المقدمة:
إن الحديث عن هذا الاضطراب الوهامي Delusional Disorder له أبعاد عدة تتجاوز الصحة النفسية، والدليل على ذلك قضية سفاح النرويج** الذي انتهت محاكمته في أوسلو يوم 22 آب. كانت إدانة هذا المجرم أمرًا لا يقبل النقاش وحتى الرجل نفسه لم ينكر جريمته بل وتفاخر بها أمام العالم أجمعه. كان في غاية الأناقة ولم ينطق بكلمة توحي بالشعور بالذنب من بعيد أو قريب. كان هناك استقطاب في الرأي حول الحالة العقلية للمجرم، فعلى النقيض من أي قضية جريمة في العالم سمع الجمهور لأول مرة الادعاء العام يطلب إدانته ووصمه بأنه مريض عقلياً بالاضطراب الوهامي، أما الدفاع فعلى النقيض من أي قضية جريمة يرفض ذلك.
الحالة العقلية المرضية وقت ارتكاب الجريمة تعني بأن المريض غير مسؤول عن أفعاله. لا يتوجه إلى السجن وإنما إلى وحدة آمنة Secure Unit للعلاج. الغالبية العظمى منهم يقضون بضعة سنوات تحت العلاج ويتم تأهليهم للعيش في المجتمع بعد ذلك. أما الأقلية ذوي الجرائم المروعة فقلما تسمح الجهة القانونية بخروجهم رغم طلب الجهات الصحية والدفاع، ويقضون حياتهم في مصحة نفسية. كان أمل الادعاء العام النرويجي أن يكون الطريق الثاني ضماناً لعزل هذا المجرم بدلاً من أن يأتي يوماً ما وتراه حراً يتجول بين الناس ويحتضنه اليمين المتطرف.
لكن على مستوى العامة كان هناك من يفضل إدانته عقلياً حيث يثبت ذلك بأن الكراهية والعنصرية المتطرفة لا مكان لها ضمن العقلاء في الغرب. أما أهل الضحايا فكانوا يفضلون العكس ويأملون بأن تتخذ السلطات الحكومية الخطوات اللازمة للقضاء على التطرف اليميني الذي أصبح وباءاً ينتشر بهدوء عبر القارة الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية..... أما الجواب الشافي للسؤال حول إصابة هذا المجرم بمرض عقلي فالإجابة عليه هي للقارئ. هذا المقال يتطرق إلى مصطلح الوهام Delusion والأمراض النفسية التي تصاحبه.
الوهام Delusion:
الوهام هو فكرة خاطئة False idea لكن هناك العديد من الأفكار الخاطئة أو الزائفة أو الكاذبة ولكي يتم تعريف هذه الفكرة كوهام لابد من توفر صفات أخرى فيها:
1- أن تكون معتقداً غير قابل للنقاش أو لا يقوى الفرد على التحرر منه.
2- يتعارض مع الخلفية الاجتماعية للفرد.
3- يتعارض مع الخلفية الحضارية للفرد.
على ضوء ذلك هناك كثيرٌ من الأفراد من أقليات عرقية في البلاد الغربية يتم تشخيص اضطرابات الذهان فيهم بدلاً من الاضطرابات الوجدانية، بعد حديثهم عن السحر والجن وغير ذلك بسبب الجهل بالخلفية الاجتماعية والحضارية.
هناك مصطلح آخر يكثر استعماله في الصحة النفسية وهو الفكرة المشابهة للوهام Delusion Like ideas. هذا المصطلح كثير الغموض أحياناً ويتم استعماله للتفريق بين الوهامات الصحيحة أعلاه الناتجة عن تجارب وهامية أولية Primary Delusional Experiences بينما يطلق مصطلح الفكرة المشابهة للوهام على الأفكار الناتجة من جراء تجارب نفسية مرضية ولذلك يطلق مصطلح الوهامات الثانوية Secondary Delusions عليها أحياناً.
التجارب الوهامية الأولية :
لكي يتم تعريف الفكرة بأنها وهام صحيح لابد من ولادتها عبر تجربة وهامية أولية كما يلي:
1- المزاج الوهامي Delusional Mood : تولد الفكرة عبر مرور الفرد بحالة مزاج أو وجدان تعرف بالمزاج الوهامي يمر الفرد بحالة مزاج تتصف بأن كل ما حوله غامض ويحتاج إلى تفسير ما. من جراء هذه الحالة الوجدانية تولد لدى الفرد فكرة يتخلص من خلالها من ذلك الغموض المؤلم نفسياً.
