التحليل النفسي للشخصية الأمريكية1
ملامح الأزمات الأمريكية:
سنحاول في هذه الفقرة تقديم رواية مختصرة عن التاريخ المأزمي الأمريكي؛ لنجد أن المؤشرات الإمراضية الأمريكية ممكنة التصنيف في ثلاثة محاور مرضية هي: المحور الاقتصادي (البورصة تحديدا) والمحور السياسي (وراثة زعامة العالم الحر) والمحور الديموجرافي (الأقليات الداخلية).
أ- الانعكاسات النفسية لأزمات الاقتصاد الأميركي.
في المحور الأول تعود أولى الأزمات المالية الأمريكية إلى العام 1907م، حين واجهت البورصة الأمريكية وضعية الخراب؛ بسبب الضغوط لتحويل تغطية عملتها من الفضة إلى الذهب، وحدث حينها ماسمي ب"الرعب في وول ستريت" الذي أثار غضبة الجمهور الأمريكي؛ مما أجبر الإدارة على اتخاذ بعض الإجراءات التي أثبتت التجربة عدم فعاليتها، ثم كان بعدها صدور "قانون الاحتياط الفيدرالي" الصادر عام 1913م. والذي اعتبره المواطن الأمريكي حماية له. إلا أنه ومع نشوب الحرب العالمية الأولى تبين أن هذا القانون يعاني من ثغرات تسمح للمصارف الأوربية باستغلال الاقتصاد الأمريكي.
ثم توالت بعد ذلك الأزمات وصولاً إلى الانهيار التام في أزمة 1929م الشهيرة، ثم توالت عقب ذلك الإصلاحات الاقتصادية ومعها الأزمات المتسربة من ثغرات هذه الاصلاحات، حتى تكرس الإحساس بوجود متربصين متخفين جاهزين للانقضاض على الاقتصاد الأمريكي عندما تحين الفرصة، بل إن هؤلاء بدوا وكأنهم يختبرون قدرتهم على التسبب في فوضى البورصات الأمريكية من وقت لآخر؛ مما انعكس على المواطن الأمريكي بنوع خاص من الخوف التوقعي، الذي يشبه الخوف من الحسد في الثقافات الأخرى إلى حد بعيد؛
ولعل الخوف من الفقر الأمريكي يعود إلى هذا السبب وليس إلى تحديد أوقات الإرضاع كما فسرها غورير، ولقد كرست أزمة 1929م هذه المخاوف مرسخة شعور المواطن الأمريكي بأنه مجرد نقطة ماء في المحيط الأطلسي الذي يجلب معه العواصف التي لايمكن للنقطة سوى أن تستسلم لها، من هنا كانت صعوبة إقناع الأمريكيين بتجاوز مبدأ الحياد، والدخول في الحرب العالمية الثانية، ولولا ردة الفعل الناجمة عن الهجوم على بيرل هاربر؛ لما اقتنع قسم منهم بالمشاركة في الحرب، كما أن هذه المخاوف التي لاتجد تعويضها إلا بالرخاء هي التي دفعت الأمريكيين للتظاهر ضد الحرب في فيتنام، فهم غير مستعدين لتقديم التضحيات والمخاطرة بمستوى رفاهيتهم من أجل مكاسب استراتيجية باهظة الثمن وبعيدة عن الولايات المتحدة.
والواقع أن لهذا الرهاب الأمريكي تظاهراته على مختلف الصعد (سنذكر بعضها في الفقرات التالية)، لكننا نكتفي بذكر العارض الاقتصادي لهذه المخاوف، فنعود إلى ما سمي في حينه ب: "الاثنين الأسود". الذي وافق يوم الاثنين في 19/10 /1987م. حين بلغت خسائر وول ستريت 500 مليار دولار في ذلك اليوم، فاجتاح الأسواق رعب كارثي أجبر الرئيس ريغان على التدخل شخصيًا بالإعلان عن أن المؤشرات الاقتصادية الأمريكية قوية جدا، ولا داعي للاستنفار...إلخ. لكن إدارة ريغان كلها استنفرت لمواجهة هذه الكارثة التي تهدد بالتفاقم، وشارك الأكاديميون الأمريكيون بدراسة الوضع، فكانت الدراسات التي أعدت في جامعات يال وكولومبيا واريزونا أهم هذه الدراسات، وكان باحثوها مساهمين في وضع التقرير الذي أعدته اللجنة التي ألفها ريغان لدراسة الأزمة، والتي أصدرت التوصيات التالية:
1. إيلاء قدر أقل من الثقة لحكمة المستثمرين والانتباه إلى دوافعهم الفردية، مما يعني تقييد حرية الاستثمار والخروج على مبادئ السوق، مما يشكل اعترافا ضمنيًا بحاجة النظام الرأسمالي (السوق) للإصلاح.
