1. تعريف الإنسان
أ - عند التطوريين داروين وفرويد ومن تبعهما: حيوان تحكمه غرائز مركوزة في اللاشعور لديه تدفعه لإشباعها، ولا يختلف عن باقي الحيوانات إلا في قدرته على إدراك ذاته ووعي وجوده، لكن هذا الوعي خاضع للاشعور ويقوم بتبرير رغبات اللاشعور بحيث تبدو أفعال الإنسان نابعة من الوعي والإرادة الحرة، بينما الحقيقة أن الإنسان تسيره الغرائز كما تسير الحيوان، لكن الإنسان يعيش وهم الإرادة الحرة والدوافع المتسامية على الغرائز.
ب - عند السلوكيين: الإنسان آلة حية لها احتياجات حيوية تضغط عليها لتحقيقها، وتبرمجها الأفعال الشرطية الكلاسيكية والفاعلة وتخلق فيها حتى الدوافع النفسية المكتسبة انطلاقا من دوافع بدائية جسدية.
ج - الإنسانيون ومعهم الوجوديون تقدموا في نظرتهم للإنسان فركزوا على الجانب النفسي فيه وسكتوا عن ما هو جسدي واعتبروا الإنسان خالق ذاته ككائن فوق المادة وفوق الغرائز، وإن كان لا بد له من أن يشبع الحاجات الأساسية الهادفة إلى المحافظة على بقائه كفرد واستمراره كنوع، لكنه بعد ذلك يسعى لإشباع دوافع راقية تتجاوز جسده إلى الانتماء والحب والإنجاز وتحقيق الذات، والإنسان عندهم حر حرية حقيقية، أي باختصار هو حيوان تطور بحيث صار شبه إله.
٠ كل المدارس المذكورة لا تعترف إلا بالجسد الحي وتعتبر الروح خرافة.
٠ الأديان كلها أعلت من قدر الروح واعتبرتها هي الإنسان وليس الجسد إلا آلة حية تخدمها لكنها تحاول تسييرها ودفعها إلا تحقيق رغباتها وشهواتها، لذا يكون هدف الإنسان الراقي هو التحرر من تحكم جسده به من خلال مقاومة الشهوات وإضعاف الجسد بالجوع والحرمان الجنسي ورفض أي شكل من أشكال التنعم والرفاهية والسعي للمكانة الاجتماعية، وذلك كي تنتصر الروح الخالدة على الجسد الفاني وتحقق شوقها للعودة إلى الروح العظمى التي انبثقت منها أي الخالق.
٠ هذه الثنائية المبسطة نتج عنها الإيمان بتناسخ الأرواح وانتقال الإنسان من جسد إلى آخر من خلال الموت والولادة، والإيمان بتحضير أرواح من ماتوا والتحاور معهم عبر جسد مستعار هو جسد الوسيط، والاعتقاد أن الجني يدخل في الإنسان ويتكلم على لسانه ويتحكم بجسده وتصرفاته انتقاماً منه واعتداءً عليه.
٠ عند الأديان الإنسان مكون من عنصرين متصارعين عليه أن يبذل كل ما يستطيع ليتغلب أحدهما على الآخر أي روحه على جسده.
٠ تقدم الطب وعلم النفس والفيزيولوجيا العصبية والدوائيات النفسية وتبين لنا أن كل شيء في الإنسان من مشاعر وأفكار وشهوات وسلوكات من صنع الة حية هي الدماغ، فأنكرت الروح، اما من اعترف بها ففسرها على أنها النظام الذي ينبني وفقه الجسد الحي ليصبح كائناً واعياً لوجوده.
٠ إذاً هما تطرفان: الأول ينكر أي أهمية للجسد ويعتبره شيئاً غير النفس التي هي الروح بمنظورهم، والثاني ينكر الروح ويعتبر الجسد الحي هو الإنسان ولا شيء معه.
٠ الروح ثابتة في القرآن والحديث الشريف بنصوص قطعية الثبوت وإن كانت دلالتها غير قطعية، أي الروح موجودة وتنفخ في كل جنين بعد بلوغه مئة وعشرين يوماً في الرحم.
٠ ويقول محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه: (إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً. ثُمَّ يَكُونُ فِي ذلِكَ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ. ثُمَّ يَكُونُ فِي ذلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ. ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ....)
٠ يقول تعالى في سورة المؤمنون: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14))
٠ ربنا يشير إلى نفخ الروح بقوله: ثم أنشأناه خلقاً آخر، وهو في معرض وصف مراحل تكون جسد بشري حي جديد. فالإنسان بعد نفخ الروح لا هو جسد ولا هو روح بل هو خلق آخر.
٠ كما أن الماء بعد اتحاد الأكسجين بالهيدروجين خلق آخر ذو خصائص كيميائية وفيزيائية مختلفة تماماً عن مزيج الأكسجين والهيدرجين غير المتحدين الذي يمكن أن يشتعل في أية لحظة.
٠ النفس في القرآن لها معنيان: الأول هو الكائن كله من رأسه إلى قدمه بكل ما فيه من حياة بدنية وعقلية، والثاني هو الوعي والشعور عند الإنسان وهو الذي يتوفاه الله في النوم والموت، أما الروح فتنزع من الجسد مرة واحدة عند الوفاة ولا تنزع كلما نام.
٠ عندما سئل الرسول عن الروح أمره الله أن يقول: الروح من أمر ربي، وذكره الله أن القدرة على الفهم والإدراك عند الإنسان محدودة، أي لن يستطيع أن يفهم أي شيء يخبرنا الله عن الروح. قال تعالى في سورة الإسراء: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (85)}.
٠ لذا فإن نسبة الوظائف النفسية والعقلية للروح وحدها ادعاء لعلم بالروح وقدرة على فهم الكثير عنها وهو ادعاء يتعارض مع هذه الآية الكريمة.
٠ توكذلك من يصف الرغبات والمتع والآلام على أنها روحية وبدنية مخطئ بل هي معنوية وحسية.
٠ ندرس النفس البشرية ونحن نؤمن بالروح لكن لا نعزو لها شيئاً تماماً كما ندرس الكون والطبيعة ونحن نؤمن أن هنالك ملائكة موكلين بتسييرها، ندرسها كما لو لم يكن هنالك ملائكة، بل نبحث عن القوانين الطبيعية التي تسيرها.
٠ الإيمان بالروح يحمي الإنسان من احتقار نفسه إن نظر إليها على أنها مجرد آلة حية يتم صنع الملايين منها وموت ملايين آخرى كل عام.
٠ ومما يحمي الإنسان من احتقار نفسه أيضاً علمه أن الله خلقه على صورته (لا على حقيقته فهو ليس كمثله شيء) أي ارتضى لنفسه صورة إنسانية كاملة من كل النواحي يتجلى لنا بها بأوصافها في الدنيا وبرؤيتها في الآخرة.
ويتبع>>>>>> : أسس النظرية النفسية الإسلامية الأولى2
واقرأ أيضاً:
بصائر نفسية إسلامية (4) / ما لنا غيرك يا الله(3) / الطب النفسى شبهات وردود / الطب النفسى الإسلامى