التأصيل الإسلامي لعلم النفس4
نقد علم النفس الغربي:
المقصود بعلم النفس هنا ليس النقد التفصيلي لمسائله، ولكن المقصود به هو النقد العام لمسلمات علم النفس ومدارسه بهدف وضع معيار للمقبول والمرفوض منه.
من أول من قدم نقداً موضوعياً لعلم النفس الغربي هو محمد قطب (1408هـ) في كتابه ((الإنسان بين المادية والإسلام)) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1952م. وانتقد في كتابه هذا فرويد والمنهج التجريبي السلوكي.
وممن نقد علم النفس عبدالناصر السباعي (1411هـ) الذي يرى أن ((انفصال علم النفس عن الفلسفة لا يعدو عن كونه وهماً فقط. وليس هناك في الفلسفة ما يسمح لنا بالقول بأن علم النفس انفصل عن الفلسفة في يوم من الأيام)) (ص15)، وانتهى إلى أن التصور الذي وضعه علماء النفس للإنسان لم يكن انطلاقاً من أبحاثهم ودراساتهم بل هو تصور ضمني نشؤوا على التعامل به داخل مجتمعهم، وهم في الحقيقة إنما يجرون أبحاثهم في ضوئه. كما يرى أن علم النفس ((ليس علماً يسعن في إنتاج معرفة موضوعية بالواقع الإنساني بقد ما يعمل على ترسيخ وتبرير تصور قائم حول الإنسان بإضفاء صيغة العلمية والموضوعية عليه)) (ص16).
وربما كان مالك بدري (أ1398، ب1398، 1416هـ، Badri ، 1976، 1978م) من أبرز من كتب في هذا المنحى، وله عدد من الدراسات المنشورة، منها دراسته المعنونة بـ((علماء النفس المسلمون في جحر الضب)) المنشورة عام 1976م باللغة الإنجليزية، وقد ترجمت إلى العربية ونشرت في مجلة المسلم المعاصر (1398هـ)، وفي هذا البحث انتقد مالك بدري علماء النفس المسلمين في تقليدهم لعلماء النفس الغربيين، كما انتقد مدرسة التحليل النفسي، ومنها دراسته الأخرى المنشورة باللغة الإنجليزية عام 1978م تحت عنوان The Dilemma of Muslem Psychologists ((أزمة علماء النفس المسلمين))، وفيه ركز نقده على فرويد والاتجاه التحليلي من وجهة نظر العلم التجريبي والطريقة العلمية.
أما رؤيته النقدية الشاملة لعلم النفس الغربي فقد عرضها في دراسته التي قدمها إلى المؤتمر العالمي الرابع الذي أقامه المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الخرطوم في السودان عام 1407هـ. في هذه الورقة وضع مالك بدري (1416هـ) معياراً للمقبول والمرفوض من علم النفس وبنى معياره على أن علم النفس هو في الحقيقة علم تجريبي وفلسفة وفن، ويرى أننا نقبل ما كان منه ضمن العلم تجريبي ((بشكل عام ولكننا نرفض خلفيته الفلسفية وبعض أساليبه وممارساته التي تتنافى مع ديننا)) (ص1149) أما ما كان منه ضمن الفلسفة وهو ما نجده في النظريات العامة عن الإنسان وطبيعته فنرفضه و((لكننا لا نستنكف عن الاستفادة من بعض جوانبها المفيدة، فليس هناك شر محض في مثل هذه النظريات)) (ص1149) ((وأما علم النفس كفن أو حرفة دقيقة تحتاج إلى تدريب عملي وخبرة طويلة في الأداء كفنون العلاج النفسي وتطبيق اختبارات الذكاء والتدريس فإنه لا حرج عليها في تعلمها والإفادة منها إلا إذا ناقضت أساليبها ومقاصدها فكرنا الإسلامي)) (ص1149).
وقد وضع بدري (1416هـ) قاعدتين تحددان الموقف من علم النفس الغربي:
الأولى: ((كلما كانت المواد التي نأخذها من علم النفس الغربي أكثر اعتماداً على البحث التجريبي الميداني، فإنها تكون أكثر قبولاً واتساقاً مع الفكر الإسلامي. وفي المقابل كلما كانت المواد أكثر اعتماداً على النظريات (الأريكية) Armchair Theories ، فإنها تزداد بعداً عن التصورات الإسلامية...)) (ص1146).
