رحم الله شيخ الفلاسفة ابن خلدون، الذي أشار إلى الأدوار المتبادلة في الحكم ما بين القاهر والمقهور. وهذا الفيلسوف قد وضع أسس الدولة العربية الفاضلة، التي ما أخذت بآرائه وتنورت بأفكاره أية سلطة على مدى القرون التي أعقبته. فكل فئة قاهرة وهي في السلطة، سيتم قهرها من قبل الفئة المقهورة بها وبشدة وقوة أكبر وأعظم.
فالمظلوم يكون ظالما أقسى من ظالمه، لأن المشاعر السلبية والعواطف والانفعالات الانتقامية قد تحشدت في أعماقه وسيطرت على سلوكه ولا يمكن إقناعه بغير ذلك أبدا.
وكلما سقط ظالم تمادى في ظلمه مظلوم من إنتاجه وصنعه، وهكذا دواليك في دائرة التفاعل التدميري المطلق.
وواضح أن القوى التي كانت مظلومة حسب ما ترى وتتصور وتعتقد، قد مارست أقسى صور وسلوكيات الظلم عندما تسلطت، أو حكمت.
وهذا السلوك لا يحتاج إلى دليل في العديد من البلدان التي تبادلت هذه الأدوار، وابتعدت عن الوطن واندحرت في مفهوم الحزب والفئة والطائفة والعشيرة، وغيرها من المسميات اللازمة لتحقيق التفاعل الانتقامي التدميري ما بين أبناء الشعب الواحد.
وفي الزمن العربي الجديد، يُخشى أن تسقط الثورات في هذه الدوامة الخاسرة وتكرر ذات التفاعلات التي تدحرجت بسببها الحالة العربية وتأسنت، خصوصا عندما سقطت بعضها في مطحنة الحزب الواحد والفرد الواحد، وتوجعت من المظالم والمفاسد والقرارات الجائرة.
إن الخروج من هذا المأزق السياسي يتطلب الإيمان بدستور وطني عادل، وقوانين نزيهة تحفظ الحقوق وتحدد الواجبات وتعلي كلمة الحق والإنصاف والمسؤولية والشفافية، وأن يتحقق سلوك تبادل السلطة والتعامل معها بوطنية خالصة.
ولابد للدولة أن تديرها المؤسسات وليس الأفراد والفئات والأحزاب وغيرهم.
إن الدول الغربية وعت تماما منطق ابن خلدون فأنشأت مؤسسات الحكم تحت منطوق الديمقراطية، وصار تبادل الحكم حالة متواصلة ومتكررة.
وأصبح الفرد لا يملك إلا القدرة على أداء متطلبات المسؤولية، والعمل في منصبه المحكوم بإرادة مؤسساتية وبرلمانية، لا يمكنه أن يتخطاها ويكون صاحب قوة فردية مطلقة.
فهل سنعي هذه المعضلة التي أدّت إلى خسائر وطنية وإنسانية وحضارية فادحة.
واقرأ ايضًا:
عقل الثورات العربية المفقود...! / الذات والثورة...! / الرؤية الثورية / اليقظة الثورية / التدمير الثوري / الدفاعية الثورية