أعزائي الآباء/المعلمين اعلموا أن شخصية الإنسان نتاج التفاعل المتبادل بين السمات المزاجية (ذات الخلفية الوراثية) والبيئة التي يعيش فيها. ويأتي كل شخص (بما فيهم أبنائكم/تلاميذكم) عالم الحياة بمصنع مزود بالكثير من البرامج المستعدة للعمل. ولا شك أن نوعية وطبيعة هذه البرامج (من صنع الخالق سبحانه وتعالي) تحدد إطار النمو النفسي العام لهم. وبناء علي هذه الاستعدادات أيضًا قد يكون هناك مجموعة من الأبناء/التلاميذ من السهل نسبيًا رعايتهم والتعامل معهم في حين ربما يوجد مجموعة أخري منهم تحتاج إلي صبر وتفهم ومثابرة في واقع الأمر لرعايتهم والتعامل معهم.
وبالتالي يجدر بنا جميعًا أن نقتنع أنه بالإضافة إلي التسليم بأهمية السمات المزاجية (نوعية البرامج) في وضع إطار النمو النفسي العام فإن الطريقة التي يستقبل بها أبنائنا/تلاميذنا وأساليب تعاملنا معهم واتجاهاتنا نحوهم تحدد إلي مدى بعيد نظرتهم إلي أنفسهم وإلي العالم الذي يعيشون فيه. فإن تفهمنا سماتهم المزاجية وإمكانياتهم وخصائصهم التكوينية وتعاملنا معهم بألفة ومودة وتفهم وصبر ومثابرة نضعهم بالتأكيد علي مسار النمو النفسي الإيجابي أو السوي في كافة أبعاده. ولعلكم تتساءلون معي:
- ماذا تعنيه بالمزاج؟
- وما هي السمات المزاجية التي يفترض معرفتها؟
- وبناء علي هذه السمات كيف أعرف أن ابني/تلميذي سهل أم صعب ترويضه؟
- وكيف أتوافق مع شخصية ابني/تلميذي؟
(1) ما المقصود بالمزاج؟
المزاج مجموعة من السمات التي يولد بها الطفل وتنظم أسلوبه في الحياة. ولهذه السمات تأثيرات دالة في نمو شخصية الطفل ولها تأثيرات كذلك علي طريقة تعلمه وأسلوب تفاعله مع الآخرين. وتبدو هذه السمات ثابتة نسبيًا منذ الولادة. وهي خصائص ذات طابع ثابت نسبيًا ولا يمكن الحكم عليها ابتداءً بأنها جيدة أو سيئة. إذ أن الطريقة التي يستقبل بها الآباء/المعلمون أبنائهم تلاميذها بها واتجاهاتهم نحوهم وأساليب تعاملهم معهم هي التي يتحدد بناء إليها وجهة هذه السمات. فعندما يتفهم الآباء/المعلمون سمات أبنائهم/ أطفالهم ستوقفون أولاً عن لوم أنفسهم بسبب وجود خصائص معينة لدي هؤلاء الأبناء/التلاميذ. فبعض الأطفال ميالون إلي الجلبة والصخب مقارنة بأطفال آخرين، وبعض الأطفال ودودون وميالون إلي الألفة بالآخرين أكثر من أطفال آخرين ،ولدي بعض الأطفال أنماط نوم علي سبيل المثال منتظمة مقارنة بأطفال آخرين.
واعلموا أعزائي الآباء/المعلمين أن الكثير من هذه السمات وراثية وتوجد بصورة طبيعية لدي مثل هؤلاء الأطفال هذه سنة الله في خلقه. وعندما يفهم/يتفهم الآباء/المعلمون كيف يستجيب أبنائهم/تلاميذهم في مختلف المواقف يتعلمون توقع الكثير من الأحداث والمواقف التي ربما تفرض صعوبات علي ابنهم/تلميذهم. ويمكن كذلك أن يهيؤنهم لمواجهة هذه المواقف أو تجنيبهم في بعض الحالات مواجهة مثل هذه المواقف.
وعلينا كآباء/معلمون أن نعدل أساليب معاملتنا لتتناسب مع الخصائص المزاجية لأبنائنا/تلاميذنا. وعلينا أن نتوقف عن الاعتقاد بأن السلوك الذي يعكس سمة مزاجية معينة يمثل حالة مرضية تتطلب العلاج. والعامل الرئيسي الذي قد يؤدي إلي أن نكون آباء/معلمين إيجابيين هو فهم/تفهم وتقدير واحترام الشخصية المتميزة لبنائنا/تلاميذنا إذ أن لكل تلميذ خصائص شخصية تميزه بصورة أو بأخرى عن غيره من الأطفال.
