هناك عدة مصطلحات متشابكة الاستعمال في الصحة النفسية منها طب الأعصاب السلوكي. هناك من يفضل استعمال مصطلح طب النفس والأعصاب Neuropsychiatry بدلاً من طب الأعصاب السلوكي وهناك أيضاً من يفضل استعمال مصطلح طب النفس والأعصاب في اختصاص العجز التعلمي. ولكن الغاية الأولى والأخيرة لاستعمال العناوين هو تعميم وجود الخدمات وانتباه المستخدمين لها. ليس هناك فائدة من استعمال مصطلح طب النفس والأعصاب في اختصاص العجز التعلمي لأن الخدمات التي يتم تقديمها سلوكية واجتماعية وطبية تستهدف المرضى المصابين بالعجز التعلمي وكذلك لا فائدة من استعمال مصطلح طب النفس والأعصاب وإضافته إلى لقب الاستشاري إن لم تكن له ممارسة واختصاص في الطب النفسي وطب الأعصاب.
هناك عدة مراكز في مختلف أنحاء العالم تقدم خدمات خاصة في إطار طب الأعصاب السلوكي ومرتبطة بطب الأعصاب وجراحة الأعصاب. الجهاز العصبي يختلف عن بقية أجهزة الجسم في طبيعة الخلية العصبية ذاتها. متى ما تعرضت الخلية إلى ضرر فإن القاعدة العامة هي عدم إمكانية إصلاحها. بما أن لكل خلية ولكل منطقة في الدماغ وظيفتها فالهدف هو تأهيل الإنسان لاستعمال الخلايا والمناطق الأخرى لتعويض وظائف المناطق العاطلة.
يتم نقل المريض بعد إصابته بمرض أو خضوعه لجراحة أدت إلى فقدان الخلايا العصبية إلى ردهة أو مستشفى للتأهيل العصبي Neuro-rehabilitation . التأهيل العصبي اختصاص يقع ضمن طب الأعصاب. متى ما أصبح سلوك المريض غير طبيعي ويؤثر على عملية التأهيل العصبي يتم نقله إلى قسم خاص يعنى بالجوانب السلوكية للتأهيل وهذا القسم هو ما نسميه طب الأعصاب السلوكي.
على ضوء ما تقدم أعلاه فإن طب الأعصاب السلوكي يعمل إلى جانب التأهيل العصبي ويستلم الغالبية العظمى من المرضى عبر هذا الطريق،
صورة ١: مستشفى ويلز الجامعي في كاردف حيث يوجد قسم الأمراض العصبية وجراحة الأعصاب. |
|
فريق الطب السلوكي
لا تقتصر وظائف الطب السلوكي على المرضى في المستشفيات وإنما الغالبية العظمى منهم يتسلمون الرعاية في وسط المجتمع نفسه. العاملون في المستشفى على اتصال دائم مع العاملين في المجتمع لأن حركة المريض بين المستشفى والمجتمع متكررة وهدف الفريق هو علاج المريض ومساندته في المجتمع وقضائه أقصر فترة ممكنة في المستشفى.
عدد الأسرة في ردهات طب الأعصاب السلوكي لا تتجاوز الأربعة عشر ويحرص الفريق على وجود سريرين شاغرين لدخول المرضى السابقين لفترة وجيزة خلال تأزم الأمور. لكن هذا الهدف يصعب تحقيقه في الكثير من الأحيان وعلى الاستشاري المشرف على الردهة والفريق استعمال المرونة في دخول وخروج المرضى ورفع دعم المريض في المجتمع في وقت الأزمات.
ميزانية طب الأعصاب السلوكي باهظة لعدة أسباب. نسبة عدد العاملين في ردهات طب الأعصاب السلوكي إلى عدد المرضى أعلى بكثير من ردهات الطب النفسي. كذلك فإن فترة مراقبة المريض من قبل فريق التمريض أطول بكثير ولا تقل عن وجوب ملاحظة المريض كل ١٥ دقيقة وفي معظم الحالات تكون هذه المراقبة مستمرة وبدون انقطاع في الأسابيع الأولى. يقضي المريض فترة طويلة في الردهات ويخضع لبرنامج علاجي طويل لا يقل عن ٦ أشهر في الكثير من الحالات.
