قد يبدو عنوان المقال غريباً ويجب القبول بذلك. لا يوجد اضطراب طبي نفسي يحمل هذا العنوان. الغاية من استعمال المصطلح أعلاه هو إلقاء الضوء على ظاهرة طبية نفسية نادرة تتحدى الطبيب النفسي أحياناً وتتميز بظهور أعراض نفسية بعد ليلة خيانة زوجية عابرة.
المريض الذي يصل إلى غرفة كشف الطبيب النفسي هو رجل في العقد الرابع من العمر ومتزوج وأب لأكثر من طفل في الغالبية العظمى من الحالات. رواية المريض يتم وضعها في قالب معين كثير التكرار ويتميز بدخوله في علاقة جنسية عابرة وفي ليلة واحدة فقط مع امرأة تعرف عليها عن طريق الصدفة. يبدأ الرجل بالقلق من إصابته بمرض الإيدز دون غيره من الأمراض العضوية التي يتم انتقالها عن طريق الجماع المهبلي. يبدأ المريض أولاً باستشارة الأطباء الواحد بعد الآخر وزيارة مراكز الأمراض المنقولة جنسياً (Sexually Transmitted Diseases Clinics- STD clinics). هذه العيادات تتميز بتوفيرها خدمة مجانية لعمل فحص مختبري للإيدز والمحافظة على سرية الهوية.
بعبارة أخرى يمكن لأي شخص وباسم مستعار مراجعة هذه العيادات في الغرب واستلام الفحص والتشخيص والعلاج. البعض منهم لا يكتفي بذلك ويراجع عيادات خاصة وتبدأ رحلة المراجعات الطبية وإعادة الفحوص المختبرية لعدة أشهر. هناك مرحلة ما وعتبة يصلها المريض وينفذ صبر الطبيب المعالج ويتم تحويله إلى مراكز الطب النفسي.
على أريكة الطبيب النفسي
التاريخ المرضي المكرر لهذه الحالات يكشف عن ما يلي:
1- غياب علاقات جنسية قبل الزواج.
2- فتور العلاقة الجنسية بين الزوج وزوجته ولكن الزوج قلما يستعمل كلمة لوصفها سوى أنها لا بأس بها أو طبيعية.
3- الحالة الاقتصادية جيدة في أكثر الحالات.
4- عدم وجود تاريخ عائلي مرضي للفصام.
5- عدم وجود تاريخ مراجعات طبية نفسية سابقة.
المريض الذي يصل إلى عيادات الطب النفسي لا يتحدث عن إصابته بداء الإيدز ولكن عن احتمال انتقال هذا الفيروس إلى جسده. هذا الاحتمال لا نهاية له في رأيه مهما تكررت الفحوصات الطبية. يحاول الطبيب النفسي وضع هذه الفكرة في إطار معين يتناسب مع تعريف الأعراض الطبية النفسية. اختيارات الطبيب النفسي كما يلي:
٠ فكرة وسواسية (حصارية) وتشكل جزءًا من اضطراب الحصار المعرفي أو الوسواس القهري، الفكرة بحد ذاتها قلما تنطبق عليها صفات الفكرة الوسواسية. المريض دوما في قناعة عن احتمال انتقال هذا الفيروس إلى جسده ولا يشك أبداً بسخافة الفكرة ولا يبذل أي جهدٍ مذكور لمقاومتها. رغم ذلك ترى كثرة ممارستهم لطقوس وسواسية متعددة خوفاً من التلوث ولكن هذا السلوك يتبع ولادة الفكرة بعدة شهور ولا يولد معها. من هنا يمكن القول بأن الطقوس الوسواسية ما هي إلا عملية دفاعية نفسية غير شعورية لحل أو إبطال Undoing فكرة غير مقبولة عنده وهي إصابته بهذا الفيروس.
يختلف استعمال العملية الدفاعية الغير الشعورية في هذه المتلازمة عن استعمالها في الوسواس القهري حيث الفكرة غير المقبولة خارجة عن وعي المريض. أما في المتلازمة ففكرة احتمال انتقال الفيروس له تحاصره من كل مكان وترافقه إلى عيادة الطب النفسي والمختبرات والبيت.
الوسواس القهري في الرجال أشد بأساً ويظهر في عمر مبكر ويصاحبه صفات شخصية وسواسيه. هذه الملاحظة لا تنطبق على المتلازمة.
٠ فكرة احتمال انتقال الفيروس هي جزء من اضطراب الاكتئاب ويتم وضع فكرة احتمال انتقال الفيروس على أنها متطابقة مع الشعور بالذنب Guilt Feeling . الشعور بالذنب في هذه المتلازمة قلما يكون محور شكوى المريض ولكن استجابة لنظرية الطبيب النفسي المعالج وتحليله لسلوك المريض في عمل الفحوصات المختبرية الواحدة بعد الأخرى.
أعراض الاكتئاب شائعة عندهم ولكنها تتميز بكونها طفيفة إلى حد ما وتستجيب للعلاج بالعقاقير المضادة للاكتئاب التي يتم وصفها في التشخيصين الفارقين أعلاه. الاستجابة لعلاج الاكتئاب تؤدي إلى فترة من التحسن يمكن وصفها بشهر عسل يتوقف المريض فيه عن طلب الطمأنينة Reassurance Seeking . ينتهي شهر العسل ويقرر المريض عمل فحص مختبري واحد ونهائي. الفحص المختبري الأخير ليس نهاية الفحوص وإنما بداية لعهد جديد والزواج من فحوصات مختبرية لا نهاية لها.
