في كتابها (المتعة) (ترجمة فادي حمود، نشر شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت) في الصفحة (103) والصفحة (108) تدعي شهلا حائري الأمريكية ثقافة وجنسية والإيرانية المسلمة أصلاً ونسباً، تدعي أن من المسلمين من ينظر إلى الأعضاء التناسلية والجنسية للمرأة على المستويين الواقعي والرمزي، على أنها شيء أو سلعة منفصلة عن شخصها، وفي صلب عملية التبادل الفردية والاجتماعية والاقتصادية أي أنها شيء يمكن تجريده وتجسيده في آن واحد، ثم التعامل معه على أنه كيان قائم بذاته. وتقول في الصفحة (107) (يعتبر الزواج الدائم عقد بيع كامل ونهائي، مثل شراء منزل, كما أوضح لي رجل دين ذات يوم) ثم تقول: (في المقابل، يشبه عقد الزواج المؤقت استئجار السيارة على حد قول أحد الذين قابلتهم خلال بحثي هذا).
وكانت قد قالت في الصفحة (103) وهي تستند إلى أحد الباحثين الغربيين: (على الرغم من أن ذلك قد يبدو متناقضاً للوهلة الأولى، فإن المرأة ليست موضوع التبادل التجاري، كما تتبادل السلع التجارية، بل ينظر إليها على أنها تمتلك السلعة المطلوب تبادلها، أي قدرتها التناسلية وأعضاءها الجنسية) ثم تقول في صفحة (107): (في عقود البيع، يباع الشيء بأكمله، ويفترق عن البائع، أما في عقد الزواج الدائم، فإن المرأة ترافق موضوع البيع, لأنها تحمله معها، ولأنه جزء أصيل منها..... أما في حالة الزواج المؤقت، فإن المرأة هي المؤجر وموضوع الإيجار في آن معاً.....).
وهذا كلام خطير في هذا العصر بالذات، لا لأنه مهين ومذل للمرأة المسلمة فحسب، بل لأنه كلام غير دقيق وادعاء باطل، وله أبعاد نفسية تقلب طبيعة العلاقة الزوجية رأساً على عقب لو صدقه أحد أو آمن به. فهو يجعل الزواج الإسلامي نوعاً من البغاء المنظم بأحكام الشريعة، حيث يستحيل معه أن يشعر رجل بالاحترام نحو زوجته كما يستحيل على زوجة أن تحترم ذاتها وهي ترى نفسها سلعة، وترى أعضاءها الجنسية تباع أو تؤجر بالمال.
مثل هذه النظرة للزواج تقضي على أي إمكانية للرومانسية في الحياة الزوجية، إذ لا بد للرومانسية حتى توجد من أن ينظر المحب إلى المحبوب على أنه كائن مثالي كامل لاعيب فيه (كامل الأوصاف)، وعلى أنه قَيِّم وغالٍ ولا يقوم مقامه أحد، إذ في الحب عموماً وفي الحب الرومانسي خاصة يسخر المحب نفسه لإسعاد المحبوب وإرضائه، فكيف يمكن للحب أن يكون بين الزوجين المسلمين لو صح ما تدعيه شهلا حائري. إنه سوء الفهم للإسلام وقعت هي فيه، وعلى ما يبدو وقع فيه بعض المسلمين، وبخاصة بعض الرجال.
إن عقد الزواج في ديننا ليس عقد شراء وبيع ولا عقد استئجار وتأجير، بل هو عقد التزام، عقد يلتزم فيه الزوج بالقيام بمسؤولياته كزوج وكأب للأولاد الذين يأتون ثمرة لهذا الزواج، وهو عقد تلتزم فيه المرأة بأداء واجباتها كزوجة مخلصة مطيعة، وكأم صالحة... وإن كان حقاً أن عقد الزواج يعطي الزوج حق الاستمتاع الجنسي بزوجته، فإن عقد الزواج عقد يستحل به الرجال فروج النساء بكلمة الله وليس بأموالهم، كما قال صلى الله عليه وسلم، وهو عقد تستحل به النساء فروج أزواجهن كما لم يقل صراحة في القرآن أو الحديث لأنه مفهوم ضمناً ولأن المرأة مفطورة على الحياء الذي جعله الله خلق الإسلام.
