يمارسها المتطفلون المتخلفون على الإنترنت). والسبب في اختيار الموضوع هو ما يلاحظه المشاركون والمتابعون لهذه المواقع من تدني مستوى الخطاب واستخدام ألفاظ ليس فقط تخدش الحياء العام بل تجرحه وتمزقه . وسوف يكون مدخلنا للموضوع ما يحدث على الساحة المصرية بعد الثورة حيث زادت شعبية مواقع التواصل الاجتماعي وزاد عدد مستخدميها، كما زاد التفاعل بقوة بعد الثورة ووصل إلى درجة الإشتباك ومحاولات تصفية الخصوم وقتلهم معنويا ونربط ذلك بالواقع العربي وهو قريب الشبه بما يحدث عندنا .
ويربط البعض بين هذه الحالة من الإنفلات المعنوي واللفظي على مواقع الفيسبوك وتويتر وبين الثورات العربية والثورة المصرية على وجه الخصوص نتيجة لما كان من أثر لهذه المواقع إبان أحداث الثورة وما بعدها وما نتج عنه من شعبية هائلة لمواقع التواصل الاجتماعي مما جعلها تشكل في المرحلة الإنتقالية ساحة الصراع الفكري والسياسي والديني بكل حرارته وقسوته، لذا لابد من توضيح العلاقة وإزالة الالتباس الحادث بين الثورة والانفلات الإلكتروني .
أولا لابد وأن ننتبه إلى ما قاله علماء النفس عن عقلية الثورة والثوار لأن ذلك يرتبط بقوة ببعض الظواهر التي نعيشها، فالثورة هي التفاف وسير في الإتجاه المعاكس حسب تعريف بعض العلماء، وهي رفض للأحوال الراهنة وتحطيم للثوابت بحثا عن صيغة جديدة تماما للحياة بعدما ثبت فساد الصيغة القديمة، وهي فعل عنيف (في الأغلب) على الرغم من أن هناك ثورات سلمية ، ودرجة عنفه تتوقف على الطاقة اللازمة لهز وتعتعة النظام القديم . والعنف لا يكون فقط جسديا وإنما هناك العنف المعنوي والعنف اللفظي. والثوار ليسوا سواء فمنهم من يتحلى بالعقل والحكمة والتخطيط الرزين سعيا نحو التغيير، ومنهم من هو ذو طبيعة نزقة مندفعة ولا يعتقد في الأصنام أو التابوهات ولا يحترم الرموز القديمة بل يميل لأن يحطمها بعنف، ولا يطأطئ رأسه للسلطة الأبوية ولا يقدس أشخاصا أو يرفعهم فوق النقد والمساءلة والجرح. والثائر من النوع الأخير يتميز بروح قلقة وغير ومستقرة وميل لتحطيم الثوابت الجامدة والمستقرة ، ومهاجمة أي سلطة مهما كانت، ولديه ميل للتصديق بأنه يمتلك الحقيقة المطلقة والطاهرة والنقية طالما أنه يضحي بحياته في سبيل إسقاط نظام فاسد، وهو مندفع لأن يثور مرات ومرات مشحونا بقوة سرية وسحرية أشبه بالطاقات الدينية والروحية الصوفية، وهو يجد سعادة في ذلك لا تدانيها سعادة حتى ولو طاله الأذى البدني والمعنوي، وقد يصاحب ذلك حالة من تضخم الذات وما يسمى بالدكتاتورية الثورية (كانت تزعج الناس وتغضبهم من شباب الثورة على الرغم من إعجابهم بهم في البداية). وفي هذه الظروف ربما لا يحتمل الشخص الثائر رأيا مخالفا أو نقدا لتوجهاته أو تصرفاته ، وهو في حالة شك في كثير من المحيطين به لأنه يتوجس من احتمالات الثورة المضادة لذلك فهو سريع الإشتباك والهجوم سواء لفظيا أو معنويا أو بدنيا، وإصبعه على الزناد دائما. والسلوك الثوري بطبيعته مندفع وقد لا يستطيع بعض الثوار التحكم في انفعالاتهم واستجاباتهم خاصة وأنهم يشعرون أنهم دائما على حق وأن الآخر المواجه لهم مخطئ أو متواطئ أو متآمر أو ينتمي إلى النظام القديم .
