علم الأمراض الجلدية النفسي2 Psychodermatology2
الجزء الثالث
اضطراب تشوه الجسم"Body Dysmorphic Disorder "BDD
يلتقط الإنسان صورة لجسده عبر المرآة ومن خلال ما يراه الآخرون. عملية التصوير بحد ذاتها عملية معقدة وطويلة وتتأثر بعوامل بيئية وشخصية ومعرفية. هذه الصورة التي يلتقطها الفرد ويخزنها قد تكون مقبولة أو جيدة أو رائعة وتحصل على رضى المصور ويقرر الاحتفاظ بها ورعايتها عبر الوقت. ولكن هذه الصورة قد تكون مشوهة ولا يعرف الفرد كيف يتخلص منها ويسعى إلى استحداث صورة أخرى. وتبدأ عملية التمثيل العقلي للجسم من عمر مبكر وتتأثر بعوامل مختلفة. ليس من السهل التخلص من الصورة العقلية المشوهة.
ليس من السهولة العثور على من يستمع إلى حديث الفرد عن صورته المشوهة ويبدأ بالتوجه نحو الإنترنت في عصرنا هذا. يتوجه أيضا نحو القطاع الطبي من أجل الحصول على صورة جديدة ويطلب عملية تجميل. ولكن آخر من يتوجه إليه الفرد من أجل تغيير صورته هو الطب النفسي رغم أنه يعاني من اضطراب طبنفسي هو اضطراب تشويه الجسم. تستغرق عملية وصول المريض إلى الطب النفسي للتخلص من اضطرابه ما بين 10 إلى 14 عاما في غالبية الحالات.
أول من وصف هذا الاضطراب في عام 1886 هو انريكو مورسيللي1 وأطلق عليه مصطلح رهاب خلل البنية Dysmorphophobia ولا يزال هذا المصطلح شائع الاستعمال في جميع أنحاء العالم ولكن مع انتشار الحديث عن الاضطرابات النفسية إعلاميا وميول هذه المؤسسات لاستعمال مصطلحات مختصرة ترى مصطلح BDD أكثر انتشارا بين الناس هذه الأيام. إما جانية Janet فقد وصفه2 في عام 1903 بالحصار المعرفي من الخجل من الجسم Obsession with shame if the body وأطلق كريبلين Kraeplin عليه مصطلح اضطراب رهاب خلل البنية Dysmorphophobic Syndrome.
أكثر من نصف عدد المرضى يشكون من تشوه الوجه والجلد والشعر والأنف3 ولذلك يشدون الرحيل إلى مراكز الأمراض الجلدية ويقدر عدد المرضى المصابين بهذا الاضطراب 12 % من جميع من يطلبون استشارة طبية جلدية. أما الطب النفسي فهو آخر من يفكر به المريض ولا توجد الكثير من الدراسات الطبنفسية المفصلة عنه مقارنة بالاضطرابات النفسية الأخرى. يبدأ الاضطراب في أعوام المراهقة وفي الإناث والذكور على حد سواء.
يتصور الفرد بأنه على درجة من القبح تثير انتباه الآخرين ويبدأ السلوك التجنبي يأخذ مجراه حتى ينتهي المريض معتزلا الناس وسجيناً بين أربعة جدران. وتصل شدة الحالة إلى العزلة السبه تامة من جراء السلوك التجنبي. علاج الحالة يركز على هذا السلوك في المراحل الأولى.
يصاحب ذلك سلوك قهري مثل نتف الشعر واستعمال المستحضرات التجميلية للتخلص من ندب لا أحد يراه وحب شباب لا يستحق الانتباه. ترى المرأة تشكو أحيانا من كثرة الشعر على الجسد والوجه أو من عدم وجوده وهناك من يشكي من كارثة سقوط شعره قريبا.
ما يعانيه من المريض هي فكرة بحد ذاتها ويمكن حصرها أيضا في:
1- فكرة حصارية (وسواسية).
2- فكرة وهامية.
