“إن بعدا رئيسيا في إنجاح أي علاقة أو إفشالها هو توافر أوفقدان عامل الثقة بين طرفي هذه العلاقة “
إن ما قرأته عزيزي القارئ بين علامتيْ التنصيص ليس نصاً منقولاً بقدر ما أعتبره نجاحاً شخصياً في استخلاص قانون في فن العلاقات الإجتماعية.
لا تتوقع ياعزيزي أن أسرد لك قصةً مفعمة ً بالرومانسية عن نجاح علاقة سامح ووفاء، أو فشل علاقة كريم وهايدي لأدلل على صحة هذا القانون. إنما دعني بداية ً أحكي لكَ طرفاً من قصتين بسيطتين جداً كي يتسنى لك أن تلمس دلالة هذا القانون الأهمّ الذي له من القدرة على إنجاح أو إفشال العلاقات ليس على مستوى الأفراد فقط بل على مستوى الأمم والمجتمعات.
القصة الأولى كانت في يوم صيفيّ شديد الحرارة حيث كان جميعنا يتأفف ضجـِراً من سوء هذا الجو الصيفي الذي يجعل كلٌ منا بصريح العبارة “مش طايق هدومه” حين كانت هي أكثرنا جرأةً في التعبير عما بداخلها فصاحت أختي الصغيرة ذات الخمس سنوات وقتها ” الله يخربيتهم بقى، همّا مخليين الجو حر كده ليه ..؟! “
تعجبت من هذا الضمير الغائب في جملتها الذي يرمي إلى أن أشخاصاً ما لا أعرفهم هم من وضعونا في هذا الجو القائظ فسألتها مندهشاً ” مين دول ..؟! ” فردّت بمنتهى الطلاقة ” الحكومة .. همّ مخليين الجو حر كده ليه ..؟! “
القصة الثانية كانت أثناء عملي في عطلتي الصيفية من الدراسة في إحدى مطاعم الكشري في بلدنا، تلك الوجبة العزيزة على قلوب كثير من المصريين صغاراً وكباراً، حين جاءني طفل في نفس عمر أختي تقريباً وقال بأنه يريد “كيس كشري بربع جنيه”. ممسكاً في إحدى يديه بهذا الربع جنيه ويخبّئ في يده الأخرى بطريقة طفولية ربعاً آخر متمنياً لو نجا به مني ويظفر بما طلب، أدركت حيلة الطفل مشفقاً عليه فقلت له بلطف “أقل حاجة بنص جنيه ياحبيبي” خائب الرجاء ذهب وعاد بعد لحظات سلّمني نصف جنيه وطلب “هات كيس بنص” واستدرك في تحفز “هما ليه قايلين لكم متبيعوش غير بنص، ما تقولولهم يخلّوا فيه بربع”
متعجبا من نفس الضمير الذي حيّرني في جملة أختي، سألته ” مين ياحبيبي..؟!” فكان ضمير الغائب في جملته يحمل نفس مدلول الضمير الأول فسارع متثبتاً ” الحكومة ” !
توقفتُ طويلاً أمام تحليل تلكما القصتين البسيطتين، وتساءلت عن الخلفية التي تجعل طفلين صغيرين في هذا السنّ المبكر يلقيان اللوم على الحكومة في كل شئ يبدو سيئاً حتى لو كان الجو الحارّ أو ثمن كيس الكشري الذي ربما جشع صاحب المحل هو ما دفعه لوضع هذه السياسة البسيطة لسير محله. تيقنت أن إحساس عدم الثقة في الحكومة من جانب الشعب متشبعٌ وقد تسرب حتى أدركَ صغار السن.
ولكنّ براءة الطفلين ونقاء سريرتهما أعطاهما الجرأة للبوح بهذه الأزمة التي تعتري الكبار، بيد أنهم يكتفون بالتعبير عنها داخل أسوار نفوسهم أو على أقصى تقدير داخل غرف مغلقة ربما تأكدوا أنهم قطعوا أذن حيطانها كي لا تسمعهم. لكنّ ما يخالج الكبار ويكتمونه، كان قناعة تشبع بها الصغار ولم تمنعهم صورتهم الذهنية غير المكتملة عن (أمــّنا الغولة) الحكومة أن يعبروا عنه ببراءة وحكمة في آن واحد.
