قضية المرأة / قضية الإنسان2
موقف المجتمع من المرأة:
وكون المرأة ذات أهمية اقتصادية وثقافية ومدنية وسياسية فإن ذلك لم يمنع من سيادة موقف منها يكرس دونيتها ويحط من قيمتها، ويجعلها كائنا بيولوجيا يقوم بمهمة الإنجاب، أو مجرد متعة للرجل، وحتى إذا سمح لها بالعمل فإن ذلك راجع إلى رغبة الرجل في المساهمة الاقتصادية للمرأة في العائد الاقتصادي للأسرة بصفة عامة، وللرجل بصفة خاصة. وليس من منطلق تمتيعها بحق من حقوقها الاجتماعية كما هو منصوص عليه في المواثيق الدولية، وفي إطاراستقلاليتها عن الرجل في تلك الحقوق.
والموقف من المرأة المهيمن على عقول الرجال والنساء معا ناتج عن:
1) الموقف التاريخي، وهو موقف يمتد في التاريخ الأسود للمرأة، رغم الدور الإيجابي لها في مختلف العصور، وبالنسبة لنا فتاريخ المرأة الأسود يمتد إلى ما قبل الإسلام حيث كانت المرأة، كقيمة، كباقي الأمتعة التي يملكها الرجل أو يرثها وفي هذه الوضعية التي لا فرق فيها بين المرأة الحرة والمرأة (الأمة) لا تستطيع المرأة أن تعبر عن نفسها بأي شكل من أشكال التعبير، وما يمكن أن تمتلكه فهو لأبيها أو لأخيها أو لزوجها. وإذا صدر منها أو نعتت بما يسيء إلى سمعتها فإن من حق الرجل كأب أو كأخ أو كزوج أن يصادر حقها في الحياة.
وهذا الموقف يستمر بشكل أو بآخر بعد مجيء الإسلام رغم التطور الذي عرفته البشرية بسبب إقرار مجموعة من الحقوق، ورغم المساواة بين الجنسين في مجموعة من المواقف، وما جاء به الإسلام من إقرار ملكية يمين المرأة وإقرار تعدد الزوجات، وعدم ارتفاع ما ترثه المرأة إلى مستوى ما يرثه الرجل واختلاف التوجيه الخاص بالرجل عن التوجيه الخاص بالمرأة يتم استغلاله لتكريس النظرة السوداء عن المرأة، والتعامل معها ككائن نجس يجب ستره. وتاريخ البشرية لا يسجل إلا تاريخ الرجل، وهو تاريخ لازال ممتدا إلى يومنا هذا حيث تتكرس دونية المرأة بامتياز على جميع المستويات.
2 ) وإذا تصفحنا النصوص الدينية سنجد أنها تجنح إلى تكريس المساواة بين الرجل والمرأة مع مراعاة (قوامة) الرجل التي تكرس الفرق بينهما. فقد جاء في القرآن الكريم: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وهذا القول يكرس المساواة القائمة بين الرجل والمرأة.
وجاء أيضا: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون، وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن، ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن... الآية. وفي هذا القول تبرز أفضلية الرجل على المرأة فيما يخص نوعية الخطاب المختلف.
وجاء في مكان آخر "الرجال قوامون على النساء" وفيه أفضلية القوامة الخاصة بالرجال.
وجاء فيه: "حملته أمه وهنا على وهن" وفيه أفضلية الأم على الأب.
وجاء أيضا: "أن اشكر لي ولوالديك" وفيه المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة. كما في قوله تعالى: "..... فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ....." وفي الحديث : (من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قيل ثم من؟ قال أمك، قيل ثم من؟ قال أمك قيل ثم من؟ قال أبوك) وهو قول يكرس بشكل واضح أفضلية المرأة على الرجل.
وفيه (الناس كأسنان المشط ولا فرق بين عربي وعجمي ولا بين أبيض وأسود إلا بالتقوى) وهذان القولان يكرسان المساواة بين الناس جميعا سواء كانوا ذكورا أو إناثا. وبذلك نجد أن الدين الإسلامي الحنيف يساوي بين الرجل والمرأة مع مراعاة قوامة الرجل في جوانب معينة وأفضلية المرأة على الرجل انطلاقا من خصوصيتها كأم، وهذا الموقف متقدم كثيرا على ما كان سائدا قبل الإسلام، ولم يعمل المسلمون به، ولم يكرسوه على أرض الواقع إلا نادرا. بل إن التشريعات نفسها تكرس أفضلية الرجل على المرأة، أما العادات والتقاليد والأعراف فهي امتداد لما كان سائدا في العصرالجاهلي ولا عبرة فيه بما ورد في الكتاب والسنة.