3- فكرة اكتئابية.
لذلك نرى بأن الدراسات الطبنفسية تكثر من التركيز على مصاحبة اضطراب تشوه الجسم من قبل الحصار المعرفي أو الاضطرابات الوجدانية. معظم هذه الدراسات هي للمرضى الذين يراجعون مراكز الطب النفسي والشريحة لا تعكس الغالبية العظمى من المرضى. الفكرة الحصارية بحد ذاتها تتعارض مع ما نسميه أنا الفرد Ego ويدرك الإنسان تفاهتها ولكن فكرة تشوه الجسم غير ذلك رغم وجود هناك عوامل بيئية ووراثية و طبنفسية مشتركة بين اضطراب الحصار المعرفي واضطراب تشوه الجسم.
الفكرة قد تكون في إطار وهامي ولكن في غالبية هذه الحالات هناك أعراض ذهانية أخرى وإن كانت الفكرة موجودة بمفردها وفي إطار وهامي فإنها تستجيب لعلاج قلما يستجيب له المصاب باضطراب الوهام.
اضطراب صورة الجسم هو أحد أعراض القهم العصبي4 ولكن سلوك المريض في هذه الحالة يتركز على فقدان الوزن فقط وعلاج هذا الاضطراب يختلف تماما.
تشخيص هذا الاضطراب في غاية الأهمية لأن 2 -3 % منهم ينتحرون قبل الوصول إلى الطبيب النفسي ويتصدر قائمة الانتحار مع حب الشباب في طب الأمراض الجلدية.
العلاج
يحتاج كل مريض إلى علاج كلامي ومن الأفضل علاج عقاري أيضاً. مهما كان الإطار الذي يتم حصر فكرة تشوه الجسم فإنها تستجيب لمضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرداد السيروتنين الانتقائية. أما العلاج المعرفي السلوكي فهو علاج لابد منه.
يبدأ المعالج أولا بالتركيز على التخلص من السلوك التجنبي ويعمل ما نسميه تجارب نفسية مثل الاختلاط بالآخرين ويكتشف تدريجيا بأن أهم سبب لهذا التواصل الاجتماعي هو الاستمتاع بحديث الأصدقاء أو تناول طعام ما وليس الحصول على وجهة نظر إيجابية حول جسمه. بعد ذلك يتم التركيز على العملية المعرفية التي تؤدي إلى ولادة الفكرة والتخلص منها. غالبية المرضى لا يحتاجون إلى أكثر من 8 جلسات مع معالج نفسي له الخبرة المهنية في علاج اضطراب تشوه الجسم.
الداء الطفيلي الوهامي Delusional Parasitosis
هناك الكثير من الأفراد من تراه يشكو من النملان Formication ويتصور أن ذلك بسبب وجود طفيليات أو جراثيم في الجلد ويراجع استشاري الأمراض الجلدية. يتم الكشف عليه وتدخل الطمأنينة في قلبه وينتهي الأمر. ولكن هناك من تتسلط عليه فكرة استيطانه من قبل ميكروبات حية وطفيلية ولا يقبل بأي تفسير طبي. رغم أن فكرة استيطان الطفيليات لا تقتصر على الجلد وإنما تشمل الأمعاء والمعدة أحيانا ولكن الاستيطان الجلدي هو أكثرالأنواع انتشاراً.
هذا الاضطراب نادر جداً ونسبة الذكور إلى الإناث هي 1:1 قبل عمر الخمسين عاما وبعد ذلك تشكل الإناث 3 أضعاف الذكور. الكثير من المرضى لهم تاريخهم بالتعرض إلى مثل هذه الميكروبات أو السماع عنها عبر الإنترنت أو الأصدقاء. لا يقبلون بتفسير طبي لحالتهم سوى وجود مخلوقات حية استعمرتهم لفترة طويلة.