وفي المقابل، فإن هناك أزمة ثقة من جانب الحكومة تجاه الشعب، يتبدى ذلك مثلاً في التصريح الأشهر لعمر سليمان – الرجل الثاني في نظام مبارك – بعد ثورة يناير مباشرة بأنّ الشعب المصري لازال غير مؤهل للديمقراطية بعد. إنّ هذا التصريح وإن دلّ، يعبر عن قناعة متجذرة تشبع بها النظام وحتى أعلى درجاته عن الشعب الذي يحكمه. كما يتبدّى أيضا في تصريح شديد اللهجة صرّح به وزير الكهرباء قبل ثورة يناير حين سُئل عن سبب انقطاع الكهرباء المتكرر فرد بغضب شديد – محاولاً تماسك أعصابه كي لايسب ويلعن – أن السبب هو الاستخدام غير الواعي وغير المسئول وتشغيل المكيّفات والثلاجات ذوات الأحمال العالية بحاجة وبدون حاجة من الشعب.
لم يختلف الأمر كثيراً بعد ثورة يناير والتي اعتبرها الكثيرون الحجر الذي حرّك المياة الراكدة والذي سيغير شكل العلاقة بين الشعب ونظامه، فحتى بعد أن غابت وجوه نظام مبارك واستبدلت بوجوه جديدة من تيار الإخوان، لم يتغير هذا البعد في العلاقة بين الشعب المصري ونظامه. لن ينسى المصريون أبداً خطاب مرسي الذي صرّح فيه بأن سبب انقطاع الكهرباء المتكرر هو العامل أبو 20 جنيه. إن هذا الاتهام من رأس النظام آنذاك يجسد عمق أزمة الثقة المستمرة بين النظام والشعب. كما أنّي لا أحتاج أن أدلل على غياب الثقة من جانب الشعب في حكومة الإخوان وإن كانوا بداية ً حاولوا تجربة حكم هؤلاء الذين يعرفون ربنا ثم تغير الأمر بالكلية ليصل إلى انعدام الثقة فيهم.
إذن تتغير الحكومات ويتغير شكل النظام _ أو قل بشكل دقيق رؤوسه _ ويرحل أناسٌ ويأتي أناسٌ والأزمة هي الأزمة. لو تلاحظ هنا ياعزيزي أنّي لا أحدثك عن وجاهة أسباب أزمة الثقة هذه أو استحقاقها ولكني أحدثك عن وجودها وتداعياتها.
إن غياب عامل الثقة من وجهة نظري هو السبب الرئيسي في فشل العلاقة بين الشعب والنظام أيّاً كان شكل هذا النظام وأياً كان التوقيت سواءً في ثورة أو غير ثورة.. وغياب الثقة هو ما يجعلنا _ محلّك سرّ _ إلى الآن ولا نستطيع الخطو للأمام، إذ كيف يخطو مجتمع للأمام لا يثق أفرادُه فيمن يحكمونهم ولا تثق حكومته فيمن تحكمهم؟
إنّ الحكومة ولو قامت بأيّ إنجاز ما، في ظل غياب الثقة لن يتم تأويله من جهة الشعب على أنه إنجاز مخلص بل على إنه لمصلحة فئة ما أو أشخاص ما أو جاء مصادفة دون قصد..إلخ، الأهمّ هنا إثبات أنه ليس القصد منه صالح الوطن من جانب الحكومة، والنتيجة أنّ الشعب لن يشعر بهذا الإنجاز أبدا.
وإنّ الحكومة ستنظر في المقابل على أي إنجاز تنوي تحقيقه أنّ هذا الشعب لا يستحقه وسيفسده بسلوكياته غير الواعية والرجعية.. إلخ. والنتيجة في النهاية أيضاً أنه ربما لا يتم هذا الإنجاز أبدا.
هذا عما قبل ثورة يناير وما بعدها، السؤال الآن ماذا عن ما بعد ثورة يونيو..؟!
رغم تأييد قطاع عريض من الشعب لقرار السيسي بعزل مرسي، إلا أنك لن تستطيع أن تتجاهل قطاعاً آخر رفض ما فعله تماماً واعتبره خيانة وقطاعاً آخر شكّك في إخلاص نوايا الرجل .. إلخ.
فهنا نستطيع أن نقول أن بعض الشعب منح السيسي قبولاً ما ولكن هل نستطيع حسم هذا القبول ونجزم أنه ثقة؟ وإذا كان هذا عن السيسي، فهل هذا القبول يشمل من حوله ومن معه؟ وماذا عن حكومته؟
وإذا كان هذا عن ثقة الشعب في النظام، فماذا عن الزاوية الأخرى، هل جاء ممثلوا نظام ما بعد يونيو بنظرة مغايرة عن هذا الشعب أم أنه لازالت نظرة عدم الثقة فيهم ؟
إننا لو أردنا مستقبلاً أفضل لهذا الوطن فإن علينا أن نرسم شكل علاقة أفضل بين الشعب والنظام. ومن وجهة نظري أن هناك بذوراً جيدة لزرع هذه الثقة من ناحية قطاع معين من الشعب في النظام اختار السيسي رئيساً فإن ما دفعهم لتأييده في الأساس حال عزل مرسي هو أن منحوه الثقة..