يجب توخي الحذر من تعريف التجارب الانفصالية Dissociative Experiences بأنها نوع من أنواع المزاج الوهامي. يستمر الإنسان خلال التجارب الانفصالية على الاتصال بالواقع ولديه إدارك ووعي قلما يصرح به عن مصدر القلق والضغوط النفسية والاجتماعية التي تواجهه.
2- الفكرة الوهامية المفاجئة Sudden Delusional Idea OR Autochthonous Idea : تولد الفكرة الوهامية بصورة مفاجئة أحياناً وتكون مكتملة وناضجة. يطلق مصطلح الفكرة الوهامية المفاجئة على هذه التجربة. تكمن مشكلة هذه التجربة هو صعوبة التحري عن فترة المزاج الوهامي ويمكن تشبيه الفكرة وكأنها طفل ولد بدون فترة حمل واضحة للعيان. من جراء ذلك لا يمكن الاعتماد عليها لتشخيص حالة الفصام ويمكن ظهورها في بعض المرضى المصابين باضطرابات الشخصية العدوانية Antisocial Personality Disorder .
3- الإدراك الوهامي Delusional Perception : هي الطريقة الأخرى التي يتم من خلالها ولادة الوهام. في هذه الظاهرة يتم ولادة الوهام من خلال تسلم إحساس ما قد يكون بصرياً أو سمعياً أو جسدياً وبعده يتم ولادة وهام يتعلق بالفرد الذي تسلم ذلك الإحساس. بعبارة أخرى، كما يقول شنايدر لابد من توفر ذراعي عضوية لهذه الظاهرة9: الذراع الأول هو تسلم الإحساس أو إدراكه وبعدها ولادة الوهام. لكي تكون الظاهرة هي إدراك وهامي لابد من عدم توفر تفسير لولادة الوهام يتعلق بالحالة المزاجية أو الوجدانية للفرد إضافة إلى عدم وجود تجارب سابقة يمكنها تعليل الظاهرة.
تكمن أهمية الإدراك الوهامي أنه علامة شبه مؤكدة على إصابة الفرد بالفصام أو الشيزوفرانيا. من الممكن بسهولة تحري وكشف التجارب الوهامية أعلاه برمتها في الفصام الحاد ولكن ليس في الحالات المزمنة...... بعدها تبدأ الوهامات بالدخول في مرحلة التنظيم Systemization وتصبح ثابتة الإطار والمحتوى ولا يمكن التخلص منها سواء كان ذلك بعلاج معرفي أو العقاقير إلا في القليل من الأفراد. رغم ذلك فإن الأعراض السلبية (أو السالبة) للفصام Negative Symptoms of Schizophrenia تبدأ باحتلال موقع الصدارة في حالة المريض بدلاً من الأعراض الإيجابية (أو الموجبة) Positive Symptoms of Schizophrenia مثل الوهامات والهلوسة Hallucinations .
عند هذه المرحلة من المقال كان التركيز على إطار الفكرة الوهامية وهذا ما يشغل بال الطبيب النفسي لأن الكشف عنه يساعده في التحري عن مرض الفصام أو الشيزوفرانيا الذي يعتبر بلا منازع أشد الأمراض النفسية قاطبة..... لكن ما يكشف عنه الطبيب النفسي وغيره في معظم الأحيان هو محتوى الفكرة التي اتخذت إطارا وهاميا وهذا ما نشير إليه في الطب النفسي بقولنا أن لكل فكرة إطارا ومحتوى.