2. إخضاع الأسواق المختلفة لرقابة فيدرالية مركزية واحدة. (وهو نوع من الحماية الذي ترفضه مبادئ السوق، حيث تشترط الجات إلغاء الحماية بكافة أشكالها).
3. استخدام آليات " قطع التيار" على غرار ما يجري في توزيع الكهرباء، وذلك للتحكم بالتقلبات السريعة (لأن جنون السوق مرتبط بزيادة سرعة التقلبات). وعلى هذا الأساس تم إقفال البورصة قبل نصف ساعة من موعده في ذلك اليوم.
4. استخدام المبدأ السابق "قطع التيار" لوضع الحدود للأسعار (مما يعني تدخل المراقبة المركزية في تحديد هوامش –حد أدنى وحد أقصى لأسعار الأسهم- بما في ذلك من قضاء على حرية السوق وتحويلها خفية إلى اقتصاد موجه على النمط الاشتراكي. (تولت الصناديق الاستثمارية لاحقا هذه المهمة؛ لتصبح المتحكمة الكبرى بالشركات وبأسعار أسهمها - حول هذه النقطة تحديدًا- تتركز انتقادات جورج شوروش للرأسمالية، التي أودعها كتابه "أزمة الرأسمالية العالمية" الذي سنعرضه لاحقا.
وكان من الواضح لدى جميع المراقبين أن التحكم في الاثنين الأسود لم يتم عبر هذه التوصيات والنصائح، وإنما تم عبر الآليات السوداء؛ للتدخل في السوق، وهي آليات تسمى بالسوداء؛ بسبب لامشروعيتها، ومخالفتها للأخلاقيات المعلنة.
ويبقى السؤال عن نجاح هذه التدابير في التحكم بآليات السوق وصولا إلى تأمين حماية البورصات الأمريكية، والجواب يقلق الأمريكيين، ويضاعف خوفهم التوقعي، فقد أعطت البورصة إشارات خطيرة متعددة، لم تتعدى فوضى بعضها الساعات القليلة حيث أمكن السيطرة على السوق بعدها، إلا أن يومين كاملين من الفوضى كانا كافيين لإعادة تفجير الخوف، الأول كان يوم الاثنين شبيه الأسود في 27/10/1997م أي بعد عشر سنوات كاملة، حيث هبط مؤشر داو جونز 153 نقطة في ذلك اليوم (مقابل 508 نقاط في اثنين1987) ويومها صرح مايك ماكوري باسم كلينتون بأن المؤشرات الاقتصادية الأمريكية قوية....إلخ (بما يتطابق مع تصريح ريغان العام 87).
أما عن محدودية الهبوط، فهو يعود إلى استعداد كلينتون المعروف لاستخدام الآليات السوداء على أنواعها؛ لحل المشاكل التي تصادفه، والثاني كان يوم الجمعة في 14/4/2000. الذي شهد هبوطًا انتقائيًا في أسهم التجارة الجديدة، حيث بدا وكأن هذا الهبوط مدروسًا من أجل التحكم بالأسعار، والحد من ارتفاعها الوهمي (فقاعات السوق) الذي يعقبه هبوط خارج السيطرة.
ونصل إلى إحصاءات سوق التجزئة الأمريكي خلال العام 2000؛ لنجد أن مخاوف الفقر لدى المواطن الأمريكي لاتزال شديدة الحدة، فقد عمد هذا المواطن للامتناع عن الاستهلاك الزائد، وتمسك بمدخراته خوفًا من التغيير الآتي مع الرئيس الجديد، وكان خفض سعر الفائدة على القروض الصغيرة فور انتخاب بوش بمنزلة الدعم المعنوي، والتشجيع للمواطن كي يعود للاستهلاك دون الخوف على مدخراته ومن أزمة محتملة، وهذه المخاوف قد تتحول إلى كارثة في حال نجاح أي إيحاء في تفجيرها، وعندها تصبح المسألة شبيهة بأن يصرخ أحدهم في دار للسينما حريق... حريق!.