ولكن على السيسي نفسه أن يعلم أن هذه الثقة الممنوحة هي مجرد مؤشرات مبدئية وليست ثقة كاملة فعليّة، لذا فعليه أن يكمل بناء هذه الثقة فيمتلك الرؤية الواضحة لاكتساب ثقة كاملة فيمن منحوه هذه المؤشرات والأهمّ من ذلك فإنّ عليه أن يجد طريقاً لاكتساب ثقة المعارضين والمتشككين في نواياه وعليه أيضاً أن يستعين بفريق عمل وحكومة يمتلكون ذات الرؤية والدافع نحو تعزيز ثقة الشعب فيهم.
وعلى الرئيس ألا يكتفي بهذه النغمات المضللة أحياناً بأنّ الشعب يحبه وسيضغط على نفسه دوماً حتى لو استمر الفقر بسبب هذا الحب.
أردّد بيني وبيني كثيراً جزءاً من أغنية التأشيرة التي غنّاها حمزة نمرة وكتبها شاعر رائع هو محمد السيد، في أعلى تجلياتها حين يقول ” حب البلد بيعيش، لما يموت الجوع ” .. هذا ياسيادة الرئيس حب البلد فما بالك بحب من يحكمون البلد؟!
إنّ الحب الحقيقي سيتولد من ثقتهم فيك. وعلى المقابل فإنّ على الشعب منح النظام الجديد الفرصة لاكتساب ثقتهم وعدم الحكم المسبق عليهم, كما عليه أيضاً أن يثبت أنه شعب يستحق أن تثق حكومته فيه وذلك عن طريق تبني سلوكيات إيجابية تجاه مشكلات وتحديات هذا الوطن واستثمار إنجازاته.
إنّ خلق بيئة الثقة والتي افتقدناها تماماً في مجتمعنا هو بداية إصلاح العلاقة بين الشعب ومن يحكمه مما يتيح الفرصة بينهما للتعاون لصالح هذا الوطن.
إن ما قرأته عزيزي القارئ بين علامتيْ التنصيص ليس نصاً منقولاً بقدر ما أعتبره نجاحاً شخصياً في استخلاص قانون في فن العلاقات الإجتماعية.
لا تتوقع ياعزيزي أن أسرد لك قصةً مفعمة ً بالرومانسية عن نجاح علاقة سامح ووفاء، أو فشل علاقة كريم وهايدي لأدلل على صحة هذا القانون. إنما دعني بداية ً أحكي لكَ طرفاً من قصتين بسيطتين جداً كي يتسنى لك أن تلمس دلالة هذا القانون الأهمّ الذي له من القدرة على إنجاح أو إفشال العلاقات ليس على مستوى الأفراد فقط بل على مستوى الأمم والمجتمعات.
القصة الأولى كانت في يوم صيفيّ شديد الحرارة حيث كان جميعنا يتأفف ضجـِراً من سوء هذا الجو الصيفي الذي يجعل كلٌ منا بصريح العبارة “مش طايق هدومه” حين كانت هي أكثرنا جرأةً في التعبير عما بداخلها فصاحت أختي الصغيرة ذات الخمس سنوات وقتها ” الله يخربيتهم بقى، همّا مخليين الجو حر كده ليه ..؟! “
تعجبت من هذا الضمير الغائب في جملتها الذي يرمي إلى أن أشخاصاً ما لا أعرفهم هم من وضعونا في هذا الجو القائظ فسألتها مندهشاً ” مين دول ..؟! ” فردّت بمنتهى الطلاقة ” الحكومة .. همّ مخليين الجو حر كده ليه ..؟! “
القصة الثانية كانت أثناء عملي في عطلتي الصيفية من الدراسة في إحدى مطاعم الكشري في بلدنا، تلك الوجبة العزيزة على قلوب كثير من المصريين صغاراً وكباراً، حين جاءني طفل في نفس عمر أختي تقريباً وقال بأنه يريد “كيس كشري بربع جنيه”. ممسكاً في إحدى يديه بهذا الربع جنيه ويخبّئ في يده الأخرى بطريقة طفولية ربعاً آخر متمنياً لو نجا به مني ويظفر بما طلب، أدركت حيلة الطفل مشفقاً عليه فقلت له بلطف “أقل حاجة بنص جنيه ياحبيبي” خائب الرجاء ذهب وعاد بعد لحظات سلّمني نصف جنيه وطلب “هات كيس بنص” واستدرك في تحفز “هما ليه قايلين لكم متبيعوش غير بنص، ما تقولولهم يخلّوا فيه بربع”
متعجبا من نفس الضمير الذي حيّرني في جملة أختي، سألته ” مين ياحبيبي..؟!” فكان ضمير الغائب في جملته يحمل نفس مدلول الضمير الأول فسارع متثبتاً ” الحكومة ” !