والتيار الثوري يكون أشبه بالطوفان لا يحتمل أن يقف في طريقه شئ أو أحد، ولا توجد فرصة للتفكير أو الإنتقاء فزمن الثورات قلق ومتوتر وغاضب ومتشكك ولا يحتمل التأني المنطقي ولا يحتمل التفكير الهادئ المتعقل بل يطلق القذائف مباشرة على أي هدف محتمل لأن هناك حالة من الشعور بعدم الأمان وحالة من انعدام اليقين وحالة من انعدام الثقة. وهناك مشاعر معينة تذدهر في وقت الثورات مثل الخوف والكراهية والحنق والطموح والحماس والغيرة والحذر، هذه المشاعر تنتشر وسط الناس وتؤدي إلى حالة من الجاهزية للعنف بكافة أشكاله.
والثورة تحمل من المعتقدات الصوفية أو السحرية أو السرية أكثر مما تحمل من المنطق (وهذا ليس عيبا في الثورات بل هو أحد أهم مصادر قوتها وشحنتها وقدرتها على التغيير)، وهذه المعتقدات تكاد تقترب من قوة المعتقدات الدينية في ثباتها واستعصائها على التغيير أو التعديل، فالناس الذين كانوا مستعدين لتقديم حياتهم ثمنا لما يعتقدون أنه صوابا وواجبا لن يترددوا في الزود عن ذلك بكل ما يملكون من قوة ولن يترددوا في دفع أي خطر حقيقي أو متوهم يقترب من معتقداتهم وتصوراتهم وتخيلاتهم (بصرف النظر عن صحتها أوخطئها). ويتكون العقل الجمعي محملا بمفاهيم غير قابلة للنقد والمراجعة ومحملا بمشاعر غضب ورفض وإحباط وعنف ومحتميا بالأعداد الغفيرة التي تتبنى نفس المواقف تجاه خطر الثورة المضادة التي تلوح في أشياء قد تكون حقيقية أو متوهمة. ويذوب الأشخاص في العقل الجمعي وفي المنطق الجمعي وقد تتغير صفاتهم، فمثلا الشخص الرقيق المهذب المتحفظ بطبيعته قد يتحول إلى شخص عدواني كثير السب والشتم، والشخص الخائف المتردد قد يتحول إلى شخص مغامر ومتهور، والشخص البخيل قد يصبح كريما جدا بما يتطلبه الموقف الجمعي. والعقل الجمعي الثوري شديد التحفز وشديد الحساسية وجاهز للإستنفار بشكل حاد وسريع، وهذا إن كان في الأوقات العادية يشكل عيبا في السلوك إلا أنه في وقت الثورات يشكل تهديدا للنظم القديمة التي قامت الثورة من أجل إسقاطها، إذ لو كانت الثورة هادئة ومهذبة ومنطقية ربما استحال إسقاط الأنظمة القديمة.
وفي زمن الثورات تكون هناك حالة من الإستقطاب الحاد والشك المتبادل وعدم الثقة بين الأطراف المختلفة، فالمجتمع قبل الثورة يكون قد عانى من حالة تمزق وتشرذم (كان يشجعها الطاغية لكي تستقر له الأمور) ومن هنا يسهل الاشتباك بين القوى المتعارضة خاصة مع وجود احتمالات عالية لأنشطة الثورة المضادة (بحق وحقيق) ولذلك تكون الأصابع متحفزة على الزناد لأي بادرة خروج محتملة على الخط الثوري كما يتصوره كل شخص شارك في الثورة ودفع ثمنا فيها أو تعاطف معها.