بالإضافة إلى الفكرة ذاتها يشكو البعض من هلاوس لمسية وفي النادر هلاوس سمعية ولكن متى ما تم الكشف عن أعراض الفصام الأخرى يتم الوصول إلى تشخيص الاضطراب الأخير ويصبح وهام الداء الطفيلي مجر عرض من أعراض الفصام. أما إذا كان العرض هو وهام الطفيلي لوحده فيتم أحيانا استعمال مصطلح اضطراب مراقي أحادي العرض Monosymptomatic Hypochondrical Delusion. وعادة يصل المريض إلى عيادة الأمراض الجلدية حاملا معه أكثر من عينة تثبت في اعتقاده وجود الطفيليات
هؤلاء المرضى لا يحبذون الكشف الطبي النفسي ولا يقبلون بأي علاج عقاري أو نفسي والكثير منهم يراجع الطبيب بعد الآخر وليس من الغريب أن ترى مريضا يعاني منه لأكثر من 20 عاماً ويصل مركز الصحة النفسية لأول مرة بسبب أعراض وجدانية جديدة.
طيف الحصار المعرفي والأمراض الجلدية
هناك بعدان لطيف الحصار المعرفي Obsessive Compulsive Spectrum في الممارسة السريرية وهما:
• الفكرة الحصارية.
• الفعل القهري.
ولكن في الأمراض الجلدية نرى بأن الفعل القهري ونتائجه تطغى على الصورة السريرية للمريض وبالتالي يتوجه المريض دوماً إلى قسم الأمراض الجلدية قبل وصوله إلى استشاري الطب النفسي.
1- التسجح النفسي Psychogenic Excoriation
يتميز هذا الاضطراب عن غيره من الاضطرابات بسرعة اعتراف المريض بممارسته هذا السلوك حين يراجع قسم الأمراض الجلدية وهم بين عمر 15-45 عاماً. لا يشكو المريض من الحكة كعرض طبي أولي ومتى ما تجاوزت مدة السلوك العام الواحد يصعب التخلص منه. رغم أن البعض يفضل استعمال مصطلح التسجح العصابي Neurotic Excoriation لوصف الاضطراب ولكنه هذه الأيام يتم تقسيمه إلى صنفين:
• الصنف الحصاري Obsessive.
• الصنف الاندفاعي Impulsive.
لا يؤثر هذا التصنيف على العلاج وغالبية أطباء الأمراض الجلدية يباشرون بوصف مضادات الاكتئاب لعلاج المريض وأحيانا مضادات الذهان. الحل الأمثل هو الكشف على المريض من قبل الطب النفسي للتحري عن أعراض طبنفسية أخرى وتقديم العلاج اللازم.
2- نتف الشعر Trichotillomania
انتشار هذا الاضطراب يقترب من 0.6% في السكان والكثير منهم يتخلصون منه تلقائيا. يتم تصنيفه أحيانا إلى صنفين:
• التركيزي Focused ويرتبط بالحصار المعرفي.
• التلقائي Automatic ويرتبط باضطراب الشخصية.
لا يؤثر هذا التصنيف على طبيعة العلاج الذي يتم تقديمه في الكثير من المرضى ويميل الطبيب إلى استعمال مصطلح التلقائي مع عدم تعاون المريض في العلاج.
يمارس المريض السلوك التلقائي حين يكون في حالة استرخاء وينكر وجود أي ضغوط نفسية على عكس الصنف التركيزي حيث يعترف المريض بأن سلوكه رد فعل لضغوط نفسية وتوتر داخلي لا يقوى عليه.
حين يراجع المريض أخصائي الأمراض الجلدية فهو يسعى دوما إلى الحصول على علاج لنمو الشعر مجددا من المنطقة التي دمرها وعلاج الريغاين Regaine الموضعي يكثر استعماله. ولكن غالبية الأطباء يوصفون مضاد للاكتئاب مع أو بدون مضاد للذهان ويتم علاجه كالحصار المعرفي. العلاج المعرفي السلوكي له موقعه في العلاج إذا ما وافق المريض عليه وتعاون مع معالجه.