توقفتُ طويلاً أمام تحليل تلكما القصتين البسيطتين، وتساءلت عن الخلفية التي تجعل طفلين صغيرين في هذا السنّ المبكر يلقيان اللوم على الحكومة في كل شئ يبدو سيئاً حتى لو كان الجو الحارّ أو ثمن كيس الكشري الذي ربما جشع صاحب المحل هو ما دفعه لوضع هذه السياسة البسيطة لسير محله. تيقنت أن إحساس عدم الثقة في الحكومة من جانب الشعب متشبعٌ وقد تسرب حتى أدركَ صغار السن.
ولكنّ براءة الطفلين ونقاء سريرتهما أعطاهما الجرأة للبوح بهذه الأزمة التي تعتري الكبار، بيد أنهم يكتفون بالتعبير عنها داخل أسوار نفوسهم أو على أقصى تقدير داخل غرف مغلقة ربما تأكدوا أنهم قطعوا أذن حيطانها كي لا تسمعهم. لكنّ ما يخالج الكبار ويكتمونه، كان قناعة تشبع بها الصغار ولم تمنعهم صورتهم الذهنية غير المكتملة عن (أمــّنا الغولة) الحكومة أن يعبروا عنه ببراءة وحكمة في آن واحد.
وفي المقابل، فإن هناك أزمة ثقة من جانب الحكومة تجاه الشعب، يتبدى ذلك مثلاً في التصريح الأشهر لعمر سليمان – الرجل الثاني في نظام مبارك – بعد ثورة يناير مباشرة بأنّ الشعب المصري لازال غير مؤهل للديمقراطية بعد. إنّ هذا التصريح وإن دلّ، يعبر عن قناعة متجذرة تشبع بها النظام وحتى أعلى درجاته عن الشعب الذي يحكمه. كما يتبدّى أيضا في تصريح شديد اللهجة صرّح به وزير الكهرباء قبل ثورة يناير حين سُئل عن سبب انقطاع الكهرباء المتكرر فرد بغضب شديد – محاولاً تماسك أعصابه كي لايسب ويلعن – أن السبب هو الاستخدام غير الواعي وغير المسئول وتشغيل المكيّفات والثلاجات ذوات الأحمال العالية بحاجة وبدون حاجة من الشعب.
لم يختلف الأمر كثيراً بعد ثورة يناير والتي اعتبرها الكثيرون الحجر الذي حرّك المياة الراكدة والذي سيغير شكل العلاقة بين الشعب ونظامه، فحتى بعد أن غابت وجوه نظام مبارك واستبدلت بوجوه جديدة من تيار الإخوان، لم يتغير هذا البعد في العلاقة بين الشعب المصري ونظامه. لن ينسى المصريون أبداً خطاب مرسي الذي صرّح فيه بأن سبب انقطاع الكهرباء المتكرر هو العامل أبو 20 جنيه. إن هذا الاتهام من رأس النظام آنذاك يجسد عمق أزمة الثقة المستمرة بين النظام والشعب. كما أنّي لا أحتاج أن أدلل على غياب الثقة من جانب الشعب في حكومة الإخوان وإن كانوا بداية ً حاولوا تجربة حكم هؤلاء الذين يعرفون ربنا ثم تغير الأمر بالكلية ليصل إلى انعدام الثقة فيهم.
إذن تتغير الحكومات ويتغير شكل النظام _ أو قل بشكل دقيق رؤوسه _ ويرحل أناسٌ ويأتي أناسٌ والأزمة هي الأزمة. لو تلاحظ هنا ياعزيزي أنّي لا أحدثك عن وجاهة أسباب أزمة الثقة هذه أو استحقاقها ولكني أحدثك عن وجودها وتداعياتها.