هذه هي الحالة النفسية للثوار في زمن الثورات، ورأينا كيف تصب في اتجاه الصراع والإشتباك والعنف (المعنوي أو اللفظي أو الجسدي)، يضاف إليها حال المجتمع المصري قبل وبعد الثورة، ومدى التدهور القيمي والأخلاقي الذي كان قد وصل إليه ورصدته دراسات وأبحاث محلية وعالمية (الأطر الحاكمة لسلوك المصريين عام 2009 م، ومسح القيم العالمي عام 2010م). إذن فنحن أمام حالة ثورية تدفع نحو التربص والحذر والجاهزية للإشتباك تتفاعل مع مجتمع تعرض لتدهور قيمي شديد، ويضاف إلى ذلك شيوع ثقافة ولغة العشوائيات والتي تفشت في السنوات الأخيرة وانعكست في لغة الشارع ولغة الأغاني ووصلت إلى الأعمال الفنية والأدبية الهابطة، وإلى لغة خطاب السياسيين والإعلاميين والمثقفين، حيث باتت لغة السب أو النقد اللاذع أو السخرية الجارحة أو الاستهزاء والإستخفاف هي دليل التحرر والعصرنة والروشنة والشبابية، أما اللغة المهذبة المحترمة الوقورة المنضبطة الأخلاقية فهي لغة العواجيز التنقليديين النمطيين الخارجين عن إطار الحياة الحية النابضة. ولغة السب والشتم لفرط شيوعها أصبحت هي اللغة المعتمدة ليس فقط في الصراعات والاشتباكات بل حتى في تعامل الإخوة والأخوات والأصدقاء والصديقات ، فمثلا تجد أحدهم يداعب صاحبه بألفاظ مثل : "يا زبالة ... يا معفن ... يا واطي"، بينما صاحبه يبتسم فرحا بزوال الحواجز والوصول إلى هذه الحالة من الحميمية الإنسانية. وحتى المحبين لم يعد بينهم تلك العبارات الرومانسية القديمة ولكن بينهم لغة خشنة تعبر عن قرب شديد وعن عشم زائد يسمح بسب الحبيب وربما ضربه.
فإذا أضفنا إلى ذلك عنصر المجهولية واللاإسمية المتاح في التواصل الإلكتروني فإننا هنا نكون أمام فرصة ذهبية للتعبير بحرية وصراحة وأحيانا بوقاحة عن كل ما يدور داخل النفس من صراعات وانفجارات وزلازل وبراكين، دون خوف من محاسبة قانونية أو أخلاقية أو مجتمعية.
ومن المعروف أن العنف هو نهاية متصل أوله الإحباط وأوسطه الغضب، إذن فتنامي العنف اللفظي في صورة سباب وشتائم على تويتر أو فيس بوك يعني أننا أمام بركان أو براكين إحباط وغضب لدى المصريين وهذا مفهوم تماما من الحالة المعيشية المتردية التي يعيشونها والتي تستوجب في وعيهم سب وشتم وتجريح كل من يعتقدون أنه سبب في ذلك سواء كان سياسيا أو إعلاميا أو مثقفا أو نخبويا، خاصة وهم يرون النخب والرموز تبيع رأيها وتبيع قلمها وتبيع موقفها وتتحول من موقف لآخر بشكل انتهازي، لذلك يرون أن هؤلاء يستحقون التربية بالمعنى المصري.
وهناك آليتان نفسيتان يدفعان نحو المبالغة في التجاوز على المواقع الإلكترونية وهما الإسقاط والإزاحة، ففي الإسقاط يقوم الشخص المهاجم بإنزال كل ما لديه من نقائص وعيوب ليلصقها بالضحية الذي يهاجمه وبذلك يستريح راحة مزدوجة إذ يشعر أنه بخير وأن غيره هو الخائن والعميل والمأجور والفاسق والداعر .... ، وأما الالإزاحة فتعني أن الشخص المهاجم لديه مشاعر وأفكار سلبية تجاه شخص ما أو جهة ما ولا يستطيع مواجهة الأصل لسبب أو لآخر فيتوجه بهذه المشاعر والأفكار تجاه هدف آخر (شخص أو جهة) فيصب عليه كل ماكان يحمله للهدف الأصلي، أي أنه يختار العدو الأسهل والمعركة الأسهل. وهذه دفاعات نفسية غير ناضجة يستخدمها أشخاص غير ناضجين ليصلوا إلى حالة من التوازن النفسي. وقريب من هاتين الآليتين توجد آلية أخرى ربما أكثر شيوعا في المجتمع المصري والمجتمعات العربية والمجتمعات المتخلفة حضاريا بوجه عام وهي آلية الإقصاء، وهي أن الشخص الذي لا يستطيع منافسة شخص آخر على المستوى الفكري أو العلمي أو العملي يقوم بإقصائه عن دائرة وعيه وذلك بتشويه صورته ومحاولة اغتياله معنويا حتى لا يراه ... وقد تصل الرغبة في الإقصاء إلى مداه فتتحول إلى الإلغاء وكأنه يمحو غريمه من الوجود لأنه لم يتعود في حياته على المنافسة الشريفة وعلى الرأي والرأي الآخر وعلى تحمل الإختلاف وتقبله واحترامه ، فهو لم يترب في البيت أو المدرسة أو مؤسسة العمل على ذلك وإنما تربى على حكم الفرد (الأب أو المدير أو الرئيس) والذي لا يحتمل آخر بجواره.