الثانية: ((أنه كلما كانت المواد النفسية الحديثة تدرس جانباً محدوداً من السلوك كدراسة الإدراك الحسي أو زمن الرجع أو الذكاء أو تأثير العقاقير العلاجية على السلوك كانت أكثر قبولاً من الناحية الإسلامية، وفي المقابل كلما كانت هذه المواد تهتم بالسلوك الإنساني العام فإنها تزداد بعداً عن المظلة الإسلامية)) (ص1146).
هذا الإطار الذي حدد في ضوئه مالك بدري المقبول والمرفوض من علم النفس إطار جيد، ولكن لابد من ملاحظة أن التجارب المعملية هي استجابة لأطر نظرية ومسلمات فلسفية انطلق منها الباحث من حيث يشعر أو لا يشعر. خذ مثلاً التجارب المعملية للمدرسة السلوكية، هذه التجارب ربما تتوفر فيها جميع شروط البحث العلمي الجيد، ولكنها مع ذلك ليست متحررة من تأثير بعض المسلمات الفلسفية، من ذلك مثلاً حصر موضوع علم النفس في السلوك الظاهر فقط واعتبار ما سواه في حكم المعدوم، ومن ذلك القول بآلية السلوك أو آلية الإنسان. هاتان المسلمتان مع غيرهما جعلتا المدرسة السلوكية ترفض بحث جميع العمليات النفسية الداخلية بحجة أنها لا تقع ضمن مجال علم النفس لأنه لا يمكن ملاحظتها.
والنتائج التي تأتي من مثل هذه التجارب حتى مع التسليم بصحتها ناقصة لا تعكس حقيقة السلوك البشري. والتجربة قد تتغير نتائجها تغيراً مذهلاً بمجرد إضافة جانب آخر في الشخصية لم يكن ملتفتاً إليه من قبل. خذ مثلاً تجارب التعليم الشرطي عند بافلوف وتجارب المحاولة والخطأ عند ثورندايك وانظر كيف تحولت إلى ما يعرف بالتعليم الفعال عند سكنر، ثم انظر كيف تغير الموقف تماماً بعد إضافة الجانب المعرفي على يد ألبرت باندورا، فوجد عندنا ما يعرف بالتعلم بالقدوة أو نظرية التعلم الاجتماعي Social Learning theory.
إن هذا الإطار الذي اقترحه مالك بدري ضروري لمسيرة التأصيل الإسلامي لعلم النفس، والمؤمل من المهتمين بحركة التأصيل تطوير هذا الإطار وتطبيقه على علم النفس الغربي بتأليف كتاب يحوي فقط الحقائق الثابتة المقطوع بها أو الراجحة غالبة الرجحان. إن مثل هذا الكتاب ضروري للمشتغل بالتأصيل وسوف يختصر عليه وقتاً طويلاً ويعفيه من مظنة بحث شاق في تحصيل الحقائق الثابتة في علم النفس بعيداً عن النظريات والافتراضات الظنية.
مفهوم النظرية الإسلامية في التأصيل الإسلامي لعلم النفس:
النظرية تكوين افتراضي ليس موجوداً في الطبيعة أو في المعلومات، يستطيع من خلاله الباحث تفسير بعض الظواهر المعينة أو عرض بعض الحوادث التي هو مهتم بها (1985م، Hall & Lindzey). هذا مفهوم النظرية في الدراسات الغربية الحديثة. وهي بهذا مفهوم متغير متطور نام قابل للرفض والقبول.