محتويات الوهامات
يتوجه انتباه الطبيب النفسي أكثر إلى محتوى الوهامات بدلاً من تطورها وطريقة ولادتها. في هذه المرحلة يتم استعمال مصطلح الوهام للإشارة إلى إطار الفكرة دون الإشارة إلى كونها أولية أو ثانوية المنشأ. هنالك البعض من علماء النفس يعتبرون أن كل وهام هو ثانوي المنشأ ولد وترعرع من جراء عملية نفسية قد تكون ذهانية أو مزاجية أو عضوية. قد تولد الوهامات نتيجة هلوسة سمعية تقول للفرد بأنه المسيح الجديد أو المهدي المنتظر وأن حل جميع مشاكل الأرض سيكون على يديه. في هذه الحالة نطلق على الوهام مصطلح وهام العظمة Grandiose Delusion . هذا الوهام قد يولد أيضاً نتيجة مرحلة من الهوس Mania في اضطراب الثناقطبي Bipolar Disorder ويختفي بعد تماثل الفرد للشفاء عكس الفرد المصاب بالفصام. يضاف إلى ذلك أن المريض المصاب بالهوس قلما تكون وهاماته بنفس الدرجة من القناعة عكس المصاب بالفصام وتراه كثير المزاح والتهور. أما المريض المصاب بالفصام فأكثر ما يفعله هو الوقوف على الأرصفة يعض الناس مرتدياً الملابس البائسة ولا أحد يعير له انتباهاً.
أما إذا كان الوهام يتعلق بسوء حالة الفرد صحياً فنستعمل تعبير وهام اعتلال الصحة Delusion of Ill Health وإن كان الوهام حول قرب إفلاسه والعيش فقيراً مدقعاً فنطلق تعبير وهام الفقر Delusion of Poverty . هذه الوهامات أكثر شيوعاً في الاكتئاب الذهاني Psychotic Depression ويجب التحري عن هذا الاضطراب الوجداني في جميع المرضى الذين يشكون من هذه الوهامات وخاصة بعد العقد الرابع من العمر. يعود السبب في ذلك إلى استجابة هذا الاكتئاب للعلاج أكثر من غيره.
أما وهامات الاضطهاد Delusions of Persecution فهي أكثر الوهامات شيوعاً6 وفيها يتصور المريض بأنه تحت المراقبة والسلطات الأمنية لا هم لها إلا مراقبته. يظن أحياناً بأن هناك مخططاً لوضع السم له في الطعام واغتياله وينتهي الأمر به مضرباً عن الطعام والاختلاط ببقية البشر. والقاعدة العامة للتفريق بين الأمراض النفسية التي تصاحب وهامات الاضطهاد هي:
1- إذا كان الوهام مزمناً، كثير الغرابة في الوصف، وتصاحبه أعراض سلبية (أو سالبة) للفصام فإن التشخيص هو الفصام أو الشيزوفرانيا.
2- إذا كان الوهام قصير العمر، وتصاحبه أعراض اكتئاب وحديث المريض بأنه يستحق الاضطهاد فالاكتئاب هو التشخيص.
3- إذا كان الوهام هو العرض المرضي الوحيد ولا يزال الفرد يمارس حياته بصورة طبيعية فتشخيص اضطراب الوهامية Delusional Disorder هو الأكثر احتمالاً.
وهامات الذنب Delusions of Guilt تتميز بالشعور المفرط بالذنب. يمكن التفريق بين الأمراض النفسية المختلفة التي تؤدي إلى هذه الوهامات في ما ورد أعلاه. وهناك بعض الأفراد الذين يرتكبون ذنباً في صغرهم ويتم تجاوزه مع العمر. ثم عند الإصابة بالاكتئاب مع تقدم العمر يتم وضع هذه التجربة في إطار وهامي وتصبح العلامة الأكثر تمييزاً للمرض. يجب الانتباه هنا إلى أن إطار الفكرة دون محتواها هو المهم وكون أن التجربة حدثت لا يعني أن الفكرة غير وهامية. يتم التخلص من الإطار الوهامي للفكرة مع العلاج ولكن على الطبيب النفسي أن يتوخى الحذر من تساؤل الأقارب حول حديث المريض وإن كان قد حدث بالفعل وغير ذلك. يجب الإصرار على أن كلام المريض وشعوره بالذنب هو نتيجة الاكتئاب بدلاً من القول بأن خطيئة الماضي هي سبب الاكتئاب. هذا ما يطلق عليه أحياناً مصطلح المعقولUnderstandable 5 لتطور بعض الأفكار في الشخصيات الحساسة من أفكار طبيعية إلى وسواسية وبعدها يتم وضعها في إطار وهامي.
