معضلة استعمال الكارباميزابين Carbamazepine
يتميز الطب النفسي أكثر من غيره من الفروع الطبية في غياب الأدلة المقنعة للغاية في استعمال العقاقير في علاج الاضطرابات العقلية وشفاء المريض من علته بفضل العقار وحده. لكن فعالية هذه العقاقير مثبتة بدراسات علمية متعددة تقيم ما يلي:
• تأثير العقار على المرض Therapeutic Effect.
• الأعراض الجانبية لاستعمال العقار Side Effects.
التأثير العلاجي للعقار قلما يتجاوز 50% والأعراض الجانبية تلعب دورها في عدم تعاطي المريض للعقار الموصوف من الطبيب. من جراء ذلك يكثر الطب النفسي من إضافة عقار مساعد وأحياناً عدة عقاقير في أمل مساندة العقار الأولي. أحد هذه العقاقير المساندة هو عقار الكارباميزابين والمشهور تجارياً بالتجرتول Tegretol. هناك أكثر من اسم تجاري لهذا العقار في العالم العربي كما هو ملاحظ من حقل الاستشارات في الموقع لذلك يجب على المريض الاستفسار دوماً عن الإسم العلمي للعقار.
ولد هذا العقار قبل أكثر من نصف قرن من الزمان ومشتق من العقاقير المضادة للاكتئاب المعروفة بالثلاثية الحلقة. تم اكتشاف تأثيره الإيجابي على منع نوبات الصرع بالصدفة إلى حد ما وتأثيره على علاج الاكتئاب يكاد يكون معدوماً. شق طريقه في علاج الصرع ولا يزال يتصدر المبيعات في هذا المجال رغم وجود أكثر من 12 عقاراً لعلاج الصرع هذه الأيام.
دخل قطاع العقاقير للاضطرابات العقلية في نهاية السبعينيات مع شحة وجود عقاقير جديدة لعلاج مختلف الأمراض النفسية. بحث الطب النفسي عن نموذج يربط بين نوبات الغضب والسلوك العدواني ولم يجد أيامها سوى الصرع وتم استحداث أسطورة تدعى متلازمة فقدان السيطرة النوبية Episodic Dyscontrol Syndrome بعدها تعميم استعمال العقار في كل من مصاب بعسر مزاج ونوبات غضب بعد عمل دراسات ميدانية غير مقنعة على أقل تقدير.
ضاق الطب النفسي ذرعاً بملح الليثيوم في علاج الثناقطبي المتميز بنوبات هوس واكتئاب. لا يزال هذا العقار المعيار الذهبي لعلاج الاضطراب حتى يومنا هذا رغم الأعراض الجانبية الطويلة المدى التي تصاحب استعماله. بحث الطب النفسي ووجد أمامه عقار الكارباميزابين.
لا يوجد دليل مقنع على فعالية هذا العقار في السيطرة على نوبات الهوس الحادة واستعماله في الوقاية من تكرار نوبات الهوس غير مقنع وأفضل ما توصلت إليه البحوث هو أن إضافته أحياناً إلى عقار الليثيوم أفضل من استعمال أي منهما بمفرده في الحالات المستعصية. جميع هذه البحوث تمت في عصر لم تخضع فيه العقاقير لدراسات علمية ميدانية يتم السيطرة عليها وتحليلها على قواعد إحصائية تعزل تأثير عوامل بيئية متعددة ناهيك على أن قوة الدراسات إحصائياً دون المستوى المطلوب.
أقحمه الطب النفسي كذلك في علاج الاكتئاب رغم أن استعماله في المرضى المصابين بالصرع لا يشير إلى وجود أية فعالية مضادة للاكتئاب تنفع المريض. يلجأ إليه الطبيب أحياناً ويضيفه إلى عقار آخر لعلاج أي اضطراب عقلي رغم غياب الأدلة العلمية.
التوصيات في تعاطي العقار
لا يحق للموقع التدخل في ما يوصفه أي طبيب لمريضه والغاية من المقال هو توعية مستخدمي الموقع حول استعماله من الناحية العملية. تم التطرق أعلاه للسيرة الذاتية للعقار في علاج الاضطرابات العقلية ولا يستطيع الموقع الحديث أكثر من أعلاه لتوضيح رأيه.
• يجب أن يدرك من يتعاطى هذا العقار بأنه مضاد للصرع ولا يجب توقيفه فجأة وإنما بصورة تدريجية وإلا انتهى الأمر بحدوث نوبة صرع قد تكون قاتلة أحياناً.