وهناك حالة من الاستقطاب المجتمعي الشديد على أسس طائفية أو مذهبية أو سياسية أو فكرية أو عقائدية، وهذا بدوره يؤدي إلى تمترس مجموعات من البشر خلف معتقداتها وتصوراتها وتكوين رؤية ذاتية شديدة الخصوصية وشديدة الانعزال (في الغرف المغلقة) تتنامى مع الوقت لتشكل أرضية خصبة لتصورات عنصرية عن الآخر بحيث يبدو كريها أو متآمرا أو خائنا أو فاسقا أو كافرا أو منفرا، وهنا يصبح هذا الآخر غير محتمل ولا يستحق الحياة، وتكون المعركة الأسهل لتصفية هذا الآخر هي السباب والشتم على مواقع التواصل الاجتماعي التي يأمن فيها الشخص من العقاب القانوني ويجد أعدادا هائلة من متلقي رسالته والمتجاوبين معها بناءا على قاعدة عنصرية لديهم تغذي ما تلقفوه.
وينطبق على المواطن العربي خصائص "سيكولوجية المقهور" الذي عانى من القهر السياسي والاستعباد والمذلة ولم يتعلم ممارسة الحرية بشكل مسئول، ولذلك حين تلوح أمامه فرصة للتعبير يندفع بتهور وغباء للتعبير الفج الخارج عن حدود العقل والاحترام، ويخرج من باطنه مخزون هائل من الإهانات المكبونة والمشاعر السلبية المختزنة والمتعفنة فيلقيها في الفضاء الإلكتروني كما يلقي المحصور فضلاته عند أقرب دورة مياه عمومية، وهذا الوصف يكاد يكون دقيقا إذ يتحول الفضاء الإلكتروني في بعض مساحاته إلى دورات مياه إلكترونية.
وهناك خلط كبير في العقلية العربية بين الاعتقاد والفكر، فالمعتقد شئ ثابت قد يأخذ طابع القداسة في نفس صاحبه وتكون لديه حساسية شديدة تجاهه وتجاه كل من يقترب منه، وقد يكون هذا المعتقد دينيا أو طائفيا أو مذهبيا أو سياسيا، أما الفكر فهو اجتهاد بشري يقبل النقد والمراجعة والتغيير والتطوير لصالح الوجود البشري على الأرض. وفي مجتمعاتنا تتسع مساحة المعتقد وتزداد الثوابت والمقدسات والتابوهات وتتقلص مساحة الفكر، وهذا يجعل التواصل مستحيلا، إذ أن صاحب المعتقد (بصرف النظر عن صحة أو خطأ معتقده) لا يقبل تغيير ذلك المعتقد، بل إنه يجد نفسه ملزما بإنكار وتسفيه المعتقدات الأخرى المخالفة له، وبذلك يتخندق خلف معتقده الشخصي أو الطائفي أو المذهبي أو الحزبي ليقاتل أصحاب المعتقدات الأخرى بهدف محوهم من الوجود الفعلي أو على الأقل محوهم من شاشة وعيه، ولا يتأتى ذلك إلا بتسفيه وتحقير الآخر بما يحمله من معتقدات مناوئة، وهكذا نظل في صراع أبدي لا ينتهي إلى أن تخور قوى المجتمع وينهار. ومن العبث أن تجادل أحد في معتقده، والعبث الأكبر هو أن يكون لديك أمل في تغيير ذلك المعتقد لديه، فالمعتقد يشكل عامل الثبات في الشخصية الاعتقادية (الدوجماتية) وحين يتزعزع تتصدع معه أركان تلك الشخصية. والشخص السوي يحتاج لمساحة من المعتقدات (الثوابت) في شخصيته، ولكنه يحتاج أيضا لمساحة مرنة من الفكر في الشخصية، تلك هي المساحة التي يتعايش بها مع الآخر ويستطيع تطويرها وتغييرها وتوسيعها دون حرج طبقا لاحتياجات الواقع وظروف الحياة. وفي المجتمعات المتحضرة تتوازن مساحات الإعتقاد ومساحات الفكر بشكل دينامي مرن أما في المجتمعات المتجمدة والمضطربة والمتصارعة حتى الموت فتتوحش فيها مساحات الإعتقاد على حساب مساحات الفكر .
