إن مصطلح Ritualized Behavior والذي اصطلح على ترجمته "بالطقسية السلوكية" يحمل في طياته دلالتين اصطلاحيتين:
الأولى: وهي الطقسية، ويشير هذا المصطلح لنظامٍ روتينيٍ متسلسلٍ ومعاودٍ بشكلٍ متكررٍ.
والثانية هي السلوكية وهي كدلالة عائدة على كلمة طقسية لتوضيح أن هذه السلوكيات أصبحت ضمن نظام محدد وروتين متكرر كسلوك، ولنوضح ذلك في الواقع سنرى بعض هذه السلوكيات بشكل بدائي في الحيوانات، والتي تقوم برقصة محددة للتزاوج كما في بعض الطيور على سبيل المثال، أو في بعض العادات والتقاليد المتبعة عند البشر، مثل عادات التعامل مع الموتى وطقوس حرقهم ونشر رمادهم عند بعض جماعات الهنود، وتنشط بشكل كبير جداً أشكال الطقوسية السلوكية في عادات الشعوب البدائية خاصة الشعوب التي تحمل معتقدات قديمة جداً، فمع المدة كانت هذه الطقوسية لديهم محددة بسلوكات محددة؛
لكن وكما تشير الدراسات والبحوث النفسية المعرفية والنفسية العصبية، فيعتقد أن الطقوسية السلوكية قابلة للزيادة مع المدة لكن ضمن فترات زمنية طويلة، فعلى سبيل المثال إذا كان طقس دفن الميت الهندي قبل٥٠٠ عام مكون من ٤ مراحل تشمل كل مرحلة ٣ ممارسات معينة، فكل ١٠ إلى ٢٠عاماً ستكون هنالك زيادة في هذا الطقس بحيث بلغت المراحل ١٠ على الأقل ضمن ٥ ممارسات لكل مرحلة أو يزيد، فضمن أي روتين أو عادات يمارسها الناس، فإن الإضافات غير الجوهرية الملازمة للطقوس تصبح جزءاً لازماً منها وفيها مع المدة.
ولنعطي مثالا أقرب لمجتمعنا فيما يتعلق بالطقوسية السلوكية في ممارساتنا اليومية، فلو وضعت سجادة الصلاة كمسلم وكنت خطئًا صليت على الطرف المرسوم للسجود بحيث قلبت هذا الطرف تحت رجليك، ففي الأغلب سيقوم أحد الناس وخاصة كبار السن بلفت نظرك لذلك وغالباً سيقول لك "حرام" فرغم أن سجادة الصلاة ليست شرطاً ولا ركناً لصحة الصلاة، فأنت تستطيع الصلاة على الأرض، لكن الاعتياد ضمن الصلاة على وضع السجادة على هيئة معينة جعل سلوك الناس الطقوسي يعتبرها مع المدة جزءاً وأساساً مع شرط وصحة الصلاة -وفي الإسلام تسمى العبادات شعائر وليس طقوسًا كما في غالبية الأديان-؛
فمن المثال السابق تبينت لنا القاعدة الأساسية والفائدة الجلية وهي أن ضمن أي روتين أو عادات يمارسها الناس، فإن الإضافات غير الجوهرية الملازمة للطقوس تصبح جزءاً لازماً منها وفيها مع طول المدة، لذلك أصبحت سجادة الصلاة لازمة عند البعض مع طول المدة.
إن فهمنا لهذه القاعدة يجعلنا أكثر حرصاً على حفظ الدين وشعائره، وكما علمنا فإن الأولين ما عبدوا الأصنام بل كانوا يتقربون للصالحين ليتعلموا منهم ومع موت الصالحين زاروهم ليتذكروهم ويذكروا أنفسهم، ولما خافوا نسيانهم صنعوا لهم الصور والتماثيل لتذكرهم، لكن الإضافات التدريجية حرفت الطقس السلوكي مع المدة فأصبحت الإضافات والتبعات الجانبية لذلك لوازم أُضيفت لطقوسهم حتى عبدوهم وأصبح لهم عباداتهم وصلاتهم الخاصة وقرابينهم.
وهذا العلم يثبت صحة ما نقول من حرصنا على الزيادة على الدين أو فيه، فالناس قد يأتون بشيء يستحسنونه ويعملونه مع علمهم أنه ليس أصلاً من شعائر الدين، لكن أولادهم والجيل من بعدهم قد يعتبرونه جوهرياً ويضيفونه ويضيفون غيره، فلو حدث ذلك من بعد زمن رسول اللَّه محمد صلى اللَّه عليه وسلم، ما كان الدين قد وصلنا وجاءنا كما كان في الأصل، وكنا من كثرة سعي البعض إلى التغيير والتحريف أصبحنا على دينٍ آخر.
فلنحذر من الإضافة على الشعائر بلا داعٍ، ولا ينزعج أحدٌ عندما ينصحه آخر ويقول له: إن هذا لم يرد عن الرسول عليه الصلاة والسلام، فما الهدف من الإبقاء على نقاء أصل الدين كما نزل إلا لحفظه وحفظ نفوسنا؟! فقد أكمل الله هذا الدين، وليس بعدُ من جديدٍ فيه.
ويضيف د. وائل أبو هندي الابن العزيز يوسف مسلم حيرتني سطورك هذه فرأيتها صالحة لأن تكون ضمن ملف مصطلحات نفسية وفي نفس الوقت يحتاجها ملف الطب النفسي الديني مثلما يحتاجها ملف طيف الوسواس القهري وملف العلاج المعرفي السلوكي وكذلك أنت تتكلم عن نوع خبيث من الإدمان السلوكي وهو ملف مستقل، ...... أحييك على نظرتك الثاقبة وأرسو بالسطور هنا في مصطلحات نفسية لأن السلوك الطقسي Ritualized Behavior أو الطقسية السلوكية في كل الأحوال مصطلح نفسي.
واقرأ أيضًا:
معنى الفعل القهري مشاركة / علاقة الفعل القهري بالحدث العقلي التسلطي / مقابلة فرويد بينَ الطقوس الدينية والطقوس القهرية / وساوس الوضوء : وسواس حفظ الوضوء