يعتبر التوصيل العصبي Nerve Conduction مهمة أساسية لعمل الجهاز العصبي إذ يعتمد الجهاز العصبي في عمله على مرور السيال العصبي Nerve Impulse عبر الألياف العصبية وبين الخلايا العصبية، وينتقلُ جهد الفعل Action Potential من عصبون (خلية عصبية) إلى عصبون بواسطة الانتشار المحليّ للتيار عبر المحوار Axon وترجعُ قدرَةُ المحوار على الحِفَاظ على تيّار جهد الفعل إلى آليةِ الارتجاعِ الإيجابي لتنشيطِ قنوات الصوديوم. واستخدامُ الانتشارِ المحلي للتيار يضعُ بعض القيودِ ليس فقط على سرعةِ التوصيلِ وإنما أيضا يؤثرُ في نقَاء أو دِقَّةِ الإشارةِ العصبية المنقولة، ويَتَغَلَّبُ الجهاز العصبي على تلك القيودِ بعزْلِ الألياف العصبية فوق قطر معين بالميالين الذي تقْطَعُهُ عقد رانفييه Nodes of Ranvier في نقاط متتالية.
وفي المحوار عديمِ الميالين Unmyelinated Axon يؤدي جهد الفعل في نقطة ما إلى إزالةِ استقطابِ الغشاء مباشرة أمام تلك النقطة، ونظريا خلفَها أيضا، إلا أن الغشاء في تلك النقطةِ الخلفيةِ يكون في دورِ الحِران Refractory Period وبالتالي ينتقلُ جهدُ الفعل في اتجاه واحد ، ونظرا للمقاومَةِ العالية للهيولى Cytoplasm داخلَ المحوار يمرُّ التيارُ تفضيليا عبرَ الغشاء المحواري ويكونُ في أشدِّ قوته في النقطة الأقربِ لجهد الفعل، ومع أن توصيلَ السيال أو التدفع العصبي يكونُ عمليا ودقيقا في المحاوير عديمةِ الميالين خاصة في الألياف العصبية دقيقةِ القُطْرِ حيث تكونُ المقاومة الهَيُولية الداخليةُ عالية جدا، إلا أنه رغم ذلك يكون بطيئا.
ويستطيع الجهاز العصبي زيادةَ سرعةِ التوصيلِ إما بزيادة قطْرِ المحوار (وأفضل الأمثلة على ذلك هو محوار الحبَّارِ الضخمِ الذي يبلغ قطره ~1 ميلي متر) أو بعزْل المحوارِ بمادة عاليةِ المقاومةِ كغشاء الميالين الغني بالشحوم، وتَتبِعُ عمليةُ التوصيل في المحاوير المُغَلفةِ بالميالين نفس خطواتِ التوصيلِ في المحاوير عديمةِ الميالين ولكن مع اختلاف حاسم هو أن تيَّار جهدَ الفعلِ المُتَقَدِّمَ عبرَ المحوار المُغلَّف وفي مواجهةِ المقاومةِ العاليةِ جدا والمُوَاسَعَةِ المُنْخَفِضَةِ لغلاف الميالين يمرّ ذلك التيّارُ المزيلُ للاستقطابِ عبر هيولى المحوار إلى أن يصلَ إلى النقطةِ منخفضةِ المقاومة عند عقدةِ رانفييه ذاتِ الكثافةِ العاليةِ لقنواتِ الصوديوم ليُوَلِّدَ جهدَ الفعل عندها، وبالتالي يبدو جهدُ الفعل وكأنما يقفزُ من عقدة رانفييه إلى العقدة التي تليها على طول المِحوار وهي العمليةُ التي تُسَمّى بالتوصيلِ القفزي Saltatory Conduction ومِيزة التغليف بالميالينِ هي سماحهُ بهذا النوع من التوصيل السريعِ مع تقليلِ المُتَطَلَبات الاستقلابيةِ من خليةِ العصبون، ولولا هذا النواع من التوصيل العصبي لكان من الصعوبة والبطء بمكان أن تصل الإشارة العصبية من المخ إلى عضلة طرفية، كذلك يزيدُ التغليفُ بالميالين من سِعَةِ الحَشْوِ للجهاز العصبي، فكثير من الأليافِ سريعةِ التوصيلِ يمكن أن تُجْمَعَ في عصب صغير، ولذلك فإن كل المحاويرِ التي يزيد قطرُ الواحد منها عن ~1 ميكرومتر مغلفةٌ بالميالين.