أما وهامات الحب Delusions of Love فهي لا تخلو من الخطورة وتتعلق دوما بشخصيات فنية أو مهنية مشهورة أو ذات أهمية يتصور المريض بأنها تحبه والناس تبذل الجهد الكبير في منع الأحبة من اللقاء (انظر مقال الحب وجنون الحب) 8.
وهامات الغيرة Delusions of Jealousy فهي أكثر الوهامات الخطورة. إن تعبير الغيرة قد لا يكون مرضياً للكثير من العاملين في الصحة النفسية لأن هذه الكلمة شائعة الاستعمال بين الناس ولا تعني بالضرورة حالة مرضية. في مجال الطب النفسي الفرنسي القديم يعتبر الإشارة إلى غياب الغيرة حالة مرضية بحد ذاتها. على ضوء ذلك تم الاستعاضة هذه الأيام بتعبير وهامات الخيانة الزوجيةDelusions of Infidelity 7 والتعبير الأخير أكثر دقة ويتوازى مع الممارسة السريرية على أرض الواقع. رغم أن وهامات الخيانة الزوجية قد تظهر في أي اضطراب ذهاني فهي كثيرة الولادة في بعض الأفراد الذين يعانون من الإدمان على الكحول والإفراط في الحساسية الشخصية. يتصور البعض أن الضعف الجنسي الناتج عن استعمال الكحول يؤدي إلى استعمال عملية دفاعية نفسية غير شعورية نطلق عليها الإسقاط Projection وذلك يعني إسقاط اللوم على الزوجة (أو الزوج) بتفكك العلاقة الجنسية من جراء علاقة جنسية غير شرعية. من أهم مظاهر هذه الوهامات هو السلوك المصاحب لها فترى المريض منهمكاً بالعثور على أدلة لحدوث فعل جنسي لشريكته مثل فحص الملابس وتفسير كل تصرفاتها على ضوء حدوث علاقة جنسية مع شخص آخر. يجب أن يتجاوز الطبيب النفسي الحدود المهنية إذا لزم الأمر ويخبر الضحية بهول الحالة المرضية لأن بعض المرضى ينتهي الأمر بهم بارتكاب جريمة. والقاعدة الأخيرة تنطبق كذلك على وهامات الحب. يطلق على وهامات الغيرة أحياناً بمتلازمة عطيل Othello Syndrome نسبة إلى مسرحية تاجر البندقية لشكسبير.
أما وهامات الانعدام Delusions of Nihilism أو وهامات اللاوجود Delusions of Negation فغالباً ما يطلق عليها متلازمة كوتارد Cotard’s Syndrome . ومع هذه الوهامات ينكر المريض وجود جسده أو عضو فيه أو عقله أو حتى وجود من يحب حوله. غالباً ما تكون المتلازمة جزءً لا يتجزأ من اضطراب اكتئابي ذهاني ولكن قد تظهر أحياناً في الشيزوفرانيا وفي اضطرابات أخرى.
هناك أنواع أخرى من الوهامات لم يتم التطرق إليها أعلاه حيث أن المقال سيتركز على اضطراب الوهامية. وأما أنواع الوهامات الأخرى فيمكن الاطلاع عليها في مقالة على هامش الشيزوفرانيا9.
تشخيص الاضطراب الوهامي Diagnosis
يمكن الرجوع إلى تشخيص هذا المرض حسب اللوائح المدرجة في مجلدات تصنيف الأمراض النفسية 2، 4 ، ولكن القواعد العامة للوصول إلى التشخيص سريرياً هي:
1- عدم وجود أي علامة من الأعراض المرضية للشيزوفرانيا.
2- الوهامات يجب أن لا تكون عجيبة Bizarre .
3- عدم وجود إشارة إلى أن الوهام ناتج عن اضطراب وجداني.
4- عدم وجود إشارة إلى أن الوهامات ناتجة عن تعاطي المواد الكيمائية أو العقاقير أو حالة مرضية طبية.
5- يجب أن يكون أداء المريض خارج نطاق الوهامات طبيعياً.
متى ما طبقت القواعد الخمسة الماضية سينتهي الأمر إلى تشخيص حالة مرضية تتميز بأنها نادرة لسببين:
1- أن هؤلاء المرضى لا يحتاجون إلى علاج ما دامت وهاماتهم لا تشكل خطراً على الآخرين.