والذي يثبت هذه النظرة للزواج في ديننا أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان أول من صرح بكل وضوح بالاعتراف للزوجة بحقها في المتعة الجنسية وأمر الزوج أن لا يَعْجِل زوجته إذا قضى وطراً، بل يستمر معها حتى تقضي هي وطراً أيضاً, والغرب المتحضر لم يعترف بحق المرأة هذا إلا في القرن العشرين.... وقرآننا أمر الرجال أن يبدؤوا معاشرتهم الجنسية لزوجاتهم بالملاطفة والمداعبة والمغازلة والعناق والتقبيل وكل مظاهر الحب والحنان، وهي أمور مرغوبة بحد ذاتها من المرأة, كما إنها ضرورية لإثارتها جنسيا، فقد قال تعالى: (وقدموا لأنفسكم) (سورة البقرة – الآية 223) وواضح هنا الحرص على إشباع حاجات المرأة العاطفية والجنسية، لأن الزواج في الإسلام يهدف إلى إشباع الاحتياجات النفسية وغير النفسية للطرفين، الرجل والمرأة على السواء.
وقد يشكل على البعض قوله تعالى (فآتوهن أجورهن بالمعروف) (سورة النساء آية 24) إشارة إلى المهر الذي على الزوج تقديمه إلى الزوجة قبل الزواج، وكلمة أجور هنا لا تعني الأجور التي تدفع عند استئجار شيء مقابل التمتع به، بل هو تعبير قرآني يجب فهمه بحسب الدلالات اللغوية في عصر نزول القرآن، كما يجب فهمه في ضوء أحكام الإسلام الأخرى التي ترينا بوضوح أن المهر ليس مقابلاً مادياً لخدمات جنسية تقدمها امرأة لرجل، كما هو حال المومسات، فالمهر قد يكون آيات من القرآن يعلمها الزوج لزوجته كما زوج النبي صلى اله عليه وسلم صحابية لصحابي وكان مهرها أن يعلمها ما معه من القرآن، والذي يثبت لنا أن المهر ليس أجراً على الاستمتاع الجنسي أن الذي يعقد على امرأة ثم يطلقها قبل أن يمسها جنسياً, وربما قبل أن يراها, عليه نصف المهر تستحقه المرأة تطييباً لخاطرها بمجرد أنه عقد عليها.
إن المهر في الإسلام هدية واجبة على الزوج ليشعر هو أولاً أنه لم يحصل على هذه الزوجة بسهولة، وبالتالي ليكون حريصاً عليها ومقدراً لها, إذ بينت الدراسات النفسية المعاصرة أن الإنسان يميل إلى تقدير ما يبذل الجهد ليحصل عليه تقديراً أكبر، بينما هو يميل عادة إلى الاستهانة بما يحصل عليه بسهولة ودون جهد يذكر، والمهر يجعل المرأة تحس بقدرها وقيمتها، إذ ترى الرجل يتودد إليها ويتكلف المال الكثير ليحظى بالارتباط بها وليفوز بها كزوجة له، والمهر في القرآن نِحْلَةٌ أي هدية وهبة فقد قال تعالى: {وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَّرِيئاً} (النساء 4) ولننتبه إلى قوله تعالى نحلة وهي في اللغة عبارة عن العطية الخالية عن العوض كما يقول ابن العربي في أحكام القرآن ويرى أن الخطاب موجه للأزواج لا لأولياء أمور النساء كما ظن البعض.
إن المرأة في الإسلام إنسان بكل معنى الكلمة، مكرمة من المولى سبحانه وتعالى وليست سلعة تباع أو يباع عضو من أعضائها لمن يريد المتعة الجنسية، بل الزواج التزام من الزوج نحو زوجته ومن الزوجة نحو زوجها، التزام مؤسس على المودة والرحمة التي جعلها الله بين النساء والرجال، وهو التزام يحفظ العلاقة بين المرأة والرجل من عواصف الأيام، فتصمد وتدوم رغم المشكلات العارضة الطارئة، بعكس علاقات الحب دون زواج التي كثيراً ما تنفصم عند مرورها في مشكلات وصعوبات، وهو التزام يحفظ حقوق الزوجين كليهما, وإن كانت المرأة عادة بحاجة لهذا الحفظ للحقوق أكثر من الرجل.
يبقى أن نقول إن بعض الأزواج والزوجات لديهم نزعة تملكية لا علاقة لها بالمهر، بل هي مشكلة موجودة حتى في الأسر الأمريكية حيث كلا الزوجين يشارك في تأسيس الأسرة والإنفاق عليها، وحيث لا يدفع الرجال مهوراً للنساء، إنها نزعة نفسية لا علاقة لها بالمال أبداً.
ويتبع: ........... الزواج حب لا امتلاك2
اقرأ أيضاً:
متى يلتقي المسلمان بسيفيهما ولا يكون القاتل والمقتول في النار؟