الوساوس المقصودة هنا هي الوساوس القهرية المرضية، وكل واحد منها يمكن أن يعبر بوعي أي من المسلمين أثناء أداء عباداته الدينية، إلا أن الأمر بالنسبة له يكون يسيرًا عابرًا لا يكاد يؤثر في عبادته، وغالبًا لا يدفعه لفعل قهري، على عكس ما يكون الأمر مع مرضى الوسواس القهري الذين يستجيبون للوساوس استجابة جدية مشحونة بالمشاعر، ويأخذون احتياطات ويضعون اشتراطات تكتنف مساحات متزايدة من فعالياتهم اليومية إلى الحد الذي يجعل العبادات ثقيلة على النفس حتى يصبح الاستمرار في أدائها صعبا وربما ينقطع عنها المريض في آخر المطاف، إذا بقي دون علاج.
تختلف حالات الوسواس القهري الديني عن حالات الوسواس القهري الأخرى في ما يلي:
- يكون المريض في كثير من الأحوال أقل استبصارا وأشد تمسكا بقناعاته، فلا يشعر بعدم منطقية أفكاره ولا بكونها مقتحمة ولا غير مناسبة إلا نادرا.
- يشيع التفكير السحري خاصة قاعدة الانتشار اللامحدود فيما يتعلق بالنجاسة والجنابة والمال الحرام.
- لا تستجيب استجابة كافية لطرق العلاج الناجحة المعتادة.
- لا يوجد ارتباط قوي بين درجات المريض على مقاييس التعمق أو التورع المرضي ومقاييس الوسواس القهري
- يمكن أن نجد نفس أعراض الوسواس القهري الديني لكنها متماشية مع الذات في حالات الشخصية القسرية.
كان ملفتا للنظر أنه رغم شيوع الوساوس والقهور ذات المحتوى الديني وبلوغها نسبة تقارب ثلثي وساوس وقهور مرضى اضطراب الوسواس القهري في البلاد العربية والإسلامية إلا أنه لا توجد محاولة واحدة في الدراسات المنشورة لتصنيف تلك الوساوس والقهوررات، رغم أهمية ذلك التصنيف لأجل منهجية البحث ولأجل العلاج المعرفي السلوكي اللازم، كما يلاحظ القارئ المتفحص للدراسات التي أجريت على مرضى الوسواس القهري العرب والمسلمين فيما يتعلق بطرق وأدوات البحث وبالطريقة التي تصنف بها الوساوس أو القهور إلى دينية أو غير دينية خلطا كبيرا ويجد في نفسه تساؤلات عدة، وربما كانت الدراسة الوحيدة في المنشور الذي استطعت الحصول عليه والتي بدت فيها محاولة لفهم وتصنيف الوساوس الدينية هي الدراسة الباكستانية (Nazar et al.,2011) والمعنونة: معدل تكرار الموضوعات الدينية في اضطراب الوسواس القهري وفيها نجد تعريفات إجرائية مثل أن:
- طقوس التكرار المتعلقة بعدد ركعات الصلاة تسمى طقوس تكرار دينية
- الوساوس في إحسان الوضوء تسمى طقوس غسيل دينية.
• كما يذكر أن:
- وساوس المعتقد الديني قد تتعلق بالإيمان بوحدانية الله أو الإيمان بوجود الله أو التساؤل هل أنا مسلم أم كافر؟
- "في هذه الدراسة تم تفريق قهور التنظيف من التلوث من قهور الغسيل الدينية”.
وهذه الدراسة وإن كانت رائدة في مجال الأبحاث المنشورة باللغة الإنجليزية إلا أنها لا تجيب على أسئلة بدائية جدا مثل أين يا ترى صنفت وساوس وقهور الاستنجاء هل مع تلك المتعلقة بالوضوء أم تلك المتعلقة بالغسل؟ وأين صنفت وساوس الطلاق وأين صنفت وساوس الصيام؟
- وإنني أجد أن مفهوم النظافة ليس مقابلا ببساطة لمفهوم التطهر، ولا تصح المقابلة بينهما ولكي أوضح ذلك أضرب المثل بمن يوسوس في الوضوء فيبقى يغسل العضو ثم يعيد غسله عندما يُنظر إليه بعين غربية فإنه يرى تكرارا للغسيل سببه الشعور باتساخ العضو وعدم كفاية غسله بما يدفع للتكرار ويصبح تصنيفه مع وساوس الغسيل والتنظيف مبررا، وعندما ينظر إليه بعين متسرعة فإنه يُرى تكرارا للغسيل سببه الشعور بنجاسة العضو وعدم الشعور بكفاية تطهيره ويبرر ذلك أيضًا تصنيفه مع وساوس الغسيل والتنظيف، ولكن الحقيقة أنه لا هذا ولا ذاك فالمتوضأ لا يغسل لا قذارة ولا نجاسة وإنما يهيئ نفسه للصلاة أو لقراءة القرآن ويشعر أن ذلك التهيؤ لم يكتمل....