ترى ماذا عن النظرية الإسلامية التي تستند فيما تستند إليه إلى الكتاب والسنة، هل هي متطورة متغيرة أو ثابتة؟ من أو من تحدث عن مفهوم النظرية الإسلامية محمد قطب (1394هـ) في كتاب ((دراسات في النفس الإنسانية))، ففي مقدمة هذا الكتاب شرح محمد قطب تصوره للنظرية الإسلامية وطبيعة العلاقة بين النظرية ونصوص الوحي فقال: "وهذا الكتاب مجرد محاولة في هذا السبيل، وهي مجرد محاولة.. أتحمل مسؤوليتها وحدي، فالإسلام ليس مقيداً بما أقول... وما أزعم أن هذه هي ((النظرية الإسلامية))... إنما أقول فقط إنها نظرية إسلامية... اجتهدت فيها بمقدار ما فتح الله علي من طاقة المعرفة... وهو وحده الموفق إلى الصواب"(ص7 – 8).
والقرآن عنده، رغم أنه مصدر النظرية إلا أنه ((ليس كتاب نظريات نفسية أو علمية أو فكرية، ولكنه يحوي التوجيهات الكاملة الكافية لإنشاء هذه النظريات... (ص8). إن الذي في القرآن معلومات عن النفس الإنسانية يمكن أن تستوحى في ((استخلاص نظرية شاملة عن النفس تعمل المشاهدة والتجربة في توضيحها ووضع تفصيلاتها كما تعمل في توضيح بقية الإشارات الكونية في القرآن)) (ص9).
ويضرب محمد قطب على هذا مثلاً بقوله تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار..} ويعلق على هذه الآية بأن الله عز وجل ((لم يقل كيف يختلف النهار والليل، وكيف تجري الفلك في البحر... وترك للمشاهدة والتجربة أن يتحققا من سر هذه الآيات ويعرفا بقدر ما ييسر الله لهما حقيقة النواميس التي تعمل بها القدرة الإلهية في الكون)) (ص10).
ويعقب على هذا المثل بأن الله سبحانه وتعالى ((وجه الإنسان إلى استجلاء أسرار النفس وذكر صفاتها وحالاتها ولكنه ترك للمشاهدة والتجربة أن يتحققا مما وراء ذلك من النظريات والتفصيلات. لذلك كانت المشاهدة والتجربة عماداً لي في البحث أتفهم عن طريق إشارات القرآن)) (ص10).
إذن النظرية الإسلامية التي يقدمها أي باحث ليس لها صفة القداسة أو العصمة من الخطأ وإنما هي مجرد اجتهاد في تفسير بعض الإشارات القرآنية، وربما كان هذا التفسير ناقصاً يحتاج إلى تكميل أو حتى خاطئاً فيرفض ويرد على صاحبه، والفرق الوحيد بين هذه النظرية الموسومة بـ((الإسلامية)) وغيرها من النظريات هو أنها تستند فيما تستند إليه إلى الكتاب والسنة، فالإطار الذي تنطلق منه إطار إسلامي والأصول التي بنيت عليها النظرية أصول إسلامية.
أما تحقيق الأصول في أرض الواقع فقد اتخذ مسارين: أحدهما البدء بالتطبيقات الجزئية من أجل الوصول إلى الإطار النظري الشامل، وهو ما يسميه إبراهيم رجب (1412هـ) بالتأصيل الجزئي، وذلك بتجزئة الموضوعات والقضايا والمجالات التي يتضمنها التخصص ثم بذل الجهود لتأصيل كل منها على حدة، ويرى أن خاتمة المطاف لهذا التأصيل هو بناء نظرية شاملة في التأصيل (رجب، 1412هـ)، وثانيهما هو بناء النظرية الكلية المعرفية أولاً أو ما يسميه بالتأصيل الشامل ثم يكون التطبيق على الجزئيات بعد ذلك والربط بين النظرية الكلية والعلم المراد تأصيله.