2- أن هؤلاء المرضى لهم تمام الثقة بأن عقولهم أكثر سلامة من غيرهم.
إن الصعوبة في تشخيص المرض وتعريفه تؤدي إلى تغيير التشخيص على المدى البعيد في 25% من الحالات إلى اضطرابات وجدانية أو شيزوفرانيا... إن طبيعة المرض وتشخيصه تفسر ندرة انتشاره إذ تتراوح نسبته من 0.025% إلى 0.03% بين السكان وهو أقل انتشاراً بكثير من الشيزوفرانيا (1%) أو اضطرابات المزاج (5%) . معدل عمر المريض هو 40 عاماً ولكن يمكن مشاهدة المرض بين 18 عاماً حتى العقد العاشر من العمر، وهناك زيادة طفيفة في النساء مقارنة بالرجال. وهامات الحب أكثر شيوعاً في النساء بينما وهامات الاضطهاد أكثر في الرجال.
يمكن تلخيص عوامل الخطورة بالإصابة بهذا المرض كالآتي:
• تقدم العمر وما يصاحبه من ضغوط اجتماعية وانعزال. يعيش الإنسان في وقتنا هذا في مجتمع لا يصعب تصنيفه بمجتمع كاذب مضطهد على حد تعبير نورمان كاميرون1. وقد نشر هذا العالم الاجتماعي مقالته أيام الحرب العالمية الثانية متحدثاً عن مجتمع كاذب بكل معنى الكلمة لا يولد عند الفرد إلا توقع الاضطهاد بعد الآخر بطرق وصفها بالسادية. يضج المجتمع بتفاعلات اجتماعية لا تعرف الثقة وتؤكد الشك وتنصح بالعزلة الاجتماعية لاتقاء العقاب. إذا لم يكن المرء ضحية الاضطهاد فتراه منهمكاً بالحسد والغيرة يقضي عمره يراجع نفسه ويراقب الآخرين ولا يزداد إلا قلقا وهموماً. لا عجب أن ترى كثرة استعمال مصطلح وهام النفس Self-Delusion وربما افلح الكاتب المسرحي آرثر ميلر Arthur Miller بالتعبير عنها في شخصية ويلي لومان Willy Loman في رائعته موت بائع Death of a Salesman وهذه الأيام كلنا نعمل في بيع الخدمات في مجتمع لا يعرف الرحمة.
• انخفاض الفعالية الحسية وخاصة البصرية والسمعية.
• تاريخ عائلي للمرض.
• حساسية في التفاعلات الشخصية الاجتماعية الناتجة من صفات الشخصية الفردية.
• الهجرة Immigration : تكثر ملاحظة هذا الاضطراب أو بالأحرى تشخيصه في المهاجرين من بلد إلى آخر لأسباب واضحة. ربما يمر المهاجر بمراحل عدة في رحلة البقاء في البلد الذي هاجر إليه. في بداية الأمر يشعر بالأمان بعيداً عن بلده الأم إن كان لاجئاً أو يشعر بالغربة الشديدة إن كانت هجرته طوعية. في المرحلة الثانية يشعر بأنه جزء لا يتجزأ من المجتمع الجديد. تمر الايام و يدرك في المرحلة الثالثة بأنه جسم غريب في هذا المجتمع شاء ام ابى. يضاف الى ذلك بان المهاجر له أبعاده الحضارية التي قد لا تتلاءم ولا يمكن دمجها بالمجتمع الجديد ويتم تصنيف افكاره بالوهامية.
هناك عوامل بيولوجية تم دراستها لتحديد موقع هذا الاضطراب في الدماغ ولكنها تحتاج إلى أكثر من إعادة لتثبيتها وتتميز بقلة عدد المرضى المشاركين في الدراسات ناهيك عن الدقة في التشخيص. أما نظرية فرويد المتعلقة بالاضطراب الزوراني التي تؤكد على استعمال الإسقاط Projection كعملية دفاعية ضد المثلية الجنسية الكامنة والمتخفية عن الفرد فهي مبنية على حالات مرضية نادرة خضعت لتحليل نفسي لا يمكن تثبيته علمياً ومليئة بآراء شخصية فلسفية أكثر منها علمية.
