من داخل القبر المتحرك : نص اكتئابي

من داخل القبر المتحرك:
من أنا؟ لا أعلم من أنا.
أين أنا؟ لا أعلم أين أنا, في عالم مختلف وغريب ومجهول.
أرى من أعرفهم, "ولا أشعر بهم" يعيشون في عالم آخر وأنا منتسبة لعالمهم من عالمي المجهول فأتحرك فيه حركة محدودة وبصعوبة شديدة, "داخل القبر المتحرك".
لا أرى جيدا كأن كل شيء مغلف وباهت بلا ألوان.
لا أشعر بأحد ولا بشيء.
لا يوجد في عقلي أي ثوابت أو معايير "ما يسمى بالمتوقع والمفروض".

أحتار بين أختي شديدة الغيرة منذ صغرها وزميلتي التي تتقرب إلى زوجها.
تغضب أختي وتقول لي راقبيهم, أريد معرفة أخبارهم.
أختي لم تجرب معنى الإحساس بالضياع من الذات ومن الدنيا ومن العالم ولن تفهم معاناة زميلتي.
والفائز هو الرجل, تحاول أختي إبعاده عن زميلتي, وزميلتي تبالغ في طلب المساعدة منه في الصغيرة قبل الكبيرة, وفي كل يوم عدة مرات, بل وتبالغ في الاهتمام به والسؤال عنه, أليس هو الفائز؟

هل من الثابت والمتوقع والمفروض أن أغضب من زميلتي وأن أحكم عليها بالخيانة؟ لم أفعل, لأنني لا أعرف أي معايير لأي شيء، أرى زميلتي غارقة في بحور الدنيا فتتحجج بأتفه الأشياء لتسأل زوج أختي المساعدة بصرخات استغاثة هادئة.
فتركت الأمور تسير كما تسير.
أجبرت نفسي على أن تستمر في الدوران بالساقية, إلا أنها تمردت وعصت.

ثم هربت بي بعيدا بعيدا، إلى القبر ولكنه قبر متحرك، بحركة بطيئة, بعد أن اكتشفت أنه لا مكان لي بين الحرائر في الدنيا.
في قبري المتحرك أتنفس، فلا أنا بين الأحياء أعيش الدنيا ولا مع الأموات الذين ارتاحوا منها.

في قبري المتحرك أرى كل شيء ساكنا, حتى دماغي تجمد عن التفكير أو أبسط القرارات.
في قبري المتحرك لا لون ولا طعم ولا رائحة، فقط ظلام بالرغم من دخول بعض ضوء الشمس ولكنه مختلف كثيرا عن شمس الدنيا فهو باهت وبارد.

في قبري المتحرك لا أستطيع الكلام مع الناس فهو شديد الصعوبة.

في قبري المتحرك لا حاجة لي إلى الطعام، فالموتى لا يأكلون, فضلا عن أن الطعام اختلف كثيرا عن طعام أهل الدنيا, فيكفيني عود من البرسيم.

في قبري المتحرك تجاوزت التفكير في الموت، فالميت لا يتمنى الموت.

في قبري المتحرك لا أتمنى الراحة، فالراحة من الأمنيات ولم أعد أتمنى شيئا سوى النوم, بل والمزيد من النوم بلا رغبة في الاستيقاظ.
فما أصعب نصف الموت.

واقرأ أيضًا:
تائهة بين سطور الحياة : نص اكتئابي / الاكتئاب عاد من جديد / موجة اكتئابية3 مشاركة / موجة اكتئابية مشاركة من أجل الصمود