وتظهرُ اختلالاتُ النقل العصبي إكلينيكيا عندما يحدث تمزيقٌ أو اعتلالٌ لغلاف الميالين فمثلا في الجهاز العصبي المحيطي في حالاتِ الاعتلال العصبي الالتهابي مزيلِ الميالين كمتلازمةِ جيان باريه Guillain-Barre Syndrome، وفي الجهاز العصبيّ المركزي في حالاتِ التصلُّب المتعدد Multiple Sclerosis ففي كلا الحالتينِ يحدثُ فقدٌ لغلافِ الميالين خاصة في المناطق المجاورةِ لعقد رانفييه مما يؤدي إلى تعريةِ القنواتِ الأيونية، كما يقلّلُ طولَ المنطقةِ المعزولة من المحوار، والنتيجةُ هي أن على جهدِ الفعل المُنْتَقِلِ عبر المحوار أن يزيلَ استقطابَ منطقة أكبر من غشاء المحوار، جزءٌ منها ليسَ عاليَ القابليةِ للاستثارة مثلما هو الحال عند عقدِ رانفييه الطبيعيةِ لأنه يحوي قنواتِ صوديوم أقل، ونتيجةُ ذلك هي إبطاءُ نقل جهد الفعل وإذا كان زوال الميالين وخيما بما يكفي فإنه يؤدي إلى تَوْهِينِ نقل جهد الفعل إلى حدِّ العجزِ عن نقله، وهو ما يُسَمّى إحْصار التوصيل Conduction Block .
المشابك العصبية Neuronal Synapses :
المِشبكُ العصبي Synapse هو الموْصِلُ الوظيفي الذي عنده يتصلُ العصبون بخلية أخرى، وتكون هذه الخلية في الجهاز العصبي المركزي عصبونا آخر وفي الجهاز العصبي الطرفي قد تكونُ عضلةً أو خلية غُدِّيَّة أو أيّا من الأعضاء، والمِشبكُ العصبي المثاليُّ في الجهاز العصبي هو مشبكٌ كيميائي يتكونُ من: نهايةِ محوار قبل مشبكية Presynaptic فلج مشبكي Synaptic Cleft وغشاءِ الخلية بعد المشبكية Postsynaptic وأما الفلح المشبكي فهو الفراغُ الفاصل بين النهايةِ قبل المشبكية وغشاء الخلية بعد المشبكية، وفيه ينتشرُ الناقلُ العصبي الكيميائي المُفْرَزُ من نهايةِ المحوار قبل المشبكية .
والمشبكُ العصبي المثالي يكونُ بين نهايةِ محوارِ عصبون وتغصُّنِ عصبون آخر (مشبك محواري تغصُّني Axodendritic Synapse ) وذلك رغمَ وجودِ مشابكَ عصبية تكونُ نقطةُ التواصلِ فيها بين المحوارِ قبل المشبكي والخلية بعد المشبكية موجودة على جسد الخلية بعد المشبكية نفسه (مشبك محواري جسدي Axosomatic Synapse )، أو _وإن كان بنسبة أقل_ تكونُ قبلَ نهايةِ محوارِ خلية أخرى (مشبك محواري محواري Axoaxonic Synapse )
وهناك عددٌ قليلٌ من المشابك العصبية في الجهاز العصبي المركزي ليستْ لها الخصائص السابقة، وإنما هي مُلْتَقَياتُ مقاومة منخفضة (أو مَوْصِلاتٌ فَجوية) وتسمى بالمشابكِ الكهربية Electrical Synapses ويسمحُ هذا النوعُ من المشابك العصبية بالانتقالِ السريع لفروقِ جهدِ الفعل دون تكامل أو دمْج مع بعضها البعض، وهو ما يجعلُ مجموعات من الخلايا تستطيعُ أن تَقْدَحَ تدفُّعَاتِها العصبيةِ في نفس الوقت أو بتناغم. ويحدثُ فقْدٌ نوعي للعصبوناتِ في بعض الاضطرابات العصبية، وسنناقشُ الاضطراباتِ التي يعتبرُ ذلك الفقدُ هو الحدث الأولي مثل مرض باركينسون Parkinson's Disease ومرض هاتنجتون Huntigton's Disease .
التكامل المشبكي Synaptic Integration :
يستقبلُ كل عصبون مركزي مئات كثيرة من المشابك العصبية، وكل مدخول يتمُّ دمْجُه في استجابة من ذلك العصبون، وتشملُ هذه العمليةُ جمعَ المدخولات من عدةِ أماكنَ في وقت واحد (الترَكُّم أو الجَمْع المكاني Spatial Summation ) وكذلك جمعَ مدخول من مشبك واحد أو عدة مشابك على مرِّ الوقت (التركُّم أو الجمْع الزماني Temporal Summation ).
