مرض باركنسون والصحة النفسية Parkinson Disease & Mental Health
هناك أعراض لا تخفى على أي عامل في الصحة العامة والنفسية ترتبط بمصطلح باركنسون وهي:
٠ رعشة اليد أثناء الراحة
٠ صمل عضلي
٠ بطء وصعوبة في المشي والتوازن
إذا كانت هذه الأعراض نتيجة استعمال عقاقير مضادة للذهان التي تؤدي إلى منع فعالية الناقل الكيمائي المعروف الدوبامين فسيتم استعمال مصطلح متلازمة باركنسون أما إذا كانت هذه الأعراض نتيجة عدم إنتاج الناقل من خلايا المادة السوداء Substantia Nigra في الدماغ فمصطلح مرض باركنسون هو الأدق.
علاج المتلازمة يستجيب لأقراص مضاد الفعل الكوليني مثل البروسايكلدين Procyclidine ومن ثم خفض جرعة العقاقير المضادة للذهان أما المرض نفسه فهو بحاجة لعقاقير تزيد من إنتاج الدوبامين في الدماغ. الخطوة الأولى هي من اختصاص الطبيب النفسي أما الثانية فهي من اختصاص فريق مختص بعلاج هذا المرض.
في العيادة النفسية
يصل المريض المصاب بمرض الباركنسون أحيانا إلى عيادة الطب النفسي العام قبل ذهابه إلى أخصائي الجملة العصبية. الحالة المثالية هي دوما لرجل تجاوز العقد الخامس من العمر ويشكو من أعراض اكتئاب وقلق طفيفة إلى حد ما ولا يصاحبها عملية ذهانية. لا توجد علامات واضحة لمرض الباركنسون واستجابة المريض لعلاج القلق والاكتئاب لا بأس بها ولكن قلما تكون كاملة. يلاحظ الطبيب بعد فترة بأن تعابير الوجه لا تخلو من الغرابة وقلما تعكس عاطفة المريض وهذا ما نسميه في أعراض باركنسون بالوجه الملثم أو المقنع Masked Face وبعد ذلك يحصل الشك بوجود هذا المرض ويتم تحويل المريض إلى أخصائي الجملة العصبية لعلاج المرض.
هذه الظاهرة ليست بغير المعروفة في الطب النفسي العام ويجب على كل طبيب نفسي أن يفحص الجهاز العصبي لكل مريض ولو مرة واحدة كل ستة أشهر.
دون ذلك فإن الشكوى من القلق والاكتئاب أكثر انتشارا في المرضى المصابين بمرض الباركنسون لأسباب عدة منها اجتماعية ووراثية وتأثير المرض على أداء الفرد وميله إلى العزلة بسبب علامات المرض الواضحة. يتم علاج المريض من قبل أخصائي الجملة العصبية ونادرا ما يستعين بالطب النفسي.
ارتباط المرض بنوبات ذهانية سببه علاج مرض الباركنسون والخرف نادر إلى حد ما ولكن هناك نوعا من أنواع السبه (أو الخرف Dementia) المعروف بسبه أجسام لوي Lewy Body Dementia يعرف بوجود أعراض متلازمة باركنسون ولكنه لا علاقة له بالمرض نفسه.
ما لا يقل عن ثلث المرضى تشعر بالحاجة إلى إخفاء أعراض المرض أو حتى الكذب على الآخرين بإصابتهم به.
في عيادة الجملة العصبية
مرض الباركنسون يصيب واحد من كل 500 إنسان. تشخيصه يتم من خلال الفحص العيادي ولا توجد تحاليل أو فحوص طبية خاصة به. لا يوجد علاج شافي لهذا المرض ولكن العقاقير تساعد على تقليل الأعراض وتساعد المرضى على الحفاظ على جودة حياتهم. لكن العقاقير أيضا لها أعراضها الجانبية وخاصة على المدى البعيد.
تكثر ملاحظة الاكتئاب العيادي في المرضى المصابين بمرض الباركنسون وما لا يقل عن 15 % منهم يتعاطون عقاقير مضادة للاكتئاب في بداية تشخيصهم وترتفع هذه النسبة إلى 25% بعد ذلك. ولكن الدارسات الميدانية تكشف أيضا بأن ما لا يقل عن 70% من المرضى المصابين بالاكتئاب مع مرض الباركنسون لا يتعاطون عقارا مضاد للاكتئاب. لذلك فإن دور الطب النفسي في علاج مرض الباركنسون له أهميته ولا يمكن الاستغناء عن التشاور بين فريق الجملة العصبية والطب النفسي في تقييم الحالات.
التمارين الرياضية بأنواعها والتي يتم تقديمها في الأقسام الخاصة بهذا المرض تساعد على منع فقدان الدوبامين وهذه حقيقة تستند على تجارب علمية في الحيوان وملاحظة تحسن الأداء الحركي للمرضى.
القاعدة الأساسية للعلاج هي استعمال الليفو دوبا Levodopa ومن أجل ضمان وصوله إلى الدماغ يتم خلطه مع مادة كيمائية أخرى. متى ما وصل إلى الدماغ تحول إلى دوبامين. يحسن العقار الأعراض الحركية ولكنه يفقد مفعوله تدريجيا. يشكو بعض المرضى من التقيؤ بسببه ونقص ضغط الدم الانتصابي وحركات لا إرادية وأحيانا الهلوسة البصرية. من أعراضه الجانبية المزعجة مع طول الاستعمال هو التحول المتقطع من فعالية إلى دون فعالية وهذه تنذر دوما بمرحلة متقدمة للمرض وضعف فعالية العقاقير. يتم الاستعانة بمضخة تطلق عقار الليفو دوبا عن طريق جدار البطن ولكن هذه الطريقة غير متوفرة في جميع المراكز الطبية.
ألغاز الاضطراب
رغم وجود بحوث علمية عدة حول التفاعلات الكيمائية في خلايا الدماغ التي تصاحب المرض ولكن الحقيقة الوحيدة التي لا غبار عليها بأن الخلايا العصبية التي تساعد على الحركة وتنظيمها تفتقد إلى الدوبامين. حين وصف جيمس باركنسون المرض في عام 1817 لاحظ بأن المصابين به أكثر عرضة من غيرهم للمعاناة من الإمساك وأن ظاهرة نقص الدوبامين ربما تشمل خلايا عصبية خارج الدماغ ومنها تلك التي في الأمعاء كما اقترح ذلك فريق ياباني في بداية هذه الألفية إذ استنتج بأن المعاناة من الإمساك الذي لا يستجيب للعلاج قد ينذر أحيانا بالإصابة بمرض باركنسون في المستقبل. هناك عدة أعراض تنذر باحتمال وجود هذا المرض كما هو موضح أدناه ولابد من علاج عيادي للجهاز العصبي لكل مريض يشكو منها.
الكثير من المرضى يمضون في حياتهم مع العلاج الطبيعي والعقاقير ولكن في الأقلية منهم تزداد شدة الحركات اللاإرادية ويتم تقييمهم لتداخل جراحي للحصول على تنبيه الدماغ العميق1 عن طريق جهاز ناظمة عصبية. هذا العلاج لا يقتصر على مرض الباركنسون ويُستعمل لمختلف الاضطرابات العصبية التي تكون الحركات اللاإرادية أحد أعرضها. التداخل الجراحي لا يعني الشفاء ويتم اختيار المرضى بعناية مع أداء وظيفي جيد وفي عدم وجود أعراض معرفية وعاطفية.
أما المستقبل فهو زرع خلايا جذعية جنينية2 في منطقة الخلايا السوداء والتي بإمكانها إنتاج الدوبامين بعد نفاذه في هذه المنطقة. ستبدأ التجارب السريرية لإجراء هذا النوع من العلاج في 2017 وهو بلا شك السبيل الوحيد للحصول على الشفاء بدلا من السيطرة على الأعراض.
المصادر:
1- Okun M (2012). Deep-Brain Stimulation for Parkinson’s Disease. The New England Journal of Medicine. 3671529-1537.
2- Soldner F, Hockemeyer D, Beard C, Gao Q, Bell G, Cook E, Hargus G, Blak A, Cooper O, Mitalipova M, Isacson Om Jaensch R (2009). Parkinson’ s disease patient- derived induced pluripotent stem cells free of viral reprogramming factors. Cell 136: 964-977.