وعندما تتطابق مطالب وتوقعات الناس والبيئة مع التكوين المزاجي للطفل هنا نصل إلي ما يسميه خبراء علم نفس النمو والصحة النفسية بجودة التطابق أو حسن المطابقة وهي من أسس ومتطلبات النمو النفسي الإيجابي السوي. والعكس صحيح إذا عندما لا يوجد مثل هذا التطابق ربما يتكون لدي أبنائنا/تلاميذنا ما يسميه هؤلاء الخبراء بصراعات الشخصية. وبناء عليه يتعين علينا كآباء/ومعلمين أن نتعامل مع أبنائنا/تلاميذنا بناء علي خصائصهم المزاجية هذا في المرحلة العمرية المبكرة من حياتهم ثم علينا بعد ذلك أن نعلمهم كيفية التوافق مع العالم وإكسابهم أساليب ترويض سماتهم المزاجية التي ربما تؤثر بالسلب علي مثل هذا التوافق.
(2) السمات المزاجية.
حدد تشيس وتوماس وهما من رواد دراسة النمو النفسي للأطفال تسع سمات مزاجية أساسية هي:
أ- مستوي النشاط. وتشير هذه السمة المزاجية إلي مستوي الحيوية والنشاط الحركي العام للطفل ويمكن تحديد هذا المستوي بالإجابة علي الأسئلة التالية:
- هل الطفل هادئ حركيًا أم تراه متوتر حركيًا ويظهر حركات أو اهتزازات جسديه متنوعة؟
- هل يصعب قيامك بتغيير ملابس طفلك ووضع ملابس أخرى بدل منها بسبب عدم توقفه عن الحركة أم تقوم بهذه العملية بسهولة؟
- هل يظهر الطفل علامات الارتياح والسكينة وهو جالس يشاهد شيئًا مع أم يتعذر علي الطفل الاستقرار في مكانه فتراه يقوم ويجلس؟
- هل لا يتوقف الطفل عن التجول أو التحرك أم تراه مستقرًا في مكان ما لمدة معقولة وتحركاته متسقة ومستقرة؟
يفضل الطفل اللُعَبْ والأنشطة الهادئة أم اللعب والأنشطة الحركية الصاخبة. فإذا كان لدي أبنائنا/تلاميذنا مستوي مرتفع من النشاط أو ما يعرف بالنشاط الحركي الزائد فيمكن أن نجعل هذه السمة المزاجية سمةً إيجابية وليست سلبية فيمكن توظيف هذه الطاقة في أنشطة رياضية تتطلب مستوي مرتفع من النشاط الحركي وتهيئتهم للأعمال التي تتطلب جهدًا وطاقة كبيرة وربما تكليفهم بمهام متنوعة وتحمليهم بود مسئوليات مختلفة ولنعلم أن قابلية نجاح هؤلاء الأطفال في إنجاز أو تحقيق النجاح في هذه الأنشطة والأعمال والمهام مرتفعة بشرط أن يتم التعامل معهم بصورة إيجابية يشعرون معها بالتقبل والتقدير.
ب- التشتت أو القابلية لتشتت الانتباه.
وتشير إلي درجة تركيز وانتباه الطفل عندما لا يكون مهتمًا بالنشاط محل التفاعل. وتفيد مدي سهولة أو صعوبة جذب مثير خارجي لانتباه الطفل أثناء قيامه أو أدائه لسلوك أو مهمة أو عمل ما. فأثناء رضاعة الطفل أو تناوله لطعامه مثلاً هل يترك الرضاعة أو تناول الطعام وينتبه بصفة متكررة إلي الأصوات أو المناظر المحيطة به؟ هل يسهل ترضية الطفل وتهدئته عندما يكون منزعجًا أو مستاءً من خلال تقديم نشاط بديل له؟ هل يسهل إخراج الطفل من حالة تركيزه أو انتباهه إلي المهمة أو النشاط الذي يقوم به؟ والسؤال هل هذه السمة إيجابية أم سلبية؟ هي في الواقع إيجابية وسلبية ويتوقف الأمر علي طريقة أو أسلوب تعاملنا مع أبنائنا/أطفالنا. فالقابلية العالية للتشتت أو صرف الانتباه إيجابية عندما نستخدمها لتحويل تركيز أو انتباه الطفل من السلوك غير المقبول أو غير الاجتماعي وتكون سلبية عندما تحول دون إنهاء الطفل للأعمال أو المهام الدراسية التي يفترض أن ينجزها.