ب- وراثة زعامة العالم الحر.
كانت التعددية الأمريكية مساهمة في نسج نمط التوجه الاستراتيجي الأمريكي وتطوراته اللاحقة، ويلاحظ هنتنغتون في مقالته "تآكل المصالح الأمريكية" أن الولايات المتحدة ومنذ قيامها توجه مصالحها واستراتيجيتها في الاتجاه المضاد لأعدائها، فهي كانت تتوجه عكس القارة القديمة (أوربا) لغاية الحرب العالمية الثانية، عندما تحولت إلى معاكسة للنازية ومن ثم للشيوعية، ويتابع هنتنغتون بأنها فقدت وجهة مصالحها بعد نهاية الحرب الباردة؛ لأنه لم يعد لديها أعداء توجه نفسها بالنسبة إليهم! وبهذا يوضح هنتنغتون الثمن الذي تدفعه الولايات المتحدة بسبب خسارتها للعدو، وبالتالي وراثتها للعالم الحر؛
هذه الوراثة التي كلفت الولايات المتحدة وزر إلقاء قنبلتين ذريتين على اليابان، ومعهما مشاعر الذنب وتوقع الانتقام ورهاب المحاكمة، واحتمالات الانقلاب في الأدوار، الذي يجعل المواطن الأمريكي غير مقتنع بأنه يعيش في وطن نهائي، هذه الوراثة التي بدأت التكاليف الباهظة للمحافظة عليها تتبدى أمام عيون المواطن الأمريكين، مع حروب فيتنام وكوريا ومع تهديدات الحرب الباردة وغيرها من التكاليف التي ولدت عقدة فيتنام الأمريكية، ومعها رفض الأمريكيين للتضحيات البشرية بأولادهم من أجل مكاسب استراتيجية بعيدة عن الأرض الأمريكية، ولقد تجلى هذا الرفض في حرب كوسوفو، عندما أدرك كلينتون عجزه عن دفع الثمن الاستراتيجي للانزال البري في كوسوفو فرفضه، والواقع أن حرب كوسوفو قد بينت الفهم الأمريكي لوراثة العالم الحر، الذي يمكن تلخيصه بالمعادلة التالية: "التفوق العسكري الأمريكي بتضحية أوربية لحماية مبادئ العالم الحر".
ومن الواضح أن أوربا غير موافقة على هذه المعادلة، مما يعد الأمريكيين بالاضطرار قريبًا لتقديم التضحيات، وهو وعد يعيد تفجير الرهاب الأمريكي خصوصًا عندما يقترن مع تهديدات التجسس الروسي والصيني والإسرائيلي، ومعهم تهديدات الإرهاب الداخلي متعدد المصادر، وهذا يبين إدراك الرئيس نيكسون لهذه المخاوف، ولاحتمالات الخطر فيها غذ كتب في مذكراته: ...لو سألني مواطن أمريكي عن البلد الذي يمكنه أن يضمن له مستقبلا مستقرًا لأولاده لنصحته باستراليا!...
ج- الخطر الديموغرافي:
قلنا إن نمط الحياة الأمريكية تقوم على استبدال محركات الشخصية بقوالب أو بانماط سلوكية محددة، يمكن للاشخاص اعتمادها، وتبنيها بمعزل عن الشخصية الاساسية، مما يحفظ للفرد عالمه الداخلي، ويقولب تصرفاته وعلاقته بالآخرين، وفق شروط محددة ومقبولة، وبذلك كانت الأقليات الأمريكية تخوض كفاحها من أجل توسيع إمكانيات انصهارها في البوتقة الامريكية، والسماح لها باتباع هذه الأنماط، وتوفير الشروط لذلك، لكن تغييرات عميقة تنامت مع الوقت مدعومة بالظروف، وآخرها سقوط الاتحاد السوفيتي، ففي البداية كانت الجماعات الأمريكية ساعية للانصهار، لكن بعضها كان يتميز بحس انتماء متطور جعلها تبقى مصرة على الحفاظ على خصوصياتها، ومن هذه الجماعات اليهود (يصرون على الإنغلاق بوصفهم الشعب المختار) والصينيون (بسبب تطور حسهم القومي).