توجد عدة مستحضرات لهذا العقار ومنها ما هو طويل المفعول ويمكن تعاطيه مرة واحدة في اليوم بدلاً من مرتين في اليوم. لا يوجد أي فرق في فعالية المستحضرين الطبية ولكن احتمال الشعور بالتعب من جراء المستحضر الطويل المفعول أقل بعض الشيْء في بعض المرضى. في جميع الأحوال لا يجوز أن تكون بداية العلاج بأكثر من جرعة كلية يومية تتجاوز 200 مغم ويتم رفعها بعد أسبوع إلى 400 مغم يومياً.
يتم قياس تركيز العقار في الدم بعد عشرة أيام من رفع الجرعة في غاية الوصول إلى تركيز علاجي يتراوح ما بين 6 -10 أو 26-35 اعتماداً على الوحدة المستعملة في المختبر مثل الغرام أو المول. يضع المختبر الوحدة المستعملة والتركيز العلاجي للعقار في التقرير وإن لم تجده فعليك أن تسأل عنه. لا يجوز قياس التركيز إلا في الصباح قبل تناول العقار أو 4 ساعات من تعاطي جرعة الصباح.
• لا يجوز تعاطي هذا العقار بدون متابعة قياس التركيز في الدم وكل ستة أشهر. فعالية العقار لا تحدث إلا عند الوصول إلى تركيز علاجي.
يحاول الطبيب بعدها تعديل الجرعة إذا كان التركيز منخفض. لكن الكثير من الأطباء ينصح بعدم التسرع إلى رفع الجرعة لتجنب حدوث تفاعل جلدي شديد في بعض الأحيان. هذه التفاعلات الجلدية تكثر ملاحظتها في جرعة يومية تعادل 600 مغم أو أكثر و عند الوصول إليها بسرعة.
زيادة تركيز العقار في الدم قد تؤدي إلى حالة تسمم سلوكي حاد لا يختلف كثيراً عن حالة سكر من جراء تعاطي الكحول وفي النادر وعلى المدى البعيد تؤدي إلى تغيير سلوك الإنسان وشخصيته في التعامل مع الآخرين وما نسميه التسمم السلوكي المزمن Chronic Behavioural Toxicity.
الترحيب بهذا العقار في مجال علاج الصرع كان لسبب واحد لا غير وهو خلوه من الأعراض الجانبية التجميلية المصاحبة لعقار الفيناتوين أو إيبنيوتن ( Phenytoin - Epanutin ) ولكنه لا يختلف عنه في تحفيزه لأنزيمات الكبد المايكروسمية Microsomal Liver Enzymes ولا في تأثيره السلبي على الجنين قبل الولادة.
تحفيزه لأنزيمات الكبد هو الذي يفسر زيادة فعالية الكبد في التخلص من عقاقير أخرى ومنها عقاقير منع الحمل ولا يستثنى ذلك عقاقير مضادة للاكتئاب أو الذهان، وتلاعبه ببنية العظام الذي يؤدي إلى الكساح. وأحد من أفعال هذا العقار المتميزة هو تحفيز الكبد للتخلص من العقار نفسه مما يستدعي زيادة الجرعة في بعض المرضى للحصول على تركيز علاجي وقد يصل الأمر في بعض منهم إلى تعاطي جرعة يومية تصل إلى 2000 مغم. هذه الظاهرة يطلق عليها التحفيز الذاتي Auto-induction .
هذا سبب آخر لقياس تركيز العقار في الدم على فترات منتظمة وإلا انتهى الأمر بالمريض إلى تعاطي عقار لا فعالية علاجه له سوى أعراض جانبية غير علاجية.
توصيات الموقع:
• الفائدة العلاجية من استعمال هذا العقار في الصحة النفسية محدودة مقارنة بكثرة استعماله في مختلف الاضطرابات العقلية.
• لا يجوز استعمال هذا العقار دون مراقبة تركيز العقار في الدم.
• لا يجوز وقف العقار إلا بصورة تدريجية.
• يجب إعلام أي طبيب تراجعه بأنك تتعاطى العقار لضبط جرع العقاقير الأخرى.
• ليس هناك حرج إن طلبت من طبيبك توضيح سبب إضافته إلى عقار آخر. أما إذا كان هذا هو العقار الموصوف لوحده بعد مراجعة طبيب نفسي وأنت لا تعاني من الصرع فعليك أن تترك هذه الوصفة على طاولة الطبيب وتمتنع عن دفع تكاليف الاستشارة .
المصادر:
1 سداد جواد التميمي (2014) وصفات من الجحيم 1- الكلوزابين Clozapine موقع مجانين.
2 سداد جواد التميمي (2013) العقاقير المضادة للصرع في الصحة النفسية. موقع مجانين.
واقرأ أيضاً:
مأساة الشاب العربي والخيمة الإسلامية/ الشك في رمضان