جـ- الشدة أو الكثافة.
وتشير إلي مستوي طاقة الاستجابة سواء كانت إيجابية أم سلبية. هل يستجيب الطفل بقوة وبصخب كثير لكل شيء، حتى الأحداث البسيطة؟ هل يظهر الطفل السعادة أو التعاسة بقوة وشدة وبصورة مفاجئة متقلبة؟ أو هل يحافظ الطفل علي هدوئه عندما يستاء أو يغضب؟ يميل الأطفال ذوي المستوي المرتفع من شدة أو كثافة الاستجابة أو ردود الأفعال إلي الإلحاح علي الإشباع أو التلبية الفورية لاحتياجاتهم ومطالبهم كما أن عمق وامتداد حيز أو نطاق أو مجال انفعالاتهم ومشاعرهم أوسع لكثير من غيرهم من الأطفال.
وقد يكون مثل هؤلاء الأطفال مجهدون ومتعبون لمن يعيشون معهم هذا صحيح ولكن لما تستغل الدلالات الإيجابية لهذه السمة فيمكن أن يكون هؤلاء الأطفال موهوبون بالذات في مجال الفنون التعبيرية وبالتالي يجب توفير كافة فرص تفاعلهم من الأنشطة والخبرات التي تنمي إمكانياتهم ومهاراتهم في هذا المجال.
د- النسقية والانتظام.
تشير هذه السمة إلي مدي إمكانية التنبؤ بالوظائف البيولوجية مثل الشهية والنوم. هل يجوع أو يرهق الطفل وفق نمط زمني معروف؟ أم العكس هل يصعب التنبؤ بوقت حاجة الطفل إلي الطعام أو النوم؟ ومع نمو مثل هؤلاء الأطفال (الأطفال ذوي نمط الوظائف البيولوجية غير المنتظمة ربما يكونون أفضل من غيرهم في المهام التي تتطلب التنقل والترحال وقد يتوافقون بصورة أفضل مع المهن التي تتطلب ساعات عمل غير منتظمة أو غير عادية.
هـ- عتبة الإحساس.
وتتعلق هذه السمة بمدي حساسية الطفل للمثيرات المادية أو الحسية. إنها كمية الإثارة (الأصوات، النكهات، اللمس، والتغييرات الحرارية) المطلوبة لكي يصدر عن الطفل استجابة. فهل يستجيب الطفل بصورة إيجابية أم سلبية للأصوات معينة؟ هل يرتجف أو يفزع الطفل بسهولة لسماع أصوات معينة؟ هل يفضل الطفل ألوان معينة من الطعام أو تراه مقبلاً علي كل ألوان الأطعمة؟ هل يستجيب الطفل بصورة إيجابية أم سلبية لأنواع ملابس معينة؟ ولنعلم أن الأطفال ذوي المستوي المرتفع من عتبة الإحساس أكثر تفضيلاً للأنشطة الفنية خاصة الفنون التعبيرية والابتكارية مثل الدراما الابتكارية. ويمكن بالتأكيد الاستفادة من هذه الميزة النسبية في أولاً تنشيط طاقة الإبداع الفني لديهم وثانيًا ضمان تحسين جودة حياتهم النفسية.
و- الإقدام/الإحجام؛ الجرأة/الانسحاب.
تشير هذه السمة إلي خصائص استجابة الطفل للمواقف الجديدة أو للأشخاص الغرباء. هل يقدم الطفل بجرأة علي المواقف الجديدة أو الأشخاص الغرباء؟ أم هل يبدو الطفل متردد ومقاومًا وميالاً إلي الانسحاب عند مواجهة مواقف أشخاص أو أشياء جديدة؟ لنعلم أن الأطفال الهيابون يميلون إلي التفكير والتروي قبل التصرف أو قبل القيام بأي فعل أو عمل وبالتالي يصعب أن يصبح مثل هؤلاء الأطفال في مراهقتهم أو رشدهم مندفعون أو متهورون. وعلينا إذن أن نستغل هذه الدلالة الإيجابية لهذه السمة وبرمجة بيئة تفاعل تعظم من طاقة التفكير الهادئ والمترو لدي هؤلاء الأطفال فقد يكون منهم المفكر والأديب بل والفيلسوف المتأمل.
ز- التكيف أو القابلية للموائمة.