الشعور بالذنب من جراء علاقة أو علاقات جنسية ماضية شائعة في الاكتئاب وبعضها يشير إلى وجود اكتئاب ذهاني شديد Severe Psychotic Depression . ليس هناك شك في وجود مثل هذه العلاقات في تاريخ المريض ولكن حصرها في إطار الذنب هو الذي يؤدي إلى تصنيفها كأفكار وهامية Delusional Thoughts وليس محتواها. بعد تحسن المريض تراه ينكر حدوث مثل هذه العلاقات ويسانده الطبيب في ذلك حرصاً على تماسك العائلة.
٠ مع استمرار مراجعة المريض لمركز الصحة العقلية يبدأ الطبيب النفسي بحصر تفكير المريض وسلوكه في إطار الوهام. هذه المرحلة من التشخيص ليس من السهل الوصول إليها بسرعة إلا بعد استنفاذ وسائل العلاج للاكتئاب والحصار المعرفي. كذلك ليس من السهولة وضع الفكرة في إطار وهام المرض أو المراق Hypochondriasis مع بداية مراجعة المريض وحديثه لا يتطرق إلى إصابته بالفيروس وإنما عن احتمال انتقاله إليه. رغم ذلك فإن الفكرة تهيمن على حياة المريض تدريجياً وتؤدي إلى تدهور أدائه المهني والعائلي. كذلك لا يبالي المريض باحتمال انتقال الفيروس إلى زوجته!!.
العقار المضاد للذهان لا يخلو من آثار جانبية لا تساعد المريض أحياناً يضاف إلى ذلك أن استجابة الفكرة الوهامية وتلاشيها تماماً ضعيفة في اضطراب الوهام عموماً. ويبقى الإغراء لعمل الفحوص المختبرية في حيز الوجود ومن السهل الاستجابة إليه.
الاعتراف بالخطيئة
في إطار الحديث بين المريض والمعالج يتم طرح فكرة الاعتراف بالخطيئة والشعور بالذنب للزوجة. هذه الخطوة تستند على أن الاعتراف بالذنب جزء من عملية الغفران وغفران الزوجة لخطيئة زوجها تؤدي لولادة علاقة زوجية سعيدة. الاعتراف بالخطيئة وعملية الغفران قلما تؤدي إلى نتائج مذهلة مليئة بالدراما. رد فعل النساء يمكن حصرها بإجابات من واقع الممارسة المهنية:
"أعرف حدوث هذا الفعل ولم أبالي به".
"لم يكن أدائك الجنسي رفيع المستوى على أية حال وأظنك اكتشفت ذلك الآن"
"لا تزعل يا حبيبي وستكون في حضني دوما"
وهناك من تعبر عن غضبها بدون كلام.
لا يطرأ تغيير جذري على النظام العائلي رغم ملاحظة وجود وحدة عائلية للأم والأطفال ووحدة أخرى للأب وأحد الأطفال والشعور دوماً بأن الرجل على هامش الأسرة.
التفسير
ليس هناك أفضل من محاولة تقريب ما حدث وسيحدث للمريض بعد فترة من ولادة الثقة بطبيبه أو معالجه النفسي. النموذج أدناه يفسر ما يحدث أحياناً للإنسان.
الإنسان في حالة إدراك لذاته البشرية ويمكن جمعها في أربعة. هناك ذات صالحة وقوية في وعي الإنسان. يتصور الإنسان نفسه صالحاً وقوياً في ذات الوقت ولا يحب إدراك الضعف والشر في ذاته ويسعى دوماً إلى إنكاره وتحويره وحصره بعيداً عن الوعي.
الذي يحدث أحياناً أن الإنسان في حالة إدراك لذات صالحة وضعيفة في آن الوقت. لا يدرك ذاته القوية ولا يعرف كيف يتعامل معها كما يجهل التعامل مع الغير وأحدهم زوجته. تسنح الفرصة له لإخراج ذاته القوية أثناء مغامرة لا تخلو من البراءة حقاً، ولكنه يدركها بعد فترة وجيزة بأنها خطيئة وجزء من ذاته الضعيفة. هذه الذات الضعيفة ليست صالحة وإنما شريرة في آن الوقت.
رحلة العلاج تستدعي استعادة الذات الأولى أما الذات الثانية الأقرب إلى الكمال فليست في متناوله ومن الأفضل عدم وضعها كهدف لخطة علاجية.
الملاحظات:
1 - المقال برمته مبني على دراسة ستة حالات في الممارسة المهنية تمت متابعتها لفترة خمسة سنوات على الأقل.
2 - فكرة كتابة المقال بعد الاطلاع على استشارة تمت الإجابة عليها من قبل أ. اميرة بدران يوم السادس من كانون الثاني 2014.
3 - النظرية والتفسير المطروح في المقال هو رأي الكاتب الشخصي وربما لا يتفق معه الكثير في هذا الأمر.
4 - هناك عدة مقالات في الموقع حول الوسواس القهري والاضطراب الوهامي يرجى مراجعتها.
5 - Baker H, Baker M(1987). Heinz Kohut’s Self Psychology: An overview. Am J Psych 144: 1-9.
واقرأ أيضاً:
هل الخيانة الزوجية مرض نفسي أو اجتماعي؟!! / لماذا يخون الرجال؟! / متى تخون المرأة؟ / كيف تكتشفين خيانة زوجك / رجل وامرأة وآذان صاغية