تميل حالات نتف الشعر بالتحسن تلقائيا خلال عام أو أقل من ذلك واستمراره لفترة أطول لا يبشر بخير. هناك من ينتهي أمرهم بالصلع وحين ذلك يمكن تشبيه نتف الشعر ببحث المرأة عن شعر مستعار رغبة منها في تقمص شخصية جديدة بعد نبذها لشخصية تعرضت للتهميش العائلي والعاطفي والاجتماعي. ولا يقتصر نتف الشعر على فروة الرأس وإنما الأهداب والحاجب
3- قضم الأظفار Onychophagia
رغم أن الطب النفسي يميل إلى تصنيف هذه العادة الشائعة جداً بأنها أحد أنواع الحصار المعرفي ولكن غالبية الناس لا تنظر إليها سوى أنها عادة سيئة قلما يشكو منها من يمارسها أو من يشاهدها والغالبية العظمى منهم يتجاوزها بين الحين الآخر. يفضل الكثير تصنيفها بخطل وظيفي Parafunctional وليس من الصعوبة ملاحظتها في بعض الكائنات الحية، ويمارسها الثلث من البشر دون سن المراهقة وتلاحظها في كل مجلس أو مقهى.
السلوك بمفرده لا يستحق علاج نفسي أو عقاري إلا إذا كان واحداً من عدة أعراض للحصار المعرفي. ما يسعى إليه المريض هو علاج اضطرابه النفسي وقلما يكون التركيز على العادة بحد ذاتها والتي قد تستمر بعد تعافي المريض.
مناقشة عامة
يصل التعاون بين علم الأمراض الجلدية والطبنفسي ذروته في هذه المجموعة من الاضطرابات الجلدية. الغالبية العظمى من المرضى يعانون من اضطرابات طبنفسية جسيمة تقع ضمن المجموعة الذهانية والوجدانية والحصارية المعرفية.
تتوجه هذه المجموعة نحو طب الأمراض الجلدية لعلاج أعراض جلدية بحتة أسبابها طبنفسية بحتة. رغم طبيب الأمراض الجلدية لا يخلو من المهارة السريرية الحرفية لعلاج هذه الاضطرابات ولكن التعاون مع الطبنفسي ضرورة وخاصة في اضطراب تشوه الجسم بسبب السلوك الانتحاري.
الداء الطفيلي الوهامي صعب العلاج وإجراء استشارة مشتركة مع الطبيب النفسي وأخصائي الأمراض الجلدية قد يساعد أحيانا على حسم التعامل مع مريض لا يتوقف عن مراجعة الطبيب بعد الآخر.
علاج طيف الحصار المعرفي يتطلب علاجاً معرفيا سلوكيا في الكثير من الحالات بالإضافة إلى العلاج العقاري. هذه المجموعة من المرضى أكثر تقبلاً من غيرها لفكرة مراجعة طبنفسية.
المصادر
1 Phillips KA, Dufresne RG Jr, Wilkel CS, Vittorio CC (2000) Rate of body dysmorphic disorder in dermatology patients. J Am AcadDermatol. 2000;42:436-41
2 Phillips KA, Kaye WH. (2007): The relationship of body dysmorphic disorder and eating disorders to obsessive-compulsive disorder. CNS Spectr. 2007;12:347-58
3 Phillips KA, Menard W, Fay C (2006): Gender similarities and differences in 200 individuals with body dysmorphic disorder. Compr Psychiatry. 2006;47:77-87
4 Ruffolo JS, Phillips KA, Menard W, Fay C, Weisberg RB (2006): Comorbidity of body dysmorphic disorder and eating disorders: severity of psychopathology and body image disturbance. Int J Eat Disord. 2006;39:11-9.
ويتبع ......: علم الأمراض الجلدية النفسي4 Psychodermatology4
واقرأ أيضًا:
حكة الفرج نفسية المنشأ / الصحة النفسية في الحمل والولادة والرضاعة4 / المتحولون جندريا : ظاهرة الألفية الثالثة3 / الصرع عام ٢٠١٦