أما التشخيص الفارقي لاضطراب الوهامية فهو بالأحرى تشخيص فارقي للفكرة الوهامية. متى ما وجدت أعراض عضوية يتم تشخيص اضطراب عضوي نفسي. متى ما وجدت علامة من علامات الشيزوفرانيا يكون الحديث عن المرض الأخير وليس اضطراب الوهامية رغم أن هناك تعبيرا شائعا يجمع بعض اضطرابات الشخصية الفصامية النوع Schizotypal واضطراب الوهامية تحت مظلة الشيزوفرانيا. إن اضطراب الوهامية ليس مرحلة بدائية لاضطراب الشيزوفرانيا أو غيره وإنما اضطراب مزمن له صفاته المرضية الخاصة.
أما اضطراب المزاج فقلما ترى الوهامات مزمنة وجميعها مطابقة للحالة الوجدانية للمريض Mood Congruent الأهم من ذلك أن وجود هذه الوهامات تعلن عن زيادة احتمال استجابة المريض للعلاج. على ضوء ذلك ترى الطبيب النفسي أحياناً يعطي العقاقير اللازمة لعلاج اضطراب المزاج حتى وإن كان غير متأكدٍ من وجود اضطراب وجداني.
وأما الأمراض العصابية فهي واضحة للمريض والطبيب على حد سواء ولكن هناك بعض الإسراف في تصنيف المعتقدات الوسواسية على أنها وهامات. أما اضطرابات الشخصية فلا يصعب تحري بدايتها إلى أعوام المراهقة ولا يصعب كذلك الكشف عن وجود أفكار وهامية اضطهادية.
عند النقطة الأخيرة لابد من المرور سريعاً على استعمال اضطراب الوهامية على الكثير من الطغاة الذين رحلوا أو سيتم رحيلهم عن الشعوب الذي تسلطوا عل رقابهم من بغداد إلى تونس وليبيا وزمبابوي وغيرها من بلاد العالم. هؤلاء الطغاة مجموعة منحرفة من البشر وربما ولدت وهامات العظمة واضطهاد الناس في أذهانهم، ولكنه من المجحف الحديث عنهم في مجال الصحة النفسية احتراماً للمهنة والمرضى المراجعين للعلاج.
العلاج:
لابد من التركيز أولاً على تقدير المخاطر الناتجة من هذا الوهامات على المريض وغيره كما تم التطرق إليه أعلاه وخاصة في وهامات الحب والخيانة الزوجية. غير أن هناك من المرضى من يتأثر بالوهامات وجدانياً وهذا بدوره يؤدي إلى اكتئاب ثانوي شديد يحتاج إلى علاج. في حقيقة واقع الممارسة المهنية فإن باب الاضطراب الوجداني الثانوي يساعد على علاج المريض بالعقاقير المضادة للاكتئاب والعقاقير المضادة للذهان في آن الوقت. في غياب المخاطر على الآخرين التي تفتح باب العلاج الإجباري، وخطر الانتحار من جراء الاكتئاب الثانوي، لا يوجد مدخل على أرض الواقع يُسَهل علاج هؤلاء المرضى وتصبح مسؤولية احتواء سلوكهم من اختصاص الجهات القانونية وليس الطبية.
أما العلاج المعرفي فحاله حال العلاج بالعقاقير المضادة للذهان. يمكن إعطاء هذا العلاج في ظل ظروف العلاج الإجباري للمريض في مصحة نفسية ولكن لابد من إعطاء العقاقير المضادة للذهان. يضاف إلى ذلك بأن سلوك هؤلاء المرضى يبقى طبيعياً للغاية خارج نطاق الوهامات وهم يملكون القدرة على تضليل المعالج النفسي بسهولة ناهيك عن المراوغة بعد الأخرى بعدم تناول العقاقير وكثرة شكواهم من أعراض جانبية لا يعانون منها ويطلعون عليها في الإنترنت.
يجب توخي الحذر من العلاج النفسي الفردي للمرضى المصابين بوهامات الحب. بعد الجلسة العلاجية الواحدة بعد الأخرى يتحول حب المريضة أو المريض من الضحية الأولى إلى المعالج النفسي ومن الأفضل أن يتم توفير العلاج رجلاً لرجل والمرأة للمرأة وإن كان ذلك ليس آمناً جداً.