بالإضافة إلى الفقراء المنعزلين في إحياء الصفيح من لاتينيين وإفارقة وغيرهم، إلا أن الأمور تعقدت بعد نهاية الحرب الباردة، بحيث باتت فضائح الاستغلال اليهودي للحكومة الفيدرالية سببًا لانبعاث حركة الميليشيات الأمريكية البيضاء، في المقابل وجدنا أن أمريكا بدأت تبحث عن عدو دفعها للتصادم مع بلدان المنشأ للعديد من جماعاتها، فهي اصطدمت مع الصين (حادثة السفارة في بلغراد وطائرة الاستطلاع...إلخ) ومع دول الأطلسي (عبر ابتزاز حرب كوسوفو وتضارب المصالح الاقتصادية) ومع دول أمريكا اللاتينية، ومع أفغانستان والدول العربية وإيران...إلخ، بحيث أدت هذه الأحداث المتراكمة والمتسارعة إلى استشعار هذه الجماعات ضرورة إحياء خصوصياتها، والتجمع بشكل جماعات ضغط (لوبي) شبيهة باللوبي اليهودي، وينعكس ذلك عمليًا بفقدان الولايات المتحدة التدريجي لأهم مقومات نمطها وهو اللغة الإنجليزية، التي بدأت بالتراجع لتدخل في منافسة مع الإسبانية خصوصًا ومع لغات أخرى عمومًا.
هذه الملامح الانشطارية غير قابلة للتجاهل بسبب خلفية الحرب الأهلية الأمريكية، إذ يشير الاستقراء إلى كون الحرب الأهلية نوعًا من الفصام (الشيزوفرانيا) غير القابل للشفاء؛ لأنه يعاود ولو بعد حين، وبأن علاجه الوحيد هو الوفرة الاقتصادية، التي لا زالت الولايات المتحدة تؤمنها لمواطنيها، وتأمين هذا العلاج يستبعد الحرب الأهلية، لكنه لاينفي علائمها (مظاهر التفكك بلغة الاختصاص)، ومن أبرز هذه العلائم نذكر الحوادث التالية:
1. الحوادث العنصرية في ليتل روك عام 1957م التي اضطرت الجيش الأمريكي للتدخل فيها ضد سلطات الولاية وقضائها، مما وضع الليبرالية الأمريكية، والقضاء، ومبادئ الحريات الأمريكية في موقف شديد الحرج، وعرض مصداقيتها محليًا وعالميًا للشك.
2. حوادث لوس أنجلوس العنصرية، التي اندلعت إثر اعتداء شرطي أبيض على مواطن أسود، وتسجيل الحادثة على شريط فيديو، الأمر الذي استتبعه حوادث عرقية تضمنت التمرد والنهب وإشعال الحرائق.
3. حوادث مدينة سينسيناتي في ولاية أوهايو التي اندلعت في7/4/2001م والتي استمرت لبضعة أيام، تخللها النهب والشغب، مما اضطر سلطات الولاية للجوء إلى أساليب عنفية وإلى حظر التجول؛ كي تتمكن من السيطرة عليها، وعلى الشغب في أحياء السود الثائرين لقتل جندي أبيض للأسود تيموثي توماس، وجاءت هذه الحوادث بعد سلسلة من الاعتداءات التي ارتكبها بيض بحق مواطنين سود في تلك الولاية، وتكرار هذه الحوادث العنصرية منذ 1957م وحتى اليوم هو مؤشر على وجود مظهر تفككي قابل للانفجار في البنية الأمريكية.
4. انفجار أوكلاهوما (1995). الذي قامت به حركة الميليشيات الأمريكية البيضاء، في محاولة لإظهار عدم رضاها عن الحكومة الفيدرالية، وإعلان خروجها عن طاعة الحكم الأمريكي، الذي تعتبره هذه الميليشيات تابعًا لليهود.
5. هوس التسلح الأمريكي، وأحد أبرز آثاره الجانبية جرائم المدارس، حيث سجلت عشرات الحوادث التي قام بها أطفال مدارس بقتل رفاقهم في حوادث قتل جماعية.
6. العمليات السوداء للمخابرات الأمريكية، والتي رافقت الوكالة منذ إنشائها وحتى اليوم، وقد سميت بالسوداء نظرًا لتعارضها مع المبادئ الليبرالية المعلنة، وهي تعكس مظاهر فصامية (تفككية)، إذ تشير إلى اضطرار الحكم الأمريكي لتجاوز قوانينه.