ترجع أهمية تصنيف الوساوس والقهور الدينية لعدة أسباب:
1- تيسير دراستها وفهمها.
2- تحديد القواعد الفقهية العامة والأحكام الخاصة ببنود الأشكال المختلفة للوساوس الدينية،
3- تيسير مهمة المعالج المعرفي السلوكي ليبحث في الفقه الإسلامي عما يريد.
4- تيسير مهمة دارس الفقه إذا أراد التخصص في مساعدة مرضى الوسواس، وتيسير اكتشاف الموسوس من سؤاله الفقهي.
الطريقة التي تصنف بها الوساوس دينية المحتوى ما تزال بحاجة إلى تصنيف أقرب للواقع المعرفي السلوكي للمرضى
وأعرض لكم بعضا من نتائج دراسة مبدئية قمت بها خلال خمس سنوات (2005-2010) على عدد 788 مريضا مصريا بالوسواس القهري اخترنا منهم من كانت الوساوس الدينية تمثل الأعراض الحالية الوحيدة أو الأساسية في حالاتهم فكان عددهم 530 مريضًا أي 67.2% وقمنا بدراسة المحتوى الديني لوساوسهم، من خلال مقياس أعراض الوسواس القهري (أبو هندي ومؤمن، 2005)
% | عدد (530)* | محتوى الوسوسة |
44.9 | 238 | التشكك في المعتقد (وجود الله، الغيبيات، والشبهات..إلخ) |
10.9 | 58 | التجديف (سب المقدسات) |
28.9 | 153 | الشك في إحسان الوضوء |
19.8 | 105 | المبالغة في الاستنجاء |
36.4 | 193 | الشك في خروج ريح |
36.4 | 193 | الشك في خروج نقطة بول أو مذي |
10.9 | 58 | تغيير الملابس الداخلية > مرة يوميا |
20.4 | 110 | المبالغة في الغسل |
36.4 | 193 | الشك في النية |
35.1 | 186 | تكرار تكبيرة الإحرام |
23.6 | 125 | تكرار أو بطء القراءة في الصلاة |
70 | 371 | الشك في عدد الركعات أو السجدات |
10.9 | 58 | الشك في اتجاه القبلة |
10.7 | 57 | الشك في وقوع الطلاق |
23.96 | 127 | الشك في إفساد الصيام |
56.8 | 301 | وساوس وقهور دينية أخرى |
وبعد ستة سنوات من تلك الدراسة سنقدم اليوم محاولة تصنيف مقترحة نراها أنضج لكنها ما تزال تحتاج إلى التفنيد والتحقق من قبل الباحثين وتشمل الوساوس والقهور الدينية:
أولا: وساوس العبادات (التطهر والصلاة والصيام)
1- وساوس وقهور ما قبل العبادة "التهيؤ للعبادة"
2- وساوس وقهور البدايات "بداية العبادة"
3- وساوس وقهور أداء العبادات
4- وساوس وقهور المبطلات
ثانيا : وساوس وقهور العقيدة والأحكام (الكفر والشرك والحرام..إلخ) أو الوساوس التعمقية
1- التعمق في التحاشي
2- التعمق في السؤال
3- التعمق في الإحسان.
ثالثا: وساوس المعاملات وأخرى متنوعة مثلا:
1- وساوس السب والتجديف.
2- وسواس الطلاق،
3- وسواس العين والحسد
4- وسواس الأيمان،
5- وسواس تكرار التسمية - وسواس تكرار البسملة قبل وأثناء الأكل.
المراجع :
1- وائل أبو هندي، وداليا مؤمن (2006) : إعداد مقياس لأعراض اضطراب الوسواس القهري، مجلة دراسات نفسية مجلد 16 عدد 3، ص: 475-524.
2- Nazar Z., Mukhtar ul Haq M. & Idrees M. (2011): frequency of religious themes in obsessive compulsive disorder. JPMI 2011 Vol. 25 No. 1 : 35 – 39
ويتبع >>>>>>>>: أعراض الوسواس القهري الدينية في المسلمين: تصنيف مقترح2
واقرأ أيضًا:
لماذا الوسواس القهري أسباب الوسوسة القهرية4/ منهج الفقهاء في التعامل مع الوسواس القهري (11)
التعليق: هل هذا يعني أنه لايوجد علاج لعدم تصنيف الوساوس الدينية؟ أقصد أنه لم يدرس كيفية التعامل مع المريض بهذا النوع ؟
وهل الوساوس الدينية سهلة العلاج خصوصاً إذا كانت بالإعتقاد بوجود الله ؟ من غير أدوية أقصد بالعلاج المعرفي السلوكي؟