كل هذه العوامل ترفع نفقات القسم ولكن ميزانيته قلما تتعرض لهجوم الجهات الحكومية لأنه يقدم خدمات لشريحة صغيرة من المجتمع مقارنة بالطب النفسي ويضاف إلى ذلك ضغوط سياسية واجتماعية تحمي طب الأعصاب السلوكي والتي تمارسها جهات خيرية متعددة.
يتولى قيادة فريق طب الأعصاب السلوكي استشاري في الطب النفسي له خبرة في هذا المجال وتدريباً لا يقل عن أربعة سنوات. هناك على الأقل طبيب مساعد وطبيب تحت التدريب مع الاستشاري. أما بقية أعضاء الفريق فلا يقلون أهمية عن الطبيب وهم:
١- الممرضة (في الردهات والمجتمع).
٢- أخصائي علم النفس العصبي Neuropsychologist .
٣- المعالج المهني Occupational Therapist.
٤- أخصائي العلاج الطبيعي Physiotherapist.
٥- معالج كلام Speech Therapist.
٦- عامل اجتماعي Social Worker.
٧- عاملون لمساندة المرضى Support Workers.
يجتمع الفريق دوريا مرتين (نصف يوم لكل اجتماع) في الأسبوع. الاجتماع الأول يناقش جميع القضايا الجديدة المحولة باتجاه الفريق والاجتماع الثاني لمناقشة جميع المرضى في الردهات. هناك اجتماعات دورية لمناقشة متابعة المريض في المجتمع كل ستة أشهر ومراجعة خطة العلاج والمساندة أو إخراج المريض من الفريق.
مرضى قسم طب الأعصاب السلوكي:
يمكن القول بأن ٧٥٪ من المرضى الذين يتم تحويلهم إلى قسم طب الأعصاب السلوكي هم المصابون بجرح في الدماغ لسبب أو آخر ما بين عمر ١٦ عاماً إلى ٦٠ عاماً. تحديد العمر في غاية الأهمية لضمان فعالية القسم والفريق والحد من إرسال المرضى من الأقسام الأخرى. احتياجات الأطفال دون عمر ١٦ عاماً يتم سدها من قبل قسم طب الأطفال وبعد عمر ٦٠ من قبل الطب العصبي أو الطب النفسي.
الاضطرابات العصبية هي من نوعين. الأول هو ما نسميه بمرض مترقي Progressive كما هو الحال في اضطرابات الخرف بأنواعها وهذا النوع هو الاضطرابات لا يتم علاجها من قبل طب الأعصاب السلوكي وإنما بفريق خاص بالطب النفسي. أما النوع الثاني فهي ما نسميه بالاضطرابات الساكنة Static مثل إصابة الدماغ الرضية Traumatic Brain Injury. إصابات الدماغ الرضية تشكل ٥٠٪ من حالات طب الأعصاب السلوكي ونسبة كبيرة منهم هم من ضحايا حوادث السير والشجار.
أما بقية الحالات فمتنوعة وتعتمد كذلك على اختصاص الاستشاري. هناك من له خبرة خاصة بأمراض الصرع وترى هذا الاضطراب يشغل حيزاً كبيراً من عمله وهناك من له خبرته في اضطرابات الحركة. لكن اضطرابات الصرع لها مكانتها الخاصة في طب الأعصاب السلوكي والطب النفسي. لا توجد مبالغة في القول بأن جميع الاضطرابات النفسية أكثر شيوعاً في مرضى الصرع ولابد لمن يمارس طب الأعصاب السلوكي أن يحصل على الخبرة والممارسة في تشخيص الصرع وعلاجه.
الخلاصة:
تم استحداث حقل جديد على الموقع للأمراض العصبية النفسية أو طب الأعصاب السلوكي. يأمل الموقع الاستمرار في تقديم المقالات في هذا المجال بصورة منتظمة. الموجز أعلاه هو لخبرة كاتب المقال في هذا المجال ويعكس الواقع العملي لهذا الاختصاص بدلاً من التركيز على معلومات نظرية بحتة.
قراءة إضافية
هناك العديد من الكتب تتفاوت في جدواها التي تتطرق إلى هذا الاختصاص منها:
Behavioural Neurology and Neuropsychiatry. Ed: D Arciniegas, C Anderson& C Filley. Cambridge University Press 2013.
واقرأ أيضًا:
نفسي عضوي Brain Related / تشخيص متلازمة أسبرجر: اضطراب الطيف التوحدي / رهاب اجتماعي أم متلازمة أسبرجر؟؟ / أعراض نفسية تشير إلى اضطراب أسبرجر