7. الاغتيالات التي تطال الرؤساء الأمريكيين وبعض مقربيهم، وتطول القائمة منذ اغتيال لنكولن وحتى محاولة اغتيال ريغان، وهذه الاغتيالات تبقى في غالبيتها غامضة، مما يبرر اعتبارها نوعًا من الانقلاب على السلطة، مما يضع الولايات المتحدة في موقف لايختلف كثيرًا عن موقف أمريكا اللاتينية خلال فترة الانقلابات المتتابعة.
8. العقدة الفيتنامية غير القابلة للشفاء؛ كونها سجلت أولى الهزائم الأمريكية، بعد أن تسببت بانشطار الرأي العام الأمريكي بين مؤيد ومعارض لهذه الحرب، وهذا المظهر التفككي لايزال يعاود الظهور في القضايا العسكرية، حيث اضطر بوش الأب لتوريط كل أصدقاء أمريكا في حرب الخليج، كما اضطر كلينتون إلى تجنب الإنزال البري في كوسوفو، وهذا الخوف يختزل كافة المخاوف الأمريكية الكامنة وراء الإصرار على تراث الكاو بوي، ومعه امتلاك الأسلحة الفردية بحرية، الذي أيده بوش الابن بصفته محافظًا مهتمًا بهذا التراث ومنتميًا إليه، وهو انتماء قد يفسر مسارعة المحافظين للتورط في استعمال القوة.
التحليل النفسي للشخصية الأمريكية:
قد لايكون من الموضوعي الحديث عن شخصية أمريكية وسط هذه التعددية المغرقة في التعقيد، حيث الانتماء لايتوزع على محور الأصول العرقية أو اللغوية أو التاريخية، بل تضاف إليه محاور أخرى يتعلق أهمها بتاريخ الهجرة، والمدة الفاصلة بينه وبين الراهن، عداك عن محور التصنيف الطبقي الذي يصنف الجماعات الأمريكية وفق دخلها السنوي.
مع ذلك يبقى تحليل هذه الشخصية ممكنًا؛ بسبب اعتمادها قالبًا سلوكيًا نمطيًا، هو ذلك المسمى بنمط الحياة الأمريكية، وهو قابل للتحليل خاصة مع غياب الفروقات العقائدية العميقة، حيث يميل التحليل إلى تصنيف القوالب السلوكية الجامدة في خانة العصاب السلوكي، حيث يعرف التحليل النفسي هذا العصاب كالتالي: "إنه من الأعصبة الراهنة (أي إنها لاتعود إلى عقد في صلب الشخصية) التي تتأتى عن تجارب سلبية تدفع بالشخص إلى الاعتياد على تنفيذ رغباته وممارسة غرائزه دون إخضاعها لسيطرة، أو مساهمة الجهاز العقلي، ويدل ذلك على ان الوظائف النفسية لدى هذا النوع من العصابيين لم تتوطد بشكل ثابت وراسخ.".
ولدى مراجعتنا لنمط الحياة الأمريكية نجدها تنتمي تحديدًا إلى هذا النوع من العصاب، إذ تمت تربية المواطن الأمريكي حتى لايهتم إلا بما يعود عليه بالمنفعة، أما العقل والجهاز العقلي فهما صندوق أسود يستحسن عدم الخوض فيه، وهذه ليست تهم نسوقها جزافًا، إذ أن إحصاءات الثقافة العامة لدى المواطن الأمريكي هي خير داعم لهذا التشخيص، الذي يتدعم أيضًا من خلال الخضوع الكلي للجمهور الامريكي للإيحاءات الإعلامية، وحسبنا هنا التذكير بضألة المعلومات العامة الفضائحية في المقابلة التلفزيونية التي أجراها جورج بوش وهو بعد مرشح، إذ أنه كان يسعى إلى رئاسة أقوى دول العالم دون أن يملك المعلومات العامة، التي يحتاجها أي متسابق في برنامج ألعاب تلفزيوني.
واقرأ أيضًا:
هل الثورات العربية خطة أمريكية؟ / الشباب العربي وملامح ثورة جديدة / كيف نفسـر الثورة التونسية؟ / سيكلوجية الشعوب بعد ثورة الشباب المصرية