والباحثون تباينت مواقفهم من هاتين القضيتين، فمن الباحثين من اتجه نحو التأصيل من غير أصول فكرية ينطلق منها، ومنهم من بالغ في تحقيق الأصول واعترض على كل حركة تأصيل بحجة أن النظرية الشاملة مفقودة ولابد من بنائها والتحرر من النظرية الغربية أولاً، ثم يكون بعد ذلك التطبيق أو التأصيل العلمي. والذي يراه كاتب هذا البحث أن التأصيل من غير منطلقات فكرية ومسلمات إسلامية واضحة بعيد المنال، وليت شعري! من هذا شأنه في التأصيل أن يريد أن يؤصل ماذا؟
أما من يبالغ في تحقيق المسلمات والأطر الفكرية ويؤكد بناء النظرية الشاملة أولاً قبل أي خطوة فهو غير واقعي، لأن الأطر النظرية الكبيرة لا تتكون إلا بخطوات نظرية وعملية يأخذ بعضها برقاب بعض. نعم لا نستطيع البدء في التأصيل من غير إطار معرفي إسلامي، ولكننا نستطيع أن نبدأ في التأصيل من غير نظرية نفسية شاملة، بل إن النظرية الشاملة هي وليدة مثل هذه الخطوات العملية. وهذا السبيل مقدمة ضرورية للتأصيل الشامل، وهذه الدعوى تقوم على ثلاث مقدمات:
الأولى تتعلق بطبيعة المسلمات التي تكون الإطار المعرفي الإسلامي، والثانية تتعلق بطبيعة النظرية الإسلامية، والثالثة تتعلق بطبيعة نشأة النظرية في العلوم الاجتماعية.
أما فيما يتعلق بالمقدمة الأولى فإن مسلمات الإطار المعرفي الإسلامي نوعان، منها مسلمات مصدرها الوحي فقط، والمنهج في تحصيلها هو الاستنباط، ومسلمات أخرى مصدرها غير الوحي وهو العالم، ويدخل في ذلك التجربة والعقل، والسبيل في تحصيلها التجريب واختبار الفروض، وهذا لا يتحقق من غير دراسات جزئية نسعى من خلالها في التثبت من المسلمات. وربما ردت هذه المقدمة بأن المسلمة التي نحتاج إلى التثبت منها ليست في الحقيقة مسلمة لأن مسلمات الإطار العلمي أمر سابق على البحث العلمي نفسه، وهي التي توجه البحث العلمي وتحدد مجاله وأدواته، وهذا القول ليس على إطلاقه حيث ثبت من خلال التجريب أن بعض ما كنا نظنه في وقت من الأوقات مسلمات ليس مسلماً به.
وأما فيما يتعلق بالمقدمة الثانية فقد سلف في الحديث عن طبيعة النظرية الإسلامية أنها اجتهاد قابل للصواب والخطأ، وما يميز هذه النظرية عن سواها هو أنها اجتهاد مبني على أصول إسلامية فقط. إذن النظرية بعد أن توضع تقبل التعديل سواء بالإضافة أو الحذف كما أنها عرضة للرفض. ولهذا فلكي نصل إلى نظرية كاملة شاملة نحتاج إلى مشوار طويل من التجريب والبحث، وهذا لا يكون إلا بالبدء بجزئيات تتكامل فيما بعد مكونة النظرية الشاملة.
وأما المقدمة الثالثة فإن النظرية في العلوم الاجتماعية وكذلك العلوم الأخرى لا تكمل إلا بعد جهد ربما تجاوز عشرات السنين. النظرية السلوكية مثلاً كانت تصوراً ساذجاً على يد واطسون يصر على دراسة السلوك الظاهر فقط، ولكنها تطورت على يد سكنر ثم تطورت أكثر على يد باندورا الذي ربط بينها وبين الاتجاه المعرفي، وهذا النمو استغرق خمسين سنة تقريباً.
لهذا يرى الباحث أن ما يسمى بالتأصيل الجزئي مقدمة طبيعية للتأصيل الشامل بشرط تحديد الأطر الفكرية والمنهجية العامة التي ينطلق منها الباحث في بحثه، ويتمكن بعد ذلك من بناء نظرية نفسية شاملة.
شروط التأصيل الإسلامي:
كتب عدد من الباحثين عن شروط التأصيل الإسلامي للعلوم الإنسانية وعما ينبغي أن تيحلى به من يسعى للتأصيل، ومما ذكروه في ذلك التمكن من العلم الشرعي (نجاتي، 1411هـ، رجب، 1412هـ، Idris ، 1987م)، ومع ذلك لا نجد أحداً من الباحثين اعتنى بهذا الموضوع فبين الجوانب الشرعية التي ينبغي لدارسي علم النفس والعلوم الاجتماعية إتقانها كي يكون تأصيلهم ذا أساس متين.
