تتسأل وأنت تقرأ في هذا العنوان من هم هؤلاء الموهومين؟ ومن ذاك المبتلى بالوهم؟ ورغم اختصاصي في العلاج النفسي، فما قصدت بهذا العنوان المرضى الذين يعانون من التوهم، بل قصدت الموهومين وهم أصحاء بحسب معايير الصحة النفسية ومعايير الاضطرابات النفسية. الموهوبون هنا من قد قادتهم معرفتهم وتأسيسهم المعرفي لتقبل الوهم، وتبنيه، بل ونشره بين الناس على أنه الوصفة النهائية، والحقيقة الخفية، والأسرار الوفية عن النفس البشرية، ومفاتيح سعادتها، وأساليب تضخيم قوتها، ووسائل رفع قدرها وقدرتها، فيا قارئ السطور تروى واسمع، ثم انظر بعين الباحث عن الحقيقة، والمتجرد لفهم الحق، ومن يوازن عقله وعاطفته، لتكون أحكامه دقيقة، وبصيرته ثاقبة، وأخلاقه أنيقة لتقبل بعض التوجيهات المؤسسة على الفهم العلمي النفسي القويم.
(٤) العلم أوسع من نموذج صغير ليفسر ظاهرة كبرى، فإن كنت متخصصاً في أي اختصاص، فستكون قد تعلمت بأن الحالة الواحدة لها عشرات الافتراضات، والنماذج والنظريات التي تفسرها، وهنالك من بحث في إثباتها أو نفيها، وكلها تقوم على مبادئ البحث العلمي، فأين الأبحاث العلمية الخاصة ببعض ما يقوله مدربوا "التنمية البشرية" حول النماذج التي يقولون أنها نفسية؟ وإن كان بعضهم يقول أنه أخذ ذلك من النظريات النفسية فقد أصبح ذلك من علم النفس، فلماذا يصرون على أنه من "التنمية البشرية".
(٧) صاحب الحاجة....يتعلق بقشة، وصاحب الخدعة يبيع القشة، وقيل قديماً "القشة التي قصمت ظهر البعير" فما تعلق به صاحب الحاجة قد يقصم ظهره، حين يكون بائع الأوهام ملجئه، فمعظم الباحثين عن السعادة أصبحوا كمن يسأل أخصائي في الميكانيكا أن يقوم بعمل عملية جراحية للقلب لطفل مريض، وإلا فلماذا لا يتخصص في بيع الوهم إلا خريجو تخصصات غير الاختصاص النفسي، وإن كان بائع الوهم قد تخصص في علم النفس فستجده غير متمكن من العلم، فلاذ للفلسفة فيه.
(٩) يقولون لك / فكر كما تريد لتحصل على ما تريد.
وأقول لك : تفكير بلا فعل منظم عبارة عن أحلام يقظة، وحتى لو وضعت خطة وفعلت، يبقى محيطٌ من الواقع حولك بما يحويه من أناس وحقائق ومعيقات، فأنت لا تحكم الواقع ولا تتحكم فيه، أنت في الحقيقة تحاول أن تحسن واقعك ضمن المتاح إضافة للصبر عليه واقتناص المناسب من الفرص المتاحة وتوظيف الممكن.
(١٠) يقولون لك / أنت ملك نفسك.
وأقول لك : أنت ضمن منظومة اجتماعية تشكل مرجعاً هاماً لقبولك فيها وتقبلك لمعاييرها، تحاول التغيير الأفضل، مع فهم المحيط ومراعاة المنطق العام.
(١١) يقولون لك / أنت تصنع قدرك.
وأقول لك: أنت تختار، وقدر الله يمضي مهما كان اختيارك، وأنت لم تختر مولدك وأسرتك، لكنك اخترت على قدر ما أعطاك الله، إذاً إذا كنت مختاراً بالمطلق فأرني كيف ستختار أولادك! أوليسوا قدراً أيضاً.
(١٢) يقولون لك / أطلق العملاق فيك.
وأقول لك: أطلق عملاق الوهم وتضخيم النفس وقدراتها من عقلك، فالنفس لها غاية من خلقها، وتفهم ذلك من ديننا الحنيف، فلماذا تراها تحمل ما لا يناسب غايتها؟ ولماذا تظن أنك يجب أن تكون عملاقاً، ومشهوراً، وقوياً، ومتمكناً؟
(١٣)يقولون لك / اجذب ما تريد.
وأقول لك : أنت الذي تنجذب للأشياء لأنك حين تريدها تصبح هدفاً لك، فتغدو في حيز انتباهك واهتمامك وأولوياتك، فتشغل فكرك مما يدفعك لتخطط وتسعى، فيرتفع احتمال وصولك إليها أنت، أما هي فلا تصل لك ولا تنجذب إليك.
(١٤) يقولون لك / قصص النجاح.
وأقول لك: ما بال قصص النجاح تتحدث عندهم عن تحقيق مكاسب مادية؟ فهل العائد المادي هو مقياس النجاح والعملاق الذي في داخلك كما يزعمون؟ أين قصص شفاء مرضى دامهم يقولون أن ما يفعلوه علاج؟ وأين قصص الأسرة المتحابة دامهم يقولون أنه تربية ؟
قصة نجاح الإنسان فينا غير محصورة بالمال والاغراض والشركات، وهذا احدهم وهو (ديل كرنيجي ) بعد كل كتب القوة والسعادة مات منتحراً، فلماذا لم ينفعه ما علم الناس عليه؟ ام تراها مثاليات وافتراضات وتوقعات بعيدةً كل البعد عن حقيقة حياة البشر، وطبيعة النفس البشرية التي *وصفوها كما يريدون لكنها تبقى كما هي في جوهرها*، والوصفة السحرية التي يدعونها قد تنقلب عليها، فكم ممن حضَّر ترياقاً، ولكن لما كان غير متخصصٍ في صناعة الترياق، أنتج سماً من حيث لا يدري، قالوا: أن كنت لا تدري فتلك مصيبة، وان كنت تدري فالمصيبة أعظم.
واقرأ أيضأً:
العبث بالعقل: الحلقة12 / صناعة الهدر / شهر رمضان والعادات السلوكية3 / نحمل في داخلنا: (١) الحاجة إلى الانتماء