ليس هناك عقار مفضل من العقاقير المضادة للذهان في علاج اضطراب الوهامية غير أن كاتب هذه السطور ومن جراء الممارسة المهنية يرى أن عقار الأميسلبرايد Amisulipride أكثر العقاقير فعالية وبجرع لا تتجاوز 50 – 100 مغم مرتين في اليوم. التحدي الأكبر بالطبع هو إقناع المريض بتناول العقار.
عودة إلى سفاح النرويج:
إن تصنيف سفاح النرويج كمريض مصاب بمرض عقلي يظل أمراً في غاية الصعوبة. لو كان الأمر كذلك لتنصل الكثير من المجرمين من جرائهم العنصرية بحجة المرض العقلي. لكن كاتب السطور له رأيه الخاص في شيوع هذه الكراهية العنصرية في الغرب والشرق من العالم والسبب هو كثرة استعمال اللغة الخبيثة من اليمين المتطرف في الغرب والغلاة من معتنقي العقائد الدينية.
تتحدث رواية من جنوب شرق آسيا عن ستة رجال عميان أمسكوا بفيل. الرجل الذي أمسك بخرطوم الفيل تصور أنه حبل، والذي أمسك بذيله أدرك أنه ثعبان، والذي امسك بساقه تصور أنه عامود، وهلم جرا. هذا هو حال المجتمعات في عصرنا هذا عند البحث عن أسباب العنف ومحاولة معالجتها.
يحدث الكثير من الخلط في فهم معنى الحرية في ظل مناخ ديمقراطي. لا شك أن حرية أي فرد في المجتمع ترتبط بمسؤولية السلوك ولا يمكن طلاق المسؤولية من الحرية في أي مجتمع بشري ولكن الكثير يحاول فصل حرية الكلام عن هذه القاعدة الوجودية التي لابد لأي إنسان أن يتجاوزها عند وصوله إلى عمر البلوغ. ترى الكثير يدافع عن حرية الكلام ويرفع أعلام الثورة الفرنسية بأن الدفاع عن حرية الكلام واجب مقدس طالما أنه لا يحرض على القتل ولا يتضمن السب والشتم. لكن خلو الكلام من السب والشتم، والتحريض المباشر على العنف لا يعني أنه كلام سليم ولابد من دراسته بدقة والتأكد من خلوه من خلايا خبيثة والتي مهما كان عددها قليلا لا يعني إلا أنه كلام خبيث يؤدي بدوره إلى أمراض اجتماعية لها مضاعفات أشد قسوة إن تفاعلت مع ظروف اجتماعية، اقتصادية، نفسية، وفكرية. إن هذه الظاهرة المرضية شائعة في أنحاء المعمورة شرقا وغربا، وقد انتشرت بصورة وبائية مع تقدم وسائل الاتصال الإلكتروني حتى أصبح علاجها أو بالأحرى استئصالها صعبا للغاية.
ما حدث في مدينة تكسون في الولايات المتحدة الأمريكية يوم الثامن من كانون الثاني 2011 لكابريل كفوردس عضوة مجلس النواب كان نتيجة حتمية للغلو في استعمال اللغة الخبيثة علنياً وتحت قيادة الجمهورية المتطرفة سارة بيلن والتي تأمل في دخول البيت الأبيض يوماً ما 2013. كانت الخلايا الخبيثة في كلامها في كل مكان وبالذات موجهة ضد كابريلا كفوردس الديمقراطية والتي حصلت على ثقة سكان مدينة أريزونا في الانتخابات الأخيرة. ليس هناك شك في أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش في حالة هستيرية تحت ظل ظروف اقتصادية صعبة ومجتمع يمكن وصفه بالكاذب كما تطرقت إليه أعلاه.
لا يقتصر وجود اللغة الخبيثة على بريطانيا وأمريكا وإنما انتشرت في أنحاء أوروبا مع تكاثر شعبية اليمين المتطرف في بلاد كان يصعب يوما ما تصور أن ذلك ممكن أن يحدث فيها مثل هولندا وبلجيكا وألمانيا وغيرها. لم تتورع أنجيلا ميركل من التطرق إلى الشك في ولاء الجالية التركية في 2010 من أجل كسب الأصوات البرلمانية، وترى ساركوزي كان يطلق الخلايا الخبيثة في الكلام بين الحين والآخر للتغطية على فشل إدارته وقلة شعبيته بين الناخبين الفرنسيين. ومعظم الكلام الخبيث في أوروبا موجه ضد المُعرفة هويتهم إسلاميا رغم أن بلاد أوروبا برمتها بلاد علمانية.