وهذا الجانب المفقود يختلف عما قدمه نجاتي ( 1408، 1409، 1417هـ) في كتابه ((القرآن وعلم النفس)) و((الحديث النبوي وعلم النفس)). والذي عمله نجاتي يتلخص في أنه جمع الآيات والأحاديث المتعلقة ببعض أبواب علم النفس العام ثم علق عليها مستصحباً أحياناً بعض النظريات النفسية ومؤولاً بعض النصوص كي تتفق مع ما استصحبه من نظريات. وهذا الجهد العلمي من نجاتي في غاية الأهمية وهو جهد مشكور، كان ينبغي أن يتم في مرحلة مبكرة من التأصيل. وأهمية هذا العمل تكمن في أنه ييسر للباحث نوعاً من المقارنة بين المفاهيم النفسية كما وردت في علم النفس الحديث ومقابلتها في القرآن والسنة.
ومع ذلك فعلى الرغم من أهمية هذه التجربة وضرورة تيسير نصوص القرآن والسنة المتعلقة بعلم النفس للدارسين فإننا لا زلنا بحاجة إلى باب آخر من أبواب العلم، وهو العناية بالأحكام الشرعية التي لها علاقة بعلم النفس. ويقترح الباحث لسد هذه الخلة أن تقسم العلوم الشرعية التي يعتني بها طالب علم النفس إلى قسمين: قسم عام يضبط المنهجية الشرعية عند الباحث وآخر خاص تنضبط به تفصيلات علم النفس وجزئياته.
والقسم العام يدور حول معرفة أصول الفقه أو القواعد التي يتوصل بها الباحث إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية، ومما يدخل في ذلك معرفة مصادر التشريع ووجوه الاستدلال وقواعد الاستنباط ومقاصد الشريعة والقواعد العامة التي تضبط أحكامها، وأما الخاص فيدور حول معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالقضايا النفسية كل على حدة، مثل أحكام البلوغ والتكليف والمسؤولية الجنائية والمرض النفسي وأحكام التوبة، ومن ذلك أيضاً العلم بالمصطلحات الشرعية حسب ورودها في الشريعة فيدرك المعنى المراد من مثل الفطرة والقلب والعقل والحضانة فلا يحرف هذه المصطلحات مجاراة للاصطلاح الحادث في علم النفس.
الخاتمة:
هذه القضايا من التأصيل التي سبق عرضها في هذا البحث، لازالت مفرقة، ولا يوجد كتاب جامع – باستثناء كتاب إبراهيم رجب (1416هـ) – يضم شتاتها، كما أنها إلى الآن لم تدخل ضمن المقررات المدرسية في أقسام علم النفس في المرحلة الجامعية أو الدراسات العليا، وهذا باستثناء مقرر التوجيه الإسلامي لعلم النفس الذي يقدم في بعض الجامعات.
والأولى أن تضمن هذه المسائل عن المنهجية كتب علم النفس العام وكتب مناهج البحث. والقصور في هذا الجانب – في الحقيقة – مؤشر على أن الحركة على الرغم من الجهود المبذولة لا زالت في مراحلها الأولى. والمعنيون بالتأصيل الإسلامي ينبغي لهم تدارك هذا النقص فيكتبوا مداخل وكتباً دراسية للمرحلة الجامعية وما بعدها تعنى بطبيعة التأصيل ومبادئه مع مسائل علم النفس العام، فيدرس الطلاب من ضمن ما يدرسون فصلاً عن المنهجية الغربية والنقد الموجه إليها كما يدرسون التصور الإسلامي لنظرية المعرفة وأسسها.
ويدرسون أيضاً من ضمن ذلك العلاقة بين الوحي والعلم وطرق الجمع بين ما ثبت في القرآن والسنة ومعطيات علم النفس الحديث. إن دراسة هذه المسائل ضرورية لتحرير العقل المسلم من أسر التقليد وتأهيله للإبداع في علم النفس. إنه بسبب خلو كتب علم النفس من نظرية المعرفة الإسلامية على الرغم من عناية عدد من الباحثين بها لم تستقر بعد في المجال الإدراكي المعرفي لكثير من دراسي علم النفس فيستطيعون تقويم المعارف وتقديمها من خلالها.