3 ) وعلى المستوى القانوني نجد تكريس دونية المرأة، سواء تعلق الأمر بقانون العقود والالتزامات، أو القانون الجنائي أو قانون الأحوال الشخصية. فالمرأة حسب النصوص القانونية المختلفة هي دون مستوى الرجل. لا تقبل شهادتها بمفردها، ولا تزوج نفسها، بل لا بد لها من ولي، وترشيدها لا يتساوى مع ترشيد الرجل.
وهذه الدونية القانونية ناتجة عن كون القوانين غير متلائمة مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. وخاصة الميثاق المتعلق بإلغاء كل أشكال التمييز ضد المرأة، سواء كان هذا التمييز اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياسيا، ولذلك فملاءمة القوانين المعمول بها بما فيها قانون الأحوال الشخصية مع المواثيق الدولية أصبح ضروريا من أجل أن يكون موقف القانون من المرأة غير مجحف لها وضامن لحفظ كرامتها.
4 ) وفيما يخص الموقف مع المرأة، فإن ذلك يختلف باختلاف الطبقات المكونة للشعب. فالطبقة الإقطاعية أو شبهها، تتعامل معها ككائن معزول عن المجتمع خاص بمتعة الإقطاعيين. والقيام بوظيفتي الإنجاب، والاعتناء بتربية الأبناء. والطبقة البورجوازية تعتبر المرأة حرة تفعل بنفسها ما تشاء بما في ذلك بيعها جسدها، وفي حالة الزواج بها فهي متعة وتحفة تظهر إلى جانبه أمام البورجوازيين يتباهى بجمالها ويتوسل بها عقد الصفقات المربحة بما فيها قضاء المآرب في مختلف الإدارات. والطبقة البورجوازية الصغرى تتأرجح بين اعتبارها كائنا يجب أن يكون معزولا عن المجتمع، وبين أن تفعل بنفسها ما تشاء، وأن تكون متعة للرجل، وزينة إلى جانبه أمام الناس أما بالنسبة للكادحين فالمرأة ند الرجل تشاركه في العمل في الحقل وفي المشغل، وتساهم بشكل فعال في بناء الأسرة وتعمل إلى جانب الرجل على تربية الأبناء، وتعتبر هي المسؤولة الأولى عن الأسرة.
وهذا الاختلاف في الرأي، وفي التصورات لا يلغي دونية المرأة على أنها مساوية للرجل على المستوى الاجتماعي. أما على المستوى الاقتصادي فإن نتيجة عمل المرأة غالبا ما يؤول إلى الرجل بسبب انتشار الأمية في صفوفها، وبحكم العادات والتقاليد والأعراف التي تجعل الرجل في مستوى تحمل المسؤولية، وتتعامل مع المرأة باحتقار.
ولذلك فموقف المجتمع من المرأة يبقى رهينا ب:
1 ) مستوى تطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي، لأن أي تطور حصل فيه لا بد أن ينعكس على الرؤيا والموقف.
2 ) مستوى الوعي السائد فيه فإذا كان الوعي زائفا يكون الموقف من المرأة سلبيا، أما إذا كان حقيقيا، فيكون هذا الموقف إيجابيا، والمجتمعات البشرية غالبا ما تكون محكومة بالوعي الزائف، ولذلك يكون موقفها من المرأة زائفا أيضا.
3 ) مستوى أخلاق المعاملة السائدة التي يطبعها احتقار المرأة وإهانتها في الأماكن العامة، وفي الممارسة وفي الجامعة، وفي أماكن العمل، وهي أخلاق أصبحت مترسخة في سلوك الناس، ولا يوجد قانون يجرمها ولا توجد شرطة آداب تراقبها، وتضبط ممارستها وتعمل على زجرها.
4 ) الوعي الزائف الذي يحكم ممارسة المرأة وعقليتها، ونظرتها للمرأة المتسمة بالدونية، كما تؤكد ذلك كل وقائع الحياة اليومية ابتداء بقبولها اعتبار جسدها عورة، وانتهاء بسقوطها في الممارسات المنحطة.
ولذلك فموقف المجتمع من المرأة يستند بالدرجة الأولى إلى ممارسة المرأة نفسها، وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار، للتخطيط في إعادة صياغة وعي المرأة حتى ترقى بنفسها إلى مستوى فرض احترامها.
يتبع.......... قضية المرأة / قضية الإنسان4
واقرأ أيضًا:
حجاب المسلمة، وجهةُ نظرٍ طبنفسية / مقاييس باربي في الميزان / استعباد النساء Subjugating Women / زينة المرأة والصحة النفسية