ترتبط هذه السمة بسهولة أو صعوبة توافق الطفل من التحولات والتغيرات مثل الانتقال إلي نشاط جديد. هل يعاني الطفل من صعوبات نتيجة تغيير الروتين أو نتيجة التحول من نشاط إلي آخر؟ هل يستغرق الطفل وقتًا طويلاً لصبح مرتاحًا في المواقف الجديدة؟ ولنعلم أن الطفل بطئ التكيف أقل ميلاً إلي الدخول في الواقف الخطيرة وربما لديه مستوي مرتفع من القدرة علي مقاومة ضغط الأقران. وهذه دلالة إيجابية بالغة الفائدة في واقع الأمر بالنسبة لحياة أطفالنا في الوقت الراهن إذ يشير خبراء الصحة النفسية إلي أن الكثير من صور الخلل النفسي والسلوكي خاصة السلوكيات المنحرفة يلعب فيها ضغط أو تأثير الأقران دورًا كبيرًا.
حـ- الإصرار والمثابرة.
وتشير هذه السمة إلي طول الوقت الذي يواصل به الطفل أداء الأنشطة وفي مقاومة العقبات التي قد تحول دون إتمامه لها. فهل يواصل الطفل العمل لحل لغز أو أحجية معينة عندما تواجهه صعوبة أو يتحول ببساطة إلي نشاط آخر عندما تواجهه مثل هذه الصعوبة؟ هل يتحمل الطفل الانتظار حتى تلبي أو تشبع احتياجاته؟
بمعني هل يقبل الطفل إرجاء أو تأجيل إشباع احتياجاته أم لا؟ هل يستجيب الطفل بعنف عندما يتدخل شخص لمقاطعته أو إزعاجه أثناء تأديته لنشاط ما؟ وعندما يواصل الطفل أداء عمل ما أو نشاط ما عندما يطلب منه التوقف قد يوصف بأنه طفلُ عنيد. وعندما يظل الطفل عاكفًا علي حل مشكلة أو لغز معين يوصف بأنه مثابرُ وصبور. والأطفال المثابرون الصبورون الذين لديهم إصرار ينجحون بطبيعة الحال في الوصول إلي أو تحقيق وإنجاز أهدافهم. أما الطفل ذوي المستوي المنخفض من المواظبة أو الإصرار ربما يسهل تعليمه المهارات الاجتماعية لكونه يدرك أهمية مساعدة الآخرين له.
ط- الحالة المزاجية (الوجدان).
وتشير إلي ميل الطفل إلي الاستجابة للعالم بطريقة إيجابية أو سلبية. هل ينظر الطفل إلي الجوانب أو الأبعاد السلبية فقط من الحياة؟ أم هل يركز الطفل علي الجوانب الإيجابية للحياة؟ هل يبدو الطفل في حالة مزاجية مبهجة بصورة عامة؟ أو هل يدرك الطفل الجوانب السلبية للحياة ومع ذلك يميل إلي التركيز علي الجوانب الإيجابية منها؟ هل الطفل يبدو في حالة عامة من الجدية والصرامة؟ ويميل الأطفال الجادون إلي تحليل وتقويم المواقف والأحداث بدقة.
أعزائي الآباء/المعلمين بناء علي بصيرتكم الشخصية بسلوكيات أبنائكم/تلاميذكم في ضوء السمات المزاجية السابقة اعلموا أن كل ما خلقه الله خير ـ هكذا ينبغي أن نفهم ـ فعلينا أن نتلمس الخير في كل ما وهبه الله لأبنائنا/تلاميذنا حتى وإن تصورنا في البداية أن بأبنائنا/تلاميذنا سمات سلبية فكما رأيتم لكل سمة مزاجية دلالات إيجابية يفترض أن نتوقف عندها وأن نستغلها لتجويد حياة هؤلاء الأطفال ولدينا بالفعل من الحس المرهف والرغبة الأكيدة في إيصالهم إلي بر الأمان.
ولعلك تتساءل الآن هل ابني/تلمذي من أولئك الصنف من الأطفال الذين يسهل رعايتهم وتنشئتهم أو يحتاج الأمر إلي مجهودٍ مضاعف؟
ويتبع >>>>>: المزاج وشخصية طفلك2
واقرأ أيضاً:
شخصية الطفل/ الآثار النفسية والاجتماعية لضرب الأطفال في المدارس/ العقاب بالضرب وأثره على الصحة النفسية للأطفال/ دور الآباء في تطور شخصية الأبناء