كما يلاحظ أن الربط بين النصوص الشرعية من آيات وأحاديث ومعطيات علم النفس الحديث، لازال يعاني من تخلف ذريع، وغالبية الباحثين عاجزون عن الربط بين الجانبين. ومعالجة هذه المشكلة تكون باستكمال المعرفة الشرعية والقدرة على التمييز بين الحقيقة والفرضيات العلمية التي لم تثبت بعد. وهذا يجعلنا نؤكد على مسألتين: الأولى إيجاد منهج من العلم الشرعي يفي بحاجة دارسي علم النفس سواء من حيث الأحكام الفقهية أو من حيث ضوابط النظر في النصوص الشرعية. والثانية هي إيجاد كتب تفصل بين الحقيقة العلمية والتصورات الفلسفية والفرضيات التي لم تثبت بعد أو التي ثبت خطؤها، فلا ينساق الباحث المسلم خلف فرضية خاطئة فيفسر بها نصوص الشرع، أو يرفض حقيقة علمية ظناً منه أنها تتعارض مع الشريعة.
وأخيراً ما زالت ضوابط البحث العلمي النابعة من تصور إسلامي في بداياتها، ومهمة المشتغلين بالتأصيل الإسلامي تحرير هذه الضوابط وتيسيرها للباحثين في المستقبل القريب.
المراجع العربية:
قطب، محمد (1408هـ). الإنسان بين المادية والإسلام. ط9. القاهرة: دار الشروق.
السباعي، عبدالناصر (1411هـ). مشكلات علم النفس في ضوء التصور الغربي للإنسان دراسة تاريخية. مجلة المسلم المعاصر، 57، 145 – 161.
بدري، مالك (أ1398هـ). علماء النفس المسلمون في جحر الضب(1). مجلة المسلم المعاصر، 4،15، ص105 – 123.
بدري، مالك (ب 1398هـ). علماء النفس المسلمون في جحر الضب (2). مجلة المسلم المعاصر، 4، 16، ص97 – 113.
بدري، مالك (1416هـ). علم النفس الحديث من منظور إسلامي. (ذكر في): المعهد العالمي للفكر الإسلامي. المنهجية الإسلامية والعلوم السلوكية والتربوية: بحوث ومناقشات المؤتمر العالمي الرابع للفكر الإسلامي، ج2. المعهد العالمي للفكر الإسلامي. ص1101 – 1152.
قطب، محمد (1394هـ). دراسات في النفس الإنسانية. بيروت: دار الشروق.
رجب، إبراهيم (1412هـ). مداخل التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية. مجلة المسلم المعاصر، 16، 63، ص43 – 79.
نجاتي، محمد عثمان (1411هـ). منهج التأصيل الإسلامي لعلم النفس. مجلة المسلم المعاصر، ع57، ص21 – 45.
نجاتي، محمد عثمان (1408هـ). القرآن وعلم النفس. ط2. بيروت: دار الشروق.
نجاتي، محمد عثمان (1409هـ). الحديث النبوي وعلم النفس. بيروت: دار الشروق.
نجاتي، محمد عثمان (1417هـ). القرآن وعلم النفس. ط6. بيروت: دار الشروق.
المراجع الأجنبية:
– Badri, M. (1976). Muslim psychologists in the lizard's hole. In AMSS: From: Muslim to Islamic: proceeding of the fourth annual convention of the Association of Muslim Social Scientists. V. 2 pp. 6 – 35
– Badri, M. (1978). Dilemma of muslim paychologists. London: M.W. H. Publishers.
– Hall, C. & Lindzey, G. (1985).Introduction to theories of presonality. New York: John Wiley & Sons.
– Idris, Jaafar S, (1987). The Islamization of sciences: its philosopy and methodology. The American Journal of Islamic Social Sciences, 4, 201 – 208.
المصدر: مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد 22، السنة 22، ص469-506
واقرأ أيضًا:
الاستشفاء بالقرآن في الطب النفسي المعاصر / فاعلية العلاج النفسي الديني في الوسواس القهري(2) / التغيرات العصبية الدماغية المصاحبة للخبرات الدينية / الدين والطب النفسي مشاركة