وعادة تحتوي النهايةُ العصبيةُ قبل المشبكيةِ Presynaptic Nerve Terminal على ناقل عصبيّ واحد، وإن كان تحريرُ ناقلين عصبيين أو أكثر من نفس النهاية قبل المشبكية قد وُصِفَ أيضا، وهذا ما يسمّى بالنقل المشترك، وتعتمدُ كمية الناقل العصبي المُحرَّر ليس فقط على درجةِ إزالةِ الاستقطابِ Depolarization في النهاية قبل المشبكية وإنما تعتمد أيضا على عدة متغيِّرات منها:
- معدَّلُ تخليق الناقل العصبي.
- وجودُ مستقبلات ذاتية قبل مشبكية Presynaptic Autoreceptors ،
- وجودُ مدخولات قبل مشبكية من عصبونات أخرى، أي مشابكُ محواريةٌ محوارية، وهذه المشابكُ عادة تثبيطيةٌ (التثبيط قبل المشبكي Presynaptic Inhibition ) وهي أكثر شيوعا في المسارات الحسية .
ويعمل الناقل العصبي المحرّرُ على بروتين معين أو مستقبلة Receptors على الغشاء خلف المشبكي، ويعملُ أيضا في مشابك معينة على المستقبلات الذاتية قبل المشبكية Presynaptic Autoreceptors ، وإذا كان اتحادُ الناقلِ المُحَرَّرِ بالبروتين أو المستقبلةِ خلفِ المشبكية يؤدّي إلى فتحِ القنواتِ الأيونية واندفاق كاتيوني في الغشاء خلف المشبكي مسبِّبا إزالةَ استقطاب فيه، فإنّ المِشْبكَ في هذه الحالة يسمى "مشبك إثاري Excitatory Synapse "، وأما إذا كان يؤدي إلى فتحِ القنوات الأيونية التي تسمح باندفاق أنيوني أو خروج كاتيوني وبالتالي فَرْطَ استقطاب خلف مشبكي فإن المشبكَ في هذه الحالة يسمى "مشبك تثبيطي Inhibitory Synapse ".
الجهود الاستثارية التالية للمشبك Excitatory Postsynaptic Potentials هيَ إزالاتُ الاستقطابِ الحادثةِ في الخليةِ خلف المشْبكية نتيجة لمدخول مشبكي إثاري معين، وإزالاتُ الاستقطابِ المُصاحبةِ للجهودِ الاستثارية التالية للمشبك يمكن أن تؤدي إلى توليدِ جهد فعل (منقول) إذا جُمِّعَتْ مَكَانيا أو زمانيا وصولا إلى عتْبةِ توليدِ جهد الفعل. ويعني التركُّم أو الجمْعُ المكاني Spatial Summation قيامَ الخلية خلفِ المشبكية بدمْج الجهودُ الاستثارية الآتيةِ من عدة مشابك في نفس الوقت لتصل إلى عتبة توليدِ جهد الفعل، وأما التركُّم أو الجَمْعُ الزمانيّ Temporal Summation فيعني أن تُرَكِّمَ الخليةُ خلف المشبكية الجهودَ الاستثارية المتتاليةَ في الوقت، فكل جهد استثاريّ يزيلُ استقطابَ الغشاء بِقَدر حتى تُوصَل عتبةُ توليدِ جهد الفعل.
وعلى العكس تعني الجهود التثبطية التالية للمشبك Inhibitory Postsynaptic Potential فرْطَ استقطابات تحدثُ في الغشاءِ خلف المشبكي تنْتُجُ عادة عن اندفاقِ الكلور وخروجِ البوتاسيوم عبرَ قنوات كلّ منهما، والجهودُ التثبطية التاليةُ للمشبك مهمةٌ جدا لتجويدِ استجابةِ العصبونِ لمدخولات المشابِكِ الإثارية. وبالتالي فإن المشابكَ التثبيطيةَ عادة ما توجدُ في مناطقَ استراتيجيةِ الأهمية على العصبون -هي التَّغَصُّنات الدانيةُ وجسدُ خليةِ العصبون- وهو ما يجعَلُها ذاتَ تأثير كبير على المدخول من أجزاء كبيرة من الشجَرَةِ التغَصُّنية. بالإضافة لذلك هناكَ عصبوناتٌ تستطيعُ تثبيطَ مُخْرَجاتها من خلال روادِفِها المحوارية وعصبون تثبيطيّ بينيّ (بين عصبوني) وهو ما يُسَمَّى بالتثبيطِ الارتجاعي Feedback Inhibition مثلا العصبوناتُ الحركيةُ وخلايا رينشو في الحبل الشوكي .
المراجع:
Roger Barker, Stephen Barasi & Michael J. Neal (2003) : Neuroscience at a Glance. Paperback
واقرأ أيضًا:
الناقلات العصبية ووظائف المشبك العصبي / خلايا الجهاز العصبي: العصبونات والمشابك / الجهد الكامن للغشاء وجهد الفعل العصبي / أسباب الأمراض النفسية