إن غياب عامل الثقة من وجهة نظري هو السبب الرئيسي في فشل العلاقة بين الشعب والنظام أيّاً كان شكل هذا النظام وأياً كان التوقيت سواءً في ثورة أو غير ثورة.. وغياب الثقة هو ما يجعلنا _ محلّك سرّ _ إلى الآن ولا نستطيع الخطو للأمام، إذ كيف يخطو مجتمع للأمام لا يثق أفرادُه فيمن يحكمونهم ولا تثق حكومته فيمن تحكمهم؟
إنّ الحكومة ولو قامت بأيّ إنجاز ما، في ظل غياب الثقة لن يتم تأويله من جهة الشعب على أنه إنجاز مخلص بل على إنه لمصلحة فئة ما أو أشخاص ما أو جاء مصادفة دون قصد..إلخ، الأهمّ هنا إثبات أنه ليس القصد منه صالح الوطن من جانب الحكومة، والنتيجة أنّ الشعب لن يشعر بهذا الإنجاز أبدا.
وإنّ الحكومة ستنظر في المقابل على أي إنجاز تنوي تحقيقه أنّ هذا الشعب لا يستحقه وسيفسده بسلوكياته غير الواعية والرجعية.. إلخ. والنتيجة في النهاية أيضاً أنه ربما لا يتم هذا الإنجاز أبدا.
هذا عما قبل ثورة يناير وما بعدها، السؤال الآن ماذا عن ما بعد ثورة يونيو..؟!
رغم تأييد قطاع عريض من الشعب لقرار السيسي بعزل مرسي، إلا أنك لن تستطيع أن تتجاهل قطاعاً آخر رفض ما فعله تماماً واعتبره خيانة وقطاعاً آخر شكّك في إخلاص نوايا الرجل .. إلخ.
فهنا نستطيع أن نقول أن بعض الشعب منح السيسي قبولاً ما ولكن هل نستطيع حسم هذا القبول ونجزم أنه ثقة؟ وإذا كان هذا عن السيسي، فهل هذا القبول يشمل من حوله ومن معه؟ وماذا عن حكومته؟
وإذا كان هذا عن ثقة الشعب في النظام، فماذا عن الزاوية الأخرى، هل جاء ممثلوا نظام ما بعد يونيو بنظرة مغايرة عن هذا الشعب أم أنه لازالت نظرة عدم الثقة فيهم ؟
إننا لو أردنا مستقبلاً أفضل لهذا الوطن فإن علينا أن نرسم شكل علاقة أفضل بين الشعب والنظام. ومن وجهة نظري أن هناك بذوراً جيدة لزرع هذه الثقة من ناحية قطاع معين من الشعب في النظام اختار السيسي رئيساً فإن ما دفعهم لتأييده في الأساس حال عزل مرسي هو أن منحوه الثقة..
ولكن على السيسي نفسه أن يعلم أن هذه الثقة الممنوحة هي مجرد مؤشرات مبدئية وليست ثقة كاملة فعليّة، لذا فعليه أن يكمل بناء هذه الثقة فيمتلك الرؤية الواضحة لاكتساب ثقة كاملة فيمن منحوه هذه المؤشرات والأهمّ من ذلك فإنّ عليه أن يجد طريقاً لاكتساب ثقة المعارضين والمتشككين في نواياه وعليه أيضاً أن يستعين بفريق عمل وحكومة يمتلكون ذات الرؤية والدافع نحو تعزيز ثقة الشعب فيهم.
وعلى الرئيس ألا يكتفي بهذه النغمات المضللة أحياناً بأنّ الشعب يحبه وسيضغط على نفسه دوماً حتى لو استمر الفقر بسبب هذا الحب.
أردّد بيني وبيني كثيراً جزءاً من أغنية التأشيرة التي غنّاها حمزة نمرة وكتبها شاعر رائع هو محمد السيد، في أعلى تجلياتها حين يقول ” حب البلد بيعيش، لما يموت الجوع ” .. هذا ياسيادة الرئيس حب البلد فما بالك بحب من يحكمون البلد؟!
إنّ الحب الحقيقي سيتولد من ثقتهم فيك. وعلى المقابل فإنّ على الشعب منح النظام الجديد الفرصة لاكتساب ثقتهم وعدم الحكم المسبق عليهم, كما عليه أيضاً أن يثبت أنه شعب يستحق أن تثق حكومته فيه وذلك عن طريق تبني سلوكيات إيجابية تجاه مشكلات وتحديات هذا الوطن واستثمار إنجازاته.
إنّ خلق بيئة الثقة والتي افتقدناها تماماً في مجتمعنا هو بداية إصلاح العلاقة بين الشعب ومن يحكمه مما يتيح الفرصة بينهما للتعاون لصالح هذا الوطن.
واقرأ أيضا: