ما معنى التوازن النفسي؟:
هل هو حالة الثبات الفكري والانفعالي؟
هل هو التوازن بين مكونات النفس (المعرفة والعاطفة والسلوك، أو ذات الطفل وذات الراشد وذات الوالد، أو الهو والأنا والأنا والأعلى، أو الذات المثالية والذات الاجتماعية والذات الحقيقية)؟
هل هو التوازن بين متطلبات الجسد ومتطلبات الروح؟
هل هو التوازن بين العقل والقلب (العقلانية والوجدانية)؟
هل هو التوازن بين الرغبات والقيم؟
هل هو التوازن بين التطور والتكيف؟
هل هو التوازن بين الثابت والمتغير في حياتنا النفسية؟
هل هو التوازن بين عطائنا لأنفسنا وعطائنا لغيرنا؟
هل هو التوازن بين منغصات الحياة وملطفاتها؟
هل هو التوازن بين البيئة الداخلية للإنسان والبيئة الخارجية في الحياة؟
التوازن النفسي هو المستوى الثالث في الصحة النفسية (بعد السعادة وهي غلبة المشاعر الإيجابية، والرضى النفسي وهو القناعة بما هو موجود)، وهو حالة دينامية تكاد تتساوى فيه كفتان تحمل كل منهما شيئا يناقض بحيث يسمح هذا التوازن بحالة من الاستقرار النفسي. والتوازن الدينامي يعني أن الإنسان والبيئة المحيطة به في حالة تغير مستمر (وأحيانا اضطراب أو زلزلة) وبالتالي تكون ثمة احتمالات لتغيرات واضطرابات مؤقتة في حالة التوازن ولكنها سرعان ما تختفي بالإضافة أو الحذف في كفتي الميزان بحيث نبقي على حالة الاستقرار.
والإنسان بحكم تكوينه يسعى للوصول لحالة التوازن فالمخ يحوي آليات كيميائية وكهربية تنظم نشاطه لكي يصل إلى حالة من التوازن، وبه حسّاسات وكابحات قادرة على إعادة حالة التوازن كلما اختلت، والجسم أيضا به نفس الآليات بأشكال مختلفة تجعله في حالة توازن حيوي أغلب الوقت على الرغم من التغيرات الداخلية في الجسم والخارجية في البيئة.
وهناك بعض الكلمات المرادفة أو المشابهة للتوازن النفسي نذكر منها: الثبات النفسي، والتوافق النفسي، والثبات الانفعالي، والصلابة النفسية (الاستردادية)، وغيرها. وفي المقابل علينا أن نفرق بين الثبات والجمود، ونفرق بين الصلابة والتصلب، ونفرق بين الثبات الحقيقي والثبات الظاهري.
والتوازن النفسي يعتمد كثيرا على تقدير الذات (بإمكاناتها وملكاتها وقدراتها) وتقدير المشكلة، ويعتمد على الاستفادة من الخبرات السابقة في حل المشكلات ومواجهة الأزمات، ويعتمد على الاستفادة من وسائل الدعم المتاحة والممكنة، ويعتمد على وجود هدف ومعنى للحياة، ويعتمد على توافقنا مع المجتمع ومع الكون ومع الحياة.
وقد رصد الباحثون عدة عوامل موضوعية محددة تساعد في الوصول لحالة التوازن النفسي نذكر منها:
1 – الصحة البدنية: ويتصل بها السلامة من الأمراض، والتغذية الصحية، وأخذ فترات كافية من الراحة والنوم، وممارسة الرياضة البدنية بشكل منتظم.
2 – الاستقرار المهني في عمل نحبه ونقدره ونبدع ونتقدم فيه ونجد منه عائدا ماديا ومعنويا مناسبا ونحقق فيه ذاتنا، ونقيم من خلاله علاقات مهنية وإنسانية مشبعة.
3 – الإستقرار الأسري، حيث تمنح الأسرة القائمة على السكن والمودة والرحمة رصيدا هائلا من مشاعر الراحة والهدوء والأمان والاستقرار والسلام النفسي، وتشبع الاحتياجات الجسدية والنفسية بشكل مشروع ومتوازن وآمن.
4 – تجنب الضغوط غير الضرورية، وذلك بتجنب الصراعات والنزاعات غير الضرورية، والاقتصاد في الإنفاق وتفادي الشراهة الاستهلاكية، والموازنة بين الطموحات والقدرات، وجدولة تحقيق الأهداف، وكبح جماح الرغبات والشهوات.
5 – اكتساب مهاراة حل المشكلات إذ لا تخلو الحياة من مشكلات وأزمات وربما مصائب وكوارث تحتاج لمهارات خاصة لمواجهتها والتقليل من آثارها، بل والاستفادة منها.
6 – التنفيس، وهو آلية نفسية نجري من خلالها عملية تفريغ لشحنات الانفعالات السلبية كالغضب والقلق والحزن والخوف والغيرة من خلال الحديث مع أشخاص نحبهم ونثق فيهم.
7 – الترويح، باللعب أو التنزه أو الفكاهة أو السفر أو أي وسائل ترويحية وترفيهية أخرى، وذلك لخلق حالة توازن بين ملطفات الحياة ومنغصاتها.
8 – تهيئة النفس والاستعداد للطوارئ، فالحياة مليئة بعوامل الاضطراب (كما هي أيضا مليئة بعوامل الاستقرار)، وهي مليئة بخبرات الفقد (كما هي مليئة بفرص لا نهائية للكسب) وعلينا أن نتوقع هذا وذاك حتى لا نفاجأ أو نصدم حين تسير الأمور حسب ما لا نريد في بعض الأوقات، وعلينا أن نكون مهيئين بخطط ورصيد للطوارئ والأزمات، وأن نعتبرها جزء من سيناريو الحياة الطبيعي.
9 – الاستثمار في العلاقات الإنسانية، سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، فالعلاقات السوية تمنحنا القدرة على مواجهة صعوبات الحياة وتمنحنا الشعور بالقيمة والطمأنينة.
10 – الاهتمام بالجوانب الدينية والروحية، ورؤية الحياة في الدنيا كجزء من حياة أطول وأعمق تمتد للآخرة.
11 – التدريب على الثبات والتوازن في مواجهة أحداث الحياة، والفرحة بالانتصار على تلك الأحداث وتجاوزها وتوظيفها فيما يرفع كفاءة الأداء ويثري الوجود الفردي والإنساني (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم) .
12 – التعلم من تجارب ثبات لأشخاص ومجموعات وشعوب، خاصة إذا كانت هذه التجارب ثرية وناجحة.
13 – تقدير قيمة التوازن النفسي والثبات الانفعالي كصفات إيجابية في النفس البشرية، فقد ثبت أنه أثناء الانفعال وفقد التوازن النفسي يختل التفكير المنطقي بنسبة 70% .
وفي السنوات الأخيرة كانت هناك أبحاث كثيرة على مفهوم الـ Resiliance ، وهو يعني "الصلابة المرنة" أو "الاستردادية"، وهو قدرة الإنسان على استعادة حالته الطبيعية بعد مواجهة أحداث صعبة أو مؤلمة، وقد وجد الباحثون إحدى عشر عاملا يفسران ارتفاع مستوى الصمود المرن (الاستردادية) عند بعض الناس وهي باختصار شديد:
التفاؤل (الاعتقاد في مستقبل أفضل)، مواجهة الخوف، التوجه الأخلاقي، الدين والروحانية، الدعم الاجتماعي، الاقتداء بنماذج للصلابة من التاريخ القديم والحديث ومن الحياة اليومية، اللياقة البدنية (الصحة والغذاء والرياضة)، اللياقة المخية (تحدي العقل والقلب، تدريبات حل المشكلات، والإبداع)، المرونة المعرفية والوجدانية، المعنى والغاية والنمو، وأخيرا ممارسة الصمود المرن في مواقف كثيرة.
واقرأ أيضًا:
النضج الوجداني