ولما كان الفضاء الإلكتروني يحمل إمكانات التعبير الحر بلا سقف، هنا ظهرت درجة تحضر الشعوب ومدى مسئوليتها وهي تمارس حريتها ، صحيح أن التجاوزات والإساءات على الإنترنت موجودة في كل الثقافات والشعوب إلا أن توزيعها النسبي يميل للزيادة الواضحة والمخجلة في المجتمعات المتخلفة التي لم تترب على الحرية (أو لم تترب أصلا) فمارست الحرية بغشومية وتهور واندفاع وحمق وسوء أدب. يضاف إلى ذلك أن الشعوب المتخلفة لديها ما يسمى بوجهة الضبط الخارجي بمعنى أن تصورها للحياة أن الأمور تجري بتأثير عوامل خارج حدود مسئولية الشخص، بمعنى أن الأمور تسير بالصدفة أو بالحظ أو بالوساطة أو بالرشوة، أو بقوى خارجية ... وبناءا على وجهة الضبط الخارجية هذه لا يشعر الشخص بمسئوليته عما يحدث له أو ما يحدث في مجتمعه لذلك نراه يتوجه بالنقد واللوم والتأنيب والتبكيت والصراخ نحو أشخاص آخرين أو جهات أخرى على اعتبار أنهم هم المسئولين عن كل ما يحدث من كوارث أو أخطاء أما هو فلا. والشعوب التي من هذا النوع يغيب عنها ملكة العقل النقدي وتفحص الأفكار ووزنها، ويغلب عليها الإنفعالات الزائدة والميل لتفعيل الغضب وعدم القدرة على إدارة المشاعر .
والإنسان البدائي (كما المجتمعات البدائية) لا يعرف كيف يضبط نفسه ذاتيا وداخليا وضمائريا لذلك يحتاج لقوة ضبط وردع داخلي، وهذا غير متوفر حتى الآن في الفضاء الإلكتروني حيث لم تتشكل التشريعات والقوانين التي تضبط الجرائم الإلكترونية بشكل تفصيلي بعد في كثير من الدول، ولهذا يجد الإنسان البدائي المتخلف فرصة سانحة لإخراج فضلاته وإظهار سوءاته على الملأ طالما أنه لن يصاب بأذى مباشر، وهذا يستدعي مواصلة التفكير في إصدار تشريعات وقوانين محلية ودولية لمواجهة الجرائم الإلكترونية المختلفة بما فيها جرائم السب والقذف. وقد بادرت بعض الدول العربية مثل السعودية بإصدار بعض التشريعات فقد أقر مجلس الوزراء السعودي قانونا لمكافحة الجرائم المعلوماتية حيث فرض عقوبة بالسجن لا تزيد عن سنة وغرامة لاتزيد عن 500000 ريال أو بإحداهما على كل شخص يرتكب أيا من الجرائم المنصوص عليها في القانون.
وعلى قدر الرغبة في إصدار مثل تلك التشريعات المحلية تأتي المخاوف من استغلالها في بعض الدول لتقييد حرية التواصل وتبادل المعلومات وإبداء الرأي، تلك الحرية التي تميز الشبكة العنكبوتية والتي كسرت كل الحواجز السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية، ولكنها الطبيعة الإنسانية التي تحتاج للضبط كما تحتاج للحرية حتى تسير الحياة في أمان وتوازن وحتى لا تطيش الغرائز البشرية وتطيش معها المخلفات والفضلات من البدائيين المتخلفين فتلوث جو الحرية. لذلك فالأمل هو في تشريعات عالمية متفق عليها تحفظ الحرية وتحقق الضبط الرشيد.
واقرأ أيضا:
فتنة الجامعة... لا إقالة ولا استقالة / ليسوا مشايخ بل مجرمين / شخصية الغزالي / التدين الصراعي