إن اللغة الخبيثة كثيرة الانتشار أيضاً ضمن الأقليات الإسلامية في أوروبا وأمريكا متمثلة في استعمال تعاير دينية مثل الكفار، الجهاد، الشهادة وغيرها. إن انتشار استعمال اللغة الخبيثة في العديد من المراكز الإسلامية والجوامع ربما كان عاملاً في استقطاب الكثير من الشبان والشابات الذين يعانون من عدم التوازن في الشخصية وبالتالي تجنيدهم للقيام بأعمال إرهابية في غاية البشاعة.
يقابل استعمال اللغة الخبيثة من قبل الإسلاميين شيوعها في الأقلام المعادية لهم وباللغة العربية ذاتها. تتميز هذه اللغة الخبيثة بصراحتها وشيوعها بعد مجازر الحادي عشر من أيلول ولأسباب انتهازية تحمل أعلام العلمانية، مثل كتابات وفاء سلطان ودعوتها علنياً بتصفية المسلمين في إحدى مقابلاتها الإعلامية. نشرت وفاء سلطان على موقع عربي في عام 2010 ثلاثة مقالات تبرر فيها طريقتها في الكتابة ومحتواها. في إحدى هذه المقالات تمثلت بامرأة أمريكية أشهرت سلاحها عندما حصل شك في ذهنها بأن والدي الطفلة يحاولون اختطافها بدلاً من اللعب معها، واعتبرت ذلك مثلاً للتطور الاجتماعي والحضاري للشعب الأمريكي بدلاً من استنكارها لشيوع السلاح في بلد لا يخلو من ارتكاب المجازر بحق الأطفال في ساحات التعليم سنوياً بسبب شيوع السلاح وحمله علنياً وما على القارئ الكريم إلا مراجعة ذاكرته عن المجازر في بعض المؤسسات التعليمية في أمريكا.
أما أغرب مثال للكلام الخبيث فهي الأكاذيب حول صلب المعادين للحكومة في مصر3 على أشجار القصر الرئاسي المصري وهي سلسلة من العديد من الأكاذيب التي تملأ الصحف والمواقع الغربية منذ تسلم مرسي السلطة في مصر وكان أولها مخطط تدمير الأهرام. كانت بدايه نشر أكذوبة الصلب هي قناة سكاي نيوز العربية الممولة كذلك من الخليج العربي ورغم أن الخبر تم سحبه من الموقع ولكن لم يسمع أحد من هذه القناة أو من مصادر إعلامية عربية التصدي لهذه الأكاذيب لكن رغم ذلك لم يتوقف بعض المفكرين من جامعة أكسفورد بالتصدي لأكاذيب الصلب وتدمير الأهرام بشدة قضت على هذه المزاعم ولكن المؤسسات العربية الفكرية العربية العلمانية منها أو الدينية فتراها اليوم في نوم عميق غافلة عن توقيت ساعة التنبيه كي تصحو من نومها.
** أندرس بيرينغ بريفيك Anders Bering Brevik
المصادر:
1- Cameron N(1943). The Paranoid Pseudocommunity. American Journal of Sociology.
2- Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders. TR (2000). American Psychiatric Association.
3- Ibrahim R(2012). The Muslim Brotherhood crucifies opponents, attacks secular Media. Investigative Project on Terrorism.
4- The ICD 10(1993). World Health Organization.
5- Jaspers K (1997). General Psychopathology (translated). John Hopkins University Press.
6- Munro A (1999). Delusional Disorder: Paranoia and Related Illnesses. Cambridge University Press.
7- Todd J Dewhurst K (1955). The Othello Syndrome A study in the Psychopathology of sexual jealousy. The Journal of Nervous and Mental Diseases.
8- سداد جواد التميمي (2012) . مقال الحب وجنون الحب. موقع مجانين.
9- سداد جواد التميمي(2012). على هامش الشيزوفرانيا موقع مجانين.
واقرأ أيضاً:
مقالات عن الفصام والوهام / الفصام والوهام Schizophrenias & delusions