"لو ما نمتش هاجيبلك العفريت" ... "لو ما سكتش هاخلي الدكتور يعطيك حقنه" ... "لو ما أكلتش هاسيبك لوحدك وامشي" ... "لو ضربت أختك هاجيبلك أمنا الغوله" .... "لو ما سمعتش الكلام هاجيبلك أبورجل مسلوخه ياكلك".
هكذا تربينا صغارا على عدد من الفزّاعات كان يظن الآباء والأمهات الطيبون أنها تؤدي وظيفة تكيّفية أو تأديبية أو عقابية، وتسهل لهم السيطرة والتحكم والإذعان من طفل مشاغب أو عنيد أو كثير الأسئلة والحركة أو "معافر" أو فضولي. وفعلا كانت تنجح هذه الفزّاعات في جعل ذلك الطفل يتجمد خوفا وفزعا ويذعن ويسلم لهؤلاء الكبار الذين يملكون مفاتيح كل هذا الرعب الأسطوري، ولكن هذا الطفل كبر وكبرت معه مخاوفه فأصبح يرتعد من الظلام ومن الحشرات ومن الحيوانات ومن الطيور ومن الأماكن المرتفعة والأماكن المنخفضة والأماكن المغلقة والأماكن المفتوحة ومن أي تجربة جديدة ومن المستقبل ومن الغرباء ومن كل شيء.
هذا الطفل حين كبر كان كل همه أن يكون آمنا على نفسه وحياته وحياة أقربائه، ولم يعد صالحا أو قادرا على الحركة خارج إطار البيت ولم يعد لديه فضول للمعرفة والاستكشاف ولم تعد لديه الشجاعة للمغامرة واجتياز الحواجز وسبر أغوار المجهول، لا يستطيع التوغل في غابة أو صعود جبل أو الدخول في كهف أو استكشاف منجم أو مقبرة أثرية أو ركوب بحر أو التحليق في طائرة أو صاروخ أو معرفة كائنات غريبة صغيرة كانت أو كبيرة، فالخوف لديه هو سيد الموقف وهو المحرك لحياته وحركته.
وللكبار فزّاعاتهم أيضا فهم يخافون بطش السلطة ويخافون من المستقبل ويخافون من المجهول ويخافون من الإخوان ويخافون من الإرهاب ويخافون من مصير ليبيا وسوريا والعراق واليمن ويخافون من الانهيار السياسي أو الاقتصادي ويخافون من ضياع الدولة ويخافون سقوط الجنيه أمام الدولار.
وحين يخاف الإنسان تقل طموحاته وتتقلص احتياجاته إذ يتشبث فقط باحتياجات البقاء (الطعام والشراب والمأوى والأمان) ويتنازل عن احتياجاته الأرقى (الحب والتقدير الاجتماعي وتحقيق الذالت والاحتياجات الروحية)، وتتوارى مطالباته بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهنا يسهل السيطرة على هذا الكيان الخائف المرتعد.
ولهذا تلجأ الأنظمة السلطوية إلى استخدام الفزاعات لتسهيل السيطرة على الناس ولضمان إذعانهم وارتمائهم في أحضان السلطة بحثا عن الأمان من الأخطار الداخلية والخارجية المحدقة، ولكن هذه الأنظمة دون أن تدري تدفع مواطنيها لأن يتوقفوا عن العمل وعن الحركة وعن المغامرة في الاستثمار وعن الإبداع وعن حل المشكلات، فالخائفون لا يقدرون على فعل شيء من ذلك، فنصبح أمام شعب خائف عاجز مقهور مستسلم لأي إيحاءات أو إغواءات.
والفزّاعات تعمل عن طريق تنشيط استجابات الخوف في جزء في المخ يسمى اللوزة (Amygdala) وهي المسؤولة عن استجابات الهرب أو الهجوم، ولهذا حين يتعرض الطفل صغيرا للفزّاعات التي يستخدمها أبواه لإسكاته والسيطرة عليه يصبح أكثر قابلية حين يكبر للفزّاعات التي تروج في الفضاء السياسي والاقتصادي والإعلامي فيستسلم ويخضع وأيضا يتجمد وتشل حركته، وهنا يسهل سحبه في أي اتجاه بحجة حمايته من الأخطار والأهوال المحدقة.
والفزّاعات يتناثر شررها خارج المحيط المحلي فتصيب السائح والمستثمر الخارجي بالرعب فيحجم عن القدوم، وهنا تتجمد السياحة ويتجمد الاستثمار كما تجمدّ المواطن خوفا وفزعا.
ولهذا عرف العقلاء أن الحياة تنمو وتزدهر في مناخات الأمان والحرية والصدق والطمأنينة والشفافية والحب والمساواة والعدل، وتلك هي أخلاق النمو والازدهار.
واقرأ أيضًا:
سيكولوجية الثورة / ما وراء زلة اللسان / لديهم وزارة السعادة .. ولدينا سعادة الوزير 2016 / الحواتمية